Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوريو الشتات بعد سقوط النظام عالقون بين الماضي والمستقبل

لم يعتادوا على الدولة إلا واسم الأسد مقترن بها. فكيف وقعت أخبار سوريا على من هم في الخارج؟

وقف المواطنون الموالون والمعارضون داخل سوريا وفي بلاد الشتات مذهولين أمام الواقع الذي تدحرج ككرة الثلج داخل سوريا (موقع بيكسلز)

ملخص

وقف المواطنون الموالون والمعارضون داخل سوريا وفي بلاد الشتات مذهولين أمام الواقع الذي تدحرج ككرة الثلج محاولين استيعاب ما يجري. يرون علم بلادهم القديم الأول عاد ليرفرف بعد أن كان حزب البعث قد بدله لعقود عدة. واليوم يجد السوريون أنفسهم أمام هاجس الحلم بتوجس دائم. فعلى رغم التطمينات لا يزال الرعب يقبع في الأرواح.

فكيف يقارب سوريو الشتات ما حصل في البلاد التي أنهكها حكم الحزب الواحد لعقود؟

في اليوم التالي، ومن دون أي تأخير، على توقف إطلاق النار في لبنان، وبين ليلة وضحاها حرفياً انقلبت سوريا رأساً على عقب. لم تصمد محافظة حلب شمالاً أكثر من يوم في وجه المعارضة بأسمائها المتعددة من الفصائل المسلحة ومنها هيئة "تحرير الشام". تلت حلب محافظة حماة بما تحمله الذاكرة الجماعية السورية من مجزرة عام 1982. وعلى مشارف حمص وقف المسلحون مطالبين بدخول المحافظة بسلام وتنحي بشار الأسد. فكان لهم ما أرادوا وبيوم ونصف حررت سوريا، ولجأ بشارها إلى العاصمة الروسية موسكو متأبطاً بلجوء "إنساني" تكرم به الدب الروسي بقرار منه له ولعائلته.

وقف المواطنون الموالون والمعارضون داخل سوريا وفي بلاد الشتات مذهولين أمام الواقع الذي تدحرج ككرة الثلج محاولين استيعاب ما يجري. يرون علم بلادهم القديم الأول عاد ليرفرف بعد أن كان حزب البعث قد بدله لعقود عدة. واليوم يجد السوريون أنفسهم أمام هاجس الحلم بتوجس دائم. فعلى رغم التطمينات لا يزال الرعب يقبع في الأرواح، ومع هذا يرددون "أعطنا فرحنا كفاف يومنا، وغداً سنفكر بالمصير".

فكيف يقارب سوريو الشتات ما حصل في البلاد التي أنهكها حكم الحزب الواحد لعقود؟

حرمنا أن نسقطه كما يليق بالثوار

تقول عنفوان حوري التي تركت حلب إلى الكويت، "أتت الصدمات متتالية علينا، من الحرب في لبنان، إلى ما حصل في حلب، نحن الناس الذين يعيشون بمبدأ ’الحيط الحيط ويا رب السترة’ نعيش أيامنا يوماً بيوم. فعند دخول المعارضة في بداية الهجوم إلى حلب كانوا يبدون أولاً أنهم إسلاميون متطرفون، خفت كثيراً وبكيت وتمنيت ألا يعود الكابوس الذي سبق وشهدناه من ذبح وتنكيل". وتضيف، "كنت خائفة من الانتقام والثأر والطائفية، ومن رد فعل النظام الذي لا يأبه للمدنيين في قصفه وردود فعله، والناس لم يخافوا من المعارضة المسلحة بل من قصف النظام عشوائياً، وعاد كابوس الـ13 عاماً، وكان إخوتي يوجدون في حلب".

"لم نعتد أن يكون هذا البلد من دون الأسد. وكان على كاهلنا دائماً موضوع إبادة إسرائيل، وهذا محض كذب، فحرب غزة أسقطت الأقنعة، والأسد لم يضرب طلقة ولا صاروخاً ولا تصريحاً لمساعدة القطاع"، تقول حوري التي أضافت بسؤال نفسها "فجأة سألت نفسي مما هذا الخوف؟ وماذا يمكن أن يحصل أسوأ مما حصل؟ فبشار لا يختلف عن الاحتلال فقد قام هو وجماعته بما فعله الاحتلال وأكثر من اغتصاب وتجويع وتدمير، وحول البلد إلى مزرعة بل إلى إسطبل... لن يأتي أسوأ مما كان، ونحتاج لأمل جديد وصفحة جديدة لكنني خائفة من كمية الوعي لدى الناس. ولكن ما حدث حتى الآن في حلب غير متوقع من وعي وتنظيم، لم نستطع تصديقها حتى الآن وأتمنى أن تكون بداية جديدة".

تختم "للمرة الأولى قادرة أن أحكي بالصوت العالي وباسمي الحقيقي، كنت أنتظر هذه اللحظة. كانت أمي التي رحلت منذ شهرين تخشى علي دوماً إن أكتب أي منشور وكنا نخاف... أنا الآن لا يزال لدي الخوف من الدول التي حولنا إن كانت ستدعنا بأمان ولا ثقة عندي أنهم سيدعوننا نحلم، لكن ليس لدينا سوى الأمل والحلم الآن".

10 أعوام لم تطأ قدماي سوريا

يصرخ أحمد الذي يعيش في لبنان منذ 12 عاماً، "سنوات وأنا محروم من سوريا التي تركتها أثناء الحرب". كان أحمد يتردد إلى دمشق يزور الأقارب ويعود ليكمل دراسته وعمله في بيروت، وهو لم يتدخل يوماً في السياسة، ولم يكتب رأياً. وفي إحدى الإجازات أوقف لتشابه الأسماء مع شخص منشق عن الجيش. وعلى رغم فارق العمر، فإنه اعتقل لساعات طويلة ذاق فيها الويل والرعب. حيث ألقي في قبو في نفق تحت الأرض مع معتقلين بحال مزرية، حفاة، ينامون على الأرض، والحمام داخل الغرفة مكان النوم، وكانوا يسألونه عن الزمان أي يوم وسنة وساعة يعيش العالم في الخارج. 

اتهم أحمد أنه إرهابي وكانت بانتظاره لائحة كبيرة من التهم الجاهزة. وعلى رغم تزويد الأمن ببطاقة تسريحه النظامي من الجيش وتدخل والدته المحامية، فقد أصروا على اعتقاله من دون أي معلومة عن الجهة التي سيأخذونه إليها. ويضيف أحمد، أنهم (الرجال الأمنيين) تقصدوا إثارة خوف الأهالي الذين كانوا مستعدين لدفع مبالغ للتقصي عن أولادهم وإطلاق سراحهم حتى لو لم يكن لهم أي ذنب، فيستفيد العساكر من الفدية. ومع تدخل بعض الوسطاء استطاعوا العثور على مكانه وإعادته إلى بيروت حيث يستقر، ولم يعد يفكر بزيارة سوريا لحين سقوط النظام منذ أيام.

من حلب إلى دمشق

ندى السورية المتزوجة من لبناني نزحت أثناء الحرب الأخيرة إلى حلب مع طفليها، عندما بدأت الغارات على الضاحية الجنوبية وبيروت، وبقيت هناك لشهرين، كانت تنتظر وقف إطلاق النار للعودة إلى العاصمة اللبنانية تقول، "استيقظنا بعد ليلة وقف إطلاق النار على لبنان في حلب على صوت المدفعية والطيران وراجمات الصواريخ ليومين من الصباح حتى آخر الليل، ثم في اليوم الثاني سمعنا أن الجيش الحر أخذ حلب الجديدة حيث أقيم، ووصلت قذيفة قرب البيت فذهبت مع أبي وأولادي لبيت صديقتي، وكانت الاشتباكات قد بدأت وصوت الرصاص في كل مكان. وفجأة صدحت الأصوات على مكبرات الصوت والميكرفونات تقول ’يا شعب حلب نحن لن نؤذيكم، نحن سنحسن الوضع المعيشي، أنتم إخواننا’ وكلام من هذا القبيل". وتضيف "قررنا في اليوم التالي الذهاب إلى العاصمة دمشق صباحاً مع شقيقتي، واستغرق الطريق وقتاً طويلاً جداً، وكانت الزحمة خيالية أكثر ربما من 20 ألف سيارة وشاحنة، وكانت القذائف والغارات تلاحقنا، ووصلنا بعد 27 ساعة، في طريق لا تحتاج إلى أكثر من ست ساعات. كان طريق موت ورعب وعذاب بوجود أطفالي وأطفال أخي وزوجته. قضينا ليلة في دمشق وعدنا إلى بيروت حيث كان الطريق ميسرة ومريحة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تضيف ندى، "اليوم شعوري متخبط، لا أعرف ماذا سيحدث. هل سيكون الأمر أفضل أم أسوأ؟ لا أدري. فالناس في حلب يقولون إن الأمر أفضل منذ تسلم المعارضة، فالكهرباء والماء أصبحتا متوافرتان، وقوارير الغاز أصبحت موجودة بعد أن كانت نادرة في السوق وباهظة الثمن، وعلى رغم ذلك الناس يشعرون بالخوف ومتخبطون بانتظار ما سيحدث".

ليته سلم البلاد

من جهتها تقول هناء النوري التي تعيش في لبنان، إنه لناحية التغيير فإن الجميع بلا شك يريد التغيير والديمقراطية وحل أفضل للبلد، "وكان على النظام أن يستوعب أن البلد للجميع حتى لو كان ضد النظام، ويكفينا الفساد المستفحل. بالطبع نريد بدائل من النخبة الواعية التي تبني البلد. الشعور صعب جداً... كل الأمل أن يكون التغيير إيجابياً ولا يسيل الدم مجدداً بين السوريين. كنت أتمنى لو الأسد فاوض لتسليم السلطة والتنحي بطريقة أسلس. كان ليجنب البلد كثيراً من الأمور. وأتمنى ألا نكون مرهونين لأحد بعد الآن لا إيران ولا تركيا ولا إسرائيل ولا روسيا ولا أي جهة خارجية".

ازدواجية المعايير

نجا عماد وعائلته من قوارب الموت غير الشرعية منذ أعوام وهم يقيمون منذ عام 2015 في السويد. يقول، "إن الواقع الذي كانت تعيشه سوريا قبل الـ 15 يوماً لم يكن جيداً أصلاً، ونحن في حال من المجهول، فجزء من داخلنا يقول يجب تغيير الواقع، والجزء الآخر خائف ممن يقود هذا التغيير، ويتساءل هل سيكون الدمار أكثر. ومما لا شك فيه أن قسماً كبيراً ممن يقودون هذا التغيير، وهم حطب الثورة، هم أولاد سوريا. قد لا نتفق معهم بالفكر أو الطريقة، ويوجد خلاف فكري بيننا لكن لا ننكر أنهم أبناء شعبنا. وعندما نهمش مجتمعاً تنشأ فيه أجيال لديها القدرة على التبعية. وهذا أمر مرعب".

يضيف عماد، "قد تكون توازنات دولية لعبت دورها، وهذا ظهر في السرعة والكم الهائل للإنجازات التي حققتها المعارضة، مما يكثر من علامات الاستفهام حول السياسة التي جعلت سوريا تتغير بلحظة. نخاف أكثر على أولاد شعبنا الذين لا ناقة لهم ولا جمل والذين يريدون أن يعيشوا، فالوضع صعب من الناحية المعيشية والنفسية في بلد شماله محتل، وجنوبه بيع. ونريد أن نرى التغيير للأفضل أو في الأقل يكون انطلاقة بعد التخلص من المظاهر العسكرية".

وعن الاندماج الوطني يقول، "لدينا مشكلة في المصطلحات، فالأحزاب العلمانية مثلاً تتحدث عن إرهاب ديني من طائفة معينة، وتقوم بتحالفات مع إرهاب ديني من طرف آخر. فالموالون مثلاً يقولون لديك الحق أن تعارض، ولكن الآن في هذه المعركة لديك خياران إما أن تكون سورياً أو مع الإرهاب". ويعد عماد أن من يقول إن هيئة "تحرير الشام" مصنفة إرهابية دولياً فكيف نقف معها، هم أنفسهم متحالفون مع "حزب الله" المصنف دولياً على أنه إرهابي.

وتمنى عماد أن يوجد عقلاء يراهن عليهم لإضفاء جو سياسي وإلغاء حالة العسكر، معتبراً أن السوريين على اختلاف آرائهم وأفكارهم وآلية حياتهم يجب أن يكونوا متساوين وإيجاد صيغة لضمان حق المواطنين جميعاً.

طالعتنا مشاهد عودة السوريين من لبنان، البعض في سياراتهم والبعض مشياً على الأقدام، يدخلون بلادهم برهبة وشوق، أولئك الذين حرموا لأعوام من أهلهم ودارهم، وخافوا أن يعودوا فيؤسروا في أقبية النظام التي تتوضح معالمها المرعبة على الملأ يوماً بعد آخر.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات