Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أردوغان في القاهرة لنهاية سنوات القطيعة وتتويج مسار التطبيع

الرئيس التركي يبدي استعدادا للتعاون مع مصر في إعادة إعمار غزة والبلدان يوقعان اتفاقية إعادة تشكيل اجتماعات "مجلس التعاون الاستراتيجي" بينهما

في أول زيارة له منذ عام 2012، وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة اليوم الأربعاء لعقد قمة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تتركز بصورة رئيسة على تطورات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وبحث سبل تنشيط آليات التعاون الثنائي وتدعيم العلاقات بين البلدين التي شهدت تطوراً كبيراً خلال الأعوام الأخيرة بعد قطيعة طويلة في أعقاب إطاحة نظام جماعة الإخوان المسلمين من الحكم في 2013.

وبحسب لقطات بثها التلفزيون المصري، كان الرئيس السيسي وزوجته في استقبال أردوغان وقرينته في مطار القاهرة اللذين وصلا إليه ظهر اليوم آتيين من الإمارات، على رأس وفد رفيع المستوى يضم وزراء الخارجية هاكان فيدان والخزانة والمالية محمد شيمشك والدفاع يشار غولر والصحة فخر الدين قوجة والصناعة والتكنولوجيا محمد فاتح كاجار والتجارة عمر بولاط.

وتمثل زيارة أردوغان إلى القاهرة خطوة كبيرة نحو إعادة بناء العلاقات بين القوتين الإقليميتين، منذ آخر زيارة إلى مصر في سبتمبر (أيلول) 2012، عندما كان رئيساً للوزراء والتي أعقبتها توترات حادة في علاقات البلدين بلغت حد سحب السفراء وتوقف أشكال التواصل الدبلوماسي الثنائي كافة، بل قطيعة بين قادة البلدين منذ عام 2013، قبل أن تتحسن العلاقات تدريجاً أخيراً، حتى التطبيع وتبادل السفراء العام الماضي.

حرب غزة تتصدر المباحثات

وخلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب القمة المصرية التركية، رحب الرئيس السيسي، بنظيره التركي في أول زيارة لمصر منذ أكثر من 10 سنوات، قائلا إنها "تفتح صفحة جديدة بين بلدينا.. بما يثري علاقاتنا الثنائية.. ويضعها على مسارها الصحيح"، وأشار إلى أنه قبل دعوة لزيارة تركيا في أبريل (نيسان) المقبل.

وأكد السيسي اعتزاز القاهرة وتقديرها للعلاقة التاريخية مع تركيا، والإرث الحضاري والثقافي المشترك بين الجانبين، لافتًا إلى "استمرار التواصل الشعبي على مدار الـ10 سنوات الماضية، والنمو المضطرد في العلاقات التجارية والاستثمارية"، مشيرا إلى اهتمام بلاده بتعزيز التنسيق المشترك والاستفادة من موقع الدولتين كمركَزَيْ ثقل في المنطقة، وبما يسهم في تحقيق السلم وتثبيت الاستقرار ويوفر بيئة مواتية لتحقيق الازدهار والرفاهية".

وأعرب السيسي عن ترحيبه بمستوي التعاون القائم بين البلدين "من أجل النفاذ السريع لأكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، أخذاً في الاعتبار ما تمارسه السلطات الإسرائيلية من تضييق على دخول تلك المساعدات مما يتسبب في دخول شاحنات المساعدات بوتيرة بطيئة لا تتناسب مع احتياجات سكان القطاع".

وعلى صعيد القضية الفلسطينية كذلك، ذكر السيسي أن توافق مع نظيره التركي خلال المباحثات "على ضرورة وقف إطلاق النار في القطاع بشكل فوري وتحقيق التهدئة بالضفة الغربية حتى يتسنى استئناف عملية السلام في أقرب فرصة وصولاً إلى إعلان الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة".

وتابع أن البلدين أكدا "ضرورة تعزيز التشاور حول الملف الليبي بما يساعد على عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتوحيد المؤسسة العسكرية بالبلاد"، قائلا إن "نجاحنا في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا سيمثل نموذجاً يحتذى به حيث أن دول المنطقة هي الأقدر على فهم تعقيداتها وسبل تسوية الخلافات القائمة فيها".

ورحب السيسي بالتهدئة الحالية في منطقة شرق المتوسط وتطلعه للبناء عليها "وصولاً إلى تسوية الخلافات القائمة بين الدول المتشاطئة بالمنطقة"، فضلا عن الاهتمام المشترك "بالتعاون في أفريقيا والعمل على دعم مساعيها للتنمية".

من جانبه، قال الرئيس التركي إن أنقرة مستعدة للعمل مع القاهرة على إعادة إعمار غزة، وتعهد بزيادة التجارة مع مصر إلى 15 مليار دولار في الأمد القصير، مضيفا: "عازمون على زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر، والتي هي في حدود 3 مليارات دولار حالياً، واتخاذ تدابير إضافية لزيادة التعاون التجاري والاقتصادي".

وأوضح أردوغان أن تركيا تتقاسم مع مصر "تاريخاً مشتركاً يمتد لما يزيد عن ألف سنة"، مشيراً إلى رغبة متبادلة أن ترتقي علاقات البلدين "إلى المسار اللائق". وذكر أن القاهرة وأنقرة رفعتا تعاونهما إلى مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، وقال إنه ينتظر الرئيس المصري في زيارته لأنقرة لعقد الاجتماع الأول للمجلس.

وتابع أردوغان، أنه بجانب الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، تصدرت حرب غزة جدول مباحثاته مع الرئيس المصري، قائلا إن "ما يحدث في غزة تصدر جدول أعمال اليوم. الهجمات الإسرائيلية أدت إلى سقوط أكثر من 28 ألف فلسطيني، وإصابة ما يقرب من 70 ألفاً، وتم استهداف الكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات ومبان تابعة الأمم المتحدة".

وتابع: "إدارة (رئيس الوزراء الإسرائيلي) نتنياهو مستمرة في سياسة القتل والمذابح والمجازر رغم التحذيرات الدولية"، وأكد أن إيصال المساعدات إلى غزة من أولويات البلدين. وشدد في الوقت ذاته على أن "مبادرات تهجير سكان غزة بحكم العدم بالنسبة إلينا، ولا يمكن أن نقبل بتطهير غزة من السكان كلياً".

وذكر: "من أجل وقف إراقة الدماء سنظل على تعاون مع مصر أيضاً، وعلى المدى المتوسط، فإن إعادة إعمار غزة وتضميد الجروح يتطلب منا العمل المشترك ونحن جاهزون للعمل مع مصر في هذا الصدد أيضاً"، موضحا إنه تطرق في لقائه مع السيسي إلى ملفات ليبيا والصومال والسودان، وأكد حرص بلاده على وحدة هذه الدول الثلاث وأمنها واستقرارها.

وقبيل المؤتمر الصحافي وقع الرئيسان على الإعلان المشترك حول "إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين".

وكانت الرئاسة التركية قد أعلنت الأحد الماضي، أن مباحثات الرئيس التركي في القاهرة، الذي قدم إليها بدعوة من الرئيس المصري، تتركز بشكل أساسا على مناقشة، حرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتبادل وجهات النظر حول القضايا العالمية والإقليمية الراهنة، فضلا عن الخطوات الممكنة التي يمكن اتخاذها في إطار تطوير العلاقات بين البلدين وتفعيل آليات التعاون الثنائي رفيعة المستوى.

وقبيل جولته التي شملت الإمارات ومصر، قال الرئيس التركي أول من أمس الإثنين إنه سيتوجه إلى البلدين "لرؤية ما يمكن القيام به من أجل إخواننا في غزة"، مضيفاً أن أنقرة تفعل "كل ما في وسعها لوقف إراقة الدماء".

 

ووفق للجدول الزمني للزيارة التي تستمر ليوم واحد، شملت عقد قمة مصرية- تركية بين السيسي وأردوغان، أعقبها مؤتمر صحافي، قبل أن يحضر الرئيس التركي العشاء الرسمي الذي سيقيمه السيسي على شرف الوفد المرافق له.

وقالت وكالة "الأناضول" التركية (شبه رسمية) إن زيارة أردوغان ليست مجرد لفتة دبلوماسية فحسب، بل خطوة استراتيجية نحو الاستقرار والتعاون الإقليميين، إذ ستشهد قضايا مهمة عدة على رأسها البحث عن فرص لجهود الوساطة المشتركة في النزاعات الإقليمية، حيث تضطلع مصر وتركيا بأدوار مهمة في التوازنات الإقليمية، وتحظى المواقف والحوارات المشتركة بين الطرفين في شأن فلسطين بأهمية كبيرة بالنسبة إلى المساعدات الإنسانية والوساطة ومستقبل الدولة الفلسطينية ذات السيادة، وكذلك لمشاريع التنمية في مرحلة ما بعد الصراع وجهود إعادة الإعمار، مضيفة أن تحسن علاقات البلدين يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية لاستقرار دول مثل ليبيا والسودان.

من جانبها اعتبرت صحيفة "الأهرام" المصرية أن الزيارة تتوج مسار التقارب بين البلدين الذي بدأ قبل عامين، وتقفز بالتنسيق بين البلدين إلى مستوى القمم الثنائية، إذ تشهد العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً وتتميز الدولتان بالثبات على المبادئ والعمل من أجل دول الجوار، واكتسب مسار التفاهم والتقارب بين القاهرة وأنقرة دفعة كبيرة عام 2023، إذ حدثت خطوات كبيرة نحو تعزيز العلاقات بينهما بصورة كاملة بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء.

نهاية أعوام القطيعة وتتويج تطبيع العلاقات

تعد زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة بمثابة تتويج لتطبيع العلاقات بين البلدين الذي انطلق خلال الأعوام الأخيرة، ووصل إلى حد تبادل السفراء في يوليو (تموز) الماضي، وتخللته لقاءات ثنائية، كان الأول تلك المصافحة الشهيرة بين السيسي وأردوغان بالدوحة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 على هامش افتتاح مونديال قطر، بحيث اتفق الجانبان على تدعيم أواصر العلاقات والتعاون ورفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء، وأعقبه بعد نحو عام لقاء آخر بين الرجلين على هامش "قمة الـ20" بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

ومنذ إطاحة نظام الإخوان المسلمين في 2013، شهدت العلاقات بين البلدين قطيعة وسحباً للسفراء، بعدما هاجم أردوغان السلطة في مصر ووصفها بأنها "انقلاب على رئيس منتخب"، فيما اتهمت مصر تركيا بـ"تمويل الإرهابيين" بعدما فتحت أنقرة أبوابها للقيادات "الهاربة" من جماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها السلطات المصرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستمر التوتر بين البلدين مع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة عام 2014، فانتقده أردوغان بشدة في مناسبات عدة، قائلاً إنه لن يقبل بأن يكون هناك اتصال مع السيسي. ومنذ ذلك الحين، بقيت العلاقات الدبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال، وألغيت تدريبات عسكرية مشتركة كان متفقاً عليها واستمر التشاحن الإعلامي وتواصلت التجاذبات السياسية بين القاهرة وأنقرة خلال الأعوام التالية، فيما لم تتأثر التجارة البينية بتلك القطيعة.

وبدأ التقارب بين البلدين عام 2021 بعد تبادل إشارات الرغبة في التقارب، إذ بدأت اللقاءات المباشرة على مستوى أجهزة الاستخبارات ثم على مستوى وكلاء وزارة الخارجية، بيد أن الموقف المصري من عودة العلاقات كاملة ظل سلبياً مشترطاً أن "تقترن الأقوال بالأفعال" من الجانب التركي، لا سيما في ظل استمرار المعارضة المصرية التي اتخذت من منصات إعلامية تصدر من تركيا، منبراً للهجوم على السلطات المصرية، مما اعتبرته القاهرة تدخلاً تركياً ضاراً بأمنها القومي.

وخلال عامي 2022 و2023، اتخذ التقارب مساراً أكثر جدية، بعد المصافحة التي جمعت السيسي بأردوغان في الدوحة، أعقبها اتصال هاتفي بين الرجلين غداة وقوع زلزال السادس من فبراير (شباط) 2023 الذي خلف أكثر من 50 ألف قتيل في تركيا. وفي يوليو تم تعيين سفراء من الجانبين. وفي سبتمبر (أيلول) عقد الزعيمان لقاء مطولاً للمرة الأولى وجهاً لوجه على هامش قمة "مجموعة الـ20" في نيودلهي، وتزامن مع ذلك تقارب مصالح البلدين في عدد من الملفات الإقليمية الساخنة لا سيما في السودان وليبيا، خصوصاً بعد أن كانت الأخيرة مسار خلاف جوهري بين البلدين، حيث يدعم البلدان طرفين متنافسين في شرق ليبيا وغربها.

وكانت أبرز التغيرات التي انتهجتها أنقرة في الملف الليبي، إعلانها أخيراً انفتاحها على شرق ليبيا واعتزامها فتح قنصلية هناك، في ظل اتجاه تركي للتعاون مع كل من مصر والإمارات هناك، لا سيما في مجال الإعمار وإنهاء الانقسام بين الشرق والغرب.

وبالتوازي مع ذلك، استقبلت القاهرة الإجراءات التركية لتحجيم عمل وسائل الإعلام المعارضة للنظام المصري المنطلقة من تركيا ومغادرة عدد من قيادات تلك المعارضة الإعلامية والسياسية إلى بلدان أخرى، بصورة إيجابية.

في الأثناء شهدت العلاقات الاقتصادية التي لم تتأثر بالتوترات السياسية بين البلدين، تطوراً خلال الأعوام الأخيرة، وبقيت القاهرة أكبر شريك تجاري لأنقرة في القارة الأفريقية، في وقت يستهدف البلدان خلال السنوات الخمس المقبلة، النهوض بحجم التجارة الثنائية من 10 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار مع إمكان استخدام العملات المحلية في التجارة.

المزيد من متابعات