ملخص
تشير الخلفية الاقتصادية لبيلوسوف إلى رغبة في جعل الإنفاق الدفاعي أكثر كفاءة، ووفق معهد دراسات الحرب فإن بوتين يتخذ خطوات مهمة نحو تعبئة الاقتصاد الروسي وصناعة الدفاع لدعم مجهود حربي طويل الأمد في أوكرانيا.
فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم مطلع الأسبوع الجاري بتعديل كبير في القيادة العسكرية لجيشه في خضم الحرب الأوكرانية، معلناً إقالة وزير الدفاع وحليفه القديم سيرغي شويغو بعد نحو 12 عاماً في المنصب، ولم تكن المفاجأة تتعلق بإقالة شويغو بل بخليفته أندريه بيلوسوف وهو مدني تكنوقراط تتعلق خبرته بالاقتصاد وليس بالشأن العسكري.
وفي حين سعى الكرملين إلى التقليل من شأن الخطوة، مشيراً إلى أن شويغو الذي "أُعفي" من منصبه بموجب مرسوم رئاسي، سيظل جزءاً مؤثرا في إدارة بوتين كأمين لمجلس الأمن الروسي، فإن التغيير نحو بديل اقتصادي حمل كثيراً من التفسيرات والتحليلات التي تناولت الإنفاق الدفاعي الروسي وأشارت إلى تلك التكهنات السابقة في شأن عدم رضا بوتين عن حليفه شويغو الذي وصفه منتقدوه بأنه بعيد من واقع الصراع في أوكرانيا.
تحديث الجيش الروسي
في خطاب ألقاه أمام مجلس الاتحاد الروسي أول من أمس الثلاثاء قال بيلوسوف إن "القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى وزارة الدفاع الروسية هي تزويد الجيش الروسي بالمعدات الحديثة والذخيرة والصواريخ ومعدات الاتصالات والمسيّرات وأنظمة الحرب الإلكترونية"، وذكر أن أولوياته القصوى الأخرى هي تنفيذ أمر دفاع الدولة لعام 2025، والطلب السنوي لوزارة الدفاع الروسية للحصول على أسلحة ومعدات جديدة من صناعة الدفاع الروسية وجهود التجنيد، لكنه أشار إلى أن ليست هناك حاجة لمناقشة "تدابير الطوارئ" مثل التعبئة الجزئية أو العامة للمواطنين الروس.
ويقول الزميل المتخصص في الشأن الروسي لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية كيريل شامييف إن تعيين بوتين لأندريه بيلوسوف وزيراً للدفاع مؤشر على سعي الكرملين إلى تحديث الجيش الروسي سريعاً، وربما تلوح في الأفق تعديلات إضافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح أن بيلوسوف بنى في منصبه السابق كنائب لرئيس الحكومة علاقات قوية مع الشركات الروسية الكبرى وأشرف على توسع كبير في إنتاج المسيّرات في روسيا، ويشير تعيينه إلى أن الكرملين يركز على تحديث الجيش بمزيد من المعدات عالية التقنية مثل المركبات غير المأهولة والذكاء الاصطناعي وأنظمة الاستخبارات المتقدمة والمراقبة وتحديد الأهداف والاستطلاع، فالمتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف شدد على ضرورة دمج القطاع العسكري على نحو أوثق مع الاقتصاد "لجعله متزامناً مع الديناميكيات الحالية".
وقال بيسكوف في إفادة صحافية الإثنين الماضي إن بوتين اختار بيلوسوف بسبب الحاجة إلى "الابتكار"، وركز خلال حديثه على موازنة الدفاع المتزايدة، لافتاً إلى أنها تقترب من المستويات التي شوهدت آخر مرة خلال الحرب الباردة، مضيفاً أنه "اليوم في ساحة المعركة، الفائز هو الأكثر انفتاحاً على الابتكار، لذلك من الطبيعي في المرحلة الحالية أن يقرر الرئيس أن يترأس وزارة الدفاع الروسية مدني".
وفي إشارة إلى الحرب في أوكرانيا، أوضح بيسكوف أنه بسبب "الظروف الجيوسياسية المعروفة، فإننا نقترب تدريجاً من وضع منتصف الثمانينيات عندما كانت حصة نفقات الكتلة الأمنية في الاقتصاد 7.4 في المئة. إنها ليست حرجة، لكنها مهمة للغاية".
حرب طويلة الأمد
ووفق معهد دراسات الحرب في واشنطن، فإن أولويات بيلوسوف المحددة تتوافق إلى حد كبير مع تقييم المعهد بأن تعيينه يشير إلى أن بوتين يتخذ خطوات مهمة نحو تعبئة الاقتصاد الروسي وصناعة الدفاع لدعم مجهود حربي طويل الأمد في أوكرانيا وربما الاستعداد لمواجهة مستقبلية مع "الناتو".
ورأت زميلة برنامج روسيا وأوراسيا لدى مؤسسة "كارنيغي" ألكسندرا بروكوبينكو أن تعيين خبير اقتصادي في وزارة الدفاع علامة على تصور الكرملين لحرب طويلة، وكتبت أن "حرب الاستنزاف تُكسب بالاقتصاد"، مشيرة إلى أن بيلوسوف يؤيد تعزيز الموازنة، مما يعني أن الإنفاق العسكري "في الأقل لن ينخفض بل سيزيد".
تخرج بيلوسوف في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو الحكومية وشغل سلسلة من المناصب الحكومية العليا قبل أن يعمل مستشاراً اقتصادياً لبوتين في الفترة ما بين 2013 و2020. ومنذ ذلك الحين، أصبح نائباً لرئيس الوزراء ومسؤولاً عن الاستراتيجيات الاقتصادية، داعياً إلى فرض ضوابط أقوى للدولة. وعندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، أفادت التقارير بأن بيلوسوف كان العضو الوحيد في فريق بوتين الاقتصادي الذي دعم هذه الخطوة على الفور. ووفق صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإن بيلوسوف، المتدين بشدة، تحدث مراراً وتكراراً عن الحاجة إلى دعم "القيم العائلية التقليدية"، مما يجعله يتماشى مع أجندة بوتين المحافظة.
تدريب الضباط
التحديث التقني الذي يسعى إليه بوتين داخل الجيش لن يكون له معنى من دون تحسين مهارات الضباط الروس ونظام القيادة والسيطرة، وهو السبب وراء الانتقادات التي وجهت إلى شويغو، فعلى رغم التقدم الذي أحرزته روسيا داخل أوكرانيا لكن الحرب كشفت عن نقاط ضعف الجيش الروسي ربما ليس أقلها استعداد القيادة لإرسال مئات الجنود سيئي التدريب والتجهيز إلى ساحات القتال. ولهذا السبب يعتقد مراقبون بأن بيلوسوف، وهو شخص غريب عن العالم العسكري، يحتاج إلى حلفاء داخل هيئة الأركان العامة للجيش لتنفيذ إصلاحاته وإنفاذها.
ويقول شامييف إنه من المقرر الإعلان عن تغييرات أخرى بمجرد حصول بيلوسوف على منصبه وتعيين حلفاء رئيسين، ومن المرجح أن يختار نواب وزير الدفاع الذين يتمتعون بالذكاء الإداري والذين سيكون لهم دور حاسم في إدارة التدفقات المالية الضخمة للجيش وتكييف النظام القانوني والاقتصادي في روسيا لتلبية حاجاته، ومن شأن مثل هذه التغييرات أن تشير بصورة أكبر إلى أن الجيش يستعد لتحديث مبسط وممول على نحو جيد.
ويضيف أنه ينبغي لشركاء أوكرانيا وحلفائها الغربيين أن يراقبوا عن كثب أي تغييرات يجريها بيلوسوف، بخاصة التعيينات الجديدة في الوزارة والتغييرات في قيادة هيئة الأركان العامة والفروع العسكرية وقادة المناطق. وفي ما يتعلق بالتغييرات المؤسسية، سيكون إصلاح أنظمة التعليم والتدريب العسكري والمشتريات وآليات المراقبة والتقييم أمراً بالغ الأهمية أيضاً.
لحظة حاسمة
بيلوسوف ليس أول وزير دفاع مدني في روسيا، فعلى رغم أن شويغو كان يحب ارتداء الزي العسكري، إلا أنه لم تكُن لديه خلفية عسكرية، فقبل أن يصبح وزيراً، كان شويغو يترأس وزارة حالات الطوارئ المسؤولة عن الدفاع المدني ومعالجة الكوارث الطبيعية. وكان وزيرا الدفاع السابقان أناتولي سيرديوكوف، رئيس شرطة الضرائب، وسيرغي إيفانوف، رئيس الاستخبارات الخارجية السابق، لكن أسلاف بيلوسوف جميعهم حصلوا على المنصب في وقت السلم بينما يتولى هو المسؤولية في وقت الحرب، مما يعتبره كثير من المحللين العسكريين لحظة حاسمة في الحرب، إذ تحاول روسيا الاستفادة من تباطؤ الغرب في إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا.
أبقى الكرملين على رئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف في منصبه، مما يعتبره مراقبون قراراً يستهدف الحفاظ على صورة النظام العام، ومن المحتمل أن يتوقف بقاء غيراسيموف في منصبه على مدى فاعلية العمليات الهجومية الروسية في أوكرانيا هذا الصيف وكثافة الحرب، فكلما اشتد القتال، أصبح تغيير القائد العسكري الرئيس فجأة أكثر خطورة. وأكد بيسكوف أن التعديل الوزاري لن يؤثر في "الجانب العسكري"، الذي "كان دائماً من اختصاص رئيس الأركان العامة"، لذا سيواصل غيراسيموف عمله.
ووفق رئيس شركة مايك لاستشارات الاستخبارات مارك جاليوتي فإن رئيس الأركان العامة هو في كثير من النواحي الشخص الرئيس الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى القائد الأعلى بوتين، في حين أن وزير الدفاع يعمل على التأكد من أن الجيش لديه ما يحتاج إليه، وأضاف أن "وجود خبير اقتصادي أمر منطقي في الواقع".
ومع ذلك يقول مراقبون إن غيراسيموف أمضى وقتاً طويلاً في هذا المنصب، وربما لم يعُد على مستوى المهمة بالحجم الذي يرقى إلى تطلعات بيلوسوف. ولتعزيز فرصه في الإصلاح، من الممكن أن يفضل بيلوسوف رئيساً للأركان أصغر سناً ومطيعاً يتمتع بخبرة حربية. وكذلك من المتوقع أن يقوم وزير الدفاع الجديد بتطهير الوزارة من كبار مساعدي شويغو، وهي خطوة من شأنها أن تشجع الاستقرار في لحظة حاسمة من الصراع.
وقال المحلل السياسي المؤيد للكرملين سيرغي ماركوف لـ"واشنطن بوست" إن الدافع الرئيس لبوتين هو كبح جماح الفساد بين كبار الضباط الذي تجسده شخصيات مثل تيمور إيفانوف نائب شويغو الذي اعتُقل في أبريل (نيسان) الماضي واتهم بتلقي رشى ضخمة وأمر بالبقاء رهن الاحتجاز بانتظار إجراء تحقيق رسمي. وفسّر توقيف إيفانوف، على نطاق واسع، على أنه هجوم على شويغو ومقدمة محتملة لإقالته، على رغم علاقاته الشخصية الوثيقة مع بوتين.