Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجمات بقيق تحول خطير في مسار الدعم الإيراني للحوثيين

الهجوم يعد الثالث على منشآت الشركة خلال 5 أشهر... ومراقبون يدينون تمدد طهران عبر وكلائها بالمنطقة

صورة لمنشآت أرامكو النفطية في بقيق (رويترز)

كشف تبني ميليشيات الحوثي للهجومين الأخيرين على حقلي بقيق وخريص النفطيّين (شرقي السعودية)، في ثالث عملية من هذا النوع في آخر خمسة أشهر ضد عملاق النفط العالمي (شركة أرامكو)، عن تحول خطير في مسار الدعم الإيراني لميليشيات الحوثي في اليمن، عقب عامين من ظهور هذه التكنولوجيا في ترسانة الميلشيات اليمنية، ما يسهم في انعكاس تأثيراته وتداعياته السلبية على الأمن والاستقرار الإقليميين، فضلا عن تزايد التهديد المباشر لإمدادات النفط الدولية لما تمثله المنطقة من أهمية استراتيجية في هذا المجال.

وصعّدت هجمات الميليشيات الحوثية في اليمن، ضد منشأتين نفطيتين سعوديتين، أمس السبت بطائرات مسيرة من دون طيار (درونز)، من الخطر الذي باتت تشكّله أسلحة الحوثيين الموالين والمدعومين من إيران، على معادلات الأمن والاستقرار في المنطقة وعلى رأسها السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بعد أن أسفر الهجوم الأخير عن توقيف "مؤقت" لنصف صادرات النفط السعودية اليومية (نحو 5.7 مليون برميل).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تصعيد غير محسوب

في أحدث الهجمات الإرهابية لميليشيات الحوثي، أدى هجوم بواسطة طائرات مسيّرة صباح السبت، تبنته الميليشيات اليمنية، وفقما أعلنت قناة المسيرة التابعة لهم، إلى إشعال حرائق في منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية العملاقة، فيما ردت الرياض، بأن "لديها الإرادة والقدرة على مواجهة هذا العدوان الإرهابي والتعامل معه"، وذلك خلال اتصال هاتفي بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ندد فيه الأخير بالهجوم، فيما وجّه وزير خارجيته مايك بومبيو الاتهام لإيران بالمسؤولة عن الحادث.

وبحسب وزارة الداخلية السعودية، فإنه "عند الساعة الرابعة من صباح السبت باشرت فرق الأمن الصناعي بشركة أرامكو بإخماد حريقين في معملين تابعين للشركة بمحافظة بقيق وهجرة خريص نتيجة استهدافهما بطائرات بدون طيار". مشيرة في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس" إلى "السيطرة على الحريقين والحدّ من انتشارهما" من دون تحديد إن كانت العمليات في المنشأتين تأثّرت. لكنها أكدت أنه تم فتح تحقيق.

ومع توالي الإدانات العربية والدولية للهجوم الحوثي على حقلي النفط السعوديين، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، "أن الرياض اضطرت بعده إلى خفض إنتاجها النفطي بمعدل النصف، ما يمثل نحو خمسة ملايين برميل يوميا، أي 5% من الإنتاج العالمي اليومي للخام، وهو ما أكده بيان لاحق لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، قائلا "إنّ الهجوم نتج عنه توقّف عمليّات الإنتاج في معامل بقيق وخريص بشكل مؤقّت، وتوقّفت كمّية من إمدادات الزيت الخام تُقّدر بنحو 5.7 مليون برميل، أو حوالي 50% من إنتاج أرامكو".

 فيما قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين الناصر، "إنّه يجري حالياً العمل على استرجاع كمّيات الإنتاج، وسيتم تقديم معلومات محدّثة حول ذلك خلال الـ48 ساعة المقبلة". وأضاف "لا توجد إصابات بين العاملين".

ووفق مسؤولين أممين ومراقبين، يبرز الهجومان الأخيران الخطر الذي باتت تشكله أسلحة الحوثيين المدعومين من إيران، التي أصبحت أكثر تطوراً من صواريخ باليستية إلى طائرات مسيّرة، على المنشآت النفطية في السعودية، فضلا عن أنهما يزيدان من التوتر في منطقة الخليج، بعد سلسلة هجمات وأعمال تخريب تعرّضت لها ناقلات نفط في مايو (أيار) يونيو (حزيران)، نسبتها واشنطن والرياض إلى طهران.

وبحسب تعبير المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، "فإن هذا التصعيد العسكري مقلق للغاية". لافتا الى أن ما حصل "يشكّل تهديداً خطيراً على الأمن الإقليمي، ويزيد من تعقيد الوضع الهش بالأساس، ويعرّض العملية السياسية التي تقودها المنظمة الأممية في اليمن إلى الخطر".

ويقع موقع بقيق على بعد ستين كيلومتراً نحو جنوب غرب الظهران، المقرّ الرئيس لشركة أرامكو، ويضمّ أكبر معمل تكرير نفط لها وفق موقع الشركة الإلكتروني. أما موقع خريص، فيقع على بعد 250 كيلومتراً من الظهران، وهو أحد الحقول النفطية الرئيسية للشركة الحكومية. وسبق أن تعرّض موقع بقيق، لهجوم بسيارة مفخخة تبنّاه تنظيم القاعدة عام 2006. ولم يتمكن المهاجمان اللذان قُتلا في الهجوم، من الدخول إلى معمل التكرير.

 

 

تداعيات خطرة

إلى جانب تهديد الأمن والسلم في المنطقة، يأتي تهديد حركة الإمدادات النفطية من المنطقة وانعكاسها على أسعار النفط على رأس التهديدات التي تسبب فيها الهجومان الأخيران، وفق مراقبين.

وحسبما نقلت وكالة رويترز، "فإن الهجوم على حقلي بقيق وخريص، فرضا على العالم اختبار قدرته على التعامل مع أزمة في الإمدادات مع مواجهة فقدان أكثر من 5% من الإمدادات العالمية من أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم بصفة مؤقتة". مشيرة إلى "أنه قد ترتفع أسعار النفط الخام عدة دولارات للبرميل، إذ إن تعطل الإمدادات لفترة طويلة قد يدفع الولايات المتحدة ودولا أخرى للسحب من مخزوناتها النفطية الاستراتيجية لزيادة الكميات المتاحة تجاريا على مستوى العالم".

وقال جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا في نيويورك، "إن أسعار النفط ستقفز بفعل هذا الهجوم وإذا طال أمد تعطل الإنتاج السعودي فسيبدو السحب من المخزون الاستراتيجي مرجحا ومنطقيا".

من جانبه، قال أندي ليبو، رئيس "ليبو أويل أسوشييتس"، "إن كل يوم تظل فيه المنشأة مغلقة يفقد العالم خمسة ملايين برميل أخرى من إنتاج النفط. والطاقة الفائضة في العالم ليست خمسة ملايين برميل يوميا".

وبحسب أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لأرامكو، "فإن الشركة سيكون لديها مزيد من المعلومات خلال 48 ساعة في الوقت الذي تعمل فيه على إعادة الإنتاج المتوقف. وتملك السعودية احتياطيات تبلغ حوالي 188 مليون برميل، أي ما يعادل طاقة المعالجة في بقيق لمدة 37 يوما تقريبا"، وفقما ورد في مذكرة من "رابيدان إنرجي جروب".

وفي أغسطس (آب) الماضي، كانت الطاقة الفائضة الفعلية لدى السعودية، التي تبلغ 2.3 مليون برميل يوميا تشكل أكثر من ثلثي الطاقة الفائضة لدى أوبك والبالغة 3.2 مليون برميل يوميا، وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية. وتسهم الكويت والإمارات بمعظم الفارق.

إيران و"درونز" الحوثيين

على مدار السنوات الأخيرة، كرر أكثر من تقرير دولي وإقليمي، فضلا عن تصريحات مسؤولين غربيين وعرب، المخاطر الإقليمية والدولية على استمرار دعم إيران العسكري لميليشيات الحوثيين وتزويدها بأسلحة نوعية، كان آخرها إمدادهم بالطائرات المسيرة لتنفيذ مهام استطلاع وهجمات في مختلف أرجاء الشرق الأوسط.

وبحسب تقرير سابق لمجلة "فروين بوليسي" الأميركية، "فإن طهران تواصل إمداد أذرعها في المنطقة بالطائرات المسيرة، لتمكينهم من تنفيذ مهام استطلاع وعمليات نوعية لخدمة تمددها ونفوذها في دول المنطقة".

ونقل التقرير عن مسؤول أميركي، "أن الطائرات المسيرة الإيرانية التي تستحوذ عليها أذرع طهران، بينهم الميليشيات الحوثية، يمكنها أن تسقط ذخائر أو تنفذ طلعات انتحارية حيث يتم تزويدها بالمتفجرات وتوجيهها إلى هدف ما".

وزادت ميليشات الحوثي، الموالية لإيران، بدرجة كبيرة هجماتها باستخدام الطائرات المسيرة في الأشهر القليلة الماضية، حيث هاجمت مطارات ومنشآت نفطية في السعودية. ففي 17 أغسطس (آب) الماضي، أعلن الحوثيون تنفيذهم هجوماً بواسطة عشر طائرات مسيّرة قالوا إنه "الأكثر كثافة" على السعودية، ضد حقل الشيبة (شرق). وأشعل الهجوم حريقاً "محدوداً" بحسب أرامكو في منشأة للغاز، من دون وقوع إصابات.

جاء ذلك الهجوم بعد 3 أشهر فقط من هجوم آخر في 14 مايو (أيار)، تبناه الحوثيون، بطائرات مسيّرة في منطقة الرياض على محطتي ضخّ لخط أنابيب نفط يربط شرق السعودية بغربها، ما أدى إلى تعطل موقت للعمليات في الأنبوب.

ويقول خبراء في الأمم المتحدة "إن الحوثيين يمتلكون حاليا طائرات مسيرة قادرة على إسقاط قنابل أكبر على مسافات أبعد وبدقة أشد من ذي قبل". وفي يونيو (حزيران) الماضي، عبّر مندوب ألمانيا لدى مجلس الأمن الدولي، عن قلق بلاده من استمرار نقل إيران تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى الحوثيين في اليمن، وذلك بعد الهجومين اللذين تعرض لهما مطار أبها السعودي بواسطة تلك الطائرات.

وقال بوب مكنالي، رئيس مجموعة رابيدان للطاقة، الذي عمل في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال حرب الخليج في 2003، إن "تنفيذ هجوم على بقيق بمثابة نوبة قلبية حادة لسوق النفط والاقتصاد العالمي".

ووفق دوغلاس باري، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي يتخذ من لندن مقرا له، فإن "استخدام أذرع إيران لطائراتها المسيرة يفرض تهديدا واضحا للسلم والأمن الدوليين"، معتبرا أنه وعلى الرغم من "أنه لا شك في امتلاك إيران قدرات متزايدة في مجال الطائرات المسيرة. لكن السؤال الذي يبقى مفتوحا هنا هو بشأن مستويات التكنولوجيا الفعلية التي تستخدمها غالبا".

وقال جيريمي بيني، محرر شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلة جينز ديفنس الأسبوعية، "نقلوا بالفعل بعض الطائرات التي تبدو متطورة بشكل متزايد فيما يتعلق بقدرتها على حمل أسلحة موجهة وتنفيذ مهام استطلاع بعيدة المدى".

وفي أكثر من مرة أعلن التحالف العربي، الذي تقوده السعودية في اليمن، ضرب مخازن أسلحة وهناجر للطائرات المسيرة لدى الحوثين في اليمن. وفي أبريل (نيسان) الماضي، قال المتحدث باسم التحالف العقيد ركن تركي المالكي، "أن التحالف دمر كهفا في صنعاء تستخدمه ميليشيات الحوثي لتخزين الطائرات بدون طيار (درونز) بغرض تنفيذ العمليات الإرهابية". وذلك بعد شهور من تأكيده "أن الحوثيين حصلوا على طائرات بدون طيار من النظام الإيراني، وعرض صوراً لـ(درون) من نوع (أبابيل تي)، ويدعوها الحوثيون (قاصف)".

وفي تصريحات سابقة، أكد تقارير للحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي "شحنات أسلحة قادمة من إيران للميليشيات الحوثية"، معتبرين "أن ذلك يمثل تهديدا صريحا للأمن والسلم الدوليين".

ماذا نعرف عن الـ"درونز"؟

بحسب تقارير غربية عدة، تصنع الطائرات المسيرة أو ما تعرف بـ"الدرونز"، من مواد مُركّبة خفيفة تُزيد قدرتها على المناورة، وتُمكّنها من التحليق على ارتفاعات شاهقة للغاية.

ويقول ديرك شميت، من معهد الرحلات الجوية في المركز الألماني لأبحاث الطيران والفضاء، لإذاعة الألمانية، "إن أكثر ما يميز هذا النوع من التسليح، هو بساطة استخدامه حيث لا تحتاج سوى إلى موجّه يجلس في محطة على الأرض، ويتحكم بها عن بُعد بطريقة لا سلكية". مضيفاً، "يتحمّل هذا (الطيار الأرضي) مسؤولية قيادتها، ويضمن عدم وقوعها في أي حوادث، ويتدخل في حالات الطوارئ. ولا يفعل ذلك من خلال عصا تحكّم، بل بتحديد نقاط مسار الطائرة، لتوّجه الطائرة بعدها نفسها بنفسها وفق هذه الإحداثيات بواسطة نظام طيرانها الآلي".

وبحسب موقع "درون زون"، المعني بشؤون الطائرات بدون طيار، يتم تزويد هذه الطائرات بأحدث التقنيات الحديثة، مثل كاميرات الأشعة تحت الحمراء ونظام تحديد الموقع الجغرافي وأجهزة الليزر، ويتم التحكّم بها عبر نظام إلكتروني عن بُعد، يُعرف أحياناً بـ"قُمرة القيادة الأرضية".

وتختلف عادة أحجام هذه الطائرات باختلاف استخداماتها، كالتصوير وحمل القذائف وأغراض المراقبة والهجوم، إضافة إلى استخداماتها في مكافحة الحريق ومراقبة خطوط الأنابيب، لتُصبح أهم الأسلحة المُستخدمة في حروب الجيل الثالث.

وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، ظهرت تكنولوجيا الطائرات بدون طيار؛ خلال الحرب العالمية الثانية رغبة من الولايات المتحدة في تطوير قاذفات قنابل بدون طيّار لمهاجمة ألمانيا، أي أن الغرض الأساسي الذي وُجدت من أجله هو غرض عسكري ودفاعي بالأساس. إلا أنه تاريخياً، أُجريت أولى التجارب العملية لهذه الطائرات في إنجلترا عام 1917، وتم تطويرها عام 1924. وكان أول استخدام لها عملياً في حرب فيتنام. ولكن لم تحقق النتيجة المطلوبة فيها لضعف الإمكانات في ذلك الوقت.

وبمرور الوقت، توسّعت استخدامات الدرونز بفضل التطورات التكنولوجية التي أُدخِلت عليها، لتهريب مواد محظورة، أو لأغراض تجسّس، أو لاغتيال شخصيات سياسية، أو لإعاقة عمل أجهزة الطوارئ، أو التعرّض لطائرات الركاب، أو الاعتداء على مُنشآت حسّاسة، وفق "بي بي سي".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة