ملخص
أدت الاضطرابات التي تشهدها الجامعات الأميركية منذ أسابيع إلى تفاقم التوترات داخل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس الأميركي في شأن تعامله مع الصراع في الشرق الأوسط ، ويرى مراقبون بأن تحول الاحتجاجات من تأييد فلسطين إلى معادة أميركا يمكن أن يضر ببايدن في طريقه نحو الانتخابات ويدفع بفوز ترمب.
لم يغفل الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب الاحتجاجات المناهضة لحرب غزة في الجامعات الأميركية، وذهب إلى المقارنة بين تعامل سلطات بلاده مع المتظاهرين الذين استولوا على مبنى دراسي في جامعة كولومبيا، "بشكل أكثر تساهلا" مما كان مع مثيري الشغب من مؤيديه الذين اقتحموا مبنى الكونغرس في يناير (كانون الثاني) 2021، احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها جو بايدن.
ويستفيد ترمب بطريقتين من الاضطرابات الواقعة في الجامعات لدعم حملته في انتخابات الرئاسة 2024، فالأولى تتعلق بانتقاد بايدن لفشله في قمع الاحتجاجات التي تشير إلى أن "الولايات المتحدة تخرج عن نطاق السيطرة تحت قيادة الديمقراطيين"، والثانية تتمثل في صرف الاهتمام عن المحاكمة الجارية لترمب في نيويورك بتهمة تزوير وثائق في قضية "شراء صمت" نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز.
يرى مراقبون محافظون بأن الاحتجاجات المستمرة ضد حرب في الخارج تنقل تصوراً مفاده أن بايدن لا يمكن أن يكون الزعيم الذي تحتاجه أميركا
معاداة أميركا
وتقول وسائل إعلام أميركية إن ما بدأ كنداءات مؤيدة للفلسطينيين لوقف إطلاق النار أو دعوة إسرائيل لوقف الحرب بعد تعرضها لهجوم حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 تصاعد الآن إلى أعمال عنف واحتلال أو إتلاف للممتلكات الجامعية، وخطب معادية للسامية وإيماءات معادية لأميركا، ويحدث هذا في جامعات البلاد، من "جامعة كاليفورنيا" في لوس أنجلوس و"جامعة تكساس" إلى "جامعة كولومبيا" و"جامعة نورث كارولينا"، ومن ثم فإن هذا التوجه "التقدمي" في الجامعات الذي تحول من تأييد فلسطين إلى معادة أميركا يمكن أن يضر بالرئيس جو بايدن في طريقه نحو الانتخابات ويدفع بفوز ترمب.
واعتقلت شرطة مدينة نيويورك 300 شخص في كولومبيا، حيث احتل المتظاهرون مبنى في الحرم الجامعي وحطموا الزجاج وحصنوا أنفسهم، وفي "جامعة كاليفورنيا" أقيم مخيم مؤيد لفلسطين لأيام عدة، واحتدمت الثلاثاء الماضي نوبات من العنف لساعات أشعلها متظاهرون مناهضون قبل أن تتدخل الشرطة.
وفي "جامعة نورث كارولينا" في تشابل هيل، وفقاً لمحطة "سي بي إس"، فقد "اندفع المتظاهرون إلى منتصف الساحة في حرم "جامعة نورث كارولاينا" واستبدلوا العلم الأميركي بالعلم الفلسطيني، بينما كانوا يهتفون "من النهر إلى البحر" و"فلسطين حرة".
وتقول الكاتبة الأميركية نيكول راسل إن "ما نراه في الحرم الجامعي ليس احتجاجات صحية وسلمية أو خطاب كراهية محمي بموجب التعديل الأول للدستور"، مضيفة أن مقاطع الفيديو من "جامعة كاليفورنيا" في لوس أنجلوس إلى كولومبيا لم تعد تدور حول دعم فلسطين أو حرب قديمة حول الأرض، بل إن كثيراً من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد هي معادية لليهود بشكل صارخ أو مؤيدة لـ "حماس" أو مناهضة للولايات المتحدة.
وتعتقد راسل أنه إذا استمرت الاحتجاجات على هذا النحو أو عادت مجدداً عندما تستأنف الدراسة في الخريف، فسوف تبدأ مجموعة كبيرة من الأميركيين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء في إعادة تقييم مرشحي المناصب، ليضمنوا أنهم يدينون معاداة السامية ويرفضون التعصب ولا يدعمون بشكل كامل الطلاب في جامعات الولايات أو "جامعات آيفي ليغ"، ممن يقولون إنهم يكرهون أميركا، حتى لو كان عددهم مجرد بضعة آلاف من الطلاب المتطرفين في الحرم الجامعي، مقارنة بالملايين من الشباب في سن الدراسة الجامعية، إذ سيرغب الناخبون في رئيس يُظهر المشاعر المؤيدة لأميركا، وهنا حيث سيرسم الأميركيون الخط الفاصل.
ودان بايدن معاداة السامية وأكد في تعليقات أدلى بها من البيت الأبيض الخميس الماضي أنه "لا مكان في حرم جامعي أو في أميركا لمعاداة السامية أو أي خطاب كراهية"، قائلاً إنه "يجب أن تحدث الاحتجاجات من دون عنف أو تدمير أو كراهية وفي إطار القانون". وأشار الرئيس الأميركي إلى أن احتجاجات الجامعات تضع الحق في حرية التعبير وسيادة القانون على المحك، "فهناك حق في الاحتجاج، لكن ليس الحق في إثارة الفوضى".
ويعتقد مراقبون محافظون أنه لا يهم الآن إذا ما دان بايدن المتظاهرين، فلقد تمادوا كثيراً، فهم الآن لا يعبرون عن كراهيتهم لإسرائيل وحسب بل يكرهون أميركا أيضاً، وتلك الاحتجاجات المستمرة ضد حرب في الخارج تنقل تصوراً مفاده أن بايدن لا يمكن أن يكون الزعيم الذي تحتاجه أميركا، وبغض النظر عن دعم بايدن لإسرائيل وإدانته المتظاهرين فقد وقع الضرر وقد يستمر حتى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل عندما يذهب الأميركيون إلى صناديق الاقتراع، وتقول راسل إن "ترمب مستعد لاستخدام هذا لمصلحته".
ويقول الباحث في مركز السياسة بـ "جامعة فيرجينيا" كايل كونديك إنه "لا يمكنك التوصل إلى حل أفضل للجمهوريين من المتظاهرين اليساريين المتطرفين في الحرم الجامعي، فذلك يخدم روايتهم الأوسع للانتخابات وهي أن ترمب سيأتي وينظف الفوضى".
فيتنام بايدن
وأدت الاضطرابات التي تشهدها الجامعات الأميركية منذ أسابيع إلى تفاقم التوترات داخل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس في شأن تعامله مع الصراع في الشرق الأوسط، وخلال مقابلة مع كريستيان أمانبور على محطة "سي إن إن" قال القيادي الديمقراطي اليساري السيناتور بيرني ساندرز إن "احتجاجات الجامعات الأميركية قد تكون ’فيتنام بايدن‘"، محذراً من أن موقف الرئيس من حرب غزة ربما أدى إلى نفور الناخبين الشباب وغير الشباب أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقارن ساندرز بين الاحتجاجات الحالية وتلك التي حدثت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون أواخر الستينيات عندما احتج الطلاب ضد "حرب فيتنام"، وقال إن "هذه قد تكون ’فيتنام بايدن‘ فقد كان ليندون جونسون رئيساً جيداً جداً في كثير من النواحي، واختار عدم الترشح عام 1968 بسبب معارضة آرائه في شأن فيتنام، وأشعر بقلق شديد من أن الرئيس بايدن يضع نفسه في موقف يؤدي فيه إلى نفور ليس الشباب وحسب، بل كثير من القاعدة الديمقراطية في ما يتعلق بآرائه حول إسرائيل وهذه الحرب".
وأثارت التداعيات السياسية لحرب غزة مقارنات مع الاحتجاجات ضد "حرب فيتنام" التي خلفت ضرراً لمؤتمر الحزب الديمقراطي عام 1968 وساعدت في تمهيد الطريق لانتصار الجمهوري ريتشارد نيكسون على هيوبرت همفري خلال السباق إلى البيت الأبيض في وقت لاحق من ذلك العام، وفي رد على سؤال لأحد الصحافيين قال بايدن إن احتجاجات الجامعات لن تدفعه إلى إعادة النظر في سياساته حول الشرق الأوسط.
فرصة ضائعة
وإضافة إلى الخلاف المتصاعد داخل الحزب الديمقراطي في شأن دعم إسرائيل في حربها ضد "حماس"، صرفت الاحتجاجات بعض الاهتمام عن محاكمة ترمب مما يمثل فرصة ضائعة للديمقراطيين، وقال الخبير الاستراتيجي الجمهوري والمساعد السابق في الكونغرس جون فيهيري إن "الديمقراطيين كانوا يحاولون تحقيق انتصار كبير من محاكمات ترمب، لكنهم احتلوا مقعداً خلفياً" في مواجهة الاحتجاجات.
وفي قناة "فوكس نيوز" قال أحد مقدمي الأخبار المحافظين إن الصور القادمة من الكليات تشبه تلك الموجودة في دولة من "العالم الثالث"، إذ انتقد المعلقون اليمينيون السياسيين الديمقراطيين بسبب الاحتجاجات، وقال الحاكم السابق لولاية أركنساس مايك هاكابي "تُجرى محاكمة الرئيس السابق للولايات المتحدة بينما هؤلاء البلطجية يتسببون في فوضى لا تصدق".
وتقول صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن الجمهوريين استخدموا الاضطرابات لتصوير بايدن على أنه ضعيف وغير راغب في مواجهة منتقديه اليساريين، أو الإدلاء بتعليقات عامة أكثر قوة حول هذا الموضوع، وقال السيناتور اليميني توم كوتون للصحافيين الأربعاء الماضي "متى سيدين الرئيس بنفسه وليس أبواقه هؤلاء الغزويين الصغار المليئين بالكراهية؟".
وأضاف كوتون، "يحتاج الرئيس بايدن إلى إدانة المتعاطفين مع ’حماس‘ في الحرم الجامعي من دون مواربة حول خوض الإسرائيليين حربا عادلة من أجل البقاء"، فيما قال فيهيري إن "مشكلة بايدن هي أنه لم يكن أحد ينتبه إليه، وأن المتظاهرين لم يكونوا خائفين منه"، مضيفاً "يجب أن يدعم القانون والنظام، إنه مثل الأب الذي يحاول إقناع الأطفال بالهدوء من خلال إعطائهم مزيداً من الحلوى".
وبينما يتبقى أقل من أربعة أشهر قبل انعقاد المؤتمر الديمقراطي يسير بايدن على خط رفيع للغاية بين إدانة الاحتجاجات غير المقبولة وعدم تنفير الناخبين التقدميين الشباب الذين يحتاج إلى أصواتهم، وقالت منظمة "كلية الديمقراطيين الأميركيين"، وهي منظمة طلابية تابعة للجنة الوطنية الديمقراطية، إنها تدعم إعادة انتخاب بايدن لكنها أضافت أن الطلاب بشكل عام لديهم "الوضوح الأخلاقي لرؤية هذه الحرب على حقيقتها وأنها مدمرة وإبادة جماعية ووحشية وظالمة"، وانتقدوا "الجمهوريين" بسبب "تشويه سمعة جميع المتظاهرين باعتبارهم بغيضين"، وكذلك إستراتيجية "عناق الدب" التي ينتهجها بايدن تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
غزة ليست أولوية
ومع ذلك يقول مراقبون إن هناك أدلة قليلة حتى الآن على أن صور الاضطرابات في الحرم الجامعي لها تأثير جذري في مواقف الناخبين، على رغم أن بعضهم يحذر من أن هذا قد يتغير إذا استمرت الاحتجاجات في الخريف، مشيرين إلى أن "حرب غزة" لا تلقى صدى لدى الرأي العام الأميركي بالطريقة نفسها التي حظيت بها الحرب في فيتنام، إذ نشر أكثر من نصف مليون جندي أميركي بحلول عام 1968.
ويقول كونديك إنه "من المؤكد أن الاحتجاجات الحالية كبيرة، ولكن يبدو أن فيتنام كانت مختلفة كثيراً عن غزة، وكان هناك شباب يجندون للقتال في الخارج، وكانت أميركا داخلة بشدة في خوض حرب برية في الخارج".
ويشير مراقبون آخرون إنه حتى بالنسبة إلى الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 34 سنة، وهي المجموعة التي أظهرت استطلاعات الرأي أن تقدم بايدن على ترمب يتراجع بشكل كبير بينها، فإن غزة تلعب دوراً أقل بكثير مما تشير إليه المشاعر المنبثقة من الحرم الجامعي. وقالت إيمي والتر، من منظمة "كوك بوليس ريبورت" المتخصصة في رصد ومراقبة الانتخابات، لبودكاست "حرية التعبير" في "صحيفة وول ستريت جورنال"، "ما نراه من البيانات هو أنه بالنسبة إلى الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 34 سنة فإن أهم القضايا هي القضايا الرئيسة نفسها للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 34 سنة وتتعلق بالاقتصاد وكلفة المعيشة، إنهم قلقون في شأن مسألة العنف المسلح".
وتقول صحيفة "غارديان" البريطانية إنه في مؤشر محتمل على أن التأثير الانتخابي لحرب غزة قد يكون محدوداً حتى على الناخبين الأصغر سناً، فقد كشف استطلاع لشبكة "إن بي سي" شمل مجموعة من طلاب الجامعات المعارضين لدعم الولايات المتحدة الهجوم العسكري الإسرائيلي، أن القليل منهم يعتزمون التصويت على أساس هذه القضية، على رغم أن بعضهم قالوا إنهم سيختارون مرشحي حزب ثالث مثل جيل شتاين من "حزب الخضر" أو روبرت إف كينيدي جونيور.
لكن بالنسبة إلى بايدن فحتى ذلك يمكن أن تكون له آثار سلبية، لأنه سيحرمه من أصوات كان ينبغي أن يحصل عليها، وتقول والتر "إذا أخذت نسبة صغيرة فقط من الشباب الذين لديهم مشاعر قوية تجاه هذه القضية فإنهم يقولون إن ليس بإمكانهم التصويت لمصلحة ترمب، لكن بايدن ليس جيداً ولذا سيبقون في المنزل، وبالنسبة إلى بايدن فذلك يعني كثيراً".