Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شعارات "النصر المطلق" تفقد الجمهور الإسرائيلي الثقة بقيادته

غالبية الإسرائيليين يعتبرون حرب غزة وجودية والضغوط المتزايدة على تل أبيب تحد من النفوذ الذي يمكن أن تمارسه ضد "حماس"

دبابة إسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة (أ ب)

ملخص

معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب يشدد على أهمية فهم الفرق بين حرب الدول والحرب بين دولة وتنظيمات وحركات سياسية مثل "حماس" أو "حزب الله".

منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول)، اليوم التالي من هجوم "حماس" على إسرائيل، رفع الإسرائيليون جميعاً عبر القنوات التلفزيونية والبرامج وشبكات التواصل الاجتماعي شعار حملة "معاً ننتصر"، وعلى مدار ثلاثة أشهر على الأقل، تبنى الإسرائيليون هذا الشعار وأكدوا أنهم موحدون من يمين ويسار وعلمانيين ومتدينين من ائتلاف حكومي ومعارضة في مواجهة "حماس" و"حزب الله" وإيران وكل من يهدف إلى القضاء على إسرائيل. مثل هذه التصريحات سمعت من أكثر من مسؤول سياسي وأمني وأهالي الرهائن وحتى الجمهور الذي عبَّر عن ذلك عبر ملصقات على المنازل والسيارات وفي كل مكان.

خلال هذه الفترة وحتى اليوم كرر متخذو القرار على كل منصة وفي كل مناسبة أنهم لن يقبلوا بوقف الحرب من دون تحقيق "النصر المطلق" لجميع أهدافها.

وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الحرب من دون تحقيق الأهداف، القضاء على قيادة "حماس" وبنيتها التحتية وعودة جميع المخطوفين وضمان عدم وجود أي تهديد على إسرائيل من غزة، لم تعد الصورة كما كانت عليه. شعار "معاً ننتصر" أزيل من كل مكان وبات المجتمع الإسرائيلي منقسماً بين مختلف شرائحه كما الانقسام بين متخذي القرار من سياسيين وعسكريين وأمنيين حول مختلف القرارات المتعلقة بالحرب. 

أشار بحث أجراه معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب اعتمد على نتائج عديد من الدراسات الاستقصائية التي أجريت خلال الأشهر الثلاثة من الحرب مع متابعة الخطاب العام والإعلامي في إسرائيل "في واقع يتسم بالالتزام بمواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها وعدم القدرة على تحقيق هذه الأهداف كما تُنقل إلى الجمهور أو خلق شعور بالانتصار، هناك خطر المراوحة في الصراع من دون استراتيجية خروج واضحة ومواصلة القتال من دون فهم الغرض منه. مثل هذا السيناريو يمكن أن تكون له تداعيات خطرة على الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي".

 

إحباط وخسارة

يشير المعهد إلى أهمية فهم الفرق بين حرب الدول والحرب بين دولة وتنظيمات وحركات سياسية مثل "حماس" أو "حزب الله"، حيث يصر قادة التنظيمات على استمرار القتال ورفض الاستسلام لإسرائيل باعتباره "انتصاراً"، نظراً لعدم تكافؤ القوى والقدرات بينهم وبين إسرائيل. وللمقارنة بين قادة "حماس" والقيادة الإسرائيلية يرى البحث أن "السكان الذين يستمعون لـ(حماس) ولإصرارها على عدم الاستسلام يدعمونها مما يمكّن الحركة من تضخيم إنجازاتها. وفي المقابل فإن التصريحات التي يدلي بها قادة إسرائيل وكبار ضباطها العسكريين بأن (حماس) سوف تهزم نهائياً تعمل على تعزيز توقعات الرأي العام الإسرائيلي بتحقيق النصر. ونظراً لطبيعته غير الواقعية، فإن هذا التوقع يؤدي إلى الإحباط ويخلق واقعاً تكون الخسارة فيه شبه مؤكدة".

على رغم الفشل العسكري الصادم وغير المسبوق في منع هجوم "حماس" المفاجئ في السابع من أكتوبر إلى جانب تعرض الجمهور الإسرائيلي الفوري للصور المؤلمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما جاء في البحث، فقد كان الشعور السائد عند اندلاع الحرب هو أن الجيش سينتصر وسيهزم الحركة بشكل حاسم. 

لكن ذلك لم يعكس تقييماً مدروساً وعقلانياً لقدرات الجيش، ولا فهماً عميقاً لما هو مطلوب لتعريف نهاية الحرب بأنها "انتصار".

أهداف الحرب 

إحدى طرق تحديد "النصر" في الحملة العسكرية تتعلق بتحقيق أهدافها. وعلى عكس جولات القتال السابقة مع "حماس"، التي كانت أهداف الحرب خلالها تميل إلى التحديد الغامض، مثل "استعادة الردع"، حددت عملية "طوفان الأقصى" الأهداف منذ البداية، مع أنها تغيرت على مدار الأشهر الأولى كان الهدف في الأسبوع الأول من الحرب هو إسقاط "حماس"، بل صرح أكثر من مسؤول عسكري وسياسي بأن هذه ليست مجرد جولة من القتال أو عملية عسكرية لاستعادة الردع الإسرائيلي بل الهدف هو إسقاط الحركة وتدميرها.

وفي أول خطاب له مساء السابع من أكتوبر قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إن الجيش سينطلق فوراً وبكل قوته للقضاء على قدرات "حماس"، مضيفاً "سنضربهم حتى الدمار، وسننتقم بقوة لهذا اليوم الأسود الذي جلبوه على دولة إسرائيل ومواطنيها". وفي خطابه خلال تشكيل حكومة الطوارئ، ركز نتنياهو على إسقاط "حماس" وأكد "سنقاتل بكل قوة القتلة الملعونين، الحيوانات المفترسة، سنهزمهم. سنمحوهم من على وجه الأرض. وفي الوقت نفسه، سنعيد بناء المجتمعات التي دمرت، وسنستعيد المجتمعات الحدودية في غزة، وسنعيدها إلى منطقة مزدهرة وجميلة".

هذا الخطاب وغيره من خطابات القيادة الإسرائيلية أقنعت الإسرائيليين أن الجيش، الذي يعتبر خامس أقوى جيش في العالم، سيكون قادراً على دحر "حماس" والقضاء عليه في غضون فترة قصيرة لكن سرعان ما تكشفت حقيقة صعوبة القتال في أرض غزة وارتفعت أعداد الجنود القتلى والمصابين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في جانب صفقة الرهائن، فيرى البحث أنها شهدت تغيراً كبيراً مع مرور الوقت، "مما يدل على تأثير الرأي العام والدعم الإعلامي لحملة عائلات الرهائن، فضلاً عن التغيرات السياسية". وينتقد البحث استخدام مصطلح بذل كل جهد لإعادة المحتجزين من قبل القيادة معتبرة "أنه مصطلح لا يترجم إلى التزام ولا يوحي بأن إعادة الرهائن على رأس قائمة الأولويات والاعتبارات في اتخاذ القرار"، كما افترضت عديد من التصريحات الصحافية وجود تناقض بين هزيمة "حماس" وإعادة الرهائن. مع مرور الوقت وتزايد الضغط الشعبي، أصبحت التصريحات حول هذه القضية واضحة لا لبس فيها: أهداف الحرب هي إسقاط "حماس" وإعادة الرهائن إلى إسرائيل.

 

في استطلاع للرأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي، وجه سؤالاً للجمهور عما يعتبرونه إنجازات في تحقيق أهداف الحرب. وكانت الإجابة الأكثر شيوعاً هي التصفية الجسدية لقادة "حماس" ومعظم جناحها العسكري (36 في المئة). وكان الرد الثاني الأكثر شيوعاً هو إعادة الرهائن (26 في المئة)، والثالث هو إنشاء نظام مختلف في غزة (19 في المئة). وفي المركز الرابع والأخير، كان إلحاق أضرار جسيمة بوسائل "حماس" الحربية، بما في ذلك الأنفاق ومخزونات الأسلحة والصواريخ (13 في المئة). 

وفي رد على سؤال إذا يوافقون أن يبذل الجيش كل ما في وسعه، بما في ذلك تعريض حياة الجنود للخطر، لإعادة الرهائن، سواء أحياء أم أموات، قال 13 في المئة فقط إنه يجب تعريض الجنود للخطر لإعادة الرهائن أحياء أو أمواتاً، في المقابل، يعتقد حوالى نصف المستطلعين (49.8 في المئة) أنه يجب تعريض الجنود للخطر لإعادة المحتجزين ولكن فقط في الحالة التي ما زالوا فيها على قيد الحياة. 

ويقارن بحث المعهد بين استطلاعين أجريا بفارق شهر ونصف الشهر في كيفية تغيير موقف الإسرائيليين، ففي حين اعتبر 66.2 في المئة في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) أن العملية البرية في غزة تزيد فرص إعادة المحتجزين، تراجعت النسبة يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) إلى 55.3 في المئة. ويعتقد معدو البحث أن يستمر انخفاض الدعم الشعبي للغزو البري مع زيادة فرص إعادتهم "طالما بقيت القضية محور الاستقطاب السياسي".

بين "النصر" وصورة "النصر"

في تطرقه لمسألة "النصر"، جاء في البحث أن هناك حاجة للتمييز بين معنيين مختلفين للنصر "الأول هو النصر بالمعنى العسكري. أي يمكن أن نتساءل إلى أي مدى حققت الحرب أهدافها كما قدمها المستوى السياسي إلى المستوى العسكري. وهذا المعنى للنصر قابل للقياس بقدر ما تكون أهداف الحرب وغاياتها قابلة للقياس". أما المعنى الثاني، فبحسب البحث، "يمكن تقسيمه إلى عنصرين: تصور الجمهور الإسرائيلي للنصر والتصور الخارجي للنصر من قبل أعداء إسرائيل الآخرين وكيفية رؤية الساحة الدولية لإنجازات الحملة".

بالنسبة لنظرة الجمهور الإسرائيلي للحرب، فإنها حرب وجودية وينظر إليها غالبية الإسرائيليين على أنها حرب عادلة "مع إزالة هجوم السابع من أكتوبر أي شك حول عدالة الحرب فإن الحاجة إلى النصر في هذه الحرب أصبحت أكثر أهمية"، وأضاف البحث "تحقيق النصر العسكري في هذه الحملة أكثر تعقيداً مما تم تقديمه في البداية، نظراً لصعوبات تحقيق النصر على جهة ما دون الدولة، إضافة إلى التعامل مع استراتيجية (حماس) القتالية واستخدامها المكثف للأنفاق والمساحات تحت الأرض التي تتجاوز ما كانت إسرائيل على علم به قبل الحرب. كما أن الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل تحد من النفوذ الذي يمكن أن تمارسه ضد (حماس)".

وهناك خطر إضافي يتعلق بقابلية "قياس صورة النصر العسكري، نظراً للرغبة في تقديم إنجازات يمكن إدراكها أو تبدو وكأنها انتصار. تعريف النصر من الناحية العسكرية هو تحقيق أهداف الحرب. في غياب القدرة على الإشارة إلى تحقيق واضح للأهداف، وبقدر ما تكون هذه الأهداف غير قابلة للقياس، فهذه نتيجة متأصلة تقريباً، سيكون الاتجاه هو تأطير الإنجازات التكتيكية على أنها قابلة للمقارنة بالنصر أو تقربنا من النصر".

يقول البحث إن تنمية "صورة النصر هي إحدى الاستراتيجيات لتعزيز الشعور بالانتصار، وهي تستحق المناقشة. في بعض الأحيان، تتطابق صورة النصر الملموسة والفعلية، ومع ذلك، فإن السعي وراء صورة النصر قد يدفع صناع القرار إلى إطالة أمد الحملة من دون داع من خلال الجهود العسكرية والدبلوماسية. وهذا يمكن أن يضر بالتوازن بين الاحتياجات المختلفة، ويمكن أن يؤدي إلى تحركات عسكرية مضللة تحت الضغط لإنتاج مثل هذه الصورة. علاوة على ذلك، فإن صعوبة التحديد الدقيق للوزن الذي ينبغي إعطاؤه للتوقعات العامة، التي كثيراً ما يساء فهمها، يمكن أن تؤدي إلى أخطاء في تحديد موعد إنهاء القتال أو الانتقال إلى مرحلته التالية".

ويخلص إلى أن ما كشفته استطلاعات الرأي التي أجراها معهد أبحاث الأمن القومي منذ بدء الحرب عن تضاؤل شعور الجمهور بالإنجاز مع استمرار الحرب وتزايد القلق من أن إسرائيل لن تفوز بالصراع "سيؤثر على شعور الناس الشخصي بالأمان. إن التركيز الشديد على قضية الرهائن يسلط الضوء على معضلة أوسع: فرغم أنه ينظر إلى الحرب على نطاق واسع على أنها مبررة، فإن التحدي المتمثل في تحديد النصر وتحقيقه أصبح تقريباً بمثابة اختبار أخلاقي للمجتمع الإسرائيلي، وهو ما يؤكد ضرورة الحاجة إلى قيادة شفافة وصادقة إزاء تراجع ثقة الجمهور في القيادة السياسية الحالية، وهو ما تفاقم بسبب التصريحات المتغطرسة حول (النصر المطلق). ويثير هذا الوضع مخاوف من أن إمكانية تحقيق صورة النصر في الحرب، التي يعتبرها معظم الإسرائيليين ضرورية، قد تتلاشى".

المزيد من تقارير