Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشديدات إسرائيل على دخول الأقصى تبدد آمال المقدسيين بـ"انتعاشة رمضان"

باتت الأسواق المتلهفة لمئات آلاف المصلين والزوار تعتمد على سكان المدينة فقط

التجار المقدسيون ينتظرون ركودا في شهر رمضان بسبب التشديدات الإسرائيلية (اندبندنت عربية)

ملخص

وفقاً لتقرير صادر عن المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن معدل الفقر في القدس الشرقية بلغ 75.6 في المئة، بينما بلغت البطالة 18.1 في المئة.

في طريق "الواد" المؤدي إلى المسجد الأقصى تخيم صورة قاتمة وحزينة على شوارع القدس القديمة ومتاجرها التي تضج في مثل تلك الأيام بالحياة وفوانيس رمضان بألوانها الزاهية وأجوائها الروحانية، فالتحضيرات التي أقدمت عليها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هذا العام للتعامل مع شهر رمضان والتي تعد الأشد حساسية منذ أن فرضت إسرائيل سيطرتها على القدس عام 1967، حطمت تطلعات أحمد الديب (50 سنة) ومئات التجار المقدسيين الآخرين بتحقيق موسم اقتصادي ناجح يعوض الخسارة الفادحة التي تكبدوها خلال الآونة الأخيرة.

وتشكل القدس، وبخاصة في رمضان، مركزاً محورياً في حياة المجتمع الفلسطيني على المستويات السياسية والإدارية والسياحية والثقافية، إضافة إلى بعدها الديني المميز، وتعتمد أسواقها على مئات آلاف المصلين من الضفة الغربية والمدن والبلدات العربية في إسرائيل، وبخاصة أيام الجمعة، إذ يزداد الطلب بنسبة كبيرة على بيع المواد التموينية والملابس والأحذية والحلويات وغيرها من السلع، لكن مع انصياع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتوصيات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بمنع من هم دون 40 سنة من أهالي القدس وعرب إسرائيل من الدخول إلى المسجد الأقصى، إلى جانب حظر دخول المصلين من سكان الضفة الغربية نهائياً، باتت الأسواق المقدسية المتلهفة لمئات آلاف المصلين والزوار والسياح تعتمد على سكانها فقط ومن يتمكن من الوصول إليها.

إفلاس وإغلاق

ونتيجة للسياسات والإجراءات الإسرائيلية ضد المدينة وسكانها والقيود الصارمة والتضييق الذي فرضته الشرطة الإسرائيلية على مئات التجار المقدسيين، مع منع المواطنين والزائرين والمصلين من الوصول إلى المسجد بعد نصبها حواجز على مداخل البلدة، بدأ دور المدينة ومكانتها الاقتصادية يتراجعان، فدخلت القطاعات السياحية والصناعية والتجارية والخدماتية في أزمات متواصلة، إذ أسفر الحصار والإغلاق المتواصلان للمدينة وبلدتها القديمة والمفروضان عليها منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عن ركود تجاري واقتصادي غير مسبوق، وأعلنت كثير من المنشآت إفلاسها كما أغلقت مئات المحال التجارية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب لجنة التجار المقدسيين يوجد في البلدة القديمة بالقدس نحو 1372 محلاً تجارياً، إضافة لأكثر من 650 حانوتاً في سبعة شوارع تجارية تحيط بها، ويقول الديب بحسرة "كنا نطمح بانتعاش اقتصادي يعوض انكسارنا ويساعد في تسديد الديون المتراكمة بسبب كساد السلع، لكننا اليوم نتحدث عن إعلان الإفلاس"، وأضاف "اعتدنا على ممارسة أساليب مختلفة من القمع والتضييق والحصار الاقتصادي لمواطني القدس لكن هذه المرة الأمر تعدى ذلك بكثير، فابن غفير بحظره دخول المصلين أصابنا في مقتل".

بدوره أكد أمين سر الغرفة التجارية الصناعية العربية في القدس حجازي الرشق أن "التدهور المستفحل والمستمر للحركة الشرائية داخل البلدة القديمة، والمتزامن مع التضييق والمخالفات الإسرائيلية أدى حتى الآن إلى إغلاق نحو 352 محلاً تجارياً".

قدرات شرائية

وكان لتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تأثير كبير من حيث مستويات المعيشة والسكن والرعاية الصحية والتعليم، وقد أدت السياسات الإسرائيلية في القدس منذ بدء الحرب إلى رفع مستوى البطالة لدى المقدسيين الشباب، إضافة إلى أن الضرائب الباهظة التي تفرضها البلدية أثقلت كاهل المواطنين مما أسهم في رفع معدلات خط الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، وقاد إلى تدني مستوى دخل المواطن الفلسطيني هناك، وتراجع مستوى قدراته الشرائية.

 

وأفاد متخصصون بأن التضييق على التجار المقدسيين خلال الحرب وقبيل رمضان لم يقف عند إجبارهم على إغلاق محالهم التجارية، بل امتد إلى استهدافهم بالضرائب والمخالفات الرامية إلى تفريغ الأسواق على طول الطرق باتجاه المسجد الأقصى وحائط البراق من الوجود العربي الإسلامي والمسيحي.

ووفقاً لتقرير صادر عن المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن معدل الفقر في القدس الشرقية بلغ 75.6 في المئة، بينما بلغ معدل البطالة في المدينة 18.1 في المئة.

من جهته، اعتبر وزير شؤون القدس الفلسطيني فادي الهدمي أن "مساعي إسرائيل إلى استغلال الحرب وتدمير أسواق وشوارع القدس وإخلائها من المصلين لتغيير هويتها الدينية في رمضان يتجاوز كل الخطوط الحمر، وهو خطوة تهدد بتغير الوضع التاريخي والديني القائم بالمسجد الأقصى بصورة مخالفة لجميع القوانين والمواثيق الدولية".

في حين أكدت "مؤسسة القدس الدولية" أن حرمان الشباب المقدسي من الوظائف وفرص العمل ومحدودية المشغلين الفلسطينيين في القدس دفع كثيراً منهم إلى العمل لدى مشغلين إسرائيليين يشترطون شهادة حسن السيرة والسلوك من قبل سلطات الإسرائيلية، وبينت المؤسسة أن التوقيف أو الاعتقال المتكرر والعشوائي لكثير من الشباب المقدسيين حال دون حصولهم على الشهادة مما أدى إلى ارتفاع نسب البطالة في المدينة.

 

وأشارت المؤسسة، في بيان، إلى أن معظم الشباب في القدس يضطرون إلى الاستدانة لدفع مبالغ مالية كبيرة للمقاولين الإسرائيليين للحصول على تصاريح عمل، ووفقاً للمؤسسة التي تتخذ من بيروت مقراً رئيساً لها فإن "شباب القدس في حال حصلوا على تصاريح عمل داخل إسرائيل لا يتمتعون بأي حق من الحقوق العمالية بالتأمين أو التقاعد أو التعويض".

أعياد يهودية

وتتصاعد المخاوف المحلية والدولية من أن تؤدي هذه القيود المشددة على دخول المصلين إلى اندلاع مواجهات وأحداث عنف واضطرابات أمنية لا يمكن السيطرة عليها بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية مثل التي شهدها المسجد الأقصى في رمضان عام 2021، وسط تهديدات آلاف المستوطنين باقتحام المسجد الأقصى في عيد المساخر "البوريم" الذي سيحل في منتصف شهر رمضان، مما قد يدفع المقدسيين إلى تجنب اصطحاب عائلاتهم للصلاة في المسجد خوفاً من حدوث مواجهات خطرة.

وبحسب محللين فإن رمضان هذا العام سيضع الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء أمام تحديات حاسمة، لأن تمرير خطة ابن غفير بتقليل أعداد المسلمين خلال الشهر مع تنفيذ اقتحامات أثناء فترة الأعياد قد يجعل المستوطنين أكثر جرأة وجدية بتنفيذ طقوس ذبح القرابين الحيوانية داخل المسجد، بخاصة أن عيد الفصح اليهودي سيوافق الفترة من 23 إلى 30 أبريل (نيسان) المقبل، أي بعد أسبوعين فقط من نهاية شهر رمضان، مما يستفز مشاعر المسلمين ويؤجج شرارة حرب دينية يمكنها أن تشعل انتفاضة جديدة أو تؤدي إلى مد نطاق الحرب وجبهاتها.

وفي المقابل، يرى المحلل الإسرائيلي شلومو غانور أن "السبب الرئيس والوحيد وراء الإجراءات التي تعتزم الحكومة الإسرائيلية تنفيذها في رمضان تعود لاعتبارات أمنية فقط وليس لها أية امتدادات أخرى"، مضيفاً أن "حرية العبادة مبدأ مقدس وتحافظ عليه إسرائيل"، ومؤكداً أن "الإجراءات قيد البحث على أعلى المستويات، وأن أي تدابير ستكون تحت الاختبار والدراسة والتمحيص".

وبرأي الباحث المقدسي فخري أبو ذياب فإن السياسات الإسرائيلية في القدس خلال رمضان تدمر أية فرصة من أجل الاستقرار وإحلال الأمن، كما تشتت الجهود الدولية المبذولة من أجل التوصل إلى هدنة إنسانية في غزة.

المزيد من تقارير