ملخص
مع اقتراب الشرق الأوسط من حرب مدمرة يصعب إيقافها، أصبح مطلوباً إطلاق جهود دبلوماسية عاجلة لوقف إطلاق النار ومنع كارثة كبرى
"هل نحن على أعتاب حرب إقليمية شاملة؟" هو السؤال الأكثر تداولاً هذا العام.
الثلاثاء الماضي، أمطر وابل من الصواريخ الإيرانية المدن الإسرائيلية وأرسل المواطنين إلى ملاجئ الحماية من الغارات الجوية. وفي المناطق الحدودية الجنوبية المدمرة في لبنان، اختبأت العائلات تحت أعمدة الدخان الأحمر المتوهجة الناجمة عن الطائرات الحربية الإسرائيلية والغزو البري.
أما في خان يونس في غزة، التي أصبحت اليوم تعيش في ظل صراع إسرائيلي - إيراني، فقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بأن الغارات الإسرائيلية أدت إلى مقتل 51 شخصاً مما رفع حصيلة الضحايا إلى 41600 شخص. كما تبادلت إسرائيل والمقاتلون الحوثيون في اليمن إطلاق النيران وهو أمر كان ليتصدر عناوين الصحف منذ بضع سنوات ولكن في ظل جحيم الشرق الأوسط المتصاعد، قوبلت هذه الأحداث بقدر كبير من عدم الاكتراث واللامبالاة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحبس العالم أنفاسه في انتظار ما الذي سيحدث لاحقاً. وفي غضون ذلك، توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتصعيد والرد ضد إيران وقال: "ارتكبت إيران خطأ كبيراً الليلة وستدفع ثمنه". وفيما حذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من أن إسرائيل ستواجه رد فعل قاسياً في حال لم توقف "جرائمها" على حد قوله، فيما هدد قائد عسكري إيراني بشن هجمات أوسع على البنى التحتية إذا ردت إسرائيل.
وفي أعقاب ذلك، دق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ناقوس الخطر مجدداً معتبراً أن المنطقة "على شفير الهاوية". ومن جانبه، ذهب دونالد ترمب أبعد من ذلك، واتهم نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والرئيس جو بايدن "بقيادتنا نحو هاوية حرب عالمية ثالثة".
ولكن متى تتوقف عن كونها حافة الهاوية وتبدأ في التحول إلى الهاوية التي قفزنا فيها معاً بشكل جماعي؟
إذا نظرنا إلى آفاق الشرق الأوسط المشتعلة، فسنجد أننا وصلنا بالفعل إلى تلك الهاوية. وأخشى أن تكون العواقب المترتبة على هذا السقوط المدوي وخيمة لأنه ما من قاع لهذه الهاوية التي نتحدث عنها. يلوح المستقبل الأشد قتامة في أفقنا، مع ارتفاع أعداد القتلى والدمار إلى مستوى لا يمكن لأحد منا أن يتخيله.
ويتفق قادة العالم ومسؤولو الأمم المتحدة والخبراء كلهم على أنه لا شيء سوى بذل الجهود الدبلوماسية الحقيقية أي التوصل حصراً إلى وقف إطلاق نار متعدد الأطراف، بوسعه أن يكبح هذا الكابوس. على العالم أن يتحرك فوراً قبل فوات الأوان وهو يعاني أصلاً التأخير في هذا المجال.
مضى عام على إطلاق "حماس" هجومها الدموي على جنوب إسرائيل حيث قتلت 1200 شخص وأخذت 250 آخرين رهائن بحسب التقديرات الإسرائيلية.
ومن بين الرهائن، يعتقد أن 100 ما زالوا داخل غزة على رغم بروز مخاوف تفيد أن ثلاثة أرباعهم فقط لا يزالون على قيد الحياة. منذ ذلك الحين، أسفر القصف الإسرائيلي العنيف على غزة عن مقتل عشرات الآلاف من الناس، معظمهم من النساء والأطفال، وفقاً للسلطات الصحية الفلسطينية. وتشير التقديرات إلى أن 10 آلاف آخرين فقدوا تحت الأنقاض.
أشعلت هذه الحرب كل نقاط التصدع المتفجرة في الشرق الأوسط، مع ظهور ساحة معركة متعددة الجبهات حيث تواجه إسرائيل - وحلفاؤها غير الراغبين على ما يبدو، بما في ذلك الولايات المتحدة - إيران ووكلاءها وحلفاءها في اليمن والعراق وسوريا، وبالطبع "حزب الله" في لبنان.
وكلما كثر اللاعبون أصبح الوضع أكثر تعقيداً، وانطلاقاً من هنا لا يمكن تصور العواقب التي قد تنجم عن اندلاع حرب إقليمية.
في لبنان اليوم، إذ تستعر الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" تقول الأمم المتحدة إن أكثر من مليون شخص نزحوا من مناطقهم أي ما قد يشكل خمس إجمال عدد السكان.
وفي وقت تنشغل فيه المملكة المتحدة بتنظيم رحلات إجلاء للمواطنين البريطانيين الذين ما زالوا في البلاد، ينشط ربابنة اليخوت الفاخرة على طول الساحل اللبناني المشرف على البحر المتوسط المتلألئ لنقل الأشخاص إلى قبرص مقابل 1500 دولار للراكب الواحد. حتى إن هنالك عائلات يفرون سيراً على الأقدام ويجتازون الحدود البرية نحو سوريا التي مزقتها الحرب هي أيضاً.
وفي غزة، بلغ عدد النازحين نحو المليونين أي 90 في المئة من عدد السكان ما قبل الحرب وقد اضطرت غالبيتهم إلى التنقل ثلاث مرات في الأقل.
وفي إسرائيل، نزحت 60 ألف نسمة من الشمال وأقام السكان في فنادق وشقق مؤجرة. وتمثلت القوة الدافعة وراء غزو إسرائيل للبنان في الرغبة بدفع "حزب الله" إلى الوراء بشكل كاف يسمح للمواطنين بالعودة إلى ديارهم.
ولكن مع تسارع الأحداث نحو التدمير المتبادل، لم تعد هناك منازل يمكن للناس العودة إليها إذ لم يتبق سوى عدد قليل من العائلات التي بوسعها أن تجتمع معاً من جديد.
وتحدثت مع مدنيين في غزة في ظل كفاحهم للحصول على الطعام في خيم مزقها الرصاص فيما يأملون بالحصول على لحظة من السكينة والهدوء. كما تحدثت إلى رهائن إسرائيليين سابقين يتنقلون حول العالم دعماً لهدنة وصفقة تبادل لإعادة أحبائهم إلى ديارهم أحياءً وليس في أكياس الجثث. وتحدثت أيضاً إلى أسر نازحة في لبنان، تفترش شوارع المدن المحترقة، وهي الآن في أمس الحاجة إلى سقف فوق رؤوسها.
على قادة إسرائيل وإيران أن يسمعوا أصوات كل هؤلاء.
© The Independent