ملخص
ظل قطاع عريض من السودانيين يترقب المفاوضات بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" بلهفة شديدة وآمال عريضة في نجاحها خصوصاً أن الوضع في بلادهم يمر بمرحلة حرجة للغاية مما يتطلب إنهاء القتال الذي أدى إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح 10 ملايين آخرين من مناطق النزاع، بالسرعة المطلوبة.
في وقت أعلن طرفا الحرب المندلعة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 مشاركتهما في جولة جديدة من المفاوضات بينهما دعت إلى عقدها الولايات المتحدة بجنيف في الـ14 من أغسطس (آب) بهدف الوصول لوقف لإطلاق النار بين فريق القتال، وإيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين بهذه الحرب، ظل قطاع عريض من السودانيين يترقب هذه المحادثات بلهفة شديدة وآمال عريضة بنجاحها خصوصاً أن الوضع في بلادهم يمر بمرحلة حرجة للغاية مما يتطلب إنهاء القتال الذي أدى إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح 10 ملايين آخرين من مناطق النزاع، بالسرعة المطلوبة.
لكن كيف يرى المراقبون مسار وآليات التفاوض في ظل حالة الاصطفاف والانقسام الحاد بين مكونات المجتمع السوداني المدني والعسكري، فضلاً عن تعمق خطاب الكراهية، وهل بالإمكان أن تكون التسوية السياسية مخرجاً للأزمة السودانية؟
الاستقطاب الحاد
يقول عضو لجنة السياسات بالمكتب السياسي في حزب الأمة القومي السوداني عوض جبر الدار، "في اعتقادي، لا يمكن أن تكون التسوية السياسية حلاً في ظل الاستقطاب الحاد وتضارب المصالح والأطماع الخارجية، من جهة، ومن جهة أخرى ميدانياً، الحرب أخذت مساراً آخر يغذيه خطاب الكراهية والتحشيد القبلي والجهوي، لذلك أي تسوية سياسية بعيدة من الواقع "كما أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: مع من تكون التسوية السياسية؟ فهذا هو السؤال المهم والعقبة التي تقف أمام أي مبادرة للحل، فهل تكون التسوية بين الدعم السريع والجيش أم بين القوى السياسية المختلفة في ما بينها. فإذا توحدت القوى السياسية في كتلة مدنية واحدة يمكن أن تسهل حلاً للأزمة وتقنع المتحاربين بضرورة وقف الحرب وتحقيق السلام"، وتابع جبر الدار، "لكن في نظري، الحوار السوداني - السوداني عبر طاولة مستديرة هو الحل الناجح، وحتى الآن لا توجد مبادرة فعالة يمكن أن يجمع عليها السودانيون نتيجة فقدان الثقة في ما بينهم، وهناك مبادرات كثيرة طرحت لكنها لم تجد حظها من النجاح للأسباب المعلومة".
وأضاف، "أما في ما يتعلق بصورة التسوية، فهل تعني تقاسم السلطة بين الجيش والدعم السريع، وإذا تمت بهذه الصورة فمصيرها الفشل واستمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد، لكن إذا تمت تسوية سياسية وعسكرية شاملة لمعالجة جذور الأزمة السودانية حفاظاً على الدولة، فهنا يمكن أن يكتب لها النجاح".
وواصل عضو لجنة السياسات بالمكتب السياسي في حزب الأمة القومي، "على رغم أهمية دور المجتمع الإقليمي والدولي للمساعدة في حل الأزمة السودانية، لكن تظل المبادرات المحلية والحل السوداني - السوداني الأنجح، ولأن المشكلة الأساسية التي من أجلها قامت الحرب هي اتباع سياسة الإقصاء من المشهد السياسي، فإن أي تسوية لن تكون شاملة فسيكون مصيرها الفشل". وختم، "الإسلاميون لن يقبلوا أن يكونوا بعيدين من المشهد السياسي، والتخوف الآن أن تتم تسوية بين الجيش والدعم السريع والإسلاميين ممثلين بحزب المؤتمر الوطني، وهذا ما يريده الإسلاميون، لذا وفي حال تمت تسوية كهذه، فالنتيجة استمرار الحرب، لذلك الحل جلوس السودانيين على طاولة واحدة للتفاوض".
طرف ممانع
في السياق، قال القيادي في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم" شهاب إبراهيم الطيب "حتى الآن، نعتقد أن الفرصة متاحة للحلول التفاوضية، لكن استمرار الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع سيخلق تعقيدات داخلية لأطراف النزاع وفتح الطريق أمام الاستقطاب الاجتماعي خصوصاً في ظل مشاركة الحركة الإسلامية مع الجيش، وهي حتى الآن تمثل طرفاً ممانعاً للوصول لاتفاق يوقف الحرب وينهي معاناة السودانيين نزوحاً وتشرداً وجوعاً، بالتالي، نجاح أي مفاوضات يكون بعزل الحركة الإسلامية وإبعاد هيمنتها على الجيش، فضلاً عن تصنيفها جماعة إرهابية، وزيادة الضغوط على الأطراف الأخرى، إلى جانب ضمان مشاركة المدنيين في مفاوضات وقف الحرب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن مدى استبعاد التسوية السياسية من أي حل أضاف إبراهيم، "تظل الفرصة مرهونة بعزل تأثير الإسلاميين عن الجيش، ولا يمكن أن تُكافَأ الحركة الإسلامية على تقويض عملية التغيير والتحول الديمقراطي، فهذه الحركة في الأساس كانت تحاول أن تفرض وجودها من خلال قطع الطريق أمام الاتفاق الإطاري من طريق فرض الحرب على جميع السودانيين، فكل محاولاتها التي تقوم بها خصوصاً اختطاف قرار الجيش، من أجل فرض وجودها في المشهد كأمر واقع".
استقطاب وانقسام
من جانبه، أفاد المتخصص في العلوم السياسية الزمزمي بشير بأن "التسوية السياسية ممكنة في حال توافر الإرادة الخالصة لدى كل من الجيش والدعم السريع والأجسام السياسية كافة، والخروج عن المصالح الحزبية الضيقة سواء من ناحية المكاسب أو النفوذ السياسي، وأن تكون مصلحة السودان هي العليا"، ولفت إلى أن هناك تحركاً وجهوداً إقليمية لإيجاد تسوية وطي الملف السوداني قبل الانتخابات الأميركية.
وتابع بشير، "لكن المشكلة التي يعانيها المشهد السوداني هي حالة الاستقطاب الحاد والانقسام داخل القوى المدنية، مما ظهر جلياً في مؤتمر القاهرة مطلع يوليو (تموز) بهدف توحيد رؤية القوى المدنية السودانية حول إيقاف الحرب، وكذلك لقاء أديس أبابا الذي عقد برعاية الاتحاد الأفريقي وقاطعته تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)"، مضيفاً أيضاً "لذا، تظل العقبة التي يمكن أن تؤثر في الحوار السوداني ضعف الإرادة الوطنية في وقت أصبح السودان يمثل منطقة صراع دولي، فضلاً عما أحدثته الحرب من تداعيات لا سيما المجاعة وتصاعد أسعار السلع الاستهلاكية وانهيار العملة المحلية، فالملف السوداني بات معقداً ويصعب حله في جلسات حوار محدودة، فهناك ضحايا ونهب واغتصاب ودمار".
وفي تقدير المتخصص في العلوم السياسية، "التوصل إلى حل لهذه الأزمة يتطلب من الدول الأفريقية لعب دور مهم باتجاه توحيد الرؤى بين القوى السياسية من خلال تقديم النصح لجميع الأطراف بما فيها الجيش والدعم السريع للخروج من النفق الضيق وصولاً إلى بر الأمان بإنهاء هذه الحرب".
اتفاق سلام
وفي السياق أيضاً، رأى الكاتب السوداني عثمان ميرغني أنه "لا سبيل لإنهاء الحرب إلا بمفاوضات توصلاً لاتفاق سلام، بالتالي، مهما كان الالتفاف والاصطفاف، فلا شك أن طاولة التفاوض ستكتب الحلقة الأخيرة في مسلسل الحرب المدمرة، وفي تصوري، مفاوضات سويسرا ستحقق وقف إطلاق نار طويل المدى بعض الشيء، ربما ستة أشهر تكفي لاستكمال تفاصيل الحل النهائي الذي يخطط لحكم الفترة الانتقالية ويرسم مستقبل البلاد السياسي لما بعد الحرب".