ملخص
ليس سهلاً على نتنياهو شن حرب شاملة من دون ضوء أخضر أميركي هو حالياً أحمر لاعتبارات كثيرة، ولا سيما خلال الأسابيع الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية. ولا طهران في وارد الانخراط في حرب شاملة ولو عبر وكلائها.
الضربة موجعة جداً وأبعد من حدود التوحش الإسرائيلي في غزة. ولا مجال لرؤية مثيل لها إلا في أفلام الخيال العلمي شغل هوليوود، محاولة قتل نحو 7 آلاف من أعضاء "حزب الله" خلال دقيقة بكبسة زر من بعيد عبر تفجير سيبراني لأجهزة الاتصال لديهم. لكن "الحزب" أوحى أنه احتوى الضربة الإسرائيلية التي هزته وهزت لبنان، وأفشل أهدافها كما قال أمينه العام حسن نصر الله. فهو ركز على ثلاثة أهداف مترابطة، الدفع نحو وقف "حرب الإسناد" لحركة "حماس" في غزة عبر جبهة الجنوب اللبناني، وضرب أو إرباك بنية "المقاومة الإسلامية"، وإضعاف "بيئة المقاومة". وما أكده هو أن "جبهة الإسناد" مستمرة مهما تكن الضغوط والتضحيات، وأن "بنية المقاومة" لم تتأثر ومعها السيطرة والقيادة، وأن "بيئة المقاومة" ازدادت صلابة وتماسكاً وسط تضامن وطني لافت. أما الرد على مجزرة "البيجر" و"التوكي ووكي" فإنه "القصاص العادل من حيث يحتسب العدو ولا يحتسب". وهو منفصل عن حرب الإسناد.
ومعنى ذلك أنه ليس بعد الضربة سوى مزيد مما كان قبلها، بصرف النظر عن القول الشائع بعد كل تطور من أن ما بعده ليس كما قبله. فلا كلام وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على "مرحلة جديدة" في الحرب واقعي، ولا ما يراه المتحمسون فرصة لتحرير فلسطين هو على جدول الأعمال حالياً. والضوابط لا تزال فعالة. فليس سهلاً على نتنياهو شن حرب شاملة من دون ضوء أخضر أميركي هو حالياً أحمر لاعتبارات كثيرة، ولا سيما خلال الأسابيع الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية. ولا طهران في وارد الانخراط في حرب شاملة ولو عبر وكلائها، إذ هي ترفض الوقوع في فخ نتنياهو. أي فخ؟ سيناريو استفزاز "حزب الله" لدفعه إلى عمل كبير يعطيه فرصة لتوسيع الحرب، بالتالي دفع إيران إلى دعم "الحزب" بحيث تضطر أميركا للانخراط في الحرب ضد الجمهورية الإسلامية بما يهدد أولويات الحفاظ على نظامها ومشروعها الإقليمي وبرنامجها النووي.
أكثر من ذلك، فإن ما تسميه إسرائيل "حرب الشمال" هي حرب كل الجهات وليست محصورة بالجغرافيا اللبنانية. إذ إن "وحدة الساحات" في إسناد "حماس" داخل غزة ستعمل لإسناد "حزب الله" داخل لبنان. وتطورات الحرب قد تدفع إيران إلى دعم مباشر لأهم جماعة أسستها وصارت أقوى الساحات وصاحبة أخطر دور إقليمي ضمن أدوار "الحرس الثوري" الإيراني. ولا شيء يغري "حزب الله" بالذهاب إلى حرب إقليمية واسعة، فهو حقق عبر حرب الاستنزاف أهدافاً مهمة في الجليل لا سابق لها في الحروب مع إسرائيل. ولا أحد يجهل أن حرباً في الشمال لا تعيد المستوطنين المهجرين إلى مستوطناتهم بمقدار ما تزيد أعداد المهجرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فضلاً عن أن الحرب الواسعة باتت مرتبطة، ليس فقط بكون نتنياهو ويحيى السنوار مستفيدين منها بل أيضاً بتأثيرها في حظوظ المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية. واللعبة معقدة، أميركا تكرر بالقول والفعل وعبر رحلات المسؤولين فيها أن الدبلوماسية هي التي تضمن عودة المستوطنين إلى الجليل. ونصر الله يعلن بوضوح أن لا وقف لحرب الإسناد عبر جبهة الجنوب إلا بعد وقف النار في غزة. والواقع حتى إشعار آخر، هو أن لا الحرب ولا الدبلوماسية تفتح باب العودة للمستوطنين. أولاً لأن الخيار العسكري يقود إلى عكس ما تحتاج إليه إسرائيل. وثانياً لأن الخيار الدبلوماسي مربوط بمسألة عسكرية بامتياز داخل غزة.
صحيح أن جبهة الإسناد في لبنان لم تعد جبهة فرعية بل تكاد تصبح الجبهة المركزية بعدما خفت المعارك الكبيرة داخل غزة، إذ الباقي حرب استنزاف وحرب عصابات ضد المحتل. لكن الصحيح أيضاً أن حرب غزة هي "حرب وجود" بالنسبة إلى كل من إسرائيل و"حماس"، في حين أن الحرب على جبهات الإسناد هي حرب دعم ونفوذ إقليمي. والعقدة التي تعرقل صفقة وقف النار وتبادل الرهائن والأسرى هي إصرار كل طرف على هزيمة الطرف الآخر. فالانسحاب الإسرائيلي الكامل الذي تطلبه "حماس" يعني إعلان إسرائيل أن حربها في القطاع انتهت بهزيمتها. والبقاء في نتساريم وفيلادلفي الذي يصر عليه نتنياهو يعني أن إسرائيل لن تخرج من غزة حتى تحقق الأهداف التي فشلت في تحقيقها خلال 11 شهراً من حرب الإبادة، بالتالي إعلان هزيمة "حماس".
لكن المفاجآت تبقى واردة. فما تسمى "الخطوط الحمر" ليست شيئاً ثابتاً، ولا هي التي تمنع تجاوزها. وما يمنع أو يسمح بتجاوز الخطوط الحمر هو حسابات الربح والخسارة، الكلفة والمردود، لدى كل طرف. ومن يتصور أن المردود أهم من الكلفة لا يتوقف عند خطوط حمر. فلو حسبت ألمانيا والإمبراطورية النمسوية المجرية كلفة الحرب ومردودها لما أقدمت على الحرب العالمية الأولى انتقاماً لاغتيال ولي عهد النمسا والتي انتهت بنهاية الإمبراطورية النمسوية المجرية وإذلال ألمانيا. يقول الرئيس أبراهام لينكولن "إن وجود قادة لا يريدون حرباً لا يكفي. المشكلة إن كانت هناك أشياء يريدونها أكثر من الحرب، ويرغبون في الحصول عليها ولو بقبول الحرب. والحرب الأهلية حدثت مع أن الكل خاف منها وأكد عدم حصولها".