Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة فنزويلا تشير إلى استئناف تحالفات الحرب الباردة واستراتيجياتها

مع دعم روسيا والصين الزعيم الاشتراكي المحاصر في نزاعه مع خصم داخلي يدعمه الغرب الامبريالي، تبدو الامور كما لو أن العقود الثلاثة المنصرمة لم تحدث.

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو (أ ف ب)

"اختاروا جهة من الجهتين"، أملى مايك بومبيو [وزير الخارجية الأميركي] على الدول المشاركة في اجتماع مجلس الأمن المنعقد للبحث في مسألة الأزمة المتواصلة الفصول في فنزويلا. وكان توجيهه هذا واضحاً من غير لبس. وتتردد في هذا التوجيه أصداء مرحلة سالفة، حين كانت أمم العالم المنقسمة وفق خطوط إيديولوجية تصطف دورياً وراء مصالح متنافسة في حروب بالوكالة أو نزاعات على السلطة في أماكن قصية.  

ويعود الواقع المستجد [في فنزويلا] إلى أشهر خلت، إثر إعادة انتخاب نيكولاس مادور رئيساً في مايو (أيار) المنصرم في عملية انتخابية رأى مراقبون ومحللون كثيرون أنها مزورة جراء منع أحزاب معارضة بارزة من المشاركة فيها. وفي الأشهر الأخيرة، تفاقمت المشكلات الاجتماعية - الاقتصادية التي شابت فنزويلا طوال سنوات، مع تقويض التضخم المالي معايير العيش وتأجيجه الاستياء السياسي.

واليوم، مع شجب خوان غوايدو، زعيم المعارضة، إحكام مادورو قبضته على السلطة، وإعلان نفسه رئيساً مؤقتاً، بلغ مأزق هذا البلد حدَّ الأزمة. وإثر دعوة وزير الخارجية الأميركية المجتمع الدولي إلى دعم طرف من الطرفين، لبت دول كثيرة هذه الدعوة. وعليه، دعمت الولايات المتحدة غوايدو، رئيس مجلس النواب الفنزويلي الذي يبدو أنه كان يجري طوال أسابيع مساعي دبلوماسية وراء الأبواب المغلقة، وأن صوته المؤيد للولايات المتحدة والسوق الحرة مرحب فيه في المنطقة. والدول التي اصطفت وراء الولايات المتحدة وانحازت إلى طلبها إجراء انتخابات جديدة، هي بريطانيا وأوستراليا وإسرائيل والحكومات اليمينية في جنوب أميركا، وضمنها البرازيل والأرجنتين.

في المقابل، تدعم مادورو روسيا- وهي تربطها علاقات قديمة ووثيقة بهذا البلد منذ عهد هيوغو تشافيز [الرئيس السابق]- والصين وتركيا ودول في المنطقة تتولى فيها حكومات يسارية الحكم، على غرار بوليفيا وكوبا (والمكسيك إلى حد ما). وتتهم هذه الدول الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون فنزويلا الداخلية ومفاقمة سوء أحوال عامة الفنزويليين بواسطة عقوبات بدأت بفرضها في 2015.

وفيما خلا الدعوة إلى الاصطفاف، يبدو ما يجري مُستلاً من كتاب قواعد الحرب الباردة مع دعم روسيا والصين زعيماً اشتراكياً يخوض نزاعاً داخلياً مع خصم يدعمه الغرب الإمبريالي. وكأن السنوات الثلاثين المنصرمة لم تحصل.

والحق أن روسيا والصين لا تتبنيان اليوم مبادئ الاشتراكية، و(لكثير من الأسباب) لا يربطهما اليوم حلفاً طبيعياً [الاشتراك بالقيم والمبادئ الثقافية والسياسية] على ما كانت حالهما أمس. وفاقمت غرابة رئاسة دونالد ترمب والشك المتواصل في العلاقة بين حملته الانتخابية والدولة الروسية، صعوبة فهمنا علاقة واشنطن بموسكو.

غير أن انبعاث القومية السياسية في العقد الأخير، والتزامها نوعاً من الحمائية الاقتصادية يروج له دونالد ترمب، سدّ، إلى حد كبير، شهية العالم إلى العولمة وكل ما يتعلق بها- وعلى الأخص رجحان كفة المؤسسات المعولمة وتفضيل حلول متعددة الأقطاب لمشكلات العالم. ومع تولي رجال أشداء السلطة والتوسل بالمشاعر القومية في كل مسألة، يبدو أن عودة الكتل الدولية إلى البروز، وفق خطوط يرسمها ويمليها قادة متوسطو السن يحنون، إلى حد ما، إلى مرحلة الحرب الباردة، شبه مؤكدة. وهذا أكثر ما كان بارزاً في سياق الحرب السورية القاتمة، وكذلك في الانقسام القديم بين الشرق والغرب في ضوضاء النزاع بشرق أوكرانيا. وفنزويلا هي ببساطة المثل الجديد على ما تقدم. والرجاء الوحيد هو عدم انزلاق النزاع على الغلبة بين غوايدو مادورو (وهو استعرض في نهاية الأسبوع ترسانته من المعدات الروسية الثقيلة) إلى مواجهة مسلحة بين فصائل متنافسة. والمواجهة هذه غير مستبعدة.

والمصالح الاقتصادية الدولية اليوم بلغت من التعقيد حداً يعصى معه تخيل العودة إلى عالم منقسم انقساماً واضحاً بين نحن والآخر، على نحو ما كانت حال العالم بين الخمسينات والثمانينات. ويشير الشقاق بين الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين حول الاتفاق النووي الإيراني إلى مقاربة أقل قبلية للشؤون الاستراتيجية. وفعلياً، يساهم خروج ترمب عن المألوف والعجز عن توقع خطواته في جعل أميركا حليفاً لا يسع الأمم الغربية التعويل عليه تعويلاً مطلقاً، على ما كانت تفعل في الماضي.

غير أن العقد الماضي أثبت لنا ألا شيئاً مؤكداً. ففي الماضي القريب، قال الحكماء إن زمن الكساد الدوري بعد النمو، ولّى. وثبت خطأ حسبانهم. وحسِب كثيرون أن العولمة ستلغي الغرائز القومية، غير أنها أججتها. وثبت أن الزعم السيء الصيت والمستهتر القائل إننا بلغنا "نهاية التاريخ" حين انهيار جدار برلين، خاطئ. وعلى خلاف السائد، يبدو أن التاريخ أخذ استراحة صغيرة [ولم ينتهِ]. ويبدو أنه اليوم يعوّض عما فات. وهذا أمر مقلق.

© The Independent

المزيد من آراء