ملخص
الساعة دقت للالتفات إلى المشروع الوطني اللبناني الذي لا بديل منه، وكل خيار سواه مدمر للبلد، وقديماً قال المفكر الإستراتيجي الصيني سن تزو "يجب الموازنة بين كلفة الحرب وفوائدها السياسية".
لبنان يستعيد زمن الأسئلة، وسط ازدهار المطلقات، المدنيون المنهكون يستحقون هدنة يتنفسون فيها هواء نظيفاً من دون دخان وبارود وشعارات وتنظيرات إستراتيجية، والمقاتلون من "حزب الله" الذين تلقوا ضربات قاسية وتمكنوا بعدها من توجيه ضربات قاسية إلى العدو الإسرائيلي حصلوا على هدنة هي استراحة محارب عشية معركة سياسية في الداخل والمنطقة.
لكن الاتفاق على وقف النار الذي كان هدية نهاية العهد للرئيس جو بايدن والرئيس إيمانويل ماكرون، ليس نقطة في نهاية السطر، هو مشروع بداية تبدأ، كما عام 2006، من "وقف الأعمال العدائية" في مرحلة التوصل إلى وقف النار وتطبيق الاتفاق الدولي 1701 الذي خدعنا أنفسنا بالقول إنه مطبق منذ عام 2006.
اليوم تبدو الاستعدادات على صعيد مجلس الأمن وما بقي من السلطة في لبنان قوية وكبيرة لتصبح منطقة عمليات "اليونيفيل" والجيش اللبناني جنوب الليطاني خالية من المسلحين والبنية التحتية العسكرية التي أقاموها.
غير أن هذه الأجواء القوية هي نفسها الأجواء التي شهدناها صيف 2006، إذ تجاوز يومها عدد الجيش 15 ألف عسكري إلى جانب "اليونيفيل"، بدت الجدية ظاهرة في المنطقة، فلا العودة إلى القرار 1701 هي الحل السحري المرتجى، ولا ما حال دون تطبيقه في الماضي يختفي بسحر ساحر لمجرد إيراد نصوص جديدة في آليات التطبيق كما في الضمانات الأميركية المعطاة إلى بنيامين نتنياهو حول "الحق" في التدخل إزاء أي خرق من جانب "حزب الله".
ذلك أن ما حدث على الأرض يفرض نفسه، في انتظار أن يتمكن لبنان من فرض نفسه على طاولة الحلول، بعد المسارعة إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة لمهمة إصلاحية.
نتنياهو عجز عن تحقيق "النصر الكامل"، وهو في أية حال هدف مستحيل، وفشل في ترجمة إنجازاته التكتيكية إلى مكاسب إستراتيجية، هو الآن معلق بين حرب صعبة وتسوية أصعب.
والمقاومة الإسلامية تمكنت من منع نتنياهو تحقيق أهدافه، وهي بهذا المعنى ربحت بصرف النظر عن الخراب الكبير والخسائر القيادية، فلا حدود أمامها شمال الليطاني، والتعهد الإسرائيلي والأميركي الذي يمنعها من إعادة تسليح نفسها هو مشروع حرب دائمة، تماماً كما أن المقاومة الإسلامية مشروع حرب دائمة على الطريق إلى تحرير فلسطين الذي هو مرحلة في مشروع ولاية الفقيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا مهرب من مراجعة المواقف بعد حرب طاحنة جرى خلالها استخدام كل أنواع الأسلحة، فالصواريخ والمسيّرات أحدثت تغييراً هائلاً في طبيعة الحرب. و"لكل عمر نوعه من الحرب وشروطه المحددة، وأفكاره الخاصة" كما كتب كارل فون كلازوفيتز. فالحرب بين "حزب الله" وإسرائيل حفلت بالمفاجآت، و"إذا دارت بعد أعوام سيكون شكلها مفاجأة أكبر"، حسب مارا كارلين من جامعة جونز هوبكنز في مقال نشرته "فورين أفيرز" تحت عنوان "عودة الحرب الكلية"، لا بل "إن المسار الضيق للحرب انتهى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وطوفان الأقصى والرد عليه".
والسؤال هو: أي نوع من المراجعة؟ هل تتصور إسرائيل أن مزيداً من التطور التكنولوجي يجعل قدرتها أكبر على ربح حرب ستخاض بأسلحة مختلفة ومفاجئة؟ هل تعترف إسرائيل والمقاومة الإسلامية بأن نظرية "توازن الردع" طارت في الهواء؟ هل يصر "حزب الله" على القول إن "إسرائيل أوهى من خيوط العنكبوت"، وبالتالي على جولات جديدة في الحرب لـ"إزالة إسرائيل" بصرف النظر عن الدعم الأميركي والأوروبي والروسي والصيني للكيان الصهيوني؟ وهل يلتفت "حزب الله" إلى سد الخروق التي أدت إلى ضربات قاسية أهمها اغتيال الأمين العام حسن نصرالله، ثم إلى العمل المشترك مع جميع اللبنانيين لملء الفراغ الرهيب في السلطة، من المنصب الأعلى إلى المناصب الأخرى؟
لا أحد يجادل في أن الحرب أحدثت تغييراً في اللبنانيين من كل الطوائف، فلا من السهل البقاء في الفراغ إلى أن تنتهي كل أطراف الأزمات والحروب من ترتيب أمورها ثم الالتفات إلى الهم اللبناني كأنه شيء على الهامش، ولا مجال لقبول أكثر من نصف اللبنانيين في معظم المناطق والطوائف إدارة القرارات والسياسات والحروب من دون أي رأي لها، مع أن موقفها هو الاعتراض على تحميل لبنان أحمالاً تخلت عنها الدول العربية مجتمعة منذ قمة بيروت عام 2002 التي اعتبرت أن "السلام خيار إستراتيجي" ودعت إلى دولة فلسطينية.
الساعة دقت للالتفات إلى المشروع الوطني اللبناني الذي لا بديل منه، وكل خيار سواه مدمر للبلد، وقديماً قال المفكر الإستراتيجي الصيني سن تزو "يجب الموازنة بين كلفة الحرب وفوائدها السياسية".