Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا وراء قرار "الديمقراطي الكردستاني" مقاطعة انتخابات الإقليم؟

أميركا قلقة ومراقبون يحذرون من المخاطرة بالشرعية وتلميحات حول اتفاق غير معلن مع التيار الصدري

لقاء سابق جمع بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومسعود بارزاني (رووداو)

ملخص

يتزامن ذلك مع ما كشفت عنه مصادر ومسؤولون أن موقف الحزب الديمقراطي يترافق مع توجه غير معلن يقوده الحزب لإعادة إحياء التحالف الثلاثي السابق مع التيار الصدري الشيعي والزعيم السني محمد الحلبوسي.

دخلت الأزمة بين أربيل وبغداد مرحلة أشد تعقيداً في أعقاب إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني عن مقاطعته للانتخابات البرلمانية الكردية وتلويحه بالانسحاب من العملية السياسية في العراق وسط هواجس من تبعات استمرار غياب "المؤسسات الشرعية" في إقليم كردستان على كيانه الدستوري.

ويتزامن ذلك مع ما كشفت عنه مصادر ومسؤولون أن موقف الحزب الديمقراطي يترافق مع توجه غير معلن يقوده الحزب لإعادة إحياء التحالف الثلاثي السابق مع التيار الصدري الشيعي والزعيم السني محمد الحلبوسي.

واتخذ حزب بارزاني عقب اجتماع لمكتبه السياسي أمس الإثنين قراراً بمقاطعة الانتخابات الكردية المقررة في يونيو (حزيران) 2024، وهدد بالانسحاب من العملية السياسية في بغداد في حال "عدم التزام ائتلاف إدارة الدولة تنفيذ الاتفاقات".

وعزا الحزب الكردي موقفه إلى رفضه خوض انتخابات "تحت مظلة نظام انتخابي مفروض"، في إشارة إلى قرارات قضائية اتحادية "ملزمة" كانت صدرت في فبراير (شباط) الماضي، نصت على إلغاء المقاعد المخصصة للأقليات في الإقليم والبالغة 11 مقعداً وفق نظام "الكوتا" وتوطين مرتبات الموظفين الأكراد في المصارف الاتحادية وإلزام حكومة أربيل تسليم الإيرادات النفطية وغيرها إلى نظيرتها الاتحادية.

مصير مبهم  

هذا التحول أفرز تساؤلات حول مصير الانتخابات التي تأجلت لثلاث مرات على رغم ضغوط متواصلة مارستها واشنطن وحلفاؤها على الأكراد للإسراع في خوضها، وعن إمكان إجرائها فعلياً وسط شد وجذب بين الديمقراطي وبغداد مع عقبات ستعترض العملية في حال خوضها دون الحزب الديمقراطي.

في الوقت نفسه لم يستبعد مراقبون أن يكون الموقف الإجمالي مرتبطاً بالعملية العسكرية التركية المرتقبة ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني في عمق الإقليم الكردي.

ووفقاً لأصوات كردية معارضة فإن اعتبارات عدة تقف وراء هذا التحول في موقف حزب بارزاني من الانتخابات لجهة أنها ستحد من هيمنته السابقة على الغالبية، منها إلغاء مقاعد "الكوتا" التي كانت تحسب لمصلحته، وتولي مفوضية الانتخابات الاتحادية للمرة الأولى عوضاً عن الكردية للإشراف على العملية "لما يسهم في الحد من ارتكاب مخالفات"، ناهيك عن "حسابات تتعلق بالعملية العسكرية التركية المرتقبة".

وتحذر هذه الأصوات من أن تعطيل الانتخابات "سيدخل الإقليم في فراغ سياسي وبرلماني خطر من شأنه أن يطلق يد المحكمة الاتحادية في بغداد للمضي في تقويض الإقليم وصولاً إلى حل النظام الفيدرالي"، في حين يرى الديمقراطيون أن القرارات الاتحادية تقف خلفها "أهداف سياسية بدوافع إقليمية لإخضاع أربيل للنفوذ الإيراني" من قبل القوى الشيعية الحاكمة ضمن تحالف "الإطار التنسيقي" والمقربة من طهران.

انقلاب على الشراكة

يأتي هذا التطور في إطار مواجهة "الديمقراطي" لما يراه تنصلاً من اتفاقات تشكيل الحكومة من قبل القوى الشيعية الحاكمة، وفق المحلل في الشأن العراقي سامان نوح الذي يقول إن "الديمقراطي ما زال يمتلك أوراق ضغط في آخر المطاف لمواجهة انقلاب شركائه، وهو الانسحاب من حكومة بغداد ومن تحالف إدارة الدولة الذي يضم قوى الإطار التنسيقي الحاكمة (الشيعية المقربة من إيران) وهي تعاني أيضاً صراعات داخلية، بذريعة تنصلها من تنفيذ بنود اتفاق التحالف وعدم تعاملها مع القوى الكردية مثل نظيرتها السنية كشريك حقيقي، وصولاً إلى مقاطعة العملية السياسية بعد ضمان بعض متطلباتها الداخلية".

ونوه إلى أن "تحالف إدارة الدولة لم يعُد قائماً فعلياً بعدما تهربت القوى الشيعية الحاكمة من تطبيق كل البنود الأساسية بالنسبة إلى المكونين الكردي والسني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن خطوة تعطيل الانتخابات لا تخلو من أخطار وتداعيات على الشرعية الدستورية للإقليم الكردي، إذ يؤكد نوح أن "الإقليم سيصبح في موقف أكثر ضعفاً، فالديمقراطي بحكم هيمنته على دفة القرار سيكون في حاجة ملحة إلى استعادة البرلمان والمؤسسات الشرعية الكردية للوقوف بوجه القرارات الاتحادية التي يرى فيها تجاوزاً على الدستور، وسيجد نفسه في موقف لا يحسد عليه أمام المجتمع الدولي، خصوصاً واشنطن وحلفاءها الذين يمارسون منذ فترة طويلة ضغوطاً على القوى الكردية لنبذ خلافاتها وإجراء الانتخابات بأسرع وقت بما يعزز قوة الإقليم ووحدته، لكن ضمن عراق فيدرالي موحد وهذا لم يحصل".

وأوضح أن "الديمقراطي وشريكه في الحكم الاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني يتحملان الجزء الأكبر من مسؤولية ما يواجهه الإقليم من أزمة اقتصادية وسياسية إلى حد أصبحا عاجزين عن تأمين مرتبات الموظفين، على رغم أنهما ما زالا يحتفظان بشراكتهما مع قوى الإطار الشيعية ومناصبهما في حكومة بغداد".

أخطار العزلة

رد فعل الإدارة الأميركية جاء سريعاً، إذ أعربت السفيرة الأميركية لدى بغداد إيلينا رومانسكي عن قلقها وحضت الحكومتين على "ضمان إجراء انتخابات حرة ذات صدقية"، وصدر موقف مماثل من البعثة الأممية إلى العراق، وكذلك حذرت الخارجية الأميركية من أن ذلك لن يخدم مصالح الحزب الديمقراطي.

وإزاء طبيعة التداعيات المحتملة لقرار الحزب الديمقراطي، يعتقد المحلل الكردي دلشاد أنور بأنه "سيخلف وراءه أخطاراً وأزمة أكبر، وبات أمام أحد الخيارات، إما أن يترك الساحة لمنافسه حزب الاتحاد وهذا مستبعد تماماً، أو ألا يسمح بإجراء الانتخابات في مناطق نفوذه، لكنه سيضع نفسه في موقف لا يحسد عليه أمام المجتمع الدولي، كما أن ذلك قد يتحول إلى قضية قانونية أخرى لدى المحكمة الاتحادية التي ربما تصدر قرارات ضد الحزب، تحديداً تحرمه من المشاركة في العملية السياسية ليجد نفسه معزولاً".

واستدرك "لكن ما زالت هناك قراءة على أن ذلك لا يخرج عن كونه ورقة ضغط بالنظر إلى ما قبل إعلان الحزب المقاطعة، إذ كان الديمقراطي يطالب بتأجيل الانتخابات وإجراء تعديل على عدد مقاعد المحافظات، وسواء كان القرار جدياً أو لا فإنه سيكون من الطبيعي أن يحقق بعضاً من مطالبه وفق اتفاق مع بغداد، لكن بخلاف ذلك سيضع نفسه في موقف صعب"، منوهاً إلى "أهمية عدم التغافل أيضاً عن أن المسألة ستكون مختلفة إذا ما كان الديمقراطي يدرك طبيعة التعقيدات في المنطقة خلال موعد الانتخابات، خصوصاً أن الإقليم مقبل على عملية عسكرية تركية".

استهداف إيراني ضمني

ولم يتسلم بعد أكثر من مليون وربع مليون موظف كردي مرتباتهم لفبراير 2024، كما حرموا من مرتبات الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي جراء الخلاف بين الحكومتين، فعلى رغم تلقيها دفعة من الأموال من بغداد ما زالت حكومة أربيل ترفض منحها للموظفين بذريعة "عدم ضمها مستحقات مؤسسات السلكين الأمني والعسكري"، وبررت وزارة المالية الاتحادية عدم إرسالها المبلغ الكلي لعدم تلقيها قوائم أسماء منتسبي السلكين.

ويشير أنور إلى أن "الديمقراطي يركز في اعتراضاته على قرارات المحكمة الاتحادية المتعلقة بقانون الانتخابات أكثر من تلك المتعلقة بالقرارات الإدارية والمالية لأنها من وجهة نظره ستخلق واقعاً جديداً لن يكون في مصلحته مثل إلغاء مقاعد (الكوتا) والخشية من أن تكون الانتخابات المقبلة محطة لصوغ توازن بينه ونظيره الاتحاد، بخاصة أن قيادي بارز في حديث له مع القوى الصغيرة قال إن إيران تقف وراء إلغاء المقاعد في محاولة لتقليص مقاعد حزبه من 45 مقعداً إلى 30 مقعداً، ويضاف إلى ما سبق، فإن الأنظار تتجه نحو العملية العسكرية التركية المرتقبة، وتتحدث بعض المصادر عن توغل يتجاوز 50 كيلومتراً".

حراك "خفي"  

من جهة أخرى، كشفت مصادر سياسية عن احتمال وجود اتفاق غير معلن بين الحزب الديمقراطي والتيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر المقاطع للعملية السياسية.

وذكرت المصادر أن "لقاء جرى بين ممثلين من الطرفين أواخر فبراير 2024 في النجف، خصوصاً أن وسائل إعلام مقربة من التيار كانت لمحت في تدوينات عن وجود تحرك جديد للتيار قبل أن يتم لاحقاً رفعها"، مرجحة أن يكون هذا الحراك جزءاً من محاولة إعادة إحياء التحالف بين الديمقراطي والتيار وزعيم حزب تقدم رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي الذي عقد قبل أسبوع محادثات في أربيل.

وفي هذا السياق، كشف النائب السابق عن كتلة "جماعة العدل" الكردية أحمد حاجي رشيد عن أن "الديمقراطي بات محاصراً ويحاول تعطيل الانتخابات الكردية ويعمل على إجراء انتخابات مبكرة في بغداد، بهدف إعادة الصدريين للعملية السياسية، وربما هناك تحالف غير معلن بين الطرفين، وكذلك مع كتلة الحلبوسي، لذا فإن خطوة الديمقراطي لا تهدف إلى تعطيل الانتخابات بقدر ما هي إعادة الصدريين إلى المشهد".

وبالعودة لتاريخ الانتخابات في الإقليم منذ ثلاثة عقود فإنه سيكون من شبه المستحيل إجراؤها من دون مشاركة "الديمقراطي" الذي يمتلك مفاتيح ملفات أساسية، أو حتى مشاركة منافسه التقليدي وشريكه في الحكم حزب "الاتحاد"، وتذهب بعض الرؤى إلى أن الموقف ليس حتمياً بعد وما زال الوقت مبكراً في انتظار ما ستؤول إليه التطورات خلال الأيام المقبلة، إذ من المتوقع أن يبدأ "الديمقراطي" جولة مشاورات مع القوى الكردية في الإقليم وقرر اليوم الثلاثاء إرسال وفد إلى بغداد، بحسب ما أوردته وسائل إعلام تابعة للحزب.

المزيد من متابعات