تجددت التظاهرات المناوئة للحكومة السودانية، الخميس، في مناطق متفرقة من الخرطوم ومدن أخرى، وسط جمود سياسي وبروز دعوات من الحكومة إلى إجراء حوار مع الشباب، باعتبارهم وقود الاحتجاجات المستمرة منذ 43 يوماً.
وخرجت التظاهرات بمشاركة أقل من الأسابيع الماضية، استجابةً لدعوة من تجمع المهنيين السودانيين وتحالفات المعارضة، التي أطلقت عليها اسم "الزحف الكبير"، للمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير.
وقال شهود عيان إن مئات المحتجين خرجوا في بري وجبرة في الخرطوم، وشمبات والحلفايا في الخرطوم بحري، والعباسية في أم درمان، وهم ينادون بسقوط النظام. كما أغلق بعض المحتجين الطرق بالإطارات والحجارة أمام القوات الأمنية، لكن الشرطة فرقتهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات، واعتقلت بعضهم.
وأضاف الشهود أن المتظاهرين كانوا يهتفون بسقوط النظام رافعين شعارات "حرية سلام وعدالة" و"الثورة خيار الشعب" و"الشعب يريد إسقاط النظام".
ولم يشهد وسط الخرطوم، حيث يقع القصر الرئاسي، أي تظاهرة. وشاهد مراسل "اندبندنت عربية" عناصر القوات الأمنية الذين انتشروا في الطرقات المؤدية إلى القصر، وهم في حالة استرخاء ويحتسون الشاي والقهوة.
في المقابل، نشر تجمع المهنيين السودانيين، عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، صوراً لانطلاق تظاهرات للمرة الأولى في قرية أم طلحة في ولاية الجزيرة، وسط البلاد، ومناطق حجر العسل في ولاية نهر النيل.
وكان البشير قد استبق تظاهرات المعارضة بتأكيده أن تغيير الحكومة والرئيس "لا يتمّان عبر واتس آب وفيسبوك"، بل في صناديق الاقتراع والانتخابات.
وتعهّد الرئيس السوداني، خلال لقاء جماهيري في مدينة كسلا المتاخمة للحدود الإريترية، الخميس، "رعاية الشباب والجلوس معهم والحوار"، مؤكداً "اجتهاد الحكومة لتجاوز الصعوبات التي تمرّ بها البلاد، على الرغم من أنّ الأمور ليست سهلة، فهناك عوامل خارجية وداخلية".
وشدد البشير على أن الحوار والجلوس مع الشباب واجب كل مسؤول في الحكومة والمجتمع، لأن الشباب هم كل الحاضر ونصف المستقبل. وأضاف أن "الشباب هم رصيدنا ورأس مالنا، لذلك توسعنا في التعليم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثلاثة جيوش تستعد للخرطوم
من جهة أخرى، قال مدير جهاز المخابرات السوداني الفريق صلاح عبدالله إن "هناك خمسة جيوش تنتظر ساعة الصفر لتتقدم نحو الخرطوم، بعد إشغالها بالفوضى وأعمال السلب والقتل".
وأضاف في كلمة له خلال حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط الأمن أن "هناك مخططاً تقوده بعض القوى"، التي وصفها بالشريرة، لإحداث الفوضى الشاملة في مركز البلاد تمهيداً للانقضاض عليه، متهماً الأحزاب اليسارية والحركات المتمردة بمحاولة تسلم السلطة، لبدء العهد الذي انتظروه طويلاً، و"تطبيق مشروع السودان الجديد".
وأشار إلى ارتباط مصالح بعض القوى السياسية بالدوائر الخارجية، ومحاولة الهجرة اليومية إلى سفاراتها، لافتاً إلى أن جهاز الأمن والمخابرات يرصد كل ذلك.
الجيش يساند البشير
أعلنت القوات المسلحة السودانية الالتفاف حول قيادتها ممثلة بالرئيس عمر البشير لتفويت الفرصة على من وصفتهم بـ"المتربصين"، وجزمت أنها لن تسلم البلاد إلى "شذاذ الآفاق".
وكانت قوى معارضة وواجهات مدنية قد حثت الجيش السوداني، مع بدء الاحتجاجات الشعبية، على الانحياز إلى خيار الشعب الراغب في الإطاحة بالنظام الحاكم.
لكن كمال عبد المعروف، رئيس هيئة أركان الجيش السوداني، أكد أن القوات المسلحة "لن تسلم البلاد إلى شذاذ الآفاق من قيادات التمرد ووكلاء المنظمات المشبوهة في الخارج، ولن تتوانى في التصدي لهم مهما كلفها من تضحيات، حفاظاً على أمن الوطن وسلامة المواطنين".
وخلال اجتماع عبد المعروف ووزير الدفاع، الفريق عوض بن عوف، مع كبار ضباط الجيش، قال رئيس الأركان إن "القوات المسلحة لن تسمح بسقوط الدولة السودانية أو انزلاقها نحو المجهول".
وأضاف، وفق نشرة صحافية صادرة عن الإعلام العسكري، أن "الذين يتصدرون المشهد في التظاهرات الحالية هم الوجوه ذاتها التي ظلت تعادي السودان وتشوه صورته أمام العالم، وتؤلب عليه المنظمات، وتوفر الدعم للحركات المتمردة التي ظلت تقاتل القوات المسلحة على مدى السنوات الماضية، ثم تأتي اليوم لتشكك في مواقفها الوطنية والإساءة إليها".
وأشار الفريق عوض بن عوف إلى أن "القوات المسلحة تعي تماماً كل المخططات والسناريوات التي تم إعدادها لاستغلال الظروف الاقتصادية الراهنة ضد أمن البلاد عبر ما يسمى الانتفاضة المحمية، وسعي بعضهم إلى استفزاز القوات المسلحة وسوقها نحو سلوك غير منطقي لا يليق بمكانتها وتاريخها".
وقال فتح الرحمن علي، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، إن وتيرة الاحتجاجات الشعبية بدأت بالتراجع بسبب استمرارها فترة طويلة ودخولها الأسبوع السابع، وقد صارت عملاً روتينياً إلى جانب عدم وجود قيادة معروفة للحراك الشعبي.
وأوضح علي أن المناخ بات مهيأً لدخول القوى السياسية في الموالاة والمعارضة في حوار لإيجاد مخرج من الأزمة التي تعيشها البلاد والتوصل إلى تفاهمات وطنية، لأن استمرار التظاهرات في شكلها الحالي لن يؤدي إلى الإطاحة بالحكومة، بل إن الطريق الآمنة لتجنب الفوضى هي التسوية السياسية.
ومنذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تشهد السودان احتجاجات شعبية مطالبة بتنحي البشير، رافقتها أعمال عنف أسفرت عن سقوط 30 قتيلاً وفق آخر إحصاء رسمي، فيما تقول منظمة العفو الدولية إن عدد القتلى 40، وتقدر المعارضة العدد بـ50 قتيلاً.