Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التدخين يحتل الشاشات وعروض الأزياء فهل عاد "موضة رائجة"؟

شهد أسبوع الموضة في لندن لجوء مصممين إلى دمج السجائر في عروضهم، ما دفع إلى التساؤل عما إذا كان التدخين قد أصبح "اتجاهاً سائداً" في العام 2024، أم أن المسألة هي مجرد لفتة حنين إلى حقبة ماضية مرتبطة بالانغماس في المتعة

عارضة الأزياء السابقة كيت موس التي نادراً ما كانت تظهر بلا سيجارة في يدها، أصبحت الآن نادراً ما تدخن (غيتي)

ملخص

إضفاء طابع رومانسي على التدخين أخيراً على شاشاتنا ومنصات عروض الأزياء، يتزامن مع اتجاهٍ مثيرٍ للقلق، يتمثل في تزايد معدلات التدخين بين الشباب

من بين جميع اتجاهات الموضة التي عادت إلى الظهور، تسجل السجائر حضوراً غير متوقع، وعنصراً لا ينسجم على الإطلاق مع المشهد السائد عام 2024، وهي الحقبة التي تنتشر فيها الرائحة المنبعثة من سحب السجائر الإلكترونية "فيب" vape ذات اللون الوردي النيون. وهي من جهةٍ أخرى، العصر الذي تصل فيه كلفة علبة سجائر "مارلبورو غولدز" المغطاة بصور أسنان متحللة، إلى 15 جنيهاً استرلينياً (19 دولاراً)، والمرحلة التي بات فيه طلب ولاعة من شخصٍ ما بمثابة نداءٍ للمساعدة، أكثر من مجرد محاولةٍ للمغازلة. 

ومع ذلك، يبدو أن هذه السنة شهدت عودةً رسمية للتدخين الذي يبدو أنه استعاد جاذبيته مرةً أخرى. أقله هذا هو الانطباع الذي قد يتكون عند مراقبة الاتجاهات الحديثة في الثقافة الشعبية. فعلى سبيل المثال، منصات عروض "أسبوع الموضة في لندن" London Fashion Week، التي نُظمت في فبراير (شباط) الماضي، والتي برزت فيها السجائر بشكلٍ واضح، إلى حد أن الحاضرين أخذوا يتساءلون ممازحين عما إذا كانت الهيئات الصحية قد عكست موقفها فجأة وأصبحت تعتبر أن التدخين مفيد، أو عما إذا كان رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك قد تراجع في قراراته وقام بطي عقودٍ من التشريعات التي تحظر التدخين في الأماكن المغلقة (لم يحدث أي شيءٍ من ذلك هذا، لمعلوماتكم).

في عرض المصمم إدوارد كراتشلي [صاحب العلامة التجارية التي تحمل اسمه Edward Crutchley]، سارت عارضاته على المدرج وهن ممسكاتٍ بسجائر غير مشتعلة، كما لو كانت أكسسواراتٍ لا غنى عنها في موسمي خريف وشتاء العام 2024. وجاءت مجموعته المستوحاة من "ديونيسوس" إله النبيذ والانغماس في اللذة وفق الميثولوجيا اليونانية، لتشيد بالفن الغابر - وهو مذهب المتعة - لكن بصورةٍ عصرية تمثلت بالسروال القصير ذات قماش الجاكار اللوريكس، أو اللاتيكس المطاط المزدان بالأربطة (نعم، لا تتفأجاوا). ومع ذلك، وسط هذا العرض، ظهرت السجائر نقطةً محورية غير متوقعة، لأسباب ليس أقلها مدى ندرة رؤية شيء كهذا متألقاً في هذا اليوم وهذا العصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي إطار توضيح الأسباب التي دفعت بكراتشلي إلى دمج السجائر في عرضه، قال لـ"اندبندنت": "لم يكن هناك مفهومٌ عميق أو رسالة محددة وراء ذلك. فقد رأيتُ ببساطة أنه سيكون أمراً مقبولاً ولا يخدش المعايير، أن أضفي لمسةً من العفوية والمرح، تخفف الحال المزاجية بعض الشيء".

وعلى رغم عدم وجود نية واضحة لدى كروتشلي أو خطة متعمدة وراء دمج السجائر في عرض تصاميمه، إلا أن اختياره شكل شرارةً لاتجاه سلكه مصممو أزياء آخرون. فعلى سبيل المثال شمل تقديم مجموعة المصممة البريطانية شينيد غوري [صاحبة العلامة التي تحمل اسمها Sinead Gorey] - المستوحاة هذه السنة من تجربة المراهقين البريطانيين - عارضات أزياء وضعن علب السجائر في حاشية جواربهن الطويلة. وكان العرض بأكمله يعج بجو من المرح والحنين إلى مرحلة الشباب في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، بحيث كانت العارضات يحملن أجهزة "آيبود نانو" iPod Nano مثبتة على آذانهن، وسماعات رأسٍ سلكية تتدلى حول أعناقهن.

تقول غوري "اخترنا السجائر ذات العلامات التجارية المحددة لإحياء الحنين إلى الوقت الذي كان يمضيه الفرد بين المدرسة والمتجر خلال أعوام المراهقة التي نشأ فيها في بريطانيا. فقد رغبنا بالتصرف بالتصميم بطريقةٍ مرحة، مثل حشو حمالات الصدر بالمفاتيح والولاعات وعلب السجائر... أو إدخال العلب [السجائر] في الجوارب المدرسية. كان الأمر بمثابة إشارةٍ مرحة وحنين إلى زمنٍ يمكن أن يرتبط به الكثير من الناس".

لكن في عصرٍ يتسم بالتركيز على العافية والصحة وتفضيل جمالية "الثروة الخفية" التي تتميز بالبساطة الأنيقة، يبدو الزمن الماضي الذي أثارته مجموعة غوري بعيداً أكثر فأكثر. لربما كان هذا الشعور المتزايد بين المصممين ينبع من التفكير في الماضي القريب، وفي مدى سرعة انحرافنا عنه في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن، وما قد نكون قد خسرناه منذ تلك المرحلة.

ويبدو أن هذا هو السيناريو الذي حدث أيضاً مع عرض مجموعة ملابس آرون إيش [مصمم الملابس الرجالية البريطاني وصاحب العلامة التي تحمل اسمه Aaron Esh]. فمجموعة خريف وشتاء العام 2024، للمصمم الذي وُلد في لندن وتخرج من مدرسة الفنون العامة "سنترال سانت مارتينز"Central Saint Martins، التي أحدثت ضجةً كبيرة بين محبي الموضة، رحبت بالحضور بكؤوس شمبانيا وأوعية كريستال مليئة بعلب سجائر "مارلبورو غولدز". وقد علقت مجلة "فوغ" Vogue بالقول إن العرض أرسى "جواً بصرياً يذكر بكيت موس [عارضة الأزياء البريطانية التي ارتبطت صورتها بالتمرد والتدخين] وهي تتجول في منزلها في الساعة الخامسة صباحاً". واستحضر على الفور صوراً كثيرة من الصحف الشعبية للعارضة في مطلع العقد الأول من القرن العشرين، وهي تتنقل في شوارع المدينة حاملةً سيجارة في يدها، وترتدي قمصاناً قصيرة، وتضع نظارات شمسية كبيرة الحجم من طراز أولسن استخدمت في المجموعة الأخيرة لآرون إيش. إنها استذكار آخر لعصرٍ قد ولى، خصوصاً أن عارضة الأزياء البريطانية الشهيرة، احتفلت أخيراً بعيد ميلادها الـ50، وبإقلاعها عن تناول الكحول، وأطلقت علامتها التجارية "كوسموس" Cosmoss التي تشجع على تعزيز اعتماد نمط حياة صحي. ويُقال أيضاً إنها لم تعد تدخن إلا "في مناسباتٍ قليلة".

ولا يقتصر الأمر في الواقع على عالم الموضة الذي ينغمس أكثر في اتجاهات التدخين فحسب، إذ إن هذه السنة صادفت أيضاً أن بعض الأفلام الأكثر تداولاً كانت الأكثر ارتباطاً بالتدخين في مشاهدها، إذا جاز التعبير. ففي فيلم كريستوفر نولان "أوبنهايمر" Oppenheimer، الذي كان من أبرز المنافسين على جائزة "أفضل فيلم" في حفل توزيع جوائز الأوسكار، أفيد بأن الممثل الرئيس سيليان مورفي قد دخن نحو 3 آلاف سيجارة أثناء التصوير - وهو رقمٌ مثير للذهول، دفعه إلى أن يتعهد بتصوير شخصيةٍ غير مدخنة في دوره في فيلمه المقبل. واستناداً إلى صحيفة "تايمز" فقد تضمن الفيلم 137 مشهد تدخين. كذلك تضمن فيلم المخرج ويس أندرسون "مدينة الكويكبات" Asteroid City 63 مشهد تدخين سجائر، و58 أخرى برز فيها السيجار.

وهناك أيضاً "مايسترو" Maestro، وهو فيلم سيرةٍ ذاتية عن ليونارد بيرنشتاين للمخرج برادلي كوبر، الذي صور قائد الأوركسترا الموسيقية الموقر وهو يدخن في كل لقطةٍ تقريباً. وأخيراً فيلم "سولتبيرن" Saltburn - وهو عمل مثير للجدل للمخرجة البريطانية إيميرالد فينيل، تسخر فيه من الطبقات الاجتماعية المخملية، وتظهر فيه كل شخصية تقريباً وهي تجسد عادة التدخين بشكلٍ متسلسل كصفة شائعة، وغالباً ما تحمل في يدٍ مشروباً في كأس بلورية، وسيجارة من نوع "كاميل بلو" في اليد الأخرى. وأوضحت فينيل أنها تعمدت تصوير الفيلم في أجواء العام 2006، بهدف تصوير شخصياتها وهي تدخن في أماكن مغلقة، قبل أن يدخل حظر التدخين في المملكة المتحدة على المستوى الوطني حيز التنفيذ في العام 2007.

واستناداً إلى بحثٍ أجرته مؤسسة "سموكفري ميديا" Smokefree Media - وهي مجموعة ضغطٍ مناهضة للتدخين تراقب المدى الذي تُستخدم السجائر في الأفلام - فإن عودة صناع السينما أخيراً إلى تصوير مشاهد تدخين، تشكل تحولاً لافتاً نحو الاتجاهات السابقة. وكان تصوير مشاهد التدخين قد تراجع على الشاشة بشكلٍ ملحوظ، بحيث انخفض من 75 في المئة في أفلام الجمهور العريض، إلى 38 في المئة فقط في العام الماضي. ومع ذلك، كانت نسبة الأفلام التي تصور مشاهد تدخين، عام 2023، أعلى بنسبة 2 في المئة عما كانت عليه عام 2022.

والتلفزيون ليس بمنأى عن هذا التوجه هو الآخر. ففي مسلسل "ذا أيدول" The Idol الذي تعرضه شبكة "أتش بي أو"، تظهر النجمة الفرنسية- الأميركية ليلي روز ديب - التي هي مدخنة في الواقع - وهي تدخن بشكلٍ متكرر سجائر مختلفة طوال حلقات المسلسل. كذلك الأمر في مسلسل "غريزيلدا" Griselda الذي يحظى بشعبيةٍ كبيرة على منصة "نتفليكس"، والذي نادراً ما تظهر فيه الشخصية المميزة للبطلة من دون سيجارة في متناولها. ويمتد انتشار التدخين إلى ما هو أبعد من الشخصيات الخيالية ليصل إلى مشاهير حقيقيين، مع ظهور الكثير من المدخنين الموثقين على حساب "إنستغرام" @Cigfluencers، الذي يضم في الوقت الراهن 40 ألف متابع. ومن بين الشخصيات المنتظمة في الحساب المذكور، المغنية البريطانية شارلي إكس سي إكس، التي صوّرت أخيراً وهي تدخن في مسلسل "الوجه" The Face، وأنيا تايلور جوي، وكايا غيربر، ومايسي ويليامز، وغيرهن كثيرات.

إذاً ما الذي يجري؟ في المرة الأخيرة التي قمنا فيها بالتحقق من الوضع، كان التدخين لا يزال عاملاً مسبباً لنحو 7 من كل 10 حالات من سرطان الرئة، الأمر الذي يتسبب بوفاة قرابة 76 ألف شخصٍ في المملكة المتحدة كل سنة، وفقاً لبيانات هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس) NHS. يُضاف إلى ذلك أن التدخين يشكل أخطاراً كبيرة على صحة القلب والدورة الدموية، ويؤدي إلى تفاقم أعراض أمراض الجهاز التنفسي، لا بل يرتبط أيضاً بضعف الانتصاب لدى الذكور. وعلى رغم كل ذلك، فإن شيئاً لم يتغير.

مع ذلك، فإن إضفاء طابع رومانسي على التدخين أخيراً على شاشاتنا ومنصات عروض الأزياء، يتزامن مع اتجاهٍ مثيرٍ للقلق، يتمثل في تزايد معدلات التدخين بين الشباب. وقد كشفت دراسةٌ حديثة أجرتها "كلية لندن الجامعية" UCL في شهر يناير (كانون الثاني)، عن تسجيل زيادةٍ كبيرة في الإقبال على التدخين بين الأشخاص الذين تتفاوت أعمارهم ما بين 18 سنة و24 في إنجلترا، خلال فترة الجائحة. وقبل "كوفيد"، كان العدد الإجمالي للمدخنين قد تراجع بنسبة 5.2 في المئة في معدلٍ سنوي. ومع ذلك، منذ العام 2020، تباطأ معدل هذا التراجع بشكلٍ كبير، ليصل إلى 0.3 في المئة فقط.

إن ما يربط مختلف هذه المراجع معاً (في ما يتعلق بعودة التدخين في الثقافة الشعبية) لا يهدف في المقام الأول إلى الترويج لعادةٍ قد تكون أو لا تكون لها عواقب ضارة على صحة الفرد. ليس هذا هو المقصود به إطلاقاً. فالأمر يتعلق بالحنين إلى الماضي وبالأهمية المرتبطة بالتدخين عند تذكره. فلنأخذ في الاعتبار الاهتمام المتزايد بأزياء "واي تو كي" Y2K وبجماليات أواخر تسعينيات القرن الماضي [أسلوب تميز بعناصر الموضة الجريئة والمرحة، واستمد تأثيره من التطورات المجتمعية والرقمية التي شهدتها تلك الحقبة]، وعلى سبيل المثال أنماط الحياة المرتبطة بتلك المرحلة التي تشهد هي الأخرى انتعاشاً واضحاً، سواءٌ في خيارات الملابس لدينا أو على منصات التواصل الاجتماعي. وتبدو حتى اتجاهات الجمال المعاصرة متأثرة بتلك الحقبة - فكم هو عدد المرات التي وقعتم فيها على منشوراتٍ تعليمية على منصة "إنستغرام" لماكياج الشخصية الخيالية إيفي في مسلسل "سكينز" Skins [الذي يتسم بعينين ملطخين بالكحل، وبشفاهٍ وردية شاحبة]؟

كانت تلك حقبة الاحتفالات الجامحة، وهي مرحلةٌ شاعرية إلى حد ما، سبقت ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، عندما كان الناس يتصرفون بعفوية وينعمون بأسلوب حياةٍ أكثر راحة، بما في ذلك انغماس كثير منهم في التدخين في أغلب الأحيان. إن الأمر لا يتعلق بالترويج للسجائر أو بتأييد استخدامها، بل بإحياء تلك الحقبة الماضية التي تميزت بالعفوية والحرية. لكن هذا العصر، لأسبابٍ مختلفة، لم يعد موجوداً ولا يمكن تكراره اليوم. وربما قد يكون من الطبيعي أن يشعر الفرد بالخسارة، وببعضٍ من الحنين إلى تلك الأوقات.

© The Independent

المزيد من منوعات