Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

5 متغيرات أفرزتها حرب غزة في بريطانيا خلال 6 أشهر

توتر الشرق الاوسط ألقى بظلاله على المشهد السياسي الداخلي والمزاج الشعبي وخطط تطوير الجيش

تظاهرات البريطانيين المؤيدة لوقف حرب غزة مستمرة منذ أكتوبر 2023 (غيتي)

ملخص

 خلال ستة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ظهرت في بريطانيا مفردات جديدة وطرأت متغيرات عدة على المشهد السياسي الداخلي والخارجي، وسواء كانت الحرب سبباً مباشراً أو غير مباشر لتلك المستجدات، فلا بد من التمعن في تبعاتها على المدى الطويل، والنظر إلى تأثيراتها المحتملة على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في البلاد.

بعد ستة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تبلورت ملامح عدة لتضعضع التأييد المجتمعي الأعمى لإسرائيل في المملكة المتحدة، وآخر صور هذا التداعي ما تبناه الاتحاد الوطني للتعليم خلال مؤتمره السنوي الأخير من إعلان دعمه لفلسطين ضد الممارسات العنصرية الإسرائيلية، وقراره منح المدرسين كل الأدوات والمراجع التي تمكنهم من تعميق فهمهم للقضية الفلسطينية، ومن ثم شرحها بحياد وموضعية للطلاب.

وطالب الاتحاد أيضاً بوقف تصدير الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل، كما دان محاولات التضييق على التظاهرات والفعاليات المؤيدة لوقف حرب غزة، وعندما انتقدت وزيرة التعليم جيليان كيجان ما صدر عن التكتل الأكبر للمعلمين في المملكة المتحدة وأوروبا (450 ألف عضو)، رد الاتحاد بالقول "إنه لن يتلقى المحاضرات من حكومة عنصرية".

وفي السياق ذاته يقرأ انفتاح الإعلام البريطاني على كشف ذلك الضرر الإنساني الذي ألحقته الحرب بالفلسطينيين، والحاجة الفعلية إلى حل دائم لأقدم قضية في تاريخ الشرق الأوسط، وصحيح أن خطاب الإدانة لما فعلته حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لم يتغير على طول الخط، ولكن لا مانع من استضافة وسماع المؤيدين لفلسطين وقضيتها.

سفير فلسطين لدى بريطانيا حسام زملط حل ضيفاً على قنوات ووسائل إعلام محلية مرات عدة، ومثله نشطاء وإعلاميون ومسؤولون فلسطينيون نقلوا وجهة نظر الذين عاشوا تحت عنصرية إسرائيل لعقود طويلة قبل هجوم السابع من أكتوبر 2023، وشرحوا للبريطانيين كيف تحول الانتقام من ذلك الهجوم إلى مشروع تهجير قسري أو إبادة منظمة لشعب غزة.

وحتى الشرطة البريطانية وقفت ضد محاولات وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان منع التظاهرات المؤيدة لفلسطين خلال الأشهر الأولى لحرب غزة، وأيضاً أدارت ظهرها لمطلب رئيس الحكومة ريشي سوناك بإلغاء تظاهرة في لندن تزامنت مع ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.    

 

وأمام تمدد رقعة التأييد الشعبي لمطلب وقف الحرب وامتعاض البريطانيين من تمادي إسرائيل في رد فعلها على هجوم السابع من أكتوبر 2023، وجدت الحكومة البريطانية نفسها بحاجة إلى الضغط على القادة الإسرائيليين كي يبتعدوا عن الخطط المتطرفة في رسم مستقبل غزة، كما دعتهم مراراً إلى التهدئة في الميدان وفتح الأبواب أمام المساعدات الإنسانية.

ولم تطلب حكومة لندن من نظيرتها في تل أبيب إنهاء الحرب من دون إعادة الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس"، لكنها هددتها بالاعتراف بدولة فلسطين وفق القرارات الأممية المعنية، وقد لوح وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون بذلك في مناسبات عدة خلال الأشهر الماضية، وما باح به الوزير تردد في عواصم غربية مختلفة من بينها واشنطن.

والحديث عن الاعتراف بدولة فلسطينية هو المتغير الثاني في المشهد البريطاني، فبحسب الدبلوماسي والمتحدث السابق باسم الحكومة البريطانية غيرالد راسل فإن المملكة المتحدة لم تشهد وتيرة مماثلة لمثل هذا الحديث من قبل، و "إن قامت لندن بمثل هذه الخطوة فعلاً فإن عواصم غربية عدة ستحذو حذوها من دون تردد، وبخاصة في القارة الأوروبية".

ويلفت راسل في حديث مع "اندبندنت عربية" إلى أن بريطانيا وحلفاءها طرحوا الاعتراف بدولة فلسطين بعدما ضاقوا ذرعاً بالحكومة الإسرائيلية المتشددة، وحتى لو أن الأمر يأخذ طابعاً دعائياً أو يستخدم كأداة ضغط على تل أبيب ضد سياساتها المتطرفة في شأن غزة، إلا أن راسيل يعتقد أن مثل هذه الخطوة "أصبحت أقرب من أي وقت مضى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم الرفض الشعبي المتزايد لها لا تزال حكومة المحافظين في لندن ترفض الدعوة إلى وقف الحرب نهائياً في غزة قبل إعادة المحتجزين لدى "حماس" وضمان أمن إسرائيل على المدى الطويل، وتتحصن حكومة ريشي سوناك في هذا بوحدة صفوف الحزب الحاكم إزاء دعم تل أبيب حتى الآن، لكن ثغرات تشوب هذه الوحدة لا يجب تجاهلها.

وهناك نواب من "المحافظين" لا يؤيدون الدعم المطلق لإسرائيل، والجهر بذلك قد يضعهم أمام تحقيق حزبي، كما حدث مع النائب والوزير السابق آلان دونكان الذي طالب بطرد المتطرفين في نصرة إسرائيل من صفوف الحزب الحاكم، وهذا يتضمن بحسب تعبيره، "بعض الوزراء في الحكومة وعدداً من اللوردات الذين يتجاهلون القانون الدولي".

والمبالغة في دعم المحافظين لإسرائيل ليست بجديدة على اليمين في المملكة المتحدة، ولكن المتغير هو تحور هذا الدعم إلى أشكال من الـ "إسلاموفوبيا"، فقبل بضعة أشهر حذر وزيرا الداخلية والمغتربين السابقين من "سيطرة الإسلاميين" على شوارع لندن بسبب التظاهرات المؤيدة لفلسطين، ثم جاء النائب لي أندرسون ليقول إن عمدة لندن المسلم صادق خان بذاته بات رهينة لتوجهات الإسلاميين في العاصمة، على حد تعبيره.

ومثل هذه التصريحات أسهمت في تصاعد جرائم الكراهية بحق المسلمين في البلاد إلى مستويات قياسية، فسجلت منظمة (Tell MAMA) المتخصصة أكثر من 2000 جريمة من هذا النوع خلال الأشهر الأربعة التي تلت هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وهو أكبر رقم تسجله المنظمة خلال أربعة أشهر منذ بدء عملها عام 2011.

العلاقة مع الإسلام السياسي

وطاول تصاعد جرائم الكراهية المسلمين واليهود على السواء، مما دفع الحكومة نحو المتغير الثالث المرتبط بحرب غزة، وهو إعادة صياغة علاقاتها مع جماعات الإسلام السياسي عبر تبني تعريف جديد للتطرف في البلاد، إذ بات يشمل "كل ما من شأنه الترويج أو نشر أيديولوجية تدعو إلى العنف أو الكراهية أو عدم التسامح، وذلك بهدف تدمير حقوق المواطنين الأساس أو محاولة ازدراء أو تقويض الديمقراطية والليبرالية".

واستهدف التعريف الجديد منظمات من اليمين المتطرف أيضاً، ولكن أساقفة "كانتربري" و"يورك" حذروا من تضرر الجماعات الإسلامية أكثر في ظله، فدعا كل من جاستن ويلبي وستيفن كوتريل إلى مراجعة الخطوة أكثر قبل إقرارها، وبعد إعلان التعريف أعربا عن خشيتهما من تعميقه لمواطن التقسيم والخلافات في المجتمع البريطاني.

ووفق وزير المجتمعات المحلية مايكل جوف فقد ضمت القائمة الأولية للمؤسسات التي يمكن أن تصنف بـ "المتطرفة" مؤسسات مثل (CAGE) التي تحارب الـ "إسلاموفوبيا" و"جمعية مسلمي بريطانيا" (MAB)، ولكن هناك تجمعات أخرى لم تخف قلقها حيال التعريف الجديد، بخاصة بعد أن سبقه بوقت قصير حظر جماعة "حزب التحرير" التي دعت إلى الجهاد ضد إسرائيل فحكمت على نفسها بالحظر بعد نحو 40 عاماً من العمل في المملكة المتحدة، ويقول الباحث في معهد الأمن بجامعة ليدن الدكتور ريتشارد ويلسون إن "حظر الجماعة مؤشر على تغير متوقع في تعامل لندن مع الأحزاب الإسلامية في بريطانيا، وهذا التغير يعتمد على قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2000، ولكنه قد يأتي بنتائج عكسية على المديين المتوسط والطويل".

ويلفت الدكتور ويلسون في بحث مطول نشرته الجامعة قبل شهرين إلى أن حظر "حزب التحرير" قد يدفعه للعمل السري بأشكال عدة، ليس هو فقط وإنما جميع المنظمات الإسلامية التي باتت تخشى منع نشاطها وتصنيفها على قوائم الإرهاب، ومراقبة النشاط السري لمثل هذه التجمعات ليس بالأمر السهل، على حد تعبيره.

 

وعلى رغم أن "المحافظين" هم من يقودون السلطة في بريطانيا إلا أن غضب الجالية المسلمة من حزب العمال بسبب حرب غزة كان أكبر بكثير، فزعيم "العمال" كير ستارمر بقي شهوراً يرفض دعوة إسرائيل إلى وقف هجومها على القطاع، متحدياً موجة من الاستقالات بين نواب الحزب وأعضائه في مجالس البلديات احتجاجاً على تلك الحرب، وصحيح أن ستارمر رضخ أخيراً لمطالب حزبه بالدعوة إلى وقف الحرب، ولكن جلسة البرلمان التي صوت فيها لمصلحة هذه الدعوة انطوت على تجاوز دستوري انعكس سلباً على الهدف، وأفرغ مساعي البرلمانيين المؤيدين لفلسطين من مضمونها، حتى إن الأمر لم يعد مطروحاً على أجندة مجلس العموم، ولا يبحث اليوم داخل أروقته المظلمة.

وبعيداً من تلك الجلسة قررت تجمعات إسلامية عدم التصويت لـ "العمال" خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، كما أن تأخر الحزب في تأييد وقف الحرب على غزة دفع بنواب له إلى المجاهرة بخصومتهم مع تل أبيب، مما اضطر ستارمر إلى تعليق عضويتهم أو طردهم بعد التحقيق معهم بتهمة معاداة السامية، التي يخشى عودتها لـ "العمال" مجدداً.

ومن بين الذين تخلى عنهم ستارمر لهذا السبب مرشح "العمال" للبرلمان عن منطقة روتشديل أزهر علي، مما فتح الباب أمام فوز السياسي جورج غالوي عن حزب حديث وصغير يسمى "عمال بريطانيا". وفي خطاب فوزه قال غالوي إنه انتصر "بأصوات المؤيدين لفلسطين، وعلى ستارمر الاتعاظ من خسارة حزبه في ذلك الاستحقاق".

والفوز الذي حققه حزب غالوي ظفر بمثله حزب يميني حديث أيضاً يسمى "Reform UK"، عندما ضم النائب لي أندرسون الذي طرد من "المحافظين" بسبب تصريحات معادية لعمدة لندن. وفي الفوزين نلحظ المتغير الرابع في المشهد البريطاني والمتمثل في اصطفاف واضح حول أقصى اليسار وأقصى اليمين في البلاد بعد حرب غزة.

 

 

أما على المستوى الخارجي فكشفت التداعيات التي أفرزتها حرب غزة على الملاحة الدولية في البحر الأحمر عن ضعف في القوات البحرية البريطانية، إذ تبين أن سفن المملكة المتحدة بعتادها وعديدها لا تكفي لمواجهة خطر مثل الذي شكله الحوثيون حول مضيق باب المندب، فأدركت لندن أن حاجتها إلى الدعم العسكري الأميركي أكثر مما تظن.

وقد سرع التهديد المتواصل في البحر الأحمر من خطط تعزيز بريطانيا قواتها البحرية، لا في التسليح فقط وإنما بضم متطوعين جدد للعمل على سفن وزوارق جديدة دخلت وستدخل الخدمة قريباً، لكن وزارة الدفاع اصطدمت بتحديات عدة بدءاً من صعوبة استقطاب الشباب للعمل ووصولاً إلى مشكلات تمويل خطط التطوير والتوسعة.

والخشية من التداعيات العسكرية لحرب غزة لم تتوقف بالنسبة إلى البريطانيين عند تعثر الملاحة في البحر الأحمر، وإنما امتدت إلى الاعتقاد بأن منطقة الشرق الأوسط برمتها باتت على فوهة بركان، كما يعتقد وزير الدفاع غراند شابس. وتفجر الوضع في تلك المنطقة قد يضع المملكة المتحدة وحلفاءها أمام استحقاقات لا يمكن للجيش البريطاني تلبية متطلباتها بسرعة.

وفرضت مخاوف تفجر الأوضاع وانحرافها نحو صدامات عسكرية مفاجئة في الشرق الأوسط على لندن اتخاذ قرارات صعبة في إطار زيادة مخصصات دعم الجيش على اختلاف قطاعاته، وهو أصلاً يعاني ضغوطاً كبيرة بعد عامين من دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي الذي تتعرض له منذ الـ 24 من فبراير (شباط) 2024.      

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير