Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"داعش" تأخذ حصتها من خراج غزة وأوكرانيا

ماذا يعني هجوم موسكو والتشكيك في تبني التنظيم له؟

لقطة من فيديو تبني "داعش" الهجوم، ويظهر الأشخاص الأربعة المنفذون (اندبندنت عربية)

ملخص

 يأتي الهجوم الأخير في موسكو ليثير تساؤلات حول استراتيجية تنظيم داعش وقدرته على التكيف والبقاء. هل يمكن أن تكون الحرب في أوكرانيا وغزة محفزاً لأعمال إرهابية جديدة؟ وإلى أي مدى كان التشكيك في مسؤولية داعش وحده عن العملية وجيها؟

بلغ تنظيم "داعش" منذ بدايته حداً من التطرف جعله أعمى عن كل الظروف المحيطة، فتصرف كما لو أنه قدر لا مفر منه بمساندة السماء، قبل أن يستفيق من ذلك الغرور مطروداً من المدن والحدود التي مزق خرائطها، وغاية زعمائه النجاة بعد تهاوي مناطق سيطرته ورؤوس أتباعه واحداً بعد آخر، حتى كتبت في "الباغوز" السورية آخر فصول المعارك المفتوحة مع التنظيم في مارس (آذار) 2019م.

 لكن التنظيم في خطاب زعيمه أبو بكر البغدادي الذي قتل لاحقاً في الـ27 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، كشف من دون مواربة عن استراتيجيته في التحول من كيان له موقع ومركز إلى افتراضي ينشط في المواقع الرخوة على خريطة الجغرافيا العالمية، ولذلك كان التوجه يومئذٍ إلى التركيز على منطقة الساحل الأفريقي، التي وثق مؤشر فتاوى الأزهر أن ضحايا الإرهاب فيها تضاعفوا 1000 في المئة منذ 2007 لتشكل بذلك نصف حالات الوفيات الناجمة عن الإرهاب على مستوى العالم.

تعبئة جديدة وذئاب منفردة

لهذا كان الاعتقاد أن روسيا أرض غير مواتية له ما يسنده من المنطق بالنظر إلى القبضة الأمنية للكرملين على تفاصيل المشهد وصعوبة التسلل إلى حديقته الخلفية من دون كشف الأصابع العابثة، لكن عاملي الحرب في أوكرانيا وفي غزة، سمحا بتهيئة ظروف مغرية لكل التنظيمات المتطرفة، ليس فقط باستهداف روسيا وجوارها الإقليمي، ولكن كذلك تجنيد آلاف الأنصار، وتعويض مرحلة الركود بتعبئة جديدة، عنوانها "اقتلوا المشركين كافة"، مثلما روجت منشوراته الرسمية قبل أسبوع واحد فقط من تنفيذ هجوم "كروكوس سيتي".

وأظهرت آخر حصيلة أعدها لضحاياه في أسبوعين مقتل نحو 90 شخصاً في ولايات متفرقة حسب تقسيمه المزعوم خلال 28 عملية، هذا من دون احتساب ضحايا موسكو.

بل إن "داعش" كثف أخيراً في بياناته تحريض عناصره المنفردة على تنفيذ عمليات كيفما اتفق، في مجموعة نصائح وجهتها لمن سمتهم "الأسود المنفردة في البلاد التي يحكمها الطواغيت المرتدين"، بتواريخ حديثة، تكشف عن أن التنظيم لم يتغير نهجه ومقاربته، بل زاد خطورة، ولا يزال يحرض على قتل الأقارب وجميع المخالفين تحت ذرائع واهية، بينما يأتيها خراج تلك التصرفات مطبوعاً بالدم والهالة الإعلامية.

 

هذا الضخ حتى وإن تحاشى التنظيم ربطه بالحرب في غزة، فإن الصلة بين الأمرين كانت حاضرة، لدرجة صار معها التحذيرات من تهيئة أسباب عودة الإرهاب إلى المنطقة بعد تراجعه، حديثاً مجمعاً عليه بين كل المتحدثين العرب، بين يدي دعواتهم الملحة إلى وقف الحرب الإسرائيلية الدامية في غزة، وسط لفت كتاب غربيين مثل توماس فريدمان إسرائيل إلى أنها تورطت من حيث لا تقصد في خدمة أهداف "حماس" والمتطرفين.

لا شك أن عزم التنظيمات المتطرفة توظيف تلك الأجواء في بث الروح في شرايينها، بين المعطيات التي استدعت تحرك التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، إلى الانعقاد في فبراير (شباط) الماضي على مستوى الوزراء للمرة الأولى منذ اجتماع التأسيس في الرياض قبل سبع سنين، لتأكيد "عزم دولهم على تعزيز التعاون وتنسيق الجهود وتوحيدها لدرء أخطار الإرهاب والوقوف ضده، والتشديد على أهمية العمل الجماعي المشترك لمواجهة جميع صور الإرهاب والتطرف"، وفق بيانه الختامي.

لماذا لم تعمل مفاتيح "تيليغرام"؟

بل إن التحالف الدولي لهزيمة "داعش"، وهو يحتفل في "الباغوز" بمرور 5 سنوات على دحر التنظيم، لم ينس التذكير بأنه على رغم ذلك لا يزال يشكل خطراً، ولا سيما على العراق، فضلاً عن سوريا التي لم يسلم حتى بسطاء يبحثون عن الأكمة (الفقع) من سطوته، بقتل 11 شخصاً هذا الأسبوع.

من الصعب تصور أن حراك التنظيم ذاك الذي يوثقه ويفاخر به، في معزل عن الكرملين، وهو الذي يمسك بخيوط "تيليغرام" منصة التنظيم الدموي الأولى في صناعة هالته الإعلامية والتجنيد واصطياد الضحايا أحياناً، لكن قد يكون التركيز على أوكرانيا والغرب، ألهى الكرملين وفتح الباب موارباً لتسلل "داعش" هذه المرة.

 كما أن مغازلة النظام في روسيا للأطياف الإسلاموية بالشعارات الشعبوية المنددة بالغرب قد تكون أشعرت موسكو ببعض الطمأنينة، حتى وإن لم تمح العداوة الأولى منذ غزو أفغانستان في الثمانينيات، بدليل مد حبال الوصل مع حركتي "طالبان" و"حماس"، وتخفيف الضغط على الجماعات المتطرفة النشطة في سوريا.

هذا النوع من التحية الروسية كان يتوقع أن تقابل ببعض الهدنة في الأقل منطقياً، لذلك التقط أحد المدافعين عن تنظيمات الإسلام السياسي هذا المنحى، ورأى في هجوم "داعش" الأخير أنه "إذا ثبت أنها وراءه، كما يدعي الإعلام الغربي"، فهي تكشف فيما يقول عن "مزيج من الجهالة والعمالة وسوء التسديد، وهي بهذا الهجوم مكاناً وزماناً تقدم أكبر خدمة للسفاح نتنياهو وعصابته"، بحسب قوله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن دعم بوتين دول الساحل الأفريقية في مواجهة "داعش" التي تقوض استقرارها، مكافأة لها على طرد حلفائها التقليديين غرماء بوتين الفرنسيين في مالي وبوركينافاسو والنيجر ضمن حزمة دعم أوسع، قد تفسر خروج "داعش" عن الهدنة الإسلاموية غير المعلنة مع موسكو، فتعويل البغدادي على دول الساحل لأخذ الثأر وتعويض خسائر "دولة الخلافة" المزعومة في العراق وسوريا يوم هزم في الباغوز، تظهر حجم أهمية تلك المنطقة الأفريقية بالنسبة إلى التنظيم، مما جعل الانتقام من روسيا حين أمكنها ذلك، أمراً مفهوماً، زيادة على الدوافع الأيديولوجية المركزية المشهورة في إيذان كل المخالفين بالقتل، بمن في ذلك أخوه الأكبر "القاعدة"!

خبرة الروس في محاربة التنظيمات الإرهابية لا يمكن الاستهانة بها، لكن مهارة تلك التنظيمات في التسلل من أي ثغرات، جعلها هي الأخرى مثل الطفيليات التي يصعب التخلص منها بالكلية.

الجمهوريات نقطة ضعف روسيا

ولا سيما أن روسيا محاطة بمناطق ذات تكوين أيديولوجي هش، وظروف اجتماعية صعبة، وماض متوتر مع موسكو ومعرفة بلغتها توفر مجتمعة أرضية مثالية للتجنيد، فبحسب الباحث السياسي باسل الحاج جاسم، "يبرع المقاتلون المتحدرون من الجمهوريات الإسلامية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي في استخدام المواقع المعروفة بين المتحدثين باللغة الروسية، مما يساعدهم على نشر رسائل (داعش) بين شباب آسيا الوسطى، والقوقاز، حيث يتفشى الفقر والهجرة للعمل في روسيا في ظروف سيئة، وتتميز رسائل تلك الجماعات بالجاذبية من الناحية الدينية، و(داعش) تحديداً لا يجذب هؤلاء برسالته الدينية فقط، بل أيضاً بالإغراءات المادية".

غير أنه لفت في حديث مع "اندبندنت عربية" إلى أن الجانب المالي على أهميته ليس أولوية، "فعلى الغالب التنظيمات تعطيهم إحساساً بأنهم ينفذون مهام مقدسة، في حين ثقافتهم الدينية تعاني البساطة الشديدة، نظراً إلى الانقطاع عن بقية العالم الإسلامي فترة طويلة"، معتبراً أن الجانبين المالي والأيديولوجي يتكاملان في استقطاب هذه الفئة "فهم ما كانوا ليقاتلوا في ساحات تبعد من بلدانهم آلاف الكيلومترات، لو لم يكن هناك مقابل مادي، لكنهم أيضاً ما كانوا ليفعلوا لولا استخدام العامل الديني، وإلا لشاهدنا مئات وربما الآلاف منهم يقاتلون في صفوف الميليشيات التي تقاتل في جبهات متعددة انفصالية وغيرها".

كما أن هناك عوامل ومقومات عديدة قد تساعد في انتشار "داعش" في بعض دول آسيا الوسطى، خصوصاً أن تنظيمات وشخصيات عديدة متشددة في المنطقة، مثل "حركة أوزبكستان الإسلامية"، التي أعلنت مبايعة التنظيم ودعمه.

ووفقاً لتقارير الإعلام الروسي، فإن اعترافات منفذي الهجوم الأولية، تشير إلى أنهم جندوا عبر تطبيق "تيليغرام"، وأنهم تلقوا وعوداً بالمال مقابل تنفيذه، فقد ذكر أحد المعتقلين، الذي عرف عن نفسه باسم فريدون شمس الدين، أنه وصل من تركيا في 4 مارس وجند لتنفيذ "عملية قتل عشوائي" مقابل مبلغ 500 ألف روبل روسي (5400 دولار)، مفيداً بأن نصف المبلغ تم تحويله بالفعل إلى حسابه الخاص.

هل للتشكيك ما يبرره؟

وفيما تبنى تنظيم "داعش خراسان" الهجوم، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال إن السلطات الروسية تعرف أن هجوم "كروكوس" نفذ بأيدي "إسلاميين متطرفين"، لكن يجب معرفة الجهة التي أمرت بتنفيذه.

وأضاف أن الهجوم قد يكون مجرد "حلقة في سلسلة كاملة من المحاولات التي يقوم بها أولئك الذين يقاتلون بلادنا منذ عام 2014 على أيدي نظام النازيين الجدد في كييف"، لافتاً إلى أنه "يجب معرفة سبب محاولة الإرهابيين الهرب إلى أوكرانيا، ومن كان ينتظرهم هناك، كما أن الولايات المتحدة تحاول إقناع الجميع بأن أوكرانيا ليست متورطة في الهجوم". هذا على رغم أن واشنطن كشفت عن أنها أبلغت موسكو بمعلومات استخباراتية تشير إلى احتمال وقوع هجمات إرهابية فيها.

ولا يزال التشكيك في دوافع العملية قائماً، على رغم تبني "داعش"، مما دفع محللين إلى الجزم بأن ذلك يظهر أن التنظيم مخترق أو أنه صناعة دول تستهدف من خلاله صناعة الفوضى لتمرير سياساتها، لدرجة أن ترمب اعتبر سلفه أوباما هو الذي صنع "داعش"، وإن كان ذلك في سياق المناكفات الانتخابية.غ

 

في غضون ذلك، يرى الكاتب عبدالله بن بجاد أن الذين صدقوا ما سماه "خرافة انتهاء (داعش) و(القاعدة)"، لا يستوعبون أن يظهر التنظيم بهذه القوة، وهم يخطئون حين يفسرون الأمر بالمؤامرة السياسية، التي إن وجدت مثلما حدث في حرب أفغانستان الأولى إبان الحرب الباردة، إلا أن العامل الأيديولوجي الفكري هو المهيمن، إذ لولاه لما أمكن تطويع هذا المجند أو ذاك أو تلك المنظمة للظرف السياسي إن وجد.

ذريعة أوكرانيا وغزة

ومع أن الجانب الغربي، وخصوصاً الأميركي، استبعد ضلوع أوكرانيا كدولة في العملية، إلا أن الظروف التي نجمت عن الحرب من لجوء ومعاناة، من المرجح أنها لن يغيب استغلالها عن جماعات التطرف الدينية مثل "داعش"، التي أظهرت براعة في تجنيد المقاتلين الأجانب، ممن اعتنقوا الإسلام حديثاً أو عاشوا في بيئات ثقافتها الإسلامية سطحية.

وتبعاً لذلك، فإن الحرب في أوكرانيا وكذلك غزة قد تستخدم كذريعة أو محفز لأعمال إرهابية في التنفيذ أو التجنيد، كما يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوترات الأمنية في مناطق أخرى، إلا أنه لا يمكن الجزم بوجود علاقة مباشرة بينها وبين الهجوم الإرهابي في موسكو دون معلومات أكثر تحديداً.

نتائج تحليل الفيديو

وشكك الصحافي البلجيكي إيلايجا مانييه في صدقية إعلان تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هجوم "كروكوس"، وذلك بناءً على تحليل البيان والفيديو اللذين نشرهما التنظيم. وكتب مانييه في منشور عبر منصة "إكس" قائلاً "لقد تابعت تنظيم (داعش) من كثب منذ ظهوره في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان، واستناداً إلى عملي الميداني ودراساتي كخبير في الإرهاب ومكافحة الإرهاب وأكاديمي وصحافي حرب، أشكك في الادعاء أن تنظيم (داعش) مسؤول عن هجوم موسكو". وأوضح أن شكوكه تعتمد على عدد من الملاحظات، والجوانب غير العادية التي يرى أنها تقوض صحة ادعاء "داعش"، نكتفي بثلاثة منها، هي:

استخدام مصطلح "مقاتلون" في البيان أمر غير نمطي، وقد فضلت البيانات السابقة مصطلحات "المجاهدون" أو "الفرسان" أو "الاستشهاديون".

تصريح وكالة "أعماق" التابعة لـ"داعش" بأن المهاجمين "انسحبوا بسلامة" يتناقض مع تقارير القبض عليهم. وعادة ما تنتظر "أعماق" اتضاح كل نتائج الهجوم قبل الإعلان عنها، لكنها في هذه الحالة أعلنت عن "نجاح" الإرهابيين قبل الأوان رغم أنه تم اعتقالهم.

لم يستخدم "داعش" قط مبدلات الصوت في تسجيلاته. لم يكن المهاجمون في هذه الحالة من أبناء الغرب، ومن غير المسبوق أن يستخدم أعضاء "داعش" غير الغربيين أدوات تغيير الصوت حتى عندما يهتفون "الله أكبر" أو آيات قرآنية.

أما المؤكد فهو أن حالة الرعب والدمار التي استشرت بعد حرب أوكرانيا وهجوم السابع من أكتوبر 2023 والرد الإسرائيلي التدميري عليها، زرعتا كماً هائلاً من التوتر والنقمة في المنطقة تمدد في كل العالم، فيما بدأ السباق مبكراً بين التنظيمات المتطرفة على الظفر بغنائمها في التجييش لتحقيق غاياتها، المختلفة باختلاف الظروف والمواقع.

المزيد من تحلیل