Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محادثات أميركية - تركية لـ"طي الخلافات الإقليمية" بوتيرة سريعة

اعتمد البلدان "الآلية الاستراتيجية" خيطاً دبلوماسياً لإنقاذ علاقاتهما المتوترة في قضايا عدة

لقاء جمع وزيري خارجية أميركا وتركيا في واشنطن أخيراً (أ ف ب)

ملخص

تسعى واشنطن بخطوات ثابتة إلى نزع أنقرة من حضن القيصر الروسي قبل فوات الأوان.. فكيف تحقق ذلك؟

لا يحجب دخان دبابة "ألتاي" فخر الصناعة التركية العسكرية وهي على وشك هجوم مرتقب شمال العراق رسائل الود الأميركية لكسب أنقرة بعدما أثبت الأتراك في نهاية المطاف ميلاً إلى الجناح الغربي، وأشعلت أخيراً الضوء الأخضر لعضوية السويد في حلف "الناتو" بعد مفاوضات استمرت 20 شهراً.

ما عرف باسم "الآلية الاستراتيجية" هو ما يطلق على الاجتماعات التشاورية بين واشنطن وأنقرة لفك الألغام الأكثر تعقيداً بينهما، وظل كلاهما يحافظ على خيط دبلوماسي رفيع بعد علاقات شابها التوتر، سبقها فرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2020 تحت قانون "مكافحة أعداء أميركا" عقب عقد أنقرة صفقة شراء أنظمة دفاع روسية (أس 400) واجهها البيت الأبيض بحظر جميع تراخيص وتصاريح التصدير، وتجميد أصول مالية لمسؤولين في حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.

وعلى مبدأ "العفو من شيم الكرام" تسود في واشنطن أجواء التسامح، ودارت سلسلة لقاءات يومي السابع والثامن من مارس (آذار) الجاري، ناقش خلالها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن سبل تحريك العلاقات المجمدة، وإن بدا رئيس الوفد التركي "هاكان"، وهو رجل استخبارات الأمس ليس بعيداً من رسم خطط دبلوماسية وعينه على مقاتلات "أف 35" الأميركية، بينما يده على زناد يطلق بها رصاصة البداية لحرب، وإن كانت شعواء في شمال العراق وسوريا ينهي بها كابوساً دام أكثر من أربعة عقود أرقت "السلاطنة" الجدد مع هجمات حزب العمال الكردي.

حتى وإن لم تفض المحادثات الأميركية - التركية إلى أية نتائج معلنة، لا سيما في مجال السياسة حول فك العقوبات، أو في مجال رفع حجم التبادلات التجارية، بخاصة أن أنقرة أكبر مستورد للغاز المسال من واشنطن أو تسليم فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بالوقوف خلف انقلاب فاشل في سنة 2016، بل يكفي أن وضعت الولايات المتحدة السكة على الطريق الصحيح بسعيها إلى كسب أنقرة.

خطوات أميركية تسعى من خلالها إلى نزع أنقرة من حضن القيصر الروسي قبل فوات الأوان، ولهذا ناقش هاكان وبلينكن تطورات الحرب الروسية - الأوكرانية وتأثيراتها في البحر الأسود، والقضية القبرصية وعملية السلام الالأذرية علاوة عن ملفات سوريا واليمن وإيران.

الدعم الكردي و"أس 400"

في المقابل وإن تطابقت وجهات النظر في عديد من القضايا حول وقف إطلاق النار في غزة، ومناقشة طرق وقف الحرب بين موسكو وكييف، لكن ظلت واشنطن وأنقرة على موقفهما بخصوص ملفات عدة أبرزها وأهمها هو الاستياء من دعم واشنطن للقوات الكردية المقاتلة في سوريا والعراق، وتدرجها ضمن الأحزاب المحظورة والمصنفة بالإرهابية.

ويجزم الباحث التركي في الشؤون السياسية فراس رضوان أوغلو في حديثه إلى "اندبندنت عربية" بأنه ليس بالسهولة إيجاد حل سريع وسهل بما يخص الملف الكردي، فإنه بحسب وصفه سيبقى ملفاً خلافياً قائماً إلا إذا غيرت إحدى الدولتين رأيها، بالتالي إما الاستمرار بتلقي الدعم أو محاربتهم.

وأضاف، "سيبقى الإصرار التركي على إنهاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو أن تكون هناك قوات كردية مناصفة بالقوة، ويمكن عبر الفرقاء الأكراد الموجودين بتركيا من خلال المجلس الوطني الكردي، وبذلك يصبح شريكاً قوياً، أو فاعلاً". وفي رأيه في حال تغيير الموقف الأميركي فإنه يستبعد في حال وافقت تركيا على إبقاء الأكراد في مناطق نفوذهم الوصول إلى نزع السلاح منهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد الباحث التركي أن الخلافات لم تتغير في مسألة شرق المتوسط وبحر إيجه والعلاقات التركية - الروسية والملف الأذري - الأرمني، وملفات أخرى أساسية، مضيفاً "لا أظن أنها حلت، لكنها في طور الحل".

ويرجح السيناريو الغالب بتقارب أميركي - تركي على حساب روسيا، ولذلك بدا ملاحظاً ابتعاد موسكو قليلاً، وعدم زيارة بوتين إلى تركيا، فضلاً عن الملف السوري شديد التعقيد، ويتطابق هذا مع ما قاله الوزير فيدان عقب انتهاء محادثاته مع بلينكن للصحافيين إن بلاده تتمسك بالمواقف في شأن سوريا وطائرات "أف 35" علاوة على استعداد تركيا لمناقشة الأمر، لكن على واشنطن أن تكون منفتحة".

وسبق اجتماع واشنطن زيارة رئيس الاستخبارات التركي إبراهيم كالين إلى الولايات المتحدة ولقاء جمعه مع نظيره رئيس (سي أي أي) وليام بيرنز، بحسب ما أكدته وكالة الأناضول الرسمية.

وكانت اجتماعات "الآلية الاستراتيجية" قد بدأت بالانعقاد في الرابع من أبريل (نيسان) 2022، وكان آخر اجتماعاتها على المستوى الوزاري في واشنطن في الـ18 من يناير (كانون الثاني) 2023 دارت في طياتها، حديثاً عن قضايا الإرهاب والاقتصاد والاتفاقيات العسكرية، ومنها الطائرات الأميركية ودخول ستوكهولم العاصمة السويدية بحلف (الناتو).

خاطر في الحرب والسلام

في غضون ذلك يبتلع السوريون الأكراد في شرق وشمال سوريا "الموس على الحدين" كما هو المثل الدارج كناية عن أضرار مؤكدة. ويرى مراقبون للمشهد السياسي في الشمال السوري أن كل ما يحدث سينعكس بتأكيد قوات سوريا الديمقراطية (تحالف عسكري من مكونات دينية وعرقية يتزعمهم الأكراد) تعاونت مع التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة في حرب "داعش" (2014 - 2019)، ففي حال لم تنجح أنقرة بحجب الدعم فإن طبول الحرب ستقرع مجدداً نحو عملية عسكرية هي (الرابعة) من نوعها، سبقها عمليات (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام). أما السيناريو الثاني في حال الاتفاق بين واشنطن وأنقرة فسيكون على الأكراد نقل البندقية من كتف إلى كتف، والبحث عن رعاية جديدة، ومن المتوقع الانكفاء خلفاً نحو روسيا الاتحادية، في وقت يعيش فيه أطراف النزاع موازنة لمصالحهم، ولنقاط الاتفاق وقواعد الاشتباك في سوريا البلد الذي ما زال ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الخارجية منذ سنة 2013 مع اندلاع الصراع المسلح بين السوريين بين موالاة ومعارضة.

في هذه الأثناء ومعهما بلغت درجة اقتراب سيد البيت الأبيض الحالي جو بايدن من الأكراد حتى قبل أن يتسلم مقاليد الحكم فإن كسب أنقرة في هذه المرحلة الصعبة في حربه أمام موسكو له فائدة، لا سيما أن تركيا تمسك بمضيق البوسفور (يصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة ويشكل مع مضيق الدردنيل الحدود الجنوبية بين القارتين الآسيوية والأوروبية) ومع معبر نفطي لروسيا، وحركة المرور الدولية.

وليس من المتوقع أن يشيح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إكمال مغامرته التي بدأها منذ سنة 2016 في ذروة الحرب السورية لاستكمال المنطقة العازلة بعمق 40 كيلومتراً لحماية حدود بلاده الجنوبية من تهديدات القوات الكردية المسلحة، حتى ولو على حساب قضم أراضٍ سورية جديدة.

وسبق أن قال أردوغان في خطاب له "أوشكنا على إتمام الطوق الذي سيؤمن حدودنا مع العراق، خلال الصيف المقبل، ولا نزال مصممين على المضي قدماً في إنشاء حزام أمني بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً على الحدود السورية".

وبالنتيجة تبقى للدول الكبرى حسابات ومصالح تتطابق في مطارح وتختلف في أماكن وساحات أخرى، لكن لا يمكن أن يغفل المتابعون السياسيون عن مقولة غارقة بالقدم بالعلاقات الدولية "في السياسة صديق اليوم عدو الغد"، والعكس صحيح في ساحة السياسة والحرب.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات