Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان والأولويات العشر

حكومة حمدوك جادة في تحقيق السلام وبحاجة إلى المساندة والمساعدة لعبور المرحلة الحساسة

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك (أ.ف.ب)

بعد أول اجتماع للحكومة الانتقالية السودانية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، أعلنت على لسان وزير إعلامها السيد فيصل محمد صالح عن عشر أولويات مهمة خلال المرحلة الانتقالية، وأهمها السلم وإنهاء الحروب ومعالجة الأزمة الاقتصادية ومحاسبة الفاسدين والقتلة وإلغاء القوانين المقيدة الحريات العامة وتفعيل حق المرأة وانخراطها بأدوار حقيقية في تنمية المجتمع، وغيرها من طموحات جميلة وقابلة للتحقيق الصعب جداً، وإن كان على المدى المتوسط والبعيد، وليس بالمدى المنظور.

خرج السودان أخيراً من حكم الكيزان (الإخوان) الذي جثم على صدر الشعب أكثر من ثلاثة عقود بانقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي المنتخبة، سام خلال تلك العقود العجاف الشعب الخسف، ومزَّق البلاد، وقتل العباد، وتنازل عن ثلث أراضي الدولة من أجل البقاء بالسلطة.

خرج الشعب من حكم القهر الديني بتضحيات جسام، وأثمان وآلام لن تنتهي بانتهاء حكمهم. لكن السودان وشعبه قادر على تجاوز الأزمات، ولديه كل المؤهلات لينهض وطناً سعيداً متعايشاً متسامحاً مع الداخل والخارج.

جاء اختيار عبد الله حمدوك كبادرة أمل للنهوض، فالرجل الذي عرفته منذ عقود نادر الشخصية، متعدد الاطلاع، متحدث لبق، مدني يؤمن بدولة القانون والعدالة والمساواة بين كل أنواع البشر، وسوداني مخلص لن يتردد باتخاذ أي قرار يرى أنه لصالح السودان وشعبه.

لا أقول هذا عن رئيس الوزراء السوداني تملقاً أو نفاقاً، فأنا أتحاشى الكتابة "غالباً" عن الشخصيات العامة حين تكون بالسلطة، لكن حبي السودان وقلقي عليه يفرض عليّ أن أنفث فيمن يقرأ هذه المقالة من أبنائه الأمل بالعهد الانتقالي الجديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعاب على الرجل تواضعه المخجل وأدبه الجم، فخصومه من المتربصين بالدولة العميقة يرون في ذلك ضعفاً، لكن شخصية التواضع والأدب الراقي تخفي وراءها أيضاً صرامة في الحق، وثباتاً في وجه الباطل. فالرجل رفض الحقيبة الوزارية التي عُرضت عليه أكثر من مرة بالعهد البائد إيماناً منه بالديموقراطية والمدنية وحقوق الشعب السوداني.

الحكومة السودانية الانتقالية المعروفة اليوم باسم (حكومة حمدوك)، وإن كان يكره هذه التسمية كما قال في لقاء له مع (بي بي سي)، بحاجة إلى المساندة والمساعدة لعبور البحر المتلاطم بالمرحلة الحساسة هذه، فهي جادة في تحقيق السلام، ولعل في أول زيارة خارجية للرئيس حمدوك إلى جوبا عاصمة جمهورية جنوب السودان التي انفصلت بالأمس عن السودان رمزية تعكس صدق النيات تجاه تحقيق الأولويات العشر، إذ سيلتقي الفصائل المقاتلة، ويأمل في التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحروب التي أنهكت السودان، وقتلت مئات الآلاف من شعبه.

وهنا نتمنى أن تلعب مصر ودول الخليج -وبالذات الكويت- دوراً في تسهيل مهمته بإنهاء النزاع وتحقيق سلام عادل ودائم في هذا البلد العزيز، أقول الكويت بالذات لأني أستذكر الدور الإنساني الذي لعبته الكويت في السودان وفي جنوبه بالذات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والدور الذي قام به السفير الراحل عبد الله السريع بتقديم كل الدعم والمساندة للشعب هناك، حتى إنهم أطلقوا عليه اسم "عبد الله جوبا"، وسمّوا شارعاً رئيسياً بجوبا باسمه، وكتب كتاباً حول تجربته تلك عنوانه: "سنوات في جنوب السودان".

الإرث المتوازن والمسالم الذي لعبته الكويت بالسودان قبل الغزو العراقي عام 1990 وقبل وقوف نظام الإخوان والبشير مع صدام، يمكن أن يُستثمر كجسور تصالح لصالح السودان واستقراره، وكجسور مصالح بين السودان ودول الخليج، ففي السودان إمكانات وثروات هائلة، وبالخليج خبرات وأموال فائضة يمكن أن تستثمر لصالح الطرفين وبالتالي لصالح المنطقة كلها.

ينفض السودان اليوم غبار الحروب عنه، ويحاول أن يشق طريقه نحن السلم الاجتماعي والبناء المدني لدولة حديثة، وعلينا اليوم مساندة السودان ومعاضدته، فطريقه طويل وشائك ومليء بألغام الحروب وجروف الماضي، وحفر الفساد العميقة التي خلفها العهد البائد.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء