ملخص
لعبة استدعاء المعلومات والتصريحات القديمة للمرشحين الرئيسين في سباق الرئاسة الأميركية، ربما تقلب الطاولة عليهما نظراً إلى الاستقطاب الحاصل بين المؤيدين والمعارضين، إذ طاولت تلك الحملات زوج كامالا هاريس بعد الحديث عن خيانته.
ربما يصبح المحامي دوغ إيمهوف قريباً السيد الأول في البيت الأبيض، بعدما ظل نحو أربعة أعوام زوجاً لنائبة الرئيس كامالا هاريس، لهذا فهو في بقعة الضوء ويحصد ثمار هذه المكانة إيجاباً، كما أنه أيضاً مستهدف بالدعاية السلبية من الخصوم، تماماً مثل زوجته المرشحة المحتملة عن الحزب الديمقراطي للمنافسة في الانتخابات الأميركية على منصب الرئيس.
إيمهوف على ما يبدو يحاول دعم هاريس بكل الطرق، لذلك رد بقوة على الجدل الذي أحيط باسمه أخيراً بعدما تم الكشف عن علاقة غرامية جمعته بمعلمة ابنته الصغيرة قبل سنوات طويلة حينما كان لا يزال متزوجاً من المنتجة كرستين إيمهوف، وهي معلومات كانت محور جدل على مدى الأيام الماضية مع تعليقات في الفضاء الافتراضي تتحدث عن إقدامه على خيانة زوجته الأولى، وأيضاً على جرأته بأن يعبث مع معلمة الابنة وهو رجل القانون المرموق، وكذلك تساؤلات عن مدى استقرار علاقة هاريس الزوجية وإمكان صمودها أمام عقبات من هذا النوع.
على الجانب المقابل كان الحزب الجمهوري يكابد أيضاً من أجل تجميل بعض التصريحات التي تم استدعاؤها من الأرشيف والمتعلقة بآراء قياداته في النساء والأقليات تحديداً، وغالبيتها منسوبة لمرشحه دونالد ترمب، مما يعني أن حرب الأرشيف بين المعسكرين اتخذت شكلاً يتعدى فكرة التلميح والتسلية التي تنتج سلسلة من "الميمز" الضاحكة والساخرة وباتت تؤثر على نحو مباشر في الصورة الذهنية للمرشحين ومن ثم تقود توجهات الناخبين.
والتنقيب عن المعلومات والتعليقات القديمة حيلة معروفة في الحروب السياسية من هذا النوع، ولكنها مع احتدام المنافسة تأخذ منحى مقلقاً بشدة، ومن بين أبرز ظواهره سرعة التصرف وإنجاز الرد والاعتذارات المتوالية.
ذلك الشريك الخائن
هذا النوع من الخطط السلبية تجاه الخصم التي تقابل بخطط معاكسة بالطبع، هو نوع من الدعاية الانتحابية التي تبدو غير مكلفة أو في الأقل غير باهظة الثمن، فكل ما يلزم هو دخول بعض المنتمين لجبهة ما في البحث داخل الدفاتر القديمة عن لفتة هنا أو إيماءة هناك، أو وثيقة هنا وأخرى هناك، من المتوقع أن تقلب الرأي العام على الخصم والدائرة المحيطة به، وعلى ما يبدو فإن هذا التوجه يحقق أغراضه حتى الآن، مما يعني أنه قد يشهد الانتقال إلى مستويات جديدة، على رغم أنه يزيد من حال الاستقطاب وربما تدفع ثمنه أطراف أخرى لا ذنب لها في ما يجري.
ففور أن نشرت "ديلي ميل" تفاصيل خيانة دوغ إيمهوف لزوجته السابقة، التقط أنصار الجمهوريين على الفور هذا الخيط للتشكيك في نزاهته وفي كونه جديراً بالثقة، لا سيما أنه فاعل قوي في مؤازرة هاريس منذ أعوام وأسهم في تصعيدها على المسرح السياسي بآرائه القانونية ونصائحه كزوج وأكاديمي، وشككوا أيضاً في نزاهته كأستاذ يلقي محاضرات في كلية القانون جامعة "جورج تاون" بالعاصمة واشنطن، وتساءلوا كيف يمكن للزواج أن يصمد وسط كل هذا اللغط، لا سيما أن الصورة العامة لقائد البلاد لا تكتمل عادة بالنسبة إلى الناخب الأميركي إلا بوجود شريك رسمي.
لكن إيمهوف لم يترك دائرة الطعن بالسمعة تتسع أكثر، وسريعاً أصدر بياناً رسمياً اعترف فيه بما اقترفه، مؤكداً أنه تحمل المسؤولية كاملة، بل إن زوجته السابقة كانت على علم بما جرى قبل إنهاء زواجهما عام 2009، كما أن كريسيتن أدلت بتصريح سريع شددت فيه على أن طليقها أب رائع لابنيها الشابين وصديق جيد لها، بخلاف ذلك اتضح أن الزوج اعترف لكامالا هاريس نفسها بما حدث قبل زواجهما منذ 10 سنوات، كما تم إطلاع جو بايدن على القصة برمتها خلال حملة ترشحه لولايته الأولى.
نساء القطط التعيسات
هذا التسريب من الأساس جاء بعد أيام قليلة من انشغال الحزب الجمهوري بالتعامل مع أزمة إعادة تداول تصريح تليفزيوني لجي دي فانس المرشح على مقعد نائب الرئيس دونالد ترمب يعود لعام 2021، ويسخر فيه فانس من النساء اللاتي لم ينجبن ويكتيفين بتربية القطط، فكان وقتها يوجه حديثه إلى كامالا هاريس، مشيراً إلى أن النساء اللاتي لم يرزقن بأبناء لا يجب أن يكون لهن مكان في مستقبل الولايات المتحدة الأميركية، ووصف من قررن عدم الإنجاب بأنهن مجموعة من سيدات القطط، التعيسات، النادمات على اخيتاراتهن في الحياة، وسيصدّرن تلك التعاسة إلى أنحاء البلاد.
اعتبر هذا الفيديو بمثابة دليل من قبل المعارضين للحزب الجمهوري على طريقة تعامل فريق ترمب مع النساء عموماً، بل يثبت ثقافة الكراهية التي يغذيها ممثلوه تجاه الأقليات والنساء، وعلى إثر ذلك تم استدعاء الآراء التي قالها فانس سابقاً معارضاً فيها حق النساء في اتخاذ قرار الإجهاض، وأيضا حديثه العنيف عن لجوء كثيرات إلى تقليل علاج الإخصاب أو التلقيح الاصطناعي وتصديه للتشريعات التي تسعى إلى اعتباره حقاً وطنياً، كل هذه الأمور لم تمر مرور الكرام، فعلى مستوى هوليوود هناك نجمات كثيرات يفضلن تربية الحيوانات الأليفة بما فيها القطط، ولا علاقة لهذا بقرار الإنجاب من عدمه، وبينهن تايلور سويفت التي لا تزال في مقتبل حياتها وتعتبر النجمة ذات الشعبية الكاسحة عالمياً التي يحسب لها رجال السياسة ألف حساب بمن فيهم ترمب نفسه، محاولاً استمالتها إلى جانبه مراراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من هنا انتفض جمهورها، مطالبين إياها بالرد عملياً على تلك السخرية عن طريق مهاجمة الجمهوريين وإعلان دعمها كامالا هاريس وفريقها، إذ سبقت أن دعمتها حينما ترشحت لمنصب نائب الرئيس، فيما كانت جينيفر أنيستون أكثر وضوحاً وجدّية، وهي المعروفة بمحاولاتها المستميتة سابقاً للحمل عن طريق التلقيح الاصطناعي قبل أن تستسلم للأمر الواقع مكتفية بالاعتناء بكلابها الأليفة، فعلّقت عبر "إنستغرام" قائلة "لا أصدق حقاً أن هذا يأتي من نائب رئيس محتمل للولايات المتحدة، وكل ما يمكنني قوله إنني أصلي كي تكون ابنتك محظوظة بما يكفي لإنجاب أطفال يوماً ولا تكون بحاجة إلى التلقيح الاصطناعي كخيار ثانٍ لها لأنك تحاول انتزاع ذلك منها أيضاً".
أما المذيعة والمدونة ميغان ماكين، فأبدت دهشتها من هذا التوجه في التقليل من شأن المرأة عموماً، وهي المعروفة بتأييدها للحزب الجمهوري، كما أن والدها هو السيناتور الراحل جون ماكين المرشح السابق للحزب لمنصب الرئيس أمام باراك أوباما عام 2008، وقالت إن هذا الرأي يستفز حتى أكثر النساء تأييداً لترمب، بخلاف ذلك تلقت هاريس دعماً كبيراً من ابنَي زوجها إيلا وكولن، كما أشادت زوجته السابقة بأمومتها وحنانها على الشابين، ومن جهته حاول دي فانس تقديم توضيح وتبرير يشبه الاعتذار، كما أبدى ضيقه من إقحام طفلته في الأمر بعد ردّ جينيفر أنيستون القوي.
جديد أزمات ترمب
الحملة جلبت وراءها مزيداً من المواقف المنسوبة للحزب الجمهوري وزعيمه التي تقع تحت بند الحط من قدر النساء، وبينها التذكير بإدانة ترمب بالتحرش الجنسي بالكاتبة جين كارول في تسعينيات القرن الماضي، بل محاكمته في قضية الصمت مقابل المال بعد قيامه بدفع مبلغ ضخم لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز لتتكتم على العلاقة التي جمعتهما خلال العقد الأول من الألفية، من موازنة شركته وتصنيفه للمبلغ على أنه مجرد نفقات قانونية مما يعدّ جريمة.
كذلك اتهمته المذيعة السابقة في قناة "فوكس نيوز" كورتني فريل بالتحرش بها، فتتعدد أزماته المتعلقة بالعلاقات خارج إطار الزواج، ولدى ترمب نحو ست قضايا في هذا الإطار، إضافة إلى أن هناك قائمة طويلة من العثرات المتعلقة بطريقة حديثه عن النساء عموماً، إذ تفاخر قبل فترة قصيرة من دخوله البيت الأبيض بتحرشه بالنساء في هوليوود، ووصف إبان فترته الرئاسية الأولى سفيرة بلاده في أوكرانيا ماري يوفانوفيتش بـ"تلك المرأة" وكأنه يترفع عن ذكر اسمها، وفق تحليل أستاذة علم النفس بجامعة "ييل" الأميركية الأكاديمية ماريان لا فرانس لـ"بي بي سي" فاعتبرت أن خطابه ينم عن التمييز على أساس الجنس وتعمّد إهانة النساء.
تكرر هذا الأسلوب في كلامه عن هيلاري كلينتون والمرشحة الجمهورية السابقة للرئاسة كارلي فيورينا وكذلك المساعدة السابقة في البيت الأبيض أوماروزا نيومان والسيناتورة إليزابيث وارين، من خلال تلميحات تسخر من ملامحهن وأفكارهن، لكن التصريح الأكثر تداولاً هذه الأيام على رغم مرور أعوام على إطلاقه هو حديثه في شأن ابنته إيفانكا التي وصف جسدها بالجميل للغاية، متابعاً "لو لم تكُن إيفانكا ابنتي ربما كنت سأواعدها"، ليبدي المعترضون صدمتهم من طريقته في التعامل مع ابنته، واصفين إياها بغير المقبولة وبأنها تنم عن عوار أخلاقي ملحوظ.
وحظيت هذه المقاطع الأرشيفية بتداول كبير من قبل مناهضي ترمب، مذكرين بأنها ربما كانت سبباً في إقصائه عن البيت الأبيض في انتخابات 2019، خصوصاً أنه في ذلك الوقت كانت دراسة أعدها مركز أبحاث "بيو" كشفت عن أن 32 في المئة فقط من النساء الأميركيات راضون عن أسلوب إدارته للبلاد.
اللافت أن ترمب لا يكتفي بالأرشيف، بل يعيد إنتاج تصريحاته وتحديثها، فقوبلت تعليقاته في شأن الملاكمة الجزائرية إيمان خليف بالصدمة بعدما صدق المعلومات غير الدقيقة التي روجت أنها متحولة جنسياً، وردد ترمب المزاعم بثقة شديدة في لقاء له مع أنصاره، وتحدث كذلك عن كامالا هاريس أخيراً بطريقة حصدت الغضب، مشيراً إلى أنه لا يعرف إن كانت هندية أو أفريقية، وهي أمور من شأنها أن تتوافق مع تصريحاته القديمة لتشعل حالاً من الاستياء.
منصات تحتفي بالمنافس
ما يحدث يبدو انقلاباً سريعاً في التوجه العام، خصوصاً أن دونالد ترمب (78 سنة) حظي بحال من الدعم وموجة من التعاطف، بل كانت هناك رغبة في البحث عن مظاهر قوته وكذلك صفاته كسياسي، عقب محاولة اغتياله منتصف الشهر الماضي خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا، ووقتها ارتفعت أسهمه في استطلاعات الرأي مقابل تدني شعبية الرئيس جو بايدن، مما اضطر الأخير إلى تسليم الراية للمرشحة كامالا هاريس (59 سنة).
وعلى رغم أن الرئيس السابق ترمب أبدى استهانته بغريمته الجديدة، معتبراً أن هزيمتها أسهل كثيراً من هزيمة بايدن وسط تأييد لهذا الرأي من تيار من المحللين السياسيين، فإن المشهد تبدّل باعتماد خطة الدعاية التي ارتكزت أولاً على التفتيش في الدفاتر القديمة، وبدلاً من أن تعمل الحملات الدعائية على إظهار نقاط قوة كل مرشح وتركز على المشروع الذي يتبناه، جاءت فكرة استرجاع الماضي لتتصدر اهتمام الجميع، فتحول حساب ترمب على موقع "إنستغرام" إلى منصة لنشر فيديوهات قديمة لهاريس وهي تتحدث عن آراء يجدها المرشح الجمهوري معيبة، وبينها تقليص حجم قوات الشرطة وكذلك طريقتها في التعامل مع قضية الهجرة وغيرها من الفيديوهات، حتى إنه للوهلة الأولى يظن المتابع أن هذا هو حساب كامالا هاريس وليس منافسها اللدود دونالد ترمب بسبب العدد الهائل لصور وفيديوهات المرشحة الديمقراطية.
لكن ما دام أن اللعبة تجد صداها لدى النشطاء فلن يتم الاستغناء عنها سريعاً، خصوصاً أن رواد الـ"سوشيال ميديا" دخلوا في حال من المشاركات اللانهائية وإبداء الآراء والآراء المضادة، فيما ترتفع أسهم هاريس وفقاً لتصريحات حملتها، حاصدة نجاح خطواتها على ما يبدو بعد تسجيل 170 ألف متطوع أنفسهم أخيراً لتقديم خدماتهم. كما أن الفارق العمري بينها وترمب الذي يقترب من 20 سنة، يصب في مصلحتها أيضاً، وللمفارقة يبدو أن ترمب أصبح في موقع جو بايدن، الذي كثيراً ما وصفه الجمهوري ومناصروه بالعجوز التائه باعتباره أكبر منه بثلاث سنوات، لكنه الآن مقارنة بهاريس بات هو المسن.
سجل غراميات هاريس
على رغم ذلك تعاني كامالا هاريس جراء سلاح النبش في الماضي الذي تم إشهاره واعتماده في المعركة، وبينه التفتيش في سجلها العاطفي، لا سيما علاقتها الغرامية بسياسي بارز مخضرم كان يكبرها بأكثر من 30 سنة هو عمدة مدينة سان فرانسيسكو السابق ويلي براون، إذ إنها تعرفت إليه وهي في أواخر العشرينيات من عمرها حينما كانت لا تزال تتحسس خطواتها في عالم المحاماة والقانون والسياسة، بينما كان هو سياسياً مهماً له كلمته.
تناولت التعليقات هذه المرة الامتيازات التي حصلت عليها هاريس والترقي الوظيفي الذي نالته جراء تلك العلاقة التي وصفها بعضهم بغير المتوافقة، نظراً إلى الفارق العمري الكبير بينهما في ذلك الوقت، مع التلميح بأنها ربما تكسبت كثيراً من هذا الوضع في صورة هدايا ثمينة مثل السيارة الفارهة التي منحها لها براون وتوصيات مهنية، فضلاً عن الإشارة إلى أن عملها كمدعية عامة وصعودها في مجلس الشيوخ ربما لم يكُن ليحدث لولا الخطوات التي اختصرتها بسبب علاقتها بالحبيب السابق.
صراع استدعاء الأرشيف ربما يبدو مفصلياً في معركة الرئاسة الأميركية، وربما يرجح كفة مرشح مقابل الآخر، لا سيما بالنسبة إلى الناخبين المتذبذبين، مما ستظهر ثماره بكل تأكيد مع الاقتراع على منصب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.