ملخص
تزداد السجائر الإلكترونية انتشارا بين الشباب والمراهقين ورغم أن المخاطر المباشرة الناتجة منها أكيدة ومثبتة، تبقى حملات التوعية في مواجهتها محدودة
في السنوات الأخيرة، اكتسبت السجائر الإلكترونية شعبية واسعة وتحولت إلى صيحة انتشرت بشكل خاص بين المراهقين والشباب، بدت هذه السجائر أكثر جاذبية لهم بأنواعها وألوانها كافة والنكهات المتوافرة منها، حتى أصبحت تجربتها دليل مواكبة لمتطلبات الحياة العصرية، كما أن التدخين الإلكتروني أسهل وهو ملائم أكثر لاستخدامه في أي مكان وزمان. من يجرب التدخين الإلكتروني يغوص فيه إلى حد المبالغة التي تحمل معها كثيراً من المخاطر، كما يحذر الأطباء. والأسوأ أن وسائل الترويج للسجائر الإلكترونية تزيدها جاذبية لنشرها على نطاق أوسع، بحيث يجد الشباب صعوبة في مقاومتها ويصلون إلى حد الإدمان عليها مع الوقت، وفي مقابل الحملات التسويقية التي تسهم في انتشار السجائر الإلكترونية أكثر بعد، تغيب الحملات الواسعة المطلوبة لنشر الوعي حول خطورة استخدامها، فلا نشهد إلا على تحذيرات خجولة يطلقها الأطباء المتخصصون في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، وذلك بعد أن بدأت أضرارها على الصحة تتضح.
مفهوم خاطئ يجب تصحيحه
منذ ظهور السجائر الإلكترونية، ساد اعتقاد بأنها تشكل بديلاً آمناً للتدخين التقليدي وقد تساعد الراغبين بالإقلاع عن التدخين في مرحلة انتقالية، في الواقع، كثرت الدراسات التي تؤكد أن هذه ليست إلا فكرة خاطئة ارتبطت في السنوات الأخيرة بالتدخين الإلكتروني، ومنها دراسة أجريت في مركز رونالد ريغان الطبي في جامعة كاليفورنيا أكدت أن التدخين الإلكتروني من نوع Vaping يمكن أن يؤثر بشكل كبير في الصحة مع ارتفاع مستويات الإجهاد التأكسدي بمعدل مرتين إلى أربع بعد جلسة تدخين واحدة مدتها نصف ساعة. هذا ما يجعل المدخنين أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والالتهابات، وعلى أثر هذه الدراسة التي تناولت أجهزة التدخين الإلكتروني التي تحتوي على النيكوتين والمواد الكيماوية مع النكهات المختلفة التي فيها في شكل بخار بدلاً من الدخان، حذر الباحثون من أن التدخين الإلكتروني يمكن أن يؤدي إلى تلف الحمض النووي وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب وتسرب الأمعاء وضباب الدماغ، هذا ما استدعى دق ناقوس الخطر لتحذير لا المدخنين فحسب، إنما أيضاً المتواجدين في محيطهم بسبب التدخين السلبي.
وأتت دراسة أخرى حديثة نُشرت في 21 مارس (آذار) 2023 في مجلة النيكوتين والتبغ للأبحاث من خلال جامعة أكسفورد وشارك فيها الباحثان من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور أحمد حصري والدكتور محمد الحركة، لتصحيح سوء الفهم الخطير الذي يعتبر أن استبدال السجائر بمنتجات التبغ المسخن بصورة جزئية قد يؤدي إلى الحد من المخاطر الصحية، علماً أنه استناداً إلى الدراسات التي أجرتها إدارة الغذاء والدواء الأميركية، لم تتم الموافقة على أي من أنواع السجائر الإلكترونية كأداة للإقلاع عن التدخين، وأظهرت الدراسة أن استبدال دخان السجائر القابلة للاحتراق بنسبة 50 في المئة بالسجائر الإلكترونية أو بمنتجات التبغ المسخن لا يقلل من تضرر الرئة في النموذج الحيواني الذي تناوله، فلم تجد الدراسة أي دليل يشير إلى أن التدخين المزدوج، أي الذي تستبدل فيه السجائر القابلة للاحتراق بالسجائر الإلكترونية أو بمنتجات التبغ المسخن، أقل ضرراً بالمقارنة مع السجائر العادية، وأظهرت نتائج الاختبارات على الفئران تسرب الألبومين بشكل كبير إلى الرئتين في المجموعة التي تعرضت للسجائر القابلة للاحتراق أو في المجموعات التي تعرضت إلى مزيج من السجائر القابلة للاحتراق أو السجائر الإلكترونية أو منتجات التبغ المسخن، وقد كشف فحص الأنسجة عن تسلل للخلايا الالتهابية بشكل كبير، إضافة إلى ترسبات الكولاجين، علماً أن الأبحاث الطبية أظهرت أن المستخدمين المزدوجين هم من جيل الشباب في معظمهم ومن طلبة التعليم العالي، وهم يستهلكون في البداية عدداً أقل من السجائر يومياً، مقارنة مع المدخنين العاديين، بعدها تتحول نسبة كبيرة من هذه المجموعة إلى الاستخدام المزدوج للسجائر العادية والسجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخن وصولاً إلى مرحلة الانتقال إلى تدخين السجائر القابلة للاحتراق حصراً، أما التدخين المزدوج فلا يوفر الحماية، كما يعتقد كثيرون في المجتمع. كما قد يشكل مدخلاً لتدخين السجائر بصورة منتظمة وحصرياً. بالتالي يعتبر حصري أن الخيار الصحي الوحيد للحد من تضرر الرئتين هو الإقلاع الكلي عن التدخين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحذيرات خجولة وانتشار مقلق
على رغم وجود دراسات عديدة تؤكد الأضرار التي قد تنتج من التدخين الإلكتروني وشهادات لكثيرين عاشوا هذه التجربة وعانوا منها كثيراً، وعلى رغم تحذيرات الأطباء حول أخطار السجائر الإلكترونية، لا تزال المواقف المعادية للتدخين الإلكتروني محدودة على صعيد العالم في مواجهة مجموعات الضغط الفاعلة التي تسوق له. تشير رئيسة مركز مكافحة الإقلاع عن التدخين في مستشفى اوتيل ديو دو فرانس في بيروت الدكتورة زينة عون إلى أن الأرباح التي تتخطى مليارات الدولارات من وراء التجارة بالسجائر الإلكترونية، تشكل الدافع الأساسي لمجموعات الضغط التي تعزز من انتشارها حول العالم وتعمل على التسويق لها. فحتى اللحظة لا تزال حملات التوعية حول أخطار التدخين الإلكتروني محدودة، ومن جهة أخرى، يتطلب تأكيد الأضرار البعيدة المدى للتدخين الإلكتروني سنوات طويلة من المتابعة والمراقبة والتجارب، كما حصل مع التدخين التقليدي، بالتالي قد تكون هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لإثبات مخاطرها البعيدة المدى بشكل علمي، لذلك، تبقى الخطوات في مواجهة التدخين الإلكتروني خجولة، فتشير عون إلى دعوى رفعت في فرنسا في مواجهة شركة التبغ والسجائر "فيليب موريس" لتحايلها على الناس ولإخفائها مخاطر التدخين الإلكتروني الحقيقية بهدف التسويق له، على رغم أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية تعتبره تدخيناً مضراً وتمنع التسويق له والقيام بحملات إعلانية، وكانت الشركة قد أكدت سابقاً أن ثمانية ملايين شخص حول العالم تخلوا عن التدخين العادي ليستخدموا التدخين الإلكتروني، أما التحذير من مخاطر التدخين الإلكتروني فيقتصر على ذاك الذي يطلقه الأطباء المتخصصون مشيرين إلى مخاطر السجائر الإلكترونية، وداعين إلى تجنبها لأنها تؤذي الصحة والرئتين، بعد ما أثبته الواقع والدراسات، وفي المقابل، تغيب الحملات الواسعة في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة على الصحة.
أضرار أكيدة للمدى القريب
ظهرت السجائر الإلكترونية من مدة قصيرة نسبياً بالنسبة للعلم، فلا تسمح بتأكيد الأضرار الصحية البعيدة المدى لها، لكن، توضح عون أن الأضرار القصيرة المدى التي تظهر مباشرة عند استخدامها باتت واضحة ومثبتة، ويمكن تأكيدها من الآن، إذ تحتوي السجائر الإلكترونية على مواد سامة هي تلك الموجودة في السجائر العادية، ولو بنسبة أقل بقليل، على سبيل المثال، المادة المسببة للسعال موجودة فيها بنسبة 18 في المئة أقل، لا أكثر، بالمقارنة مع السجائر التقليدية، هذا فيما تشير الحملات التسويقية لها إلى أنها تحتوي على مواد سامة بنسبة 90 في المئة أقل، كذلك بالنسبة إلى النيكوتين، فهو موجود بالنسبة الكافية ليسبب الإدمان وبدرجات متفاوتة بحسب أنواع السجائر الإلكترونية المنتشرة في مختلف دول العالم، التي نجد أكثر من 250 علامة منها بأكثر من 150 نكهة مختلفة، هي تحتوي على المكونات التي في التدخين العادي إنما بنسب مختلفة، فيما تبقى المضار هي ذاتها، علماً أن النكهات التي في السجائر الإلكترونية هي في الواقع موجودة في الغذاء، لكن خطورتها في تسخينها، وهذا التنوع في النكهات والألوان هو من ضمن الخطط التسويقية لنشر هذه الظاهرة أكثر فأكثر بين فئة الشباب وجعلها أكثر جاذبية لهم.
من الأعراض المباشرة التي تسببها والتي أُثبتت فعلاً، الوجع في الصدر والربو والأذى المباشر للرئتين والحريق في العينين، كما أثبتت الدراسات أنها تزيد من مستويات ضغط الدم ومشكلات القلب والرئتين وتسارع دقات القلب، وتسبب ضيقاً حاداً في النفس، هذا ما دعا الـ FDA إلى التحذير من استخدامها، لكن حتى الآن تشير عون إلى أنه لم يتم منعها أبداً من قبل الهيئات الرسمية، بل هي تكتفي بالتحذير من مخاطرها، خصوصاً أنه لا توجد بعد معلومات كافية عنها، إضافة إلى الأرباح الكبرى التي تتحقق من ورائها والتي تتخطى تلك التي تحقق من السجائر العادية.
تبدو صناعة السجائر الإلكترونية أكثر خطورة من تلك العادية لاعتبار أن منتجيها كشفوا الوسائل الفضلى لزيادة معدلات الإدمان عليها والترويج لها بمعدلات كبرى حتى تنتشر على نطاق أوسع بين الشباب بشكل خاص. حتى إنها تحتوي على مكونات تزيد من معدل امتصاص النيكوتين في الجسم لدى استخدامها، كما أن تصميمها وألوانها ونكهاتها، كلها عوامل أسهمت في جعلها أكثر رواجاً وجاذبية للشباب لتسويقها.
"نحاول أن ننشر الوعي حول أخطار التدخين الإلكتروني قدر الإمكان، لكن المشكلة في أننا نحتاج إلى الأثر التراكمي الذي يمكن الحصول عليه خلال 30 سنة، حتى الآن تبين أنه يزيد خطر الإصابة بذبحة قلبية ومن التوتر العاطفي، إضافة إلى السعال والإفرازات والحريق في العينين ووجع البلعوم، هي آثار سريعة ومباشرة وباتت أكيدة، لذلك ليس هناك حاجة للانتظار حتى يتم تأكيدها ولتتكثف حملات التوعية حول مخاطرها".