Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثيودور روزفلت... رجل العصا الغليظة والصوت الهادئ

الرئيس الـ26 للولايات المتحدة سياسي ومؤلف وعالم طبيعة ومستكشف وصاحب رؤية للرفاه الاجتماعي

ثيودور روزفلت خلال حملته الانتخابية (مكتبة الكونغرس)

ملخص

من المؤكد أن ثيودور روزفلت، الرئيس السادس والعشرون للولايات المتحدة الأميركية، هو من وضع الأساسات الاستراتيجية للنفوذ الأميركي المعاصر لا سيما عبر البحار والمحيطات، وكان من أوائل الذين قطعوا بأن الدولة التي تمتلك أقوى أسطول في العالم هي وحدها القادرة على السيطرة على المحيطات، وممارسة دبلوماسيتها على أكمل وجه، والدفاع عن حدودها.

في إطار من استطلاع الرأي جرى في أواخر فبراير (شباط) الماضي، أجرته جامعة هيوستن الأميركية شمل 154 مؤرخاً رئاسياً، حل الرئيس ثيودور روزفلت، وهو الذي شغل منصب الرئيس الـ26 للولايات المتحدة من عام 1901 إلى 1909، في المركز الرابع.

لا يبدو اسم ثيودور روزفلت مألوفاً بخلاف جورج واشنطن أو أبراهام لنكولن وتوماس جيفرسون، لكنه في واقع الأمر كان واحداً من ألمع الرؤساء الأميركيين الذين احتفى بهم الشعب في طول البلاد وعرضها طوال ثمانية أعوام، وكثيراً ما يصنف بأنه ضمن الخمسة الأكثر إنجازاً في تاريخ البلاد.

يصعب على المرء أن يجد تعريفاً شافياً وافياً للرجل، فهو سياسي ومؤلف، عالم طبيعة ومستكشف، جندي ومصلح اجتماعي، عضو في الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب، والجمعية التاريخية الأميركية، وكذلك الجمعية الأميركية الفلسفية.

أصبح قوة دافعة للعصر التقدمي في الولايات المتحدة في أوائل القرن الـ20، واشتهر باسم "تيدي" رغم أنه نفسه كان يكره هذا الاسم بشدة، أما عن اسم عائلته فينطق "روزافيلت"، كما قال هو نفسه أكثر من مرة وليس "روزفلت" كما جرت العادة.

من أين يمكن للمرء أن يبدأ رؤية عابرة لهذا القيصر الأميركي الذي ملأت شهرته الآفاق، وعاش مغامرات عميقة داخل الولايات المتحدة وخارجها، عرف فيها انتصارات دولية، وحقق جوائز عالمية، وإن أصابه سيف الوجع جراء مقتل ابنه، وهي قصة مليودرامية في حد ذاتها؟

ثيودور ابن المدينة التفاحة... نيويورك

في 27 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1858، ولد ثيودور روزفلت في مدينة نيويورك، الشهيرة بالتفاحة لأسرة تنتمي إلى المذهب "المشيخي"، وهو أحد مذاهب التيار البروتستانتي المسيحي، ولأن ثيودور كان ضعيف البنية، عليل الجسم، مصاباً بداء الربو، الذي كان أحد الأمراض الصدرية الأكثر إشكالية في ذلك الزمان، فلهذا تلقى تعليمه في المنزل، على يد معلمين خصوصيين ومن والديه في غالب الأمر.

يحكي كاتب السيرة الذاتية "إتش دبليو براندز" عن ثيودور قائلاً "إن العيب الأكثر وضوحاً في تعليمه في المنزل هو التغطية غير المتكافئة لمختلف مجالات المعرفة الإنسانية، كان قوياً في الجغرافيا ومشرقاً في التاريخ وعلم الأحياء واللغات الفرنسية والألمانية، لكنه عانى في الرياضيات واللغات الكلاسيكية".

في سن الـ16 انتمى إلى الجامعة التي ستصبح واحدة من قمم أميركا، جامعة هارفرد، في ولاية ماساشوستس، تلك التي أسسها رجل الدين البروتستانتي الشهير جون هارفرد عام 1636.

في سن الـ18 خطا ثيودور أولى خطواته في الجامعة العريقة، محملاً بوصية والده: "اعتن بأخلاقك أولاً، ثم صحتك بعد ذلك، وأخيراً دراستك".

خلال سنوات دراسته تعرض ثيودور لضربة نفسية قاصمة وذلك حين توفيت والدته بشكل مفاجئ في فبراير 1878 مما أدى إلى انهياره نفسياً، لكنه تعافى لاحقاً وتضاعفت أنشطته.

في جامعة هارفرد قام ثيودور الشاب بتقليد والده المشيخي المتدين باقتدار، وذلك من خلال التدريس في مدرسة الأحد (فصول الأطفال نهار الأحد، حين يكون الآباء منشغلين في الصلوات الرئيسة)، وذلك لأكثر من ثلاثة أعوام.

في هارفرد كان أداؤه جيداً في دورات العلوم والفلسفة والبلاغة، لكنه استمر في النضال في اللاتينية واليونانية.

درس علم الأحياء باهتمام وكان بالفعل عالم طبيعة بارعاً وعالم طيور له منشورات، وتمتع بذاكرة فوتوغرافية هائلة.

تخرج ثيودور في جامعة هارفرد بدرجة البكالوريوس بامتياز عام 1880. يقول كاتب السيرة الذاتية "هنري ف. برينجل": "كان روزفلت، وهو يحاول تحليل مسيرته الجامعية ووزن الفوائد التي حصل عليها، يشعر بأنه لم يحصل على كثير من جامعة هارفرد. لقد كان مكتئباً بسبب المعالجة الشكلية لعديد من الموضوعات، بسبب الجمود، والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة التي كانت مهمة في حد ذاتها، ولكنها بطريقة ما لم تكن مرتبكة أبداً بالكل".

العمل السياسي ينادي ثيودور مبكراً

الكتكوت الفصيح في البيضة يصيح، هكذا كانت حال ثيودور خلال سنوات دراسته في جامعة هارفرد، حيث بدأ دراسة منهجية للدور الذي لعبته البحرية الأميركية في حرب عام 1812، وبمساعدة اثنين من أعمامه، قام بتدقيق المواد الأصلية والسجلات الرسمية للبحرية الأميركية، ونشر في نهاية المطاف كتاباً عن تلك الحرب، احتوى على رسومات لمناورات السفن الفردية والمشتركة، ورسوم بيانية تصور الاختلافات في أوزان الرمي الحديدي للمدفع بين المنافسين، وتحليل أوجه التشابه بين القيادة البريطانية والأميركية وصولاً إلى مستوى السفينة.

هل يمكننا القول إن ثيودور وضع الأساسات الاستراتيجية للنفوذ الأميركي المعاصر لا سيما عبر البحار والمحيطات؟

مؤكد أنه كان من أوائل الذين قطعوا بأن الدولة التي تمتلك أقوى أسطول في العالم هي وحدها القادرة على السيطرة على المحيطات، وممارسة دبلوماسيتها على أكمل وجه، والدفاع عن حدودها.

بعد وفاة والده ورث روزفلت نحو 65 ألف دولار، وهي ثروة كانت كافية ليعيش عليها بشكل مريح للغاية لبقية حياته.

غير أن ثيودور تخلى عن خطته السابقة لدراسة العلوم الطبيعية وقرر الالتحاق بكلية الحقوق بجامعة كولومبيا بدلاً من ذلك، وعاد إلى منزل عائلته في مدينة نيويورك، وعلى رغم أن روزفلت كان طالباً متمكناً في القانون، فإنه غالباً ما وجد القانون غير عقلاني.

كان من الطبيعي للغاية أن تجد الحياة السياسية طريقها إليه، فقد بدأ حضور الاجتماعات في مورتون هول المقر الرئيس في الشارع الـ59 للجمعية الجمهورية للمنطقة الـ21 في نيويورك.

على رغم أن والد روزفلت كان عضواً بارزاً في الحزب الجمهوري، فإن ثيودور اتخذ اختياراً مهنياً غير تقليدي لشخص من طبقته، حيث امتنع معظم أقرانه عن الانخراط بشكل وثيق في السياسة.

وجد ثيودور حلفاء في الحزب الجمهوري المحلي، وهزم أحد أعضاء مجلس الولاية الجمهوري الحالي المرتبط بالآلة السياسية للسيناتور "روسكو كونكلينغ".

بعد فوزه في الانتخابات قرر روزفلت ترك كلية الحقوق. وقال لاحقاً "كنت أنوي أن أكون من بين الطبقة الحاكمة".

في الطريق إلى مقعد الرئاسة

غادر ثيودور كلية الحقوق، وقد اختار بديلاً مثيراً هو الانضمام إلى جمعية ولاية نيويورك ممثلاً عن المدينة، ليصبح بذلك أصغر من عمل في هذا الموقع.

بعد فترة ليست بالطويلة، تدرج روزفلت في عديد من المناصب الخدمية العامة، بما فيها منصب قائد الحرس القومي، ثم زعيماً لجمعية نيويورك، أي المجلس التشريعي للولاية إلا أن حدثاً مأسوياً أصابه، تمثل في وفاة زوجته وأمه في يوم واحد، 14 فبراير 1884، مما دفع ثيودور للمغادرة نحو مقاطعة داكوتا لعامين، حيث عاش هناك راعي بقر ومربياً للماشية، تاركاً طفلته الرضيعة في رعاية شقيقته الكبرى.

غير أن النداهة السياسة كانت وراءه، فلم توفر له كثيراً من الوقت ليقضيه هناك، ولهذا عاد مرة أخرى إلى الحياة السياسية عام 1886، غير أنه فشل في أن يصبح عمدة لمدينة نيويورك، وفي الوقت نفسه تزوج للمرة الثانية، من إيديث كارو التي كان يعرفها منذ طفولته، واستأنف فور ذلك مسيرته المهنية، أولاً مفوضاً في الخدمة المدنية، وبعد ذلك مفوضاً لشرطة نيويورك ومساعداً للأمين العام للبحرية الأميركية تحت قيادة الرئيس ويليام ماكنلي.

بسبب اهتمامه الشديد بالحرب الإسبانية- الأميركية، غادر روزفلت  منصبه الحكومي لينظم فرساناً متطوعين عرفوا باسم الخيالة القساة، وقد قادهم بشجاعة كبيرة إلى "سان خوان هيل" في معركة مرتفعات سان خوان عام 1898.

كانت بسالة ثيودور روزفلت سبباً مباشراً في نيله ميدالية الشرف، مما يسر انتخابه حاكماً لمدينة نيويورك في عام المعركة عينه.

بدا روزفلت في سياساته حاكماً لنيويورك، تقدمياً في رؤيته وقراراته، مما خلق شكلاً من أشكال الرفض له داخل قيادات الحزب الجمهوري، أولئك الذين حاولوا إقصاءه، وحتى لا يخسروا فارساً مهماً في ملعب السياسة الأميركية، حاولوا إرضاءه بتسميته نائباً للرئيس الـ25، وليام ماكنلي، غير أن هذا الأخير لقي مصرعه فور إعادة انتخابه ليقفز ثيودور روزفلت إلى مقعد الرئيس الأميركي، وهو في عمر 42 سنة، كأصغر رئيس للولايات المتحدة عبر التاريخ.

في فترة رئاسته الأولى سعى روزفلت إلى تقليص سلطة مؤسسات الأعمال الضخمة، وفي عام 1901، أنشأ الكونغرس بناء على طلبه وزارة التجارة والعمل، وفي مجال السياسة الخارجية كان أبرز إنجازاته عقد اتفاق بنما الذي يعطي الولايات المتحدة حق استخدام شريط من الأرض حفرت عليه قناة بنما الشهيرة.

تميزت رئاسة روزفلت بتفانيه في ملاحقة الاحتكار بموجب قانون "شيرمان" لمكافحة الاحتكارات، ومن هذا الالتزام خرج المؤشر إلى أول فترة رئاسية له، قانون الاتفاق السريع وهو برنامج محلي يتبنى إصلاحات تطال أماكن العمل في أميركا، والتنظيم الحكومي للصناعة وحماية المستهلك، بهدف إجمالي هو مساعدة جميع طبقات الشعب، وقد ساعدت شخصية روزفلت وحماسه وبلاغته الخطابية هذه الأجندة.

جمع روزفلت البحرية الأميركية وأنشأ الأسطول الأبيض العظيم، وأرسله في رحلة حول العالم دليلاً على القوة العسكرية الأميركية.

كما سرع في إنهاء قناة بنما بتقديمه موافقة صامتة على الثورة البنمية وتزويدها بالأموال وفرض حصاراً بحرياً منع القوات الكولومبية من أن تحط رحالها على الأراضي البنمية.

وفي فترة رئاسته الثانية (1905- 1909)، طالب روزفلت الكونغرس بإجازة قانونية تمنع إنتاج الأسلحة ضمن صناعة السكك الحديد.

غير أن هناك إنجازاً بعينه على الصعيد الأممي، يستحق التوقف أمامه لا سيما في ظل الدور الذي لعبه روزفلت وباقتدار.

نوبل وإنهاء الحرب الروسية – اليابانية

في الفترة ما بين عامي 1904 و1905، اندلعت الحرب بين الإمبراطوريتين الروسية وإمبراطورية اليابان، ويرجع المؤرخون نشوب الحرب بسبب طموحات الدولتين المتنافستين في منشوريا وكوريا... كانت أهم مسارح العمليات شبه جزيرة لياودونغ وموكدين في منشوريا الجنوبية والبحار المحيطة بكوريا واليابان والبحر الأصفر.

عانت روسيا عدة هزائم مذلة من اليابان، غير أن القيصر نيكولاس الثاني كان مقتنعاً بأن روسيا ستفوز وتختار الاستمرار في الحرب، في البداية لتحقيق نتائج معارك بحرية معينة، ولاحقاً للحفاظ على كرامة روسيا من خلال تجنب "السلام المذل".

تجاهلت روسيا استعداد اليابان في وقت مبكر للموافقة على هدنة، ورفضت فكرة إحالة النزاع إلى محكمة لاهاي.

وعلى رغم أن روزفلت كان عدوانياً مشهوراً في سياساته الخارجية، حيث كانت كلمته المشهورة "تكلم بهدوء واحمل عصاً غليظة"، فقد أثبت أيضاً أنه دبلوماسي ماهر، فقد عرض روزفلت خدماته كمحكم لإنهاء النزاع بين موسكو وطوكيو.

بعد المقاومة المبدئية، وصل كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات في نيو هامبشاير عام 1905، تلبية لوساطة روزفلت.

لاحقاً وعندما خاضت ألمانيا وفرنسا الحرب بسبب الانقسام السياسي، تدخل روزفلت مرة أخرى وتوسط في اتفاق ينقذ ماء وجه الجميع.

في هذا السياق يقول بعض المؤرخين إن اتفاق 1906 بين ألمانيا وفرنسا، كان السبب في تأجيل الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1915، ولم تضع أوزارها إلا عام 1919.

وفي كل الأحوال كانت وساطة روزفلت بين موسكو وطوكيو أولاً، وبين باريس وبرلين لاحقاً، سبباً رئيساً في فوزه بجائزة نوبل للسلام وقد كان أول رئيس أميركي يحصل عليها وعن جدارة.

لاحقاً وفي عام 2009، عقد الأميركيون المقارنات بين جهود ثيودور روزفلت في التوصل إلى سلام بين الأطراف السابقة المتناحرة، وباراك أوباما الذي تحصل على نوبل ولم تكن هناك مبررات حقيقية لهذا الفوز، بل على العكس، فقد تسبب في ثورات وفورات جلبت الخراب على منطقة الشرق الأوسط من خلال تشجيعه لما أطلق عليه "الربيع العربي"، بدءاً من أواخر 2010 وحتى 2013.

ملامح من رئاسة ثيودور روزفلت

في عام 1904، انتخب روزفلت لفترة رئاسية كاملة، وبعد أن وصل إلى الرئاسة في المرة الأولى كنائب للرئيس ماكنلي الذي لقي مصرعه اغتيالاً.

لم تكن الولاية الثانية سخاءً رخاءً لروزفلت، فقد وقف الكونغرس حجر عثرة أمام كثير من جهوده، وبخاصة أجندته التشريعية.

قبل أن يغادر البيت الأبيض، قام روزفلت بإعداد صديقه المقرب "ويليام هوار تافت" ليخلفه في الرئاسة، الذي سيقدر له الفوز بولاية واحدة من 1909 إلى 1913 قبل أن يلقى هزيمة صعبة أمام الرئيس الـ28، وودرو ويلسون.

ذهب روزفلت بعد نهاية ولايته في رحلات سفاري في أفريقيا وقام بجولة في أوروبا، عاد بعدها إلى الولايات المتحدة، لكنه لم يستحسن نهج تافت في الرئاسة، ولهذا حاول الترشح عن الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام 1912، لكنه لم ينجح.

أسس روزفلت حزبه التقدمي، ونادى بإجراء إصلاحات تقدمية واسعة النطاق. أدى الانقسام بين الجمهوريين لتمكين الديمقراطيين من الفوز بالرئاسة وغالبية الكونغرس عام 1912، وقد ظل الفريق الجمهوري الذي تحالف مع تافت مسيطراً على الحزب الجمهوري لعقود تالية.

كمحب للطبيعة والهواء الطلق والصيد وتربية الحيوانات، كان روزفلت داعية ومدافعاً شرساً عن حماية الأرض والطبيعة. وخلال فترة رئاسته وحدها، قام روزفلت بحماية 230 مليون فدان من الأراضي العامة، التي شملت إنشاء دائرة الغابات الأميركية وافتتاح خمس حدائق وطنية جديدة، ولم يقتصر الأمر على قيام روزفلت باتخاذ إجراءات خلال فترة رئاسته التي استمرت سبع سنوات لحماية المعالم الأميركية الشهيرة مثل "وادي بوسمايت" و"غراند كانيون"، لكنه أقر قانون الآثار الأميركية لعام 1906، الذي أعطى رؤساء المستقبل سلطات واسعة لحماية المواقع الطبيعية والثقافية بصفتها آثاراً وطنية.

خلال سنواته السبع وضع روزفلت لبنات اعتبار الولايات المتحدة الأميركية كـ"قوة شرطية"، لنصف الكرة الغربي، وهذا معناه أن الولايات المتحدة ستقوم بحماية البلدان المهددة في أميركا الشمالية والجنوبية، وتم تسمية هذا الأسلوب "عصا الدبلوماسية الكبيرة".

بعد أن ترك روزفلت البيت الأبيض، أصيب بحالة من الإحباط في الوطن، وعليه فقد قرر أن يقوم برحلة في حوض الأمازون، وهناك كاد يلقى حتفه من جراء الأمراض الاستوائية، وخلال الحرب العالمية الأولى، عارض الرئيس وودرو ويلسون الذي أراد إبقاء الولايات المتحدة خارج الحرب ضد ألمانيا.

الحرب العالمية ورغبته في التطوع

لم يكن روزفلت يدرك ما الذي تخبئه له الأيام ضمن سياقات الحرب العالمية الأولى، التي كان له موقف مهم منها.

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى على الساحة الأوروبية عقب حادثة سراييفو 28 يونيو (حزيران) عام 1914، صرح روزفلت للصحافيين عن رغبته في دخول بلاده النزاع العالمي بأقرب وقت لمساندة القوى الديمقراطية، في إشارة منه لكل من بريطانيا وفرنسا.

كان انتقاد روزفلت الرئيس ينصب حول حرب الغواصات التي شنها الألمان بالمحيط الأطلسي ضد السفن المدنية والتجارية، وهذا ما دعاه لمطالبة حكومة وودرو ويلسون باتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه الإمبراطورية الألمانية.

وصف روزفلت سياسة ولسن تجاه الحرب العالمية الأولى بالسيئة والمشينة، مؤكداً ضرورة عدم تجاهل ما يحصل في أوروبا ومتحدثاً عن إمكانية إنهاء النزاع بشكل مبكر ومنع توسعه في حال تدخل الأميركيين إلى جانب الفرنسيين والبريطانيين بالأشهر الأولى للحرب.

غير أن الرئيس وودرو ويلسون فضل مواصلة اعتماد سياسة الحياد وتجنب إقحام الأميركيين بهذا الصراع الأوروبي، وخلال الانتخابات الرئاسية لعام 1916، وضع روزفلت ويلسون في موقف محرج عندما اتهمه بالخوف وإذلال الولايات المتحدة بسبب عدم إعلانه الحرب على ألمانيا عقب قيام الأخيرة باستهداف السفينة "لوسيتانيا"، مما تسبب في مقتل 128 مواطناً أميركياً.

مع مطلع عام 1917، أصبح دخول الأميركيين الحرب العالمية الأولى أمراً شبه حتمي، ولهذا السبب، سمح الكونغرس بتكوين أربع فرق من المتطوعين الأميركيين لإرسالها نحو فرنسا.

في مواجهة هذا الوضع اقترح روزفلت تكوين فرق متطوعين تحت إشرافه وبخطته، وعرض على روزفلت تكوين هؤلاء المتطوعين وتدريبهم بشكل سريع ومكثف خلال ستة أسابيع.

بدت الفكرة جيدة في أعين كثيرين من نواب الكونغرس، كما لاقت إقبالاً شديداً من جنرالات أميركيين سابقين.

في 18 مايو (أيار) 1917، وضع الرئيس الأميركي ويلسون نهاية لأحلام روزفلت، وذلك من خلال تمريره قانون الخدمة الانتقائي، وبموجبه حصل الرئيس الأميركي على صلاحيات سمحت له بتجنيد الرجال الذين تراوحت أعمارهم بين 21 و30 سنة تزامناً مع خيار استدعاء 500 ألف متطوع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفاة ابنه كوينتن على يد قوات الألمان

لم يكن روزفلت يدري أنه على موعد مع القدر خلال الحرب العالمية الأولى، وأنها ستحرمه من أقرب أبنائه إلى قلبه.

رزق روزفلت ستة أبناء كان أصغرهم "كوينتن روزفلت"، الخامس المولود في 1897، الذي كانت نهايته مأسوية هزت العالم في 1918.

خلال الحرب العالمية الأولى، غادر كوينتن، مقاعد الدراسة في جامعة هارفرد، لينضم إلى إحدى فرق الطيران التابعة للجيش الأميركي، ويتدرب قرب نيويورك على قيادة الطائرات.

في يونيو 1918، انضم كوينتن بشكل رسمي للسرب الـ95 التابع لسلاح الجو الأميركي، ليبدأ بعد ذلك بشهر واحد مهامه في الأجواء الفرنسية.

في 14 يوليو (تموز) سنة 1918، طاردت بعض الطائرات الألمانية طائرة كوينتن، التي تعرضت لوابل من النيران قبل أن تسقط قرب قرية شامري، في الشمال الفرنسي وخلال هذه الحادثة قتل الابن الأصغر للرئيس الأميركي روزفلت وهو في الـ20 من عمره.

استغل الألمان شخصية الضحية، فأخذوا في التقاط صور إلى جانب الجثة لرفع الروح المعنوية لجنودهم، قبل أن يقوموا بدفنه على مقربة من مكان سقوط طائرته، فضلاً عن ذلك، اتجه عدد من الضباط الألمان لوضع علامة صليب على قبر ابن الرئيس تيدي.

بعد أيام قليلة، سيطر الأميركيون على منطقة شامري، فما كان منهم إلا أن أزالوا الصليب الألماني على قبر كوينتن، ورفعوا مكانه صليب عادي آخر.

لاحقاً وبعد عقدين من الزمن، أي حين انتهت الحرب العالمية الثانية، نقل الأميركيون رفات كوينتن، إلى مقبرة تابعة لمنطقة نورماندي.

وفي الخلاصة، يحتاج الحديث عن ثيودور روزفلت إلى استطرادات واسعة لا سيما أن المؤرخين والباحثين يرون فيه أحد أعظم الرؤساء الأميركيين لاجتثاثه الفساد في إدارته، لكنهم انتقدوه بسبب دعاوى التشهير التي رفعها ضد بعض الصحف المحلية، مما اعتبر انتقاصاً من احترامه لحرية الرأي الذي يكفله الدستور الأميركي، عطفاً على أنه نحت وجهه على جبل راشمور إلى جانب وجوه جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وأبراهام لنكولن.

المزيد من تحقيقات ومطولات