Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان بين الأمل و"الكيزان"

أنباء عن محاولة انقلابية عسكرية فاشلة الهدف منها إجهاض الاتفاق والتهدئة والإطاحة بآمال التسوية

 

أطفال سودانيون يسيرون على أنقاض المنازل المشتعلة أثناء المواجهات بين البدو والسكان في قرية دليج وسط دارفور في 11 يونيو 2019 (رويترز)

وقت كتابة هذا المقال، كانت تلوح بوادر أمل بقبول الوساطة الإثيوبية بين المجلس العسكري السوداني و"قوى الحرية والتغيير". فقد أطلق المجلس العسكري سراح المعتقلين السياسيين واعتقل المسؤولين عن مرتكبي المذابح ضد المتظاهرين السلميين وأبدى استعداده للحوار لنقل السلطة في البلاد لإدارة انتقالية مدنية وإجراء الانتخابات خلال شهور. من جانبها، علقت المعارضة ممثلة بقوى "الحرية والتغيير" إضراباتها وعصيانها المدني وتظاهراتها، بناء على ما اتفق عليه مع المجلس العسكري من خلال الوساطة الإثيوبية، وبدأت الحياة الطبيعية تدب شيئاً فشيئاً بمدن السودان الرئيسية. في الوقت نفسه، خرجت أنباء عن محاولة انقلابية عسكرية فاشلة، كان الهدف منها إجهاض الاتفاق والتهدئة والإطاحة بآمال التسوية والخلاص السلمي.

أعرف السودان من خلال معرفتي ببعض أهلها، لم أزر السودان في حياتي، لكني كنت صديقاً مندمجاً مع الطلبة السودانيين أثناء دراستي بـ "مانشستر" في بريطانيا، وتابعت من خلالهم هموم السودان وتطلعات شعبه الكريم، وأتقنت لهجتهم لدرجة أن من يأتي زائراً من السودان يستغرب إن قيل له بأني كويتي "عليك الله الزول دا كويتي؟ الزول دا ما كويتي ياخي، الزول دا سوداني!".

وبلغت درجة قربي من أوساطهم أن أقاموا لي حفل توديع بعد الانتهاء من دراستي للدكتوراه عام 1992 و"نصبوني" رئيساً فخرياً للجمعية الطلابية السودانية هناك وأعطوني درعاً رمزياً ما زلت أحتفظ به وأثمنه عالياً.

حكم الإخوان المسلمين السودان رسمياً بانقلاب الترابي - البشير على حكومة الصادق المنتخبة عام 1989، وكانوا قد ساندوا حكم النميري خلال الفترة الممتدة بين أعوام 1969 و1985، حتى اللحظة الأخيرة، خصوصاً في سنواته الأخيرة، بحجة أنه "فرض الشريعة الإسلامية ومنع الخمور وهرق قواريها بنهر النيل علناً باحتفالات إعلامية سمجة"، وفرضوا شريعة دينية على الجنوب السوداني الذي تقطنه غالبية غير مسلمة، فازدادت الحرب مع الجنوب اشتعالاً واستمرت سنين طويلة حصدت خلالها مليون ضحية، ثم تنازلوا عن أكثر من ثلث السودان عام 2011 بانفصال الجنوب من أجل البقاء بالسلطة، وارتُكبت في عهدهم مذابح دارفور التي تقدر بربع مليون إنسان من المسلمين، وساندوا صدام حسين علناً وفجاجة في غزوه واحتلاله للكويت عام 1990، وقمعوا المعارضة بالداخل بطريقة وحشية اختصرها لي المناضل الوطني السوداني المعروف عز الدين علي عامر حين التقيته عام 1990 في لندن، بقوله "اختصار سلوك نظام البشير - الإخوان هو ما يردده البسطاء من أهل السودان عن حكمهم للبلاد بأن: دُوْلْ ما أولاد حلال!".

يعيش السودان هذه الأيام مرحلة حاسمة وهامة في تاريخه، قدم خلالها الشعب السوداني جل التضحيات للتخلص من دكتاتورية "الكيزان"، وهو الاسم الشعبي للإخوان المسلمين في السودان، والتسمية اشتقت من حديث لمنظّرهم الأكبر حسن الترابي حين قال "الدين بحر ونحن كيزان نغرف منه"، والكوز هو جرة بعروة يوضع بها الماء.

 وقد أسس الإخوان - الكيزان دولة عميقة تغلغلت في مفاصل الدولة طيلة الـ30 سنة الماضية، والتخلص من حكمهم لا يعني التخلص من البشير فحسب، لكن كل محب للسودان وللخير له ولأهله لا بد من أن يساوره القلق من أن ينزلق هذا البلد العزيز نحو المجهول، فهناك أطراف "كيزانية" لا مصلحة لها بالتوصل لاتفاق مُرض بين المجلس العسكري وقوى "الحرية والتغيير"، وسوف تعمل جاهدة على تخريب التسوية التي لن تكون في صالحهم حتماً، وعلى المخلصين من أبناء السودان أن ينتبهوا لعدم الانزلاق للفوضى والحرائق، فالفوضى اليوم هدف "الكيزان" وكل أعداء السودان، والتسوية وتنفيذ الاتفاق الذي أشرفت عليه إثيوبيا الجارة والصديقة للسودان، مسألة مصيرية وهامة، تتطلب المصارحة والشفافية المعقولة بخطوات التنفيذ.

بالأمل والإخلاص سيتخلص السودان من محنته، وبالتسويف والفوضى والتنصل من الاتفاق سينجح "الكيزان".

المزيد من آراء