Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرة السلام العربية... خطة سعودية كانت ولا تزال الحل

الجهد الذي أحرز إجماعاً عربياً وإسلامياً نادرين لا تزال الرياض وحلفاؤها العرب يدفعون به لإخراج كل المنطقة من عنق الزجاجة والحروب

الزعماء العرب في أعقاب قمة فاس 1982 (مؤسسة ياسر عرفات) 

ملخص

لم تكن "ورقة الرياض" التي قدمتها ست دول بالأمس للإدارة الأميركية تطالب فيها بوقف الحرب في غزة انطلاقاً من "مبادرة السلام العربية"، وليدة قمة بيروت إذ سبقتها بعقود عدة مبادرات على الأقل في مبدئها التي عرفت به الحكومة السعودية، بدءا من المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، وسلالة الحكم من بعده.

يوم أن اجتاح رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بدباباته باحات المسجد الأقصى في سبتمبر (أيلول) 2000 كان الفلسطينيون قد يئسوا من "أوسلو" واتفاقياتها المجهضة، وكانت حال من اليأس والجمود قد اعترت أطراف "قمة كامب ديفيد"، لكنه وفي غمرة اليأس كانت الرياض تتهيأ لإطلاق "مبادرتها العربية" في "بيروت" 2002، وهي المرجع الذي يعود له العرب في كل حين بخاصة في حالات الخيبة والقنوط والصراع والخطر الذي يحيط ويهدد بلد قبلة المسلمين الأولى.

ففي خضم أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية وبعد عامين من بدء حصاد الأرواح في غزة وأخواتها جاء ولي عهد السعودية –آنذاك- الأمير عبدالله بن عبد العزيز يحمل "مبادرة السلام العربية" والتي صادق عليها جميع العرب في اتفاق نادر غير معهود لبني يعرب، نحو بناء أسس الخلاص من أكثر النزاعات صعوبة في العالم.

ويأتي ذلك الاتفاق على مراحل امتدت حتى عام 2007 حين حضر جميع زعماء الدول الأعضاء الـ 22 في جامعة الدول العربية -باستثناء ليبيا- إلى القمة التي استمرت ليومين في الرياض، في الفترة من 28 - 29 مارس (آذار). ووافق جميع الأعضاء على المبادرة بالكامل لكن مندوب حماس، رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك إسماعيل هنية، امتنع عن التصويت. في المقابل، صوت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لمصلحة القرار.

 

 

وظلت المبادرة كما هي من دون تغيير أثناء إعادة اعتمادها. وحتى عشية انعقاد القمة، رفض الأعضاء النظر في تعديل أي جزء منها. وصرح رئيس جامعة الدول العربية عمرو موسى أن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني كان عند مفترق طرق "إما أن نتحرك نحو سلام حقيقي أو نرى تصعيداً في الوضع".

طوق نجاة ما بعد السابع من أكتوبر

ولم تكن "ورقة الرياض" التي قدمتها ست دول بالأمس للإدارة الأميركية تطالب فيها بوقف الحرب في غزة انطلاقاً من "مبادرة السلام العربية"، وليدة قمة بيروت إذ سبقتها بعقود عدة مبادرات على الأقل في مبدئها التي عرفت به الحكومة السعودية، بدءا من المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، وسلالة الحكم من بعده.

وقبل أن تحل لعنة إسرائيل على الشرق الأوسط بعقدين من الزمن وتزيد، كان اليهود في عشرينيات القرن الماضي وتحديداً في أكتوبر (تشرين الأول) 1929 قد أثاروا غضب الملك السعودي عبد العزيز حين ألقوا بقنابل يدوية على المصلين أثناء صلاة الجمعة وهو ما دعاه لمخاطبة الحكومة البريطانية المنتدبة آنذاك بخطاب "استنكاري" ندد من خلاله بالعبث الذي طال الفلسطينيين.

وفي مؤتمر يعرف تاريخياً باسم مؤتمر "المائدة المستدير" بلندن في 1935 لوحت المملكة بتأييدها للشعب المغلوب على أرضه، وذلك قبل تسع سنوات من تأسيس قنصلية سعودية في مدينة القدس من أجل مد شرايين الوجدان العربي هنالك.

 

 

ومراراً ناقش الملك السعودي قضية الفلسطينيين مع الإدارات الأميركية، ومنها حديثه في "المدمرة الأميركية" (كوينسي) فبراير (شباط) 1945 مع الرئيس روزفلت الذي لم ترق للملك بن سعود اقتراحاته بأن "يوافق العرب على قيام إسرائيل كما جاء في وعد بلفور"، وألا "يعارضوا مزيداً من هجرة اليهود إلى فلسطين". وظل الموقف السعودي ثابتاً. دولة فلسطينية وحق مشروع للعيش لكل فلسطيني بسلام في أرضه.

عقود من إنضاج المبادرة

مضى التاريخ، بوعود، ودمار متواصل. وظلت السعودية عبر ملوكها تخلق المبادرة تلو المبادرة حتى جاءت "خطة فهد للسلام"، وهي المعروفة أيضاً باسم "مبادرة قمة فاس"، وكانت عبارة عن مقترح للسلام قدمه ولي العهد السعودي آنذاك الملك فهد بن عبد العزيز في نوفمبر من عام 1981، خلال قمة جامعة الدول العربية في مدينة فاس بالمغرب. وهي ربما كانت أول محاولة لحل النزاع بعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979، وكانت الخطة التي تأسست عليها "مبادرة السلام العربية" ببيروت، إذ خلقت لحل الصراع العربي -الإسرائيلي وتحقيق السلام الدائم في المنطقة.

 

 

وتتألف الخطة من مقترح يتألف من ثمانية نقاط، تنص على أنه "يجب أن تكون جميع الدول في المنطقة قادرة على العيش في سلام في المنطقة". وتضمنت انسحاب إسرائيل من "جميع الأراضي العربية المحتلة في عام 1967"، بما في ذلك القدس العربية، وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية التي تم بناؤها على "أراض عربية" بعد عام 1967، وضمان "حرية العبادة لجميع الأديان في الأماكن المقدسة"، وتأكيد "حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة لمنازلهم وتعويض أولئك الذين لا يرغبون في العودة"، وإنشاء "دولة فلسطينية مستقلة" مع القدس عاصمة لها ووضع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت "رعاية الأمم المتحدة لمدة لا تتجاوز عدة أشهر".

مع ذلك، لم تقبل حكومة إسرائيل في ذلك الوقت، بقيادة مناحيم بيجين، الخطة ورفضت أحكامه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد نحو عقدين من قمة فأس كشف ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز من بيروت عن مبادرته داعياً إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، تنفيذا لقراري مجلس الأمن (242 و338) والذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، وإلى قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية. وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل.

وهي المبادرة التي كتب عنها العديد من صانعي القرار ورؤساء الدول والمعلقين العرب دعماً للمبادرة منذ عام 2002، ووصفها تركي الفيصل، وزير الخارجية السعودي الأسبق، بمقال في صحيفة واشنطن بوست بعد فترة وجيزة من فوز باراك أوباما في انتخابات عام 2008 أنها "أفضل دواء تم صياغته حتى الآن للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني". وقال إنها "ثمن باهظ للسلام" من المنظور العربي.

حتى موشيه كتساف -الرئيس الفخري لإسرائيل آنذاك- أقرب الرؤساء الإسرائيليين لدماء المشرقيين وهو الذي ينحدر من أصول شرقية إيرانية قال إن المبادرة العربية تحمل "أمل قيام علاقات بين العرب وإسرائيل". لكنه مات ولم تمت الورقة التي ظلت تحمل أمل العرب الذي لا يموت.

 

 

ورغم تفاوت الأصوات الإسرائيلية حيالها من بعد عهد موشيه وشارون إلا أنها أقرب الفرص والحلول لكلا الطرفين. فقبل أيام، أحيت مطالبة وزراء خارجية كل من مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من بلينكن دراسة الورقة وتقديم رد أميركي بشكل عاجل. فالتأجيل بمنطق العرب ليس لمصلحة الـ14 مليون فلسطيني مهجرين في مشرق الأرض ومغاربها.

ثمن التطبيع ثابت

يقول عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح عزام الأحمد عن الموقف السعودي بعد تصريحات داعمة للقضية لوزير خارجية السعودية واشتراط بناء الجسور مع تل أبيب لحل القضية بأنها "رسالة للعرب والإقليم تؤكد فيها الالتزام بمبادرة السلام العربية، وأنه لا تطبيع مع إسرائيل قبل حصول شعبنا على حقوقه كاملة".

ويضيف الأحمد في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "تؤكد رسالة السعودية أنها لن تخون العهد مع الشعب الفلسطيني ولن تطبع علاقاتها مع تل أبيب لأنها دولة مركزية على الأصعدة العربية والإقليمية والدولية، بخاصة وأنها اقترحت وصاغت مبادرة السلام العربية".

 

 

مرحلة ذروة الجهود وتحريك الأوراق

ويرى المحلل السياسي السعودي الدكتور سعد الحامد أن "الجهود العربية بلغت ذروتها على الجانب السياسي والدبلوماسي والدولي ونجحت إلى مدى بعيد بقلب الطاولة دوليا تجاه العدوان الاسرائيلي في حرب غزة وتغيير الموقف الدولي باتجاه إدانة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين". ويشرح التحول اللافت في بعض المواقف الغربية التي كانت داعمة لتل أبيب إلى ساخطة مما تقوم به حكومة نتنياهو من تطرف لا مثيل له، واصفاً إياه "بالإبادة الجماعية" بإثبات من محكمة العدل الدولية بعد تهجير للغزيين وإزهاق أراوح الأطفال والنساء بقتل ما يفوق 30 ألف شخص منذ أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي.

 ووفق الحامد فإن التحركات العربية لن تتطور مثلاً إلى مواجهة مسلحة بين العرب وتل أبيب في ظل الدعم الأميركي لإسرائيل على غرار الخمس حروب السابقة العربية الإسرائيلية في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 و1982 والتي راح ضحيتها ما يزيد على 200 ألف قتيل، وبلغ مجموع ما أنفق خلالها نحو 300 مليار دولار من خسائر مادية ناتجة من العمليات الحربية.

وبعد الدفع بورقة الدول الست، يعتقد الحامد أن "الحراك العربي لازال لديه أوراق هامة" ويضيف "قد نصل لقطع العلاقات الدبلوماسية"، ففي ظل عدم إنهاء هذه الحرب إسرائيل قد تخسر محيطها في المنطقة بحيث تصبح منبوذة بشكل كامل إذا لم تستجب للقرارات الدولية".

ومن بين الدول التي أعادت الروح لـ"مبادرة السلام السعودية"، دولة قطر. وهي تنطلق من علاقاتها الجيدة عبر جسر ودي يربطها بـ(إيران – حماس)، وهي العلاقات التي اعتبرها الأكاديمي السعودي "جيدة"، وكانت مجدية في "التهدئة" التي أعقبت الخراب الذي جاءت به هجمات الـ "7 من أكتوبر" ويقول الحامد، "الدوحة نجحت مع مصر على الوساطة بالهدنة". وبالنسبة لإيران، فهو يرى موقفها ظاهره يصطف الى جوار القضية الفلسطينية وإنهاء هذه الحرب وباطنة المحافظة على المكتسبات الإيرانية من أذرع وميليشيات توالي طهران، "لكن في هذه الحرب كان لافتاً انسحابها بشكل مباشر من دعم حركة حماس رغم دعمها السابق للحركة (المصنفة خليجياً إرهابية) ذلك لأنها منهكة بسبب العقوبات الاقتصادية ولا ترغب بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة أو استدراجها لمثل هذه المواجهة".

 

 

تأثر الانتخابات الأميركية بالحرب يحرك المشهد

ويشير المحلل السياسي إلى أن "ما يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر هو أشبه باستعراض عضلات لإثبات أن إيران لديها هيمنة ونفوذ قد يهدد مضيق باب المندب ويهدد الاقتصاد العالمي".

وبانتظار العرب لـ"الرد العاجل" من أميركا، فالمنطق وفق الحامد يقول "بأن الانتخابات الأميركية تؤثر وتتأثر بحرب غزة. واستمرار دعم جو بايدن لنتنياهو في هذه الحرب كان له انعكاسات سلبية على شعبية الرئيس بين الناخبين الأميركيين وقد تراجعت شعبيته بشكل كبير أمام منافسه دونالد ترمب".

وأظهرت استطلاعات الرأي التي نشرتها صحيفة نيويورك تايم ومعهد سنيأ للأبحاث الأميركية بأن الناخبين الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18و29 عام كانوا أكثر دعما للقضية الفلسطينية على حساب إسرائيل، كما أن 57 في المئة من الناخبين لا يوافقون على طريقة تعامل الرئيس مع حرب غزة.

كما أن الديمقراطيين من الشباب باتوا يربطون بين القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني من أجل كسب حقوقه المشروعة، وكان لإلقاء دونالد ترمب المرشح الجمهوري الضوء على تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين خلال هذه الحرب تأثير كبير حين أوضح الامتعاض بشكل واضح. ولا يتوقع الحامد أن "يستمر بايدن في دعمه لنتنياهو"، إذ إن ما يقوم به سيكلفه الترشح للانتخابات القادمة وسيخسر حتى أصوات العرب والمسلمين الأميركيين.

ضغوط أميركية مبشرة على إسرائيل

ولربما أن هذه خطوات تلمح لأن يكون وقت استخدام الورقة العربية التي يراهنون عليها منذ 2002 قد حان. ومما يزيد من حالة التفاؤل العربية، هي "الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأميركي الأخيرة المتكررة للمنطقة وتحذيراته لنتنياهو واجتماعه برئيس الأركان الإسرائيلي للحصول على تقييم تحليلي للوضع الراهن"، وهو بحسب الحامد "يوضح عدم الثقة في أهداف نتنياهو باستمرار هذه الحرب"، وهذا ينذر بإن استمرار الحرب حتى الانتخابات الأميركية القادمة أمر مستبعد على الأقل حاليا وهو مؤشر على وضع نهاية حتميه لهذا الصراع.

 

 

يعيد التاريخ نفسه، ثمة لمحة تاريخية تتكرر كثيرا، وهي أن الخطوات العربية نحو حل القضية الفلسطينية كلما تقدمت خطوة جاءت خطوات عربية/ فلسطينية متأخرة بـ 10 خطوات. ففي الوقت الذي تدك فيه دبابات أرييل شارون أرواح المقدسيين إبان كشف الستار عن الورقة السحرية سنة 2002 جاءت فصائل إخوانية وجماعات تحمل في ظاهرها شعار المقاومة وفي باطنها عرقلة الجهود والمتاجرة بالقضية، ومنها حزب جبهة العمل المنبثق من جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين الذي أعلن في بيان أعقب "قمة بيروت" وصفه المبادرة بأنها "تشكل طعنة نجلاء لجهاد الشعب الفلسطيني وفرصة لحكومة شارون للحفاظ على تماسكها، ويفتح الأبواب على مصراعيها للعدو الصهيوني للتغلغل في الوطن العربي وتحقيق أطماعه في السيطرة على مقدرات الأمة".

وأشار بيان الجبهة إلى أن "المبادرة جاءت والشعب الفلسطيني يخوض جهاداً مباركاً ومقاومة متصاعدة أربكت مخططات شارون وجعلت إسقاط حكومته مسألة وقت". وهو الجهاد الذي راح ضحيته  4412 قتيلا و48322 جريحاً من الفلسطينيين على مدى خمس سنين منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في 28 سبتمبر (أيلول) 2000 وتوقفت فعلياً في 8 فبراير (شباط) 2005.

 

 

وعلى مدى عقدين من الزمان، ومع كل أمل للفلسطينيين والعرب، وكل تلميح للعودة إلى المبادرة العربية، ظلت جماعات الحركة الإخوانية تعيد ما قاله وردده الأسلاف على غرار عملية "طوفان الأقصى" حين اجترت حركة حماس لعنة للغزيين . ففي وصف لوسائل إعلام داعمة للحركة فإن "يحيى السنوار تعتبره إسرائيل مهندس العملية وهو الذي كبدها خسائر بشرية وعسكرية هزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم"، لكن الأرقام تشير وفق وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة إلى أن عدد ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة حتى اليوم ارتفع إلى 31553 قتيلا و73546 جريحا. وأشارت وزارة الصحة في غزة إلى أن غالبية الضحايا من الأطفال والنساء. وهذه أرقام تبدد الشعارات والمزايدات. وبأن الصراع على الأرض باتت آخر حلوله ورقة الرياض، ومبادرتها.

المزيد من تحقيقات ومطولات