Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيانات مسربة: وفاة 15 ألف شخص خلال عام في مؤسسات صحية بريطانية

حصري: الأرقام المذهلة حول مراكز رعاية الصحة العقلية المجتمعية سربها أحد المبلغين عن المخالفات

من يسار الصورة، لويز مورموت وجولي مونتاكوت والمسعفة ريبيكا ماكليلان (اندبندنت)

ملخص

أكثر من 15 ألف مريض لقوا حتفهم أثناء وجودهم تحت رعاية خدمات الصحة العقلية المجتمعية في بريطانيا، وذلك خلال عام واحد فحسب

للمرة الأولى يجري الكشف عن حصيلة صادمة لعدد الوفيات بين المرضى الذين يتلقون رعاية خدمات الصحة العقلية المجتمعية المنهكة في المملكة المتحدة، وذلك بعد تسريب تقرير مهم صادر عن هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس) NHS لـ"اندبندنت".

وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أن أكثر من 15 ألف شخص فقدوا حياتهم في عام واحد، بينما كانوا يتلقون الرعاية من فرق الصحة العقلية المجتمعية، في وقت تعاني فيه المؤسسات الصحية نقصاً في عدد العاملين والتمويل، وسط ارتفاع قياسي في الطلب على الرعاية.

وأتيح نشر الأرقام المتعلقة بحالات الوفاة التي حدثت في الفترة الممتدة ما بين مارس (آذار) 2022 والشهر نفسه من عام 2023، بعدما كشف عنها قام أحد المطلعين على تفاصيل عمل هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" بتسليم تقرير سري لـ"اندبندنت". وأقرت السلطات المعنية بصحة البيانات التي جمعت للمرة الأولى العام الماضي في محاولة للتخفيف من نسبة الوفيات، مشيرة إلى أنها لم تقم بنشرها للجمهور العام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشمل الأرقام المرضى الذين كانوا يتلقون الرعاية من جانب فرق الصحة العقلية المجتمعية العامة، إلا أن البيانات تشير إلى أن عدد الوفيات سيكون أعلى بكثير إذا ما جرى إدراج مرضى آخرين كانوا يتلقون الرعاية من فرق الأزمات، أو فرق الصحة العقلية المتخصصة في تقديم الدعم للنساء أثناء فترة الحمل وفترة ما بعد الولادة، أو أولئك الذين كانوا يتلقون رعاية تدخلية مبكرة من فرق معالجة المصابين بالذهان. وتشمل الوفيات المبلغ عنها، تلك الناجمة عن الانتحار، والحالات التي لا يمكن فيها تحديد الانتحار بصورة قاطعة في التحقيق، وحالات الوفيات غير المتوقعة مثل النوبات القلبية أو السكتات الدماغية أو الحوادث.

وقد قام عدد من المرضى وأسرهم - بمن فيها عائلات أولئك الذين فقدوا حياتهم بسبب الانتحار - بمشاركة التجارب التي مر بها هؤلاء، مع "اندبندنت"، ووصفوا كيف اضطروا هم وأحباؤهم إلى "توسل" الفرق الطبية المنهكة من أجل للحصول على العلاج.

وأعرب أحد كبار المطلعين على أداء مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" عن أسفه لاضطرار الرعاية المجتمعية إلى المعاناة من "عقود من الإهمال"، ملقياً باللوم في ذلك على القيادة الصحية لإعطائها الأولوية بصورة غير متناسبة لخدمات المرضى الداخليين في المستشفيات. وكما هو معلوم فإن خدمات الصحة العقلية المجتمعية تشمل الرعاية المقدمة خارج المستشفيات، بما فيها العلاج في العيادات أو في منازل المرضى.

ويكشف التقرير الذي جرى تسريبه عن الآتي،

  - لقيت نساء لا يقل عددهن عن 137 حتفهن ما بين عامي 2022 و2023، أثناء وجودهن تحت رعاية خدمات الحوامل في مؤسسة صحية لم يكشف عن اسمها.

  - توفي نحو فرد من كل 10 مرضى كانوا يتلقون العلاج من جانب إحدى الخدمات المتعلقة بالأزمات، وهي مخصصة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون حالات شديدة متعلقة بالصحة العقلية، أثناء تلقيهم تلك الرعاية.

  - قامت إحدى مؤسسات الصحة العقلية - لم يذكر اسمها - بتوثيق أكثر من 500 حالة وفاة خلال تلك الفترة الممتدة على نحو عام.

ويلفت التقرير إلى أنه على الصعيد الوطني، توفي ما معدله 127 مريضاً من كل 10 آلاف شخص كانوا يخضعون للرعاية على يد جميع فرق الصحة العقلية المجتمعية، وذلك في الفترة الزمنية الممتدة ما بين عام 2022 وعام 2023. وتشير تقديرات "اندبندنت" إلى أن هذا الرقم يوازي أكثر من 15 ألفاً حالة وفاة من بين مليون و200 ألف مريض تقوم هذه الفرق بمعالجتهم.

وكان أطباء شرعيون نبهوا العام الماضي إلى الخطر المرتبط بوقوع هذه الوفيات، وكذلك إلى النقص على المستوى الوطني في عدد الأطباء النفسيين وغيرهم من العاملين في مجال الصحة العقلية المجتمعية. هذا النقص أدى إلى حصول المرضى "الضعفاء"، المعرضين لخطر إيذاء أنفسهم، على "دعم محدود للغاية أو حتى معدوم".

ووصلت نسبة الشغور في الوظائف على مستوى فرق الصحة العقلية المجتمعية إلى 12 في المئة، حتى مع تزايد عدد المرضى الذين يتلقون العلاج بنسبة 11 في المئة.

ابنة ناتالي ماكليلان ريبيكا - وهي مسعفة متدربة تبلغ من العمر 24 سنة، وكانت تعمل لدى هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" في منطقة شرق إنجلترا - وشخصت إصابتها بـ"اضطراب ثنائي القطب" Bipolar Disorder في عام 2022. وبعدما واجهت صعوبات على مدى عام في الحصول على رعاية الصحة العقلية من "مستشفى نورفولك أند سافولك" Norfolk and Suffolk NHS Foundation Trust التابع لهيئة "أن أتش أس"، عثر عليها متوفاة داخل شقتها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني).

وروت والدتها السيدة ماكليلان أنها شاهدت لقطات كاميرات المراقبة لابنتها خارج مستشفى للصحة العقلية، وهي تتوسل العاملين منحها المساعدة. وقالت لـ"اندبندنت"، "لديّ دليل مصور بالفيديو على لجوئها إليهم وطلب المساعدة. فاللقطات تظهر وهي تتوسل إليهم بحق على مدى 6 دقائق، أن يسمحوا لها فحسب بمقابلة أي اختصاصي صحي".

وتضيف أن "هناك عدداً لا يحصى من الأفراد - مثل ابنتي - الذين يتحملون تداعيات هذه الإخفاقات في المستشفى. إن ابنتي ليست مجرد رقم، فالألم الذي كابدته لا يغتفر. ولم تكن تستحق أن تتحمل المعاناة التي عاشتها".

"مؤسسة نورفولك أند سافولك الصحية" أوضحت أنها فتحت تحقيقاً في وفاة ريبيكا ماكليلان.

وتجمع البيانات الإحصائية من طريق "شبكة أن أتش أس للمقارنة المعيارية" NHS Benchmarking Network التي تتولى قياس مؤشرات أداء مختلف مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" والتدقيق فيها. والأرقام هذه لا تميز بين الوفيات التي كان يمكن تجنبها وتلك المتوقعة.

وأوضح متحدث باسم المؤسسة أن "جمع هذه المعلومات المحددة في الوقت الراهن، يهدف إلى مساعدة الخدمات على معالجة المخاوف المرتبطة بالصحة البدنية والعقلية بصورة أفضل لتقليل الوفيات. ولا تزال الوفيات المبكرة تشكل مصدر قلق كبيراً بالنسبة إلى الأفراد الذين يعانون اضطرابات شديدة في الصحة العقلية".

وفي الشهر الماضي، اقترحت هيئة تتولى مراقبة الصحة في بريطانيا - وهي "لجنة مراقبة جودة الرعاية" Care Quality Commission (CQC) - إجراء مراجعة وطنية لرعاية الصحة العقلية المجتمعية. وتأتي هذه التوصية في أعقاب مخاوف أثيرت في المؤسسة التي تلقى فيها فالدو كالوكاين العلاج. وقد أقدم كالوكاين على طعن ثلاثة أشخاص في مدينة نوتنغهام العام الماضي، مما أدى إلى مفارقتهم الحياة.

وتبين أرقام "لجنة مراقبة جودة الرعاية" التي نشرت في الأسبوع الماضي، أن أكثر من ربع عدد المرضى الذين طلبوا المساعدة في مجال الصحة العقلية من فرق الأزمات المجتمعية، لم يتمكنوا من الحصول على الدعم الذي يحتاجون إليه عندما قاموا بالاتصال بها.

ويأتي هذا الكشف بعد إطلاق مراجعة وطنية لخدمات الصحة العقلية للمرضى الداخليين، وذلك على أثر نشر "اندبندنت" تقارير استقصائية عن الموضوع.

وقال الشخص الذي أبلغ عن المخالفات لـ"اندبندنت"، "من المهم أن يفهم الناس أن ما بين 96 إلى 98 في المئة من الأفراد الذين يتعاملون مع خدمات الصحة العقلية، يتلقون رعاية من فرق الصحة العقلية المجتمعية. ومع ذلك، فإن هذه الفرق لا تحظى سوى بموازنة قليلة واهتمام ضئيل. بالتالي ليس من المستغرب أن تتزايد الضغوط لجهة الطلب على الأسرة في المستشفيات، عندما تعاني الفرق المجتمعية من نقص في الموارد".

سافرون كورديري نائبة الرئيس التنفيذي لمنظمة "أن أتش أس بروفايدرز" NHS Providers التي تمثل المستشفيات ومؤسسات الإسعاف التابعة لـ"الخدمات الصحية الوطنية، أعربت عن قلقها بالقول، "إن الضغط المتصاعد على خدمات الصحة العقلية المجتمعية قد يفضي إلى نتائج سيئة".

أما مارك وينستانلي الرئيس التنفيذي لمؤسسة "ريثينك منتل إيلنيس" Rethink Mental Illness الخيرية [التي تعنى بتحسين حياة الأشخاص المتضررين بشدة من الأمراض العقلية]، فرأى أن هناك "تفاوتاً كبيراً" بين الطلب على الرعاية من جانب المرضى من جهة، وعدد القوى العاملة في مجال الصحة العقلية في مرافق "أن أتش أس" من جهة مقابلة. وحض الحكومة البريطانية على ضخ "مساهمات تمويلية كبيرة" في هذه الخدمات الأساسية.

استنزاف عقلي وانفصال عن الواقع

لا تكشف هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" عن أوقات انتظار النساء الخدمات المجتمعية في الفترة المحيطة بالولادة، التي تعالج الحوامل لمدة عام ما بعد الولادة، لكن البيانات الواردة في التقرير تكشف عن أن متوسط فترة انتظار الموعد الأول بعد الإحالة في عامي 2022 - 2023 كان ثلاثة أسابيع، في وقت أفادت فيه بعض المؤسسات الصحية عن فترات انتظار تجاوزت 25 أسبوعاً.

لويز مورموت عانت محنة استمرت خمسة أعوام مع الخدمات المجتمعية في مقاطعة إيسكس، وقد بدأت معاناتها عندما طلبت المساعدة لعلاج انتكاسة شديدة من "اضطراب الوسواس القهري" Obsessive Compulsive Disorder [اضطراب نفسي يشعر فيه المصاب أن فكرة معينة تلازمه دائماً وتحتل جزءاً من الوعي والشعور لديه، وذلك بصورة قهرية] أثناء حملها الأول.

وكانت السيدة مورموت البالغة من العمر 42 سنة تمكنت من علاج "الوسواس القهري" الذي عانته على مدى 10 أعوام باستخدام الأدوية. فإنها توقفت عن تناول الدواء بناءً على توصية أطبائها عندما أصبحت حاملاً، ما تسبب في تدهور صحتها. وذكرت أنها أحيلت إلى الخدمات المجتمعية المخصصة للفترة المحيطة بالولادة التي يديرها "مستشفى الشراكة مع جامعة إيسيكس" Essex Partnership University Hospital Foundation Trust التابع لـ"الخدمات الصحية الوطنية".

وتوضح أنه على رغم تشخيصها المؤكد، فقد قام الفريق بمعالجتها من حالات أخرى، مثل "الاضطراب ثنائي القطب"، واصفاً لها دواء مضاداً للذهان، قالت إنه كان له تأثير الـ"زومبي" عليها [لجهة الاستنزاف العقلي والعاطفي والانفصال عن الواقع]. وتقول أيضاً أن أحد الأدوية التي أعطي لها، وهو "ميرتازابين" Mirtazapine، جعلها تفكر بالانتحار.

ووفقاً للسيدة مورموت، فقد تدهورت حالتها العقلية في نهاية الأمر إلى الحد الذي تطلب إدخالها مرات عدة إلى قسم "الحوادث والطوارئ" وبعد خمسة أشهر، أدخلت إلى وحدة الأمهات والأطفال، إذ أنجبت ابنها، لكن التحديات التي كانت تواجهها في الحصول على الرعاية لم تتوقف عند هذا الحد. فبعد خروجها، زعم أنه قيل لها بوجوب الانتظار لمدة ستة أشهر للحصول على إحالة. وتزعم والدتها التي كانت تعتني بها، أنها اضطرت إلى زيارة مكاتب الفريق والتوسل إلى أحد الأفراد للاستجابة لحالة ابنتها.

وتصف السيدة مورموت شعورها آنذاك بالقول، "رزقت بطفل لا أستطيع رعايته. كان على والدتي أن تتدخل وتعتني بي وبابني أثناء طفولته. إنه لأمر مثير للصدمة فعلاً أن نترك في مثل تلك الظروف نتحمل أشهراً من المعاناة في انتظار اتخاذ إجراءات، في وقت كنت أتلقى فيه علاجات غير صحيحة مراراً وتكراراً". وتضيف "أعتبر نفسي محظوظة لأنني ما زلت على قيد الحياة، كما أن ابني البالغ من العمر الآن خمسة سنة، محظوظ هو الآخر لأنني لا أزال معه".

وتشير رسالة تلقتها السيدة مورموت من "مستشفى الشراكة مع جامعة إيسيكس"، إلى عدم التمكن من إحالتها إلى رعاية متخصصة وطنية، بسبب تلقيها استشارة خاصة في وقت سابق.

وقال متحدث باسم المؤسسة، "إننا نشجع أي شخص لديه مخاوف في ما يتعلق برعايته وعلاجه، على التواصل معنا. نحن ملتزمون التعاون مع الأفراد وأسرهم لضمان تلبية حاجاتهم الفردية".

التوسل للحصول على الرعاية

لا توجد في الواقع أوقات انتظار محددة لخدمات الصحة العقلية المجتمعية للبالغين. إلا أن تقريراً صادراً عن هيئة "أن أتش أس" كشف عن أن بعض المؤسسات الاستشفائية لديها فترات انتظار تتجاوز 50 أسبوعاً لحصول المرضى على موعدهم الأول.

وكانت جولي والدة بيكي مونتاكوت قد توفيت عام 2018. وفي العام الذي سبقه، أدخلت إلى أحد الأقسام لمدة ستة أسابيع، ثم خرجت بعد ذلك إلى المجتمع مع "متابعة ضئيلة"، كما تزعم ابنتها. وتضيف، "كانت تتواصل باستمرار مع خدمات الصحة العقلية قائلة للعاملين، ’أنا لست على ما يرام‘، وتطلب مراجعة أدويتها... وكانت تسعى إلى أن تجعلهم يساعدونها، لكنهم فشلوا في الاستجابة بصورة مناسبة. حتى إن إحدى الممرضات اقترحت عليها أن تجرب القيام بأعمال البستنة في حديقتها".

لدى طرح السؤال على "هيئة الخدمات الصحية في إنجلترا" (أن أتش أس إنغلاند) NHS England ووزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية عما إذا كانت ستجرى مراجعة لخدمات الصحة العقلية المجتمعية، لم يكن هناك أي رد، لكنهما قالتا إنه جرى استثمار نحو مليار جنيه استرليني (مليار و230 مليون دولار أميركي) في هذه الخدمات، في الفترة الممتدة ما بين عام 2019 والعام السابق. وأكدتا أن جميع المناطق لديها وحدة خاصة بالأزمات (تعنى بالأفراد الذين يعانون أزمات حادة في مجال الصحة العقلية).

وقالت أخيراً وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، "نعرب عن تعاطفنا العميق مع الأسر المفجوعة في هذه الحالات، ونريد أن يحصل الجميع على الرعاية الآمنة التي يستحقونها".

 

إذا كنت تكابد مشاعر ضيق، أو تكافح من أجل التأقلم، يمكنك التحدث إلى المؤسسة الخيرية "ساماريتانز" Samaritans، في إطار من السرية، على الرقم 116 123 (المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا)، أو إرسال بريد إلكتروني إلى [email protected]، أو زيارة الموقع الإلكتروني "ساماريتانز" للعثور على تفاصيل عن الفرع الأقرب إليك.

إذا كنت مقيماً في الولايات الأميركية المتحدة، وتحتاج أنت أو أي شخص تعرفه إلى مساعدة في مجال الصحة العقلية الآن، فاتصل أو أرسل رسالة نصية على الرقم 988، أو قم بزيارة 988lifeline.org للوصول إلى الدردشة عبر الإنترنت من 988 Suicide and Crisis Lifeline.

هذا خط ساخن مجاني وسري للأزمات ومتاح للجميع على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. إذا كنت في بلد آخر، يمكنك الذهاب إلى www.befrienders.org للعثور على خط مساعدة قريب منك.

© The Independent

المزيد من صحة