Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل في تونس حول "التصويت الأبيض" 

يعتبره البعض احتجاجا حضاريا في حين ترى فئة أنه خيانة وطنية 

"التصويت بواسطة الورقة البيضاء مظهر من مظاهر السلوك المدني" (أ.ف.ب.)

يتغافل المراقبون والمتابعون للمشهد السياسي في تونس عن ظاهرة كشفها الدور الأول للانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 15 سبتمبر (أيلول) الحالي، وتتمثل في التصويت الأبيض، الذي يعد صورة أخرى من المقاطعة "الحضارية" للانتخابات أو طريقة مدنية لمعاقبة الطبقة السياسية الحاكمة.

أكثر من 24 ألف ناخب تونسي، وفق ما أعلنته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، دخلوا الخلوة ليضعوا ورقة التصويت بيضاء من دون اختيار أي مرشح من الذين بلغ عددهم 26.

تختلف هذه الظاهرة، في تحليلها عن المقاطعة المباشرة أو العزوف، إذ لم يذهب أكثر من ثلاثة ملايين تونسي مسجلين في العملية الانتخابية إلى مكاتب الاقتراع.

انقسام 

انقسم التونسيون بين من يعتبر أن التصويت الأبيض مظهر احتجاجي حضاري، وبين من يرى أنه خيانة للوطن وخدمة لأطراف قادرة على تجييش أنصارها ودفعهم إلى مكاتب الاقتراع.

الشارع السياسي اليوم، وقبل نحو ثلاثة أسابيع من الدور الثاني من الانتخابات الرئيسية يعيش حيرة وجدلاً في الفضاءات العامة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي حول التصويت الأبيض، خصوصاً أن هناك جزءاً مهماً من التونسيين لم يقتنعوا بالمرشح "المسجون والمتورط في قضية فساد مالي وتهرب جبائي"، ولا بالمرشح "الغامض الفاقد لبرنامج قابل للتنفيذ".

أصابت الحيرة السيدة أحلام عمارة في اختيار تونس المقبل، إذ تقول "لم أتمكن إلى حد الآن من اختيار أحد المرشحين، فأنا لست مقتنعة بأي منهما على الإطلاق ولا أرغب في المقاطعة وقد أجد نفسي مضطرة إلى التصويت الأبيض".

الموقف ذاته تقريباً عبّر عنه سالم المحمودي، وهو ناشط في المجتمع المدني، موضحاً "أجدني كمن وجد نفسه مخيراً بين الطاعون والكوليرا، وهذا موقف لا أرضاه، لا أقبل التصويت لقيس سعيد ولا نبيل القروي وليس أمامي غير الورقة البيضاء التي أفضلها على المقاطعة".

في المقابل، يعتبر هشام الحاجي، المحلل السياسي وأستاذ علم الاجتماع، أن "التصويت بواسطة الورقة البيضاء مظهر من مظاهر السلوك المدني لاعتبارين، أولهما أن في اعتماد هذا الشكل من التصويت وممارسته تمسك بالحق في التصويت والارتقاء به إلى مستوى الواجب المواطني الذي يتعين القيام به على الرغم من رفض الطبقة السياسية بكل مكوناتها ورفض الاختيار بين ممثليها. أما النقطة الثانية، فالتصويت من خلال اعتماد الورقة البيضاء يمثل شكلاً من أشكال الاحتجاج والرفض المتحضر والراقي للوضع السياسي ونبذا للعنف وكل ما من شأنه أن ينعكس سلباً على مجمل مظاهر الحياة".

دلالة قوية 

ويؤكد الحاجي أن "التصويت باعتماد الورقة البيضاء أقوى في مستوى الدلالة السياسية من اعتماد المقاطعة لأن فيه حرصاً على اعتماد الاقتراع وهو جوهر الممارسة الديمقراطية لإبلاغ الطبقة السياسية رسالة الاحتجاج والإحباط، وهو ما يفرض على المشتغلين بالشأن العام من أهل السياسة والأكاديميين الإنصات إليه وفهمه".

من جهته، يرى ظافر ناجي الإعلامي والمتحدث الأسبق باسم رئيس الحكومة، أن التصويت الأبيض الذي اعتمده بعض التونسيين "موقف رافض لكل الطبقة السياسية التي حكمت منذ الثورة. وهو تعبير عن حالة الإحباط على الرغم من أنني أعتبرها تهرباً من المسؤولية".

تخوفات 

وفي سياق متصل، فإن أستاذ التاريخ بالجامعة التونسية والمحلل السياسي خالد عبيد، يعتقد أن "ليس هناك ما يؤكد توسع التصويت الأبيض الذي كان حاضراً في الدورة الأولى من الرئاسية".

ويرى أن التصويت الأبيض "هو رفض صامت للعملية الانتخابية كلها وعدم اقتناع بالمترشحين". 

ويضيف عبيد أن "الاتجاه نحو التصويت الأبيض خلال الدور الثاني قد يتقلص في اللحظات الأخيرة، خصوصاً أن البعض من الناخبين من هذا الطرف أو ذاك يشعر بمدى خطورة الرهان وهو ما يدفعه أخيراً للتصويت حتى وإن لم يكن راغباً حالياً".

خيانة 

بوضوح كبير، يعتبر جوهر الجموسي، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية، أن "التصويت الأبيض في الوقت الراهن يعد خيانة، لأن من يروج لهذه الفكرة يريد فوز المرشح المعادي لمدنية الدولة ولقيم الحداثة".

ويؤكد الجموسي أن "الامتناع عن الانتخاب، خيانة للوطن والانتخاب بورقة بيضاء، خيانة مضاعَفة، لأنها ترفع نسبة المشاركة في الانتخابات وتعطي مشروعية أكبر وصدقية أوسع لمرشح الحركة اليمينية وتوابعهم".

المزيد من العالم العربي