ملخص
يشعر رؤساء الجامعات بالرعب من التظاهرات الجارية في حرمها ولكن يجب عليهم دعم الحق في الإساءة
قبل أن أكتب عن الاحتجاجات في الجامعات من أجل غزة، اعتقدت أنه سيكون من المفيد التحدث إلى بعض المتظاهرين الفعليين. لذلك ذهبت إلى كلية لندن الجامعية (UCL)، إذ يوجد احتجاج متواضع. كانت أمسية مشمسة وبدا الاعتصام سلمياً بما فيه الكفاية. لكن لا يمكنني قول مزيد، إذ طردت بأدب من حرم الجامعة.
كان "فريق تجربة الحرم الجامعي" - وهو ما تسميه جامعات مجموعة راسل غروب Russell Group في الواقع حراساً - مهذباً ولكن حازماً. كان المتظاهرون على بعد أمتار قليلة، لكن أوامر الحراس كانت تقضي بإبعاد أي صحافيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحثت في "غوغل" عن رئيس الجامعة الحالي الذي يتقاضى 375 ألف جنيه استرليني سنوياً، الدكتور مايكل سبنس، ووجدت أن مسؤولي العلاقات العامة في الجامعة قد غردوا على "تويتر" بشيء قاله في أغسطس (آب) الماضي عن "الحاجة إلى حسن الاختلاف والتعامل مع أي مناقشات بانفتاح واستعداد للإنصات بعناية".
بحثت في موقع الجامعة على الإنترنت: "نحن مجتمع متنوع يتمتع بالحرية والشجاعة للتحدي والتساؤل والتفكير بصورة مختلفة."
اسمعوا، اسمعوا ذلك. في الواقع، قررت هذه الجامعة الموقرة أنها تفتقر إلى الشجاعة للسماح لي بالإنصات بعناية إلى طلابها. لذا بعد ساعة أو نحو ذلك من الانتظار لمعرفة ما إذا كان رئيس فريق العلاقات الإعلامية المكون من 10 أفراد سيلين قليلاً - ولم يفعل - ذهبت بالدراجة الهوائية إلى كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS).
وعلى النقيض كلية لندن الجامعية، كانت كلية الدراسات الشرقية والأفريقية مرحبة ومنفتحة. كانت هنالك تظاهرة صغيرة وودية بما فيه الكفاية. مطالب المحتجين الأربعة، التي كتبوها على لافتة، هي: الإفصاح عن استثمارات الجامعة، وسحب الاستثمارات من بعض الشركات الإسرائيلية، وإنهاء الترتيبات المصرفية مع "باركليز"، ومقاطعة بعض المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
أنا متأكد من أننا جميعاً قد نتفق، أو نختلف، بصورة حسنة حول هذه المقترحات... إذا ما سمح لنا جميعاً "بالحرية والشجاعة" لإجراء هذا الحوار.
الحقيقة هي أن رؤساء الجامعات حول العالم يشعرون بالرعب حالياً. لقد شهدوا "إطاحة رأسي" جامعتي بنسلفانيا وهارفرد وقرروا أنهم لا يريدون أن يكونوا التاليين على المقصلة. وهم لا يريدون فقط إنقاذ أنفسهم، فقد رأوا كبار المانحين من أصحاب الأموال الضخمة يهددون ببدء الشكل الخاص بهم من أشكال سحب الاستثمارات: أوقفوا الاحتجاجات أو نوقف ضخ الأموال.
تبدو قصيرة الفترة التي شعرت فيها الحكومة بالقلق البالغ على حرية التعبير في الجامعات لدرجة أنها دفعت بقانون جديد يضمنها، وعينت قيصر حرية التعبير، البروفيسور عارف أحمد، لتطبيقه.
ستتذكرون النبرة العامة لكثير من النقاش في ذلك الوقت. لقد أنتجنا جيلاً من الطلاب الذين كانوا يتذمرون باستمرار في شأن الحق في عدم التعرض للإهانة أو الإساءة من خلال الملاحظات الجارحة. كان عليهم أن يتخلوا عن مطالبهم بـ"المساحات الآمنة"، وأن يتحلوا بالنضج قليلاً، حسب التعبير الشائع.
لقد كان البروفيسور أحمد مثالاً على موقف أكثر قوة في الدفاع عن حرية التعبير. "قال في خطابه الافتتاحي بعد ثلاثة أيام من مجزرة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في إسرائيل: "من الضروري أن نتعلم التسامح مع وجهات النظر، والتعبير عن وجهات النظر التي قد نجدها خاطئة بل ومروعة".
إنه خطاب جيد، وقد أكد أن "حرية الإهانة حق أساسي". "إن أي خلاف حول المسائل السياسية أو الاجتماعية التي تهم الناس في الواقع من المرجح أن يتسبب في شعور بعضهم بالإهانة". وأشار إلى حركة الحقوق المدنية. فقد اعتقل الآلاف من الأميركيين السود أو سجنوا في الستينيات بسبب خطابهم الذي احتجوا فيه على الفصل العنصري، لكنهم كانوا على حق.
وخلص إلى أن "الكلمات ليست نوعاً من العنف". "إنها البديل للعنف، وإذا نسيت المجتمعات ذلك، فإنها تنتهي بكونها مجتمعات". الأمر في غاية الوضوح.
بعد مرور ستة أشهر على ذلك، صمت عديد من أكثر المدافعين عن حرية التعبير صخباً. إنهم يشعرون بالإهانة من بعض اللافتات والهتافات التي استخدمتها أقلية من المتظاهرين، وبصراحة لن يتسامحوا معها. لقد رأوا فجأة جدوى "المساحات الآمنة" لأولئك الذين قد يشعرون بالاستفزاز أو التهديد. إنهم يهتفون لشرطة مكافحة الشغب وهم يندفعون إلى الجامعات الأميركية. ويسخرون من فكرة الاحتجاج ذاتها. فيتنام، والفصل العنصري، والحقوق المدنية - كما لو أن الاحتجاجات في الحرم الجامعي غيرت أي شيء على الإطلاق. لا أحد يهتم بما تفعله أو تفكر فيه. عودوا إلى العمل.
أين البروفيسور أحمد الآن؟ لقد نقل عنه قوله إنه لن يفصح عما إذا كانت مصطلحات مثل "الانتفاضة العالمية" أو شعارات مثل "من النهر إلى البحر" محمية بموجب التشريع الجديد.
وقال لصحيفة "غارديان" في ديسمبر (كانون الأول): "سأكون متردداً في القول إن أي عبارة معينة ستكون مقبولة دائماً أو غير مقبولة دائماً، لأن الأمر سيعتمد في عديد من هذه المسائل على مجموعة متنوعة من العوامل". "أنا بالتأكيد لن أقول: أوه يمكنك أن تقول شيئاً ما دائماً أو لا يمكنك أن تقول شيئاً ما، لهذا السبب."
هذا أمر منطقي، على رغم أن الناس قد يتساءلون مع مرور الوقت عن الهدف من وظيفة الـ100 ألف جنيه استرليني في السنة. السياق هو كل شيء، وسيتعين اتخاذ القرارات الصعبة على أساس يومي، إن لم يكن كل ساعة من قبل مديري الجامعات وقادة الشرطة. يا له من عالم قديم مضحك عندما يبدو أن قائد شرطة العاصمة، مارك رولي، لديه فهم أفضل للسياق المعقد لحرية التعبير من بعض عتاة السلاطين الجامعيين، أو النواب الشعبويين الذين يطالبون بهذا الرأس.
قد نرغب جميعاً في احتجاجات متوازنة بصورة رائعة. كان من شأنها أن تعترف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع شجب عدد الضحايا المدنيين. ومن شأنها أن تدعو إلى إطلاق سراح الرهائن مع إدانة التكتيكات العدوانية للجيش الإسرائيلي. كما ستجد طريقة لتأييد حق إسرائيل في الوجود بينما تنأى بنفسها عن سياسات بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ستجد طريقة لتذييل عبارة "من النهر إلى البحر" بعبارة مماثلة على لسان بنيامين نتنياهو. قد تسيء، ولكن من دون أن تنقلب إلى أي شيء يمكن اعتباره مضايقة.
لكن هذه ندوة جامعية، وليس شعاراً على لافتة في الحرم الجامعي. لقد فهمت حركة الحقوق المدنية التي أشاد بها البروفيسور أحمد ذلك. ففي رسالته الشهيرة من سجن برمنغهام قبل 60 عاماً، قال مارتن لوثر كنغ: "قد تتساءلون، لماذا العمل المباشر، لماذا الاعتصامات والمسيرات وما إلى ذلك؟ أليست المفاوضات هي الطريق الأفضل؟ أنتم محقون تماماً في دعوتكم للتفاوض. في الواقع، هذا هو الغرض من العمل المباشر. يسعى العمل المباشر اللاعنفي إلى خلق مثل هذه الأزمة وخلق مثل هذا التوتر الخلاق الذي يجبر المجتمع الذي رفض التفاوض باستمرار على مواجهة المشكلة. إنه يسعى إلى تهويل المشكلة كي لا يمكن تجاهلها بعد الآن."
لم يسمح لي بالتحدث إلى متظاهري كلية لندن الجامعية: فقد قيدت حريتهم في شرح أسباب احتجاجهم من قبل جامعتهم. ولكنني أخمن أنهم، إذا سمح لهم بالتحدث، قد يستخدمون كلمات مشابهة لكلمات الدكتور كنغ: إنهم يسعون إلى إضفاء طابع درامي على إراقة الدماء في غزة بحيث لا يعود من الممكن تجاهلها.
© The Independent