Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجاسوسة جيزيلا آشلي... حيرت بريطانيا وألمانيا النازية (2-2)

عانت ضيق العيش نتيجة شكوك البلدين في ولائها وتجنب تكليفها بالمهام

الاستخبارات البريطانية سمحت مؤخرا بنشر مئات الوثائق السرية التي تتعلق بنشاطها في القرن الماضي (رويترز) 

ملخص

في الجزء الثاني من البحث في الملف المرمز بـ((KV 2/4659 والعائد إلى جهاز "أم آي 5" في المملكة المتحدة، نتعرف على تفاصيل معقدة حول أنشطة استخباراتية خلال الحرب العالمية الثانية، أبطالها بصورة رئيسة الكابتن البحري الألماني كورت بيستهورن والجاسوسة البريطانية من أصل ألماني جيزيلا آشلي.

ولد الكابتن البحري الألماني كورت بيستهورن عام 1902 في هامبورغ، وخدم لأعوام عدة في جزر الهند الشرقية الهولندية قبل أن يعود إلى ألمانيا عام 1935، ثم أرسل إلى لاهاي خلال يوليو (تموز) 1939 كمساعد للملحق البحري، إذ قام بتنظيم عمليات استخباراتية وتجنيد عملاء لمصلحة بلاده فأثارت أنشطته اهتمام الاستخبارات البريطانية، التي حاولت جمع معلومات عنه وتقييم ولاء الأفراد المحيطين به، بما في ذلك جيزيلا آشلي.

جيزيلا آشلي كانت تحت مراقبة دقيقة من سلطات بريطانيا بسبب ارتباطها الوثيق ببيستهورن وسكرتيرته السيدة فورتمان، وأشارت الوثائق الألمانية إلى عدم وجود سجل سابق عنها، لكن اشتُبه بزوجها السابق بسبب زياراته المتكررة إلى مناطق استراتيجية مثل ويسترلاند وكوكسهافن وهامبورغ، مما أثار الشكوك حول احتمال تورطه في أنشطة تجسس لمصلحة الاستخبارات البريطانية.

رأى جهاز الاستخبارات الألماني "أبفير" أن آشلي مناسبة لمهام خاصة شريطة التأكد من أنها لم تعد على اتصال بزوجها السابق، وكشفت الوثائق أن بيستهورن رغب في توظيف آشلي كسكرتيرة في مكتبه، وهو ما أثار اهتمام السلطات البريطانية التي رأت في ذلك فرصة محتملة للحصول على معلومات استخباراتية مهمة.

آشلي قامت برحلتين منفصلتين إلى لاهاي عام 1939، إذ استغلت علاقتها بسكرتيرة بيستهورن للحصول على معلومات، وخلال هذه الزيارات أبدى بيستهورن اهتماماً بتوظيفها وأرسل تفاصيلها الشخصية إلى برلين للنظر في إمكانية ضمها رسمياً إلى جهاز الاستخبارات الألماني، ومع ذلك أشارت الوثائق البريطانية إلى أن آشلي أخبرت السلطات البريطانية بأنها لم تعتقد أن بيستهورن كان يفكر فيها كعميلة استخباراتية لكنها قلقة من أن الوضع قد يتغير إذا قبلت العمل معه بصورة دائمة.

خلال فبراير (شباط) 1940 عادت آشلي إلى إنجلترا، لكن وثيقة ألمانية أشارت إلى أنها كانت تدار من بلجيكا أثار تساؤلات حول ولائها الحقيقي، وطلبت السلطات البريطانية تفسيراً واضحاً من آشلي حول هذه النقطة خصوصاً بالنظر إلى رسالة ألمانية ذكرت أن عودتها إلى إنجلترا كانت بهدف إعدادها لمهام جديدة.

من جانب آخر، أبدت آشلي قلقاً في شأن وضعها المالي وقنوات الاتصال السرية التي كانت تعتمد عليها للتواصل مع السلطات البريطانية، فقامت لندن بتوفير الدعم المالي لها وتسهيل عملية إرسال رسائلها، مما يعكس الرغبة في الاستفادة من موقعها وعلاقاتها.

الوثيقة تكشف أيضاً عن الجهود التي بذلت لتوظيف آشلي في أنشطة استخباراتية ضد ألمانيا، ولكن السلطات البريطانية كانت حذرة من احتمال أن تصبح آشلي عميلاً مزدوجاً، وتشير الوثيقة إلى أن آشلي أعربت عن استعدادها للتعاون مع البريطانيين، لكنها طلبت ضمانات بأن تُدعم مالياً وتوفير قنوات اتصال آمنة لها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معلومات شاملة

الوثيقة المؤرخة في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 1939 تقدم تقريراً استخباراتياً شاملاً عن الأنشطة المتعلقة بالحرب العالمية الثانية في لاهاي وهولندا بصورة عامة، إذ تتداخل الأدوار الاستخباراتية مع الديناميكيات الشخصية والسياسية، وتعكس الوثيقة الواقع المعقد لشبكات التجسس الألمانية وتحركاتها خلال تلك الفترة.

وتشير الوثيقة إلى أن بيستهورن بالتعاون مع الأدميرال هينتزمان زار بروكسل من الـ23 إلى الـ26 أكتوبر1939، مما يشير إلى أهمية وجودهم هناك في تقديم الأدميرال. ولا تذكر تفاصيل هذه المهمة، لكنها تسلط الضوء على التحركات الدبلوماسية والعسكرية للألمان خلال ذلك الوقت.

يوم الـ24 من أكتوبر1939 التقت ليلي فورتمان في روتردام مع كابتن وينتر وكيل شركة الشحن الألمانية "هاباج"، وخلال اللقاء ناقشا خطط شراء ناقلات صغيرة من "شيدام" والتحذير من شخص يدعى شولتز بيرنهارد، مما يشير إلى قلق محتمل في شأن نياته أو أفعاله.

وكُشف عن معلومات إضافية عندما قام شخص يدعى جابس بزيارة ليلي فورتمان، وُصف جابس بأنه شاب ذكي وطموح يعمل في لاهاي منذ شهرين، ويتعاون مع شولتز بيرنهارد. ويتركز عمله وزميله بورك الذي كان سكرتيراً سابقاً للقيصر داخل دورن في التنصت على الراديو، إذ يقومان بالتقاط تقارير الطقس الضرورية للطائرات الألمانية، إلا أن هذا الجهد يواجه صعوبات بسبب التشويش الروسي.

الوثيقة تذكر تفاصيل تقنية مثل سفر جابس إلى برلين لإصلاح جهاز يعتقد أنه راديو، مما يثير تساؤلات حول عدم إمكانية إصلاحه محلياً. وتشير الوثيقة إلى ارتباط جابس بمهام أخرى تشمل الحصول على التأشيرات ومساعدة الشرطة الألمانية في اعتقال شخص كانوا يلاحقونه لـ10 أعوام.

هناك تركيز خاص على تحركات السفن الألمانية، إذ تذكر الوثيقة اختراق السفن للحصار البريطاني عبر طرق شمالية، وتؤكد وصول نحو 48 سفينة إلى ألمانيا بما في ذلك بعض السفن القادمة من إسبانيا، مما يعكس نجاح الجهود اللوجيستية الألمانية.

الوثيقة تلفت الانتباه أيضاً إلى احتمال تقاعد جراف زيك ووصول شخصية جديدة، جيساندتر أسمان، الذي يقال إنه يدير الصحافة من مكتبه في المفوضية التشيكية السابقة، وتتناول إشاعة عن محاولة الألمان تقويض خط ماجينو.

 

صعوبات آشلي

ثمة رسالة شخصية كتبتها آشلي بتاريخ الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 1939 إلى شخص يُدعى دورثي، عبرت فيها عن قلقها في شأن وضعها المالي إذ لم تتلق أي أخبار من رئيسها في ما يخص عمله، وتطلب من دوروثي إرسال المال عبر البنك لأن وضعها المالي في خطر، وهي تناقش فرصة محتملة للعمل مع شركة "ستابلوند" مستفيدة من عرض رئيسها الأميركي، لكنها غير متأكدة من نجاح هذا الخيار.

وفي مقابلة أجريت معه عام 1948، أنكر بيستهورن أنه جند آشلي للعمل في الاستخبارات الألمانية، وأوضح أنها زارت لاهاي عام 1939 بمساعدة صديقتها ليلي وورتمن التي اقترحت توظيفها كسكرتيرة ثانية، إلا أن بيستهورن رفض ذلك لعدم وجود شواغر، وأشار إلى أن آشلي رفضت عروض العمل من برلين وشركات هولندية وعادت إلى إنجلترا بعد فترة قصيرة، وأفاد بأنه يعتقد أنها كتبت مقالات أثناء إقامتها في هولندا، لكنه لم يكن على علم بأي نشاط استخباراتي قامت به.

وتشير الوثائق بصورة عامة إلى الشكوك المستمرة حول ولاء آشلي، فكانت الرسائل المتبادلة بين برلين ولاهاي تؤكد مراقبتها من كثب للتحقق من صواب اختيارها كجهة اتصال استخباراتية، وعلى رغم ذلك لا توجد أدلة قاطعة على أن آشلي قبلت أية مهام مباشرة لمصلحة الاستخبارات الألمانية.

وفي ظل هذه الأدلة، يوصى بمطالبة U35 (الضابط المسؤول عنها) أو جيزيلا آشلي بتقديم تفسير صريح لتوضيح طبيعة علاقتها مع الاستخبارات الألمانية وأسباب رفضها عروض العمل في هولندا، إضافة إلى ذلك قد يكون من المفيد متابعة أية أدلة إضافية تشير إلى نشاطها خلال تلك الفترة، مثل المقالات التي يعتقد أنها كتبتها.

 

العودة والتصفية

خلال عام 1939 كتبت آشلي رسالة إلى صديقتها وورتمن لتخبرها بأنها عادت إلى لندن، ولكن هناك فرصة للعودة قريباً ربما إلى بروكسل أولاً ثم لاهاي، ليس تماماً كما خططت له إذ لا يزال الأمر على حاله ولا "يمكن للمتسولين أن يختاروا".

آشلي قالت لصديقتها إن هناك احتمالات أخرى إذا لم تنجح في العودة، فالرجل العجوز "الساحر" الذي أخبرتها عنه، اتصل بها بالفعل ودعاها للغداء وسيساعدها في الحصول على وظيفة أفضل إذا استطاع. لقد كتبت أيضاً إلى جيلبرت وسألته عما إذا كان لديه أية اقتراحات مشرقة ومقدمات محتملة.

تظهر المراسلات الرسمية المتعلقة بآشلي أيضاً أنها تعرضت لما يبدو تصفية إدارية وذلك بسبب الشكوك التي دارت حولها بسبب جذورها الألمانية. ويتضح من الوثائق أنها عانت العوز نتيجة البطالة مما دفعها للقيام بإجراءات إدارية مرتبطة ببطاقة التأمين، أي بدل البطالة. ووفقاً لما ورد فإن أشلي أعربت عن رغبتها في الحصول على تلك البطاقة لكنها كانت متخوفة من احتمالية مواجهة أسئلة محرجة تتعلق بوظيفتها السابقة، لذلك أخذت السلطات البريطانية خطوات للتواصل مع وزارة العمل وضمان تسهيل العملية دون إحراج لها. وتشير الوثائق إلى تحديثات لاحقة تخص حالتها، منها إزالتها من قائمة تعرف باسم "القائمة الخضراء المميزة" خلال ديسمبر (كانون الأول) 1947، إضافة إلى إصدار بطاقة تسجيل وطنية جديدة لها خلال يناير (كانون الثاني) 1948.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير