Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف صار أبناء الألفية أكثر جيل يشقى في عمله؟

كان أبناء جيل طفرة المواليد يحظون باستراحة عمل طويلة الساعة 12 للاستمتاع بغدائهم في الحانات، بينما لا يقبل أبناء "الجيل زد" العمل لوقت متأخر أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني خارج ساعات الدوام

كيف أصبح جيل الألفية مرهقاً بالعمل بصورة مزمنة؟ (غيتي)

ملخص

كيف أصبح أبناء جيل الألفية مدمني عمل مصابين باضطراب القلق؟ لربما عليهم التوقف عن التحسر على افتقار "الجيل زد" لأخلاقيات العمل، ومحاولة محاكاة نهجهم الأكثر توازناً

العمل مع "الجيل زد" قد يكون "مزعجاً للغاية" - هذا وفقاً لجودي فوستر. يحدد الأشخاص المولودون بين عامي 1997 و2012 ساعات عملهم بأنفسهم – يقولون مثلاً: "لا، لا أشعر برغبة في العمل اليوم، سأحضر عند الساعة 10.30 صباحاً" - ويعتقدون أن استخدام قواعد التهجئة والنحو الصحيحين في رسائل البريد الإلكتروني أمر "مقيد"، كما قالت الممثلة في لقاء مع صحيفة "غارديان".

بمناسبة التطرق إلى هذا الموضوع، نشرت صحيفة "تايمز" مقالاً يستكشف مسألة ما إذا كان الأشخاص المنتمون إلى هذا الجيل، بطبيعتهم، "كسالى يهتمون فقط بمصلحتهم الشخصية" في مكان العمل. يسرد المقال الحكاية التالية: "عبرت لي إحدى الصديقات، وهي مديرة اتصالات تبلغ من العمر 33 سنة، عن دهشتها من أن جميع الموظفين الأربعة الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة ويعملون تحت إدارتها لم يفكروا أبداً في تفقد رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل على هواتفهم. وبدلاً من تناول وجبة خفيفة وهم جالسون خلف شاشات الكمبيوتر الخاصة بهم وقت الغداء، فإنهم يأخذون استراحة لمدة ساعة كاملة. وفي نهاية كل يوم، يتوقفون عن العمل عند الساعة السادسة مساء بالضبط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن موضوع المقال أثار جدلاً حول ما إذا كان جيل الألفية، أي أولئك المولودون بين أوائل الثمانينيات ومنتصف التسعينيات، هم في الواقع من أخطأوا التعامل مع مفهوم العمل. ففي نهاية المطاف، لماذا لا يتوقف الموظفون عن العمل بانتهاء الساعات المذكورة في عقودهم؟ لماذا لا يتركون الرد على رسائل البريد الإلكتروني لساعات العمل؟ لماذا يجب عليهم دائماً أن "يتجاوزوا الحدود" في حين أنه نادراً ما تتم مكافأتهم أو حتى الاعتراف بجهودهم؟

ربما تمكن أحد مستخدمي "تويتر/ إكس" بالتعبير عن الفكرة بإيجاز، حيث نشر صاحب الحساب @TypeForVictory:

"الأشخاص البالغون من العمر 55 سنة: يأخذون استراحة غداء مع كأس مشروب كحولي لمدة ساعتين، لا يستعملون البريد الإلكتروني، ويتوجهون إلى الحانة بحلول الساعة 6 مساءً".

"الأشخاص البالغون من العمر 35 سنة: يتناول الغداء على طاولة المكتب، يجيبون عن رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ويعملون لوقت متأخر".

"الأشخاص البالغون من العمر 25 سنة: يأخذون استراحة غداء لمدة ساعة، يجيبون على رسائل البريد الإلكتروني أثناء ساعات العمل، ويعودون إلى المنزل عند الساعة 6 مساءً".

"جيل الألفية، أعتقد أننا ارتكبنا خطأً في مكان ما".

هذه ليست مجرد قصص ذات حس فكاهي تروى – هناك بيانات تدعم هذه الفكرة. في دراسة جماعية مستمرة للشباب في الولايات المتحدة تسمى مراقبة المستقبل، والتي تستطلع بصورة سنوية ومنذ عام 1975 آراء 50 ألفاً من طلاب الصفوف الثامن والـ10 والـ12 (التي تعادل صفوف التاسع والـ11 والشهادة الثانوية في المملكة المتحدة)، حيث يسأل المشاركون عن مدى استعدادهم عندما يبلغون من العمر 18 سنة للعمل لساعات إضافية.

من خلال جمع وتحليل البيانات من المجموعات المختلفة، وجدت جين توينجه، مؤلفة كتاب "الأجيال: الاختلافات الحقيقية بين الجيل زد والألفية و(إكس) وطفرة المواليد والصامت – وماذا تعني بالنسبة للمستقبل" Generations: The Real Differences between Gen Z, Millennials, Gen X, Boomers and Silents – and What They Mean for the Future، أن النسبة المئوية من الشباب المستعدين للعمل بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمية كانت تتراجع بصورة مطردة حتى عامي 2009-2010 تقريباً عندما حدث ارتفاع كبير.

وعلى نقيض ذلك، انخفضت النسبة في السنوات الأخيرة: بين عامي 2020 و2022، تراجعت من 54 إلى 36 في المئة. وانعكست هذه الاتجاهات في أسئلة أخرى أيضاً، مثل ما إذا كان العمل جزءاً أساسياً من حياتهم، وما إذا كانوا يريدون العمل أساساً ما لم يكونوا في حاجة مادية إليه. تخبرني توينجه: "هناك شيء من الحقيقة في فكرة أن أبناء جيل الألفية، عندما كانوا صغاراً في الأقل، كانوا يركزون على العمل أكثر مقارنة بأبناء الأجيال التي جاءت قبلهم أو بعدهم".

وأثرت الفكرة بصورة قوية في محدثتكم البالغة من العمر 36. في سني نشأتي، تأثر تصوري للصحافة كمهنة إلى حد كبير بكتاب بيل برايسون "ملاحظات من جزيرة صغيرة" Notes From a Small Island، والذي يستذكر فيه العمل في غرفة تحرير أخبار بريطانية في الثمانينيات، كان الزملاء يدخلون بهدوء وثقة إلى الغرفة، ويقدمون قصة واحدة، ويتوجهون إلى الحانة وقت الغداء، ولا يعودون أبداً. وكل هذا مقابل راتب جيد، وهو أمر لا أستطيع إلا أن أحلم به. اعتقدت أن هذا سيكون لطيفاً جداً.

وعندما جاءت مرحلة دخولي إلى سوق العمل، كانت الأمور مختلفة تماماً. ولأنني كنت جزءاً من جيل قيل له إننا إذا بذلنا القدر الكافي من الجهد فسنتمكن من تحقيق أي شيء نخطط له، فقد تخرجت عام 2008 - العام الذي حصلت فيه الأزمة المالية.

وتعتبر محاولة وضع قدمك على الدرجة الأولى من السلم الوظيفي تحدياً في أفضل الظروف. وفي خضم الركود العالمي، تصبح خطوة شبه مستحيلة. كنت شابة في الـ21، وجديدة في سوق العمل، وذكية وطموحة وفخورة بشهادة بدرجة ممتازة من جامعة مرموقة ولم أتمكن من الحصول على أي وظيفة، سواء بدافع الحب أو الحاجة المادية حرفياً. كل الوظائف الإدارية البسيطة للمبتدئين التي تقدمت إليها كان يتنافس عليها بالفعل أكثر من ألف شخص. كان الوصول إلى مقابلة العمل الأولى مهمة شاقة، وكان الضغط كبيراً لدرجة أنني كنت أقضي الأسبوع السابق لها محرومة من النوم في الليل ومنشغلة بالقلق والتحضير في النهار - وكل ذلك من دون جدوى. لقد قمت بالتسجيل للحصول على الإعانة الحكومية للباحثين عن عمل وغرقت في اكتئاب شديد لأول مرة في حياتي.

لماذا أخبركم قصتي الدرامية المثيرة للشفقة؟ لأنني كنت دائماً أتبنى النظرية القائلة إن سوق العمل التي تبلغ فيها سن الرشد تترك تأثيراً عميقاً على أخلاقياتك في العمل وموقفك تجاه التوظيف لبقية مسيرتك المهنية. اضطررت أنا وزملائي إلى شق طريقنا إلى حياتنا المهنية بصعوبة - وما زلنا نشعر بامتنان مذل لأننا حصلنا على وظائف وخوف دائم من أن يجري فصلنا حتى بعد مرور 15 عاماً. نركض لاهثين إلى ما لانهاية في محاولة لإثبات أنه "لا غنى عنا". مثالنا البارز هو آندي ساكس، الموظفة المصابة بإفراط مزمن في العمل وتقوم بدور مساعدة رئيسة تحرير مجلة الموضة المتعجرفة ميراندا بريستلي في فيلم "الشيطان يرتدي برادا" The Devil Wears Prada الصادر في بداية الألفية الحالية.

إذاً، هل أسهم المشهد الاقتصادي المسيطر على سوق العمل عندما دخلناها فعلاً في تشكيل أخلاقيات العمل لدينا في ذلك الوقت؟ تقول توينجه: "أعتقد أن الأمر كذلك... ما إذا كان الأثر مستمراً أم لا فهذا سؤال ليست له إجابة واضحة، لكن بالتأكيد كان للركود الكبير تأثير في تلك المواقف. وبسبب تخرج أبناء جيل الألفية من الجامعات ليواجهوا معدلات بطالة أعلى، فقد أدركوا أنهم قد يضطرون إلى العمل بجدية أكبر كي يتقدموا".

في الفترة بين عامي 2008 و2009، ارتفعت معدلات البطالة في المملكة المتحدة بنسب قياسية مسجلة أكبر قفزة خلال 12 شهراً على مدار السنوات الـ30 الماضية، حيث قفزت من 5.62 في المئة إلى 7.54 في المئة - وهي زيادة بنحو 2 في المئة تقريباً - وفقاً لبيانات البنك الدولي. وارتفع المعدل في العامين التاليين، ليصل إلى مستوى مرتفع زاد قليلاً على 8 في المئة سنة 2011. وعلى النقيض من ذلك، لم يجد أبناء الجيل زد هذا المشهد عند إنهاء تعليمهم الجامعي، فبحلول عام 2018، انخفض معدل البطالة إلى 4 في المئة، وبحلول عام 2022، انخفض إلى 3.57 في المئة: وهو أدنى مستوى له خلال الـ30 سنة الماضية. في سوق كهذه، لماذا لا تطالب أصحاب العمل بتقدير قيمتك واحترام حدودك؟ وتؤكد البيانات ذلك: إذ يوافق 67 في المئة من أبناء "الجيل زد" على أنه "يجب على الموظفين القيام فقط بالعمل الذي يحصلون على أجر مقابله - لا أكثر ولا أقل"، مقارنة بـ51 من جيل الألفية والجيل إكس (المولودين بين عامي 1965 و1980) وفقاً لبيانات موقع "يوغوف".

وتؤيد توينجه هذا الكلام، قائلة: "استفاد الجيل زد من سوق العمل القوية ونقص العمالة، وهكذا تمكنوا من المطالبة بتوازن أفضل بين العمل والحياة... يتعلق الأمر بنفسية هذا الجيل أيضاً - فهم لا يخشون التحدث عن الأشياء المهمة بالنسبة لهم".

في حين أن جيل طفرة المواليد (المولودين بين عامي 1946 و1964) يتمتعون بأخلاقيات عمل قوية - فقد وافق 35 في المئة منهم فقط على أنه يجب على الموظفين التزام قواعد وقوانين العمل المحددة، في حين يعتقد أكثر من نصفهم أن الموظفين يجب أن "يذهبوا إلى أقصى الحدود دائماً" - إلا أن المجتمع الذي عملوا فيه كان مختلفاً تماماً. فمن ناحية، وبفضل خلو معظم حياتهم المهنية من رسائل البريد الإلكتروني أو الهواتف الذكية، لم يكن هناك عدم وضوح في الخطوط الفاصلة بين المجالين المهني والمنزلي. كانوا يسجلون حضورهم إلى العمل، يؤدون وردياتهم، ويسجلون خروجهم.

تقول كيتلين فيشر، مؤلفة كتاب "خداع جيل الألفية النفسي: كيف تنجح في مجتمع يلومك على كل الأخطاء" The Gaslighting of the Millennial Generation: How to Succeed in a Society That Blames You for Everything Gone Wrong: "عندما كان والداي في عمري، لم تكن هناك أي وسيلة يستطيع العمل الاتصال بك من خلالها خارج ساعات الدوام الرسمي إلا الهاتف - هاتف المنزل... لا أتذكر أبداً أن والديَّ اضطرا إلى التوقف عن إعداد العشاء أو قضاء الوقت مع العائلة للرد على مكالمة عمل أو إجابة مدير، لكن في هذه الأيام أصبح من الشائع للغاية بالنسبة لنا تفقد البريد الإلكتروني في المساء، وتلقي رسالة عبر برامج المحادثة الخاصة بالشغل والرد عليها بسرعة، والاستمرار في التفكير في العمل لفترة طويلة بعد حلول وقت التوقف عنه لذلك اليوم".

على كل حال، وكما تشير توينجه، هناك إزعاجات للتكنولوجيا تتغلغل في حياتنا: "العيب هو أن الناس يضايقونك في الساعة 8 مساء، لكن الميزة هي أنك قادر على العمل من المنزل. كما هو الحال مع معظم التكنولوجيا، ليست جيدة أو سيئة بالكامل. يتعلق الأمر بمناقشة تلك الحدود".

وهناك أيضاً حقيقة أنك إذا عملت بجد، حتى في مهنة منخفضة الأجر، كان بمقدور جيل طفرة المواليد أن يحققوا مستوى معيناً من الأمان الوظيفي، ويدخلوا سوق شراء المساكن ويحصلوا على معاش تقاعدي لائق – وهو إنجاز ثلاثي لم يتمكن جيل الألفية من تحقيقه.

وفقاً لتقرير صادر عام 2023 أعده اقتصاديون في مؤسسة "ريزولوشن فاونديشن" Resolution Foundation البحثية، فإن الآثار طويلة المدى للأزمة المالية تركت جيل الألفية البريطاني يكافح من أجل اللحاق بمستويات معيشة الأجيال الأكبر سناً. وقد ألقى تقرير التدقيق بين الأجيال في المملكة المتحدة باللوم في ذلك جزئياً على اقتصاد المملكة المتحدة الراكد، وجزئياً على القرارات السياسية التي كانت في صالح كبار السن. كما أن الأجور في المملكة المتحدة انخفضت أيضاً: كان أبناء جيل الألفية يكسبون وهم في سن الثلاثين، في المتوسط، 8 في المئة أقل من نظرائهم من الجيل إكس [الجيل التالي لطفرة المواليد، أي المولودين ما بين 1965-1980] لما كانوا في العمر ذاته.

وقارن معدو الدراسة المملكة المتحدة بالولايات المتحدة، ووجدوا أن الأولى كانت أبطأ بكثير في سد الفجوة. وتقول صوفي هيل، المؤلفة المشاركة للتقرير: "تضرر الشباب في الاقتصادات المتقدمة كافة من الأزمة المالية، مما أدى إلى توقف التقدم لعقود... بعد مرور 15 عاماً، لم تعد ’فئة الأزمة‘ هذه شابة". في المملكة المتحدة، لا يزال جيل الألفية البريطاني يعاني "ندوب اقتصادية مع اقترابه من منتصف العمر".

وتقول توينجه إن إلقاء اللوم على الأجيال الأخرى لن ينفعنا بشيء، موضحة: "هناك تحولات ثقافية كبيرة – وكل الأجيال جزء من ذلك. فكرة أن هذا خطأ جيل واحد لا تساعد في التقدم. وينطبق هذا على الجهتين. من غير المفيد إلقاء اللوم على جيل الألفية بسبب ما يشترونه أو لا يشترونه، وزواجهم وإنجابهم الأطفال في مرحلة متأخرة من الحياة - هذا جزء من اتجاه ثقافي أكبر. ومن غير المجدي أيضاً أن يقول جيل الألفية إن هذا خطأ جيل طفرة المواليد، ولهذا السبب كل شيء في حالة مزرية. فكرة أن جيل طفرة المواليد تلاعبوا بالاقتصاد، وأنهم جميعاً أثرياء وتسلقوا سلم النجاح وأزالوه من بعدهم، ليست دقيقة".

على المستوى الشخصي، قد يكون رسم حدود خاصة بنا – واكتساب درس واحد من منهاج "الجيل زد" – نقطة بداية جيدة. توافق فيشر على ذلك قائلة: "يجب أن نكون مثلهم بالتأكيد... يعني ترك العمل لوقت العمل أن تنتهي منه في وقت محدد في آخر اليوم وأن تتوقف مسؤولياتك عند هذا الوقت. إذا كنت تميل إلى التحقق من البريد الإلكتروني بعد ساعات العمل، فقم بإزالة البريد الإلكتروني الخاص بالعمل من هاتفك. إذا كان الأمر بالغ الأهمية، فيمكنك تفقده مرة أخرى كل صباح. إذا كنت تقوم بمزيد من العمل الإضافي لأنك تشتغل من المنزل وليست لديك مواعيد بداية ونهاية واضحة، فأضف طقوساً إلى يومك تمثل رحلتك من وإلى العمل – تكون وقتاً للانتقال من وضع العمل إلى وضع الحياة".

لذا، فبدلاً من التحسر على افتقار "الجيل زد" لأخلاقيات العمل، ربما يستحسن بنا أن نشيد بهم - ونحاول محاكاة نهجهم الأكثر توازناً. وكما تقول فيشر: "تجاهلوا الرسالة التي يرسلها رئيسكم بعد ساعات العمل على تطبيق واتساب، وواصلوا أمسيتكم، من فضلكم!".

© The Independent

المزيد من منوعات