Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تستعصى حرب السودان على الحل التفاوضي؟

تقاطعات سياسية تعمق الأزمة وتعوق محادثات وقف المواجهات بين الجيش و"الدعم السريع"

10 أشهر من الموت والدمار والتشريد من دون حسم عسكري أو حل تفاوضي (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

كل حروب السودان التاريخية انتهت باتفاقات سلام على طاولة التفاوض

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منتصف أبريل (نيسان) الماضي، ظل طرفاها يراهنان على حسمها عسكرياً ويتمنعان على التفاوض، وبعد أكثر من 10 أشهر من القتال والموت والتشريد والدمار، لم يتحقق ذلك لأي منهما، أما جولات التفاوض المتقطعة فلم تثمر أي حلول، على رغم أن السودان قد عرف حروباً عدة خلال تاريخه المعاصر منذ استقلاله قبل 67 عاماً في 1956، سواء في الجنوب أو دارفور أو النيل الأزرق، لكنها كلها انتهت بالتفاوض وتوقيع اتفاقات سلام مع الحكومة. فما هو المختلف في هذه الحرب التي لا تلوح لها نهاية حتى اليوم؟ وما الذي يستعصي وقفها على الحل التفاوضي؟

 

صراع وجودي

في السياق رأى المتخصص في مجال العلوم السياسية عبدالله محمود بابكر أن كل الحروب التي شهدها السودان كانت بالأطراف غير أن الحرب المستعرة الآن هي الأولى التي تحدث داخل العاصمة السياسية والإدارية وبعض حواضر ولايات البلاد، إلى جانب ظروف أزمة صراع الانتقال التي تعيشها البلاد بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول)، ودخول النظام الإسلامي السابق على خط الأزمة بمحاولة العودة للحكم مجدداً، ما جعل منها حرباً وجودية بين الجيش وحاضنته من الإسلاميين من جانب، وقوات "الدعم السريع" ومناصري الاتفاق الإطاري من جانب آخر. وتابع "بنظرية الحسم العسكري، فإن نهاية الحرب ستكون وفق سيناريوهين، إما بانتصار الجيش، بالتالي عودة الإسلاميين ومسح الطرف الآخر من المشهد السياسي نهائياً، أو بانتصار "الدعم السريع"، وهو ما يمثل النهاية للإسلاميين، هذا التقاطب الحاد هو ما يصعب نهاية هذه الحرب، ويطيل أمدها إلى جانب استمرار حصول الطرفين على دعم وإمدادات عسكرية متقدمة من خارج البلاد ".

تقاطعات سياسية

لذلك لفت بابكر إلى أن تقاطعات الحرب والسياسة التي تغذيها خلافات وتباينات موروثة من قبل الجيش و"الدعم السريع" منذ توقيع الاتفاق الإطاري، وسمت هذه الحرب بطابع سياسي ما جعل الحل يبدو سياسياً في المقام الأول، وليس عسكرياً فحسب، واستطرد الأكاديمي "لم يعد سراً بأن عناصر الإسلاميين المدربة والمنتظمة في كتائب عسكرية معلومة، تشارك الجيش بصورة واسعة في هذه الحرب، وربما هناك مخاوف من أن تنقلب على الجيش نفسه حال جنوحه إلى التفاوض لإنهاء الحرب ".

فك الارتباط

ولفت المتخصص في مجال العلوم السياسية إلى أن الوساطة في منبر جدة فطنت لتلك التقاطعات، وعمدت إلى فصل المسار العسكري عن السياسي، مع توجيه بعض الضغوط لفك الارتباط بين الجيش والحركة الإسلامية، تمثلت في سلسلة العقوبات الأميركية ضد قيادات بارزة من الإسلاميين، على رأسهم علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، بوصفهم معرقلين لمسيرة الانتقال الديمقراطي، كذلك استهدفت العقوبات كبح التسهيلات العسكرية لقوات "الدعم السريع". وأضاف أن عدم رغبة الجيش في العودة لمسار التفاوض، خلال الفترة الماضية، كان سببه تدهور وضعه العسكري بعد اجتياح "الدعم السريع" معظم ولايات دارفور، ثم ولاية الجزيرة، لكن بعدما تحسن موقفه، بخاصة في أم درمان العاصمة، يتوقع عودته للتفاوض، لا سيما إذا نجحت مساعيه لتحرير ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد.

رفض المهيمنون

ورأى الوليد موسى مادبو المتخصص في التحديث المؤسسي والهوية والمستشار الدولي في مجال التنمية أن السبب الأهم الذي يقف وراء عدم نهاية الحرب بالتفاوض، هو "عدم رغبة القوة الحالية المهيمنة في التخلي عن السلطة، وعدم تفهم النخب الإسلاموية النيلية خطورة الأمر وفداحته، بل وتلاعبها بالورقة العنصرية بغرض النجاة مثل ما فعل ويفعل الرئيس السوري بشار الأسد، فضلاً عن أن النخب النهرية (أبناء مناطق النهر) تسعى إلى مواصلة احتكارها للسلطة". ولفت مادبو إلى أنه في خضم الاستقطاب، "يسعى كل من الجيش و"الدعم السريع" لتوجيه العاطفة وتأطير الوعي الجمعي لخدمة مصالحه الخاصة والنجاة من المقاضاة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة، عبر العقود الماضية، على أسوأ الفروض، والبقاء في كرسي الحكم بأحسن الأحوال".

البندقية وغصن الزيتون

في المنحى ذاته، قال المحلل السياسي السفير الصادق المقلي "صحيح أن كل الصراعات المسلحة في تاريخ السودان انتهت عبر الحوار والحل السلمي التفاوضي، لكن يبدو الحل التفاوضي لهذه الحرب عصياً في ظاهره، لكنه قد يبدو محتملاً في باطنه، إذ لا يمكن الحكم بالنوايا أو ما تخفي الصدور". وأضاف "الشاهد أن (الدعم السريع) في كل تصريحاتها الرسمية بما فيها الصادرة عن قائدها حميدتي (محمد حمدان دقلو) شخصياً، تؤكد أنها مع خيار الحل السلمي التفاوضي، وظلت تتهم الجيش بتعويق مسار منبر جدة، لكن الجيش ظل يتهمها ويتمسك بضرورة تنفيذ التزاماته في إعلان جدة، منتصف مايو (أيار) الماضي، وفي ذلك تبدو (الدعم السريع) وكأنها هي التي تحمل غصن الزيتون إلى جانب البندقية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع المقلي "لعل إعلان أديس أبابا الذي وقعته "الدعم السريع" مع تنسيقية (تقدم) يقف دليلاً يؤكد حرصها على إنهاء الحرب والتوصل إلى تسويه سلمية، وعلى العكس من ذلك، يبدو الجيش، في ظاهر الأمر، منحازاً إلى الحسم العسكري، وتجلى ذلك في تصريحات كبار قادته العسكريين التي تشير إلى المضي قدماً في خيار الحسم العسكري لإنهاء الحرب بالقضاء على التمرد".

بين الحسم والتفاوض

لكن من ناحية أخرى لاحظ المقلي أن مواقف الجيش تستبطن كذلك مساعي حثيثة نحو تسوية سلمية تسندها شواهد عدة، أبرزها مشاركته في كل جولات التفاوض في منبر جدة حتى انسحابه الأخير، ربما لأسباب تكتيكية، بغرض تحسين موقفه العسكري الميداني على الأرض أو لشعور بعض قادته، ومن يوالونهم سياسياً، باحتمال تمكنهم من الحسم العسكري للصراع. وأشار إلى أنه، وقبل إعلان الانسحاب من منظمة "إيغاد"، كان رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان قد وافق على عقد لقاء مباشر مع "حميدتي" في جيبوتي، لكن الأخير هو الذي تخلف عن اللقاء، ثم جاء لقاء الفريق شمس الدين كباشي مع القائد الثاني في "الدعم السريع" عبدالرحيم دقلو في العاصمة البحرينية المنامة، وانتهاءً بطرح مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي المعين بواسطة البرهان، على هامش زيارته الأخيرة أوغندا، خريطة طريق لإنهاء الحرب سلماً من دون أن يفصح عن تفاصيلها، وربما كان ذلك من قبيل الاستهلاك الدبلوماسي لإظهارهم دعاة سلام أمام المجتمع الدولي.

ولا يستبعد المقلي مع الإنهاك العسكري الذي يتعرض له الطرفان وأمام دولة على وشك الانهيار التام وكارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث أن يقبلا بالحل السلمي التفاوضي كنهاية حتمية لأي نزاع مسلح في العالم والسودان ليس استثناءً من ذلك.

التفاوض والانقلاب

من جانبه، توقع المفوض الأممي السابق ورئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان "يونيتامس" المنتهية ولايتها فولكر بيرتس ألا تستمر حرب السودان طويلاً لأن الأطراف المتحاربة أدركت استحالة الحسم العسكري في الميدان، مرجحاً أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق في النصف الثاني من هذا العام بترغيب وترهيب كل من الولايات المتحدة السعودية والإمارات، واتهم منظمة "إيغاد" بعدم إدارة ملف حرب السودان بصورة جيدة لذلك "أتفهم إعلان الجيش السوداني الانسحاب منها"، وأشار المبعوث الأممي السابق، في مقابلة مع مجلة الاتحاد الألماني المتخصصة في شؤون الأمم المتحدة، إلى أن أنصار النظام السابق يحكمون سيطرتهم على قيادة الجيش، وتوقع انقلاباً من الإسلاميين على قيادة الجيش حال رضوخها للضغوط الدولية والمضي قدماً في التفاوض، مشيراً إلى أن احتمال اندلاع حرب أخرى بعد نهاية هذه الحرب يرتبط بالصيغة التي ستنتهي عليها الحرب الحالية، متمنياً أن يكون الاتفاق السياسي لوقف الحرب شاملاً بحيث لا يستثني أحداً غير الإسلاميين المتطرفين.

مسؤولية البرهان

وحمل بيرتس البرهان القدر الأكبر من مسؤولية ما آلت إليه الأمور في السودان، متهاً إياه بقصر النظر، بينما قال إن "حمدوك أخطأ بتوقيعه اتفاقاً مع المكونات العسكرية بعد انقلاب الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ومنحها شرعية لم تكن لتنالها من دونه".

طرابلس على الخط

إلى ذلك، رحب القيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" كمال بولاد بدعوة حكومة عبدالحميد الدبيبة لكل من قائدي الجيش و"الدعم السريع" لزيارة ليبيا خلال هذا الأسبوع، آملاً في أن تتطور وتتكامل نتائجها في حال تلبيتهما الدعوة مع كل المبادرات الإقليمية والدولية لإيقاف الحرب. وشدد بولاد، في منشور على منصة "إكس"، على أنهم لن يملوا تكرار القول إن إيقاف هذه الحرب يمر عبر طريق التفاوض، ولا يمكن الوصول لحل تفاوضي إلا بجلوس قائدي الجيش و"الدعم السريع" بإرادة إيقاف الحرب وبضغط مدني أوسع.

فشل متلاحق

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، منتصف أبريل الماضي، فشلت كل الجهود الدبلوماسية والمبادرات والوساطات الإقليمية والدولية والمحلية في وقف الحرب، أبرزها جهود منبر جدة التفاوضي بتسهيل ووساطة سعودية - أميركية مشتركة، فضلاً عن مبادرتي الاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد"، ثم مؤتمر قادة دول جوار السودان الذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة في الـ13 من يوليو (تموز) الماضي.

 

وبدأت مفاوضات جدة بين الجانبين في السادس من مايو الماضي، وتوصلت إلى اتفاق مبدئي في شأن القضايا الإنسانية وتخفيف المظاهر العسكرية، لكنها علقت لاحقاً في أواخره، على أثر انسحاب الجيش احتجاجاً على عدم انسحاب "الدعم السريع" من الأعيان المدينة ومنازل المواطنين وفق تلك المخرجات، بينما تتهم "الدعم السريع" الجيش بالتنصل من تنفيذ التزاماته في بند إجراءات الثقة بالقبض على الفارين من السجون من قيادات الإسلاميين والنظام السابق.

وتوقفت المفاوضات نحو خمسة أشهر، ثم استؤنفت في الـ27 من أكتوبر الماضي، وانضم إليها ممثلون من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا "إيغاد"، لكنها سرعان ما علقت، مرة أخرى، للأسباب ذاتها.

ولتسريع مفاوضات جدة انعقدت في الـ10 من ديسمبر الماضي أعمال القمة الطارئة 41 لمنظمة "إيغاد" في جيبوتي، بمشاركة أممية ودولية وإقليمية واسعة، أقرت لقاءً ثنائياً مباشراً بين كل من قائد الجيش والجنرال محمد حمدان دقلو بموافقة الطرفين، إلا أن الخارجية السودانية رفضت البيان الختامي للقمة، ثم أعلنت لاحقاً، احتجاجاً على دعوة قائد "الدعم السريع" لحضور القمة الطارئة 42، تجميد عضوية السودان في منظمة "إيغاد".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات