Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتسع الفجوة الأيديولوجية بين الجنسين؟

في ظل إشارة بيانات جديدة إلى تسارع اتساع التباين في الآراء السياسية عبر العالم، نسأل ما إذا كنا نشهد معركة متجددة بين الجنسين، أو ما إذا كان الجيل زد يحتاج ببساطة إلى الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي وبدء النقاش في الحياة الواقعية

لقد كانت حركة "مي تو" بمثابة حركة محددة للتطور السياسي للمرأة (أ ب)

ملخص

الفجوة العقائدية بين الذكور والإناث تتسع والعالم الافتراضي يسهم في تضخيمها

تدخل شابة إلى إحدى الحانات رفقة شاب ذي عقلية محافظة. تعرفا إلى بعضهما بعضاً عبر تطبيق للمواعدة وهذا أول لقاء غرامي يجمعهما. بحسب الشاب، تقضي الفتاة أول 20 دقيقة في الحديث عن لا عقلانية الاضطرار إلى تعلم مادة العلوم في المدرسة، وعن تخلف الكنيسة، وفظاعة النزعة المحافظة.

بدأ الشاب، الذي حجز طاولة في "مطعم لطيف إلى حد ما"، يدرك أن هذه الوجبة المكلفة ليست استثماراً جيداً لوقته وماله على ما يبدو. يوضح لي لاحقاً: "قررت إفساد الموعد بقول أشياء قد تجدها فظيعة جداً بحيث يتعين علينا إنهاء اللقاء. وكان الأمر مثيراً للاهتمام للغاية، لأن ما قلته كان في الواقع أموراً بسيطة جداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دعونا نطلق على هذا الشاب اسم بيتر. أخبر بيتر الفتاة التي يواعدها أنه لما كان سيصوت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016 (كان في الـ17 من عمره حينها)، لكنه سيصوت لصالحه اليوم. قال لها إنه يعتقد أن بعض الذين يصلون إلى بريطانيا بصورة غير قانونية هم مهاجرون اقتصاديون، وتجب معاملتهم بصورة مختلفة عن اللاجئين. واعترف بأنه صوت لحزب المحافظين ويذهب إلى الكنيسة. يقول بيتر: "قلت إنني قد أصوت لحزب الإصلاح" Reform UK - وهو حزب يميني في المملكة المتحدة كان نايجل فراج يتزعمه في الأصل تحت اسم حزب ’بريكست‘". يتابع: "قلت ذلك لأن الوقت قد حان لإنهاء الموعد وكنت في حاجة إلى تسريع الأمور". وبعد مرور 40 دقيقة فقط على اللقاء، افترق هو والشابة. يتذكر: "لم أر قط أي شخص يبتعد بهذه السرعة".

كان لقاؤهما السبت الماضي، وقبله بيوم واحد وجد تحليلاً لبيانات استطلاع للرأي من جميع أنحاء العالم النامي أن "فجوة عالمية جديدة بين الجنسين" آخذة في الظهور. بين التحليل الذي أجراه جون بيرن مردوخ في صحيفة "فايننشال تايمز" أن الشابات في العالم المتقدم أصبحن أكثر ليبرالية بسرعة. في المقابل، فإن الشباب إما أصبحوا محافظين أكثر (كما هي الحال في الولايات المتحدة) أو صاروا يتحولون إلى التقدمية ببطء أكبر (كما هي الحال في المملكة المتحدة). وخلص بيرن مردوخ إلى أن "الجيل زد" [المولودون بين عامي 1997 و2012] "عبارة عن جيلين وليس جيلاً واحداً".

إذا كان هذا التوجه حقيقياً، فإنه غير عادي وغير معروف تاريخياً ويتسارع بسرعة ملحوظة. نقلاً عن شخصيات مماثلة لتلك التي ذكرها تقرير "فايننشال تايمز"، ومع الإشارة إلى أن وجهات النظر السياسية أصبحت أكثر ارتباطاً بالهوية الشخصية، حذرت افتتاحية صحيفة "واشنطن بوست" من أن أفراداً من "الجيل زد" سيواجهون صعوبات في العثور على شركاء عاطفيين. إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فستتفاقم بسبب ما تسميه أليس إيفانز، الأكاديمية المتخصصة في الفجوة الأيديولوجية، "الاختلاف الكبير بين الجنسين".

إذاً، ما الذي يحصل؟ قبل أن نبحث في العمق، أود أن أقدم بعض التحذيرات. أظهرت فحوصات أخرى للفجوة الأيديولوجية الأميركية أنها أصغر بكثير مما تشير إليه بيانات "غالوب" التي استخدمتها صحيفة "فايننشال تايمز". الدراسات الاستقصائية التي يسترشد بها التحليل محدودة (فهي تميل إلى السؤال عن خيارات التصويت بدلاً من التفضيلات السياسية) وغير متسقة (إذ تختلف بين البلدان). وحتى لو كانت هناك مبالغة في تصوير هذه الفجوة، فالأمر في حاجة إلى تفسير. هناك شيء غريب يحدث - لكن ماذا؟

ليس الترابط بالضرورة سبباً، لكن هناك شيئاً مريباً للغاية في كل ما يحدث منذ بدايات العقد الثاني فما بعد. بدأ هذا في وقت أصبحت خوارزميات التوصية – التي تعتبر جزءاً من رموز وسائل التواصل الاجتماعي التي تحدد المنشورات التي ستظهر لك - معقدة. اسأل أي فرد من "الجيل زد" عن هذا الاختلاف، وسيستشهد بوسائل التواصل الاجتماعي. وكما أخبرتني نيكول سيديرينكو، البالغة من العمر 26 سنة، وتعمل في مجال الذكاء الاصطناعي والتحقق من التحيز في شركة "غرينبارك" Green Park للتوظيف، فإن "الجيل زد" أكثر انقساماً سياسياً من أية فئة عمرية أخرى. تقول "نحن أيضاً الأكثر انغماساً في ’تيك توك‘ و’إنستغرام‘ ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى... هذه المنصات مبنية على تفاعل المستخدمين، ويأتي التفاعل من خلال استهداف دقيق للغاية للمحتوى التحريضي أو الاستقطابي". تبقى وسائل التواصل الاجتماعي وتزدهر من خلال إظهار المحتوى الذي يثيرنا، مستغلة الضعف البشري لتحفيز مشاعر مثل الغضب حيال أمور نعتبر موقفنا منها صحيحاً.

تخبرني محامية في الـ25 من عمرها "عندما تتعامل مع شيء مثل الخوارزمية، فإنك تدفع الناس بعيداً من المواقف الوسطية".

لكن لماذا يعتبر الجندر الشق الذي تطبق عليه وسائل التواصل الاجتماعي مثل هذا الضغط؟ سيديرينكو، التي تصف نفسها بالتقدمية ولكنها تعتبر مصطلح "ووك" [ثقافة التنبه إلى التحيز والتمييز العنصريين] "سخيفاً"، تعتقد أن هذا الاختلاف هو في الغالب نتيجة لأن تطور المستوى التعليمي للشابات – فهن الآن، أكثر من الشبان، هن من يحصلن على غالبية الشهادات الجامعية – ويدركن أن النظام ليس إلى جانبهن. ولفتت سيديرينكو إلى استمرار التحرش الجنسي وحقيقة أن الرجال لا يزالون يشغلون غالبية المناصب العليا. وقالت إن هذا الوضع يجعل النساء أكثر ميلاً إلى تأييد السياسة التي تعالج هذه الاختلالات. باختصار، هذا يجعلهن تقدميات أكثر.

ويبدو أن حدثاً واحداً بعينه، لعب دوراً حاسماً. اعتمد دانييل كوكس، مدير مركز الاستبيانات حول حياة الأميركيين، على مقابلات ومجموعة من الاستطلاعات ليخلص إلى أنه "بين النساء، لم يكن هناك حدث أثر في تطورهن السياسي أكثر من حركة "مي تو" #MeToo [حركة اجتماعية عالمية تسعى إلى فضح ومنع التحرش والاعتداء الجنسي وبخاصة ضد النساء]. لم تكن هذه الحركة ممكنة لولا وسائل التواصل الاجتماعي، التي تتيح توسيع الشبكات الخفية، وتبادل الأفكار بصورة سريعة، وظهور موجات ضخمة من المشاعر الجماعية. لما كانت "مي تو" ستوجد من دون رمز الوسم (هاشتاغ).

لقد كانت ظاهرة ممكنة بفضل "تويتر"، على رغم أن كلاً من الشبكات الاجتماعية الكبرى شاركت بطريقتها الخاصة في مسيرة التقدمية. ينظر إلى موقع تامبلر Tumblr، على سبيل المثال، على أنه كان بمثابة بوتقة تنصهر فيها المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالهوية الجنسية. في يونيو (حزيران) من عام 2020، كان "إنستغرام"، الذي تغلب الإناث على مستخدميه، مسرحاً لصور ملايين المربعات السوداء، التي نشرها أشخاص يعبرون عن تضامنهم مع احتجاجات حياة السود مهمة.

بخلاف "إكس/تويتر"، "إنستغرام" مصمم بحيث تكون الردود خاصة وغير مرئية للجمهور على القصص، وهي عبارة عن صور ومقاطع فيديو موقتة (وغالباً ما تحوي تعليقات توضيحية) والتي تشكل غالبية المنشورات. أنت تقول ما تشاء، لكن الناس لا يرون الردود. يقول بيتر، الشاب الذي كان في الموعد الغرامي غير المتناغم: "تحصل على أسلوب واعظ واستبدادي شيئاً ما".

ويعتقد أنه ليس من قبيل الصدفة أن المنشورات الواعظة التي يراها تكون عادة من تأليف نساء. تدعم بنية "إنستغرام" ما يعتبره بيتر أسلوباً أنثوياً للخطاب على نطاق واسع. وأشار إلى أدلة على أن النساء أكثر تعاطفاً من الرجال، وهو ميل قد يدعم وجهات النظر التقدمية. وقال إن هذا الميل يندمج مع ميل النساء إلى "التعامل مع الاختلاف في الرأي بصورة مغايرة تماماً لما يفعله الرجال".

وأشار بيتر إلى مفهوم "الكنف التقليدي"، الذي يجري تداوله بين تيار اليمين على الإنترنت: ثقافة أمومية حيث تعطى الأولوية للراحة والأمان فوق الاعتبارات الأخرى، وحيث يكون الاستبعاد عقوبة لعدم التوافق على المبادئ. قال بيتر (وهو متطوع سابق في حزب المساواة النسائية)، إن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت في المجمل "ثقافة أحادية ذاتية التعزيز" صار الشباب أمثاله متشككين فيها. وشبه أحد المنشورات التي جرى تداولها بكثافة بين مستخدمي موقع "إكس/تويتر"، الأجواء الآمنة والمريحة والمقيدة في باربي لاند التي صممتها المخرجة غريتا غيرويغ في فيلم "باربي" بالكنف التقليدي. يتبادر "إنستغرام" إلى الذهن في هذا السياق.

وفي حين قالت سيديرينكو، التي تمارس رياضة التجديف، إنها تتعامل بأريحية مع تنافس النساء المتحولات جنسياً في رياضتها، وصف بيتر مناقشة مشاركة المتحولين جنسياً في ساحات النساء بأنها "نقطة فارقة". يوضح: "كان هناك رجال كثر يقولون ’حسناً، من الجنوني، عندما نتحدث عن الرياضة، أن يقول أي شخص إن الرجل والمرأة يتمتعان بالقدر نفسه من القوة أو السرعة‘". ومن هنا جاءت خيبة أملهم المتزايدة إزاء التقدمية الجديدة، واتساع الفجوة بين الجنسين.

وتدفع خيبة الأمل بعض الفتيان والشباب نحو عالم المؤثر أندرو تيت الرجولي. كتبت أليس إيفانز أن لاعب الكيك بوكسينغ السابق "ليس مجرد صدمة خارجية، يقوم بمفرده بغسل أدمغة الشباب الأبرياء... لكنه يركب موجة من الإحباط الاقتصادي، مشحونة بخوارزميات الشركات التي تعزز المحتوى المثير من أجل جذب مزيد من المتصفحين".

وتحدثت إلى امرأة تقدمية من "الجيل زد"، شقيقها الأصغر من محبي تيت. شعرت بالفزع من موافقة شقيقها على مواقف تيت، لكنها أبدت بعض التعاطف مع أولئك الذين ينجذبون إلى المساحات الافتراضية التي تتبنى وجهات نظره. وقالت إنه كان هناك "تركيز مفرط" على تصحيح أوجه عدم المساواة في الماضي، "وأعتقد أن هذا على الأرجح أمر جيد". لكن في بعض الأحيان، كانت وجهات النظر التقدمية - وبخاصة عادة تصنيف الناس إما مضطهَدون أو مضطهِدون - تفتقر إلى الدقة. وقالت إن اليسار يمكن أن "يتجاهل حقاً آلام الذكور أو معاناتهم"، مستشهدة بالعبارة التي تقتبس كثيراً القائلة "الرجال حثالة".

ويوجد شيء من الأمل في أن تكون هناك مبالغة في تقدير هذا الاختلاف وأن الأمور ستستقر. يقول تيم إليس ديل، مؤرخ في جامعة تيسايد ومتخصص في تاريخ الذكورة: "ما يحتمل حدوثه برأيي هو أننا سنرى النساء ربما يصبحن ذوات ميل محافظ أكثر مع تقدمهن في السن، وربما يصبح الرجال أيضاً محافظين أكثر مع تقدمهم في السن، لكن ليس بالقدر نفسه ربما". بعبارة أخرى، الفجوة قد تضيق. وقال إن مفاهيم الذكورة تغيرت في الماضي، في إشارة إلى استبدال النموذج الأصلي للجندي البطل في العصر الفيكتوري والإدواردي بنموذج رجل العائلة الذي أعقب الحرب العالمية الأولى. قد تكون "الذكورة المهيمنة"، إذا استخدمنا المصطلح الأكاديمي، التي يروج لها تيت عابرة أيضاً.

والحق أن واحدة من أكثر الأفكار المفيدة حول "الفجوة الكبيرة بين الجنسين" تأتي من روكساندرا تيسلو، عالمة وراثة، ومشاركة في منصة سابستاكر Substacker للرأي وتنتمي إلى "الجيل زد". كتبت أن هناك تناقضاً بين البيانات التي تدعم فكرة الاختلاف الكبير بين الجنسين، والبيانات التي تشير إلى أنه عندما تقوم بتقسيم السياسة إلى سياسات محددة، يبدو أن الاختلاف أقل بكثير بين الجنسين. وتقول إن الخلاف "يمكن تفسيره بفكرة بسيطة: أصبح النساء والرجال أكثر استقطاباً ليس حول قضايا السياسة الجوهرية الكلاسيكية بين الجمهوريين والديمقراطيين (الحزبان السياسيان الرئيسان في الولايات المتحدة)، مثل تقنين اقتناء الأسلحة، بقدر انقسامهم حول القضايا ’الجمالية‘ والثقافية. بات الأمر برمته منصباً على الأجواء".

وتقول تيسلو إن المحافظين جعلوا النساء "يشعرن بالنفور". وتوضح أن هذا يرجع جزئياً إلى مواقف سياسية محددة، مثل التراجع الأميركي عن حقوق الإجهاض. وبالطبع، تستشهد بوسائل التواصل الاجتماعي. تسهم هذه العوامل، وغيرها، في خلق وضع لا ترغب فيه الشابات في الارتباط بالسياسة المحافظة، حتى لو وافقن على بعض السياسات المحافظة.

في هذه الأثناء، لا نرى الشبان في الكنف التقليدي، بل في بيئات الإنترنت "التي يقودها السعي الدؤوب للانتهاكات والحاجة إلى تأكيد مشاعر الغضب والعداء".

كيف يمكننا استعادة مستوى معين من التوافق؟ تكتب إيفانز أنه يمكن سد الفجوة من خلال مزيج من الازدهار الاقتصادي، وكسر فقاعات التصفية من خلال تنظيم الخوارزميات، وتعزيز الصداقات بين الجنسين.

من خلال عكس توجه "الجيل زد" نحو البقاء في الداخل بدلاً من الاختلاط، قد يدعم تنظيم الخوارزميات الصداقات بين الجنسين. لكن الأمر سيكون صعباً للغاية، وحتى لو كانت هناك شهية سياسية لذلك، فإن التنظيم قد يستغرق سنوات، وقد يتسع الفارق الكبير بين الجنسين قبل أن يضيق.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير