Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سكان غزة فقدوا "الهوية" في رحلة النزوح

فروا سريعاً من منازلهم بسبب القصف الإسرائيلي دون أن يحملوا بطاقاتهم التعريفية أو أوراقهم الثبوتية

ملخص

عدم امتلاك بطاقة هوية يعرقل حياة سكان غزة، وهناك عدد كبير فقد جميع وثائقه الرسمية

في طابور طويل وقف ماهر ينتظر وصول دوره لتسلم مساعدات غذائية تقدمها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وكان ينظر إلى الأشخاص من حوله، إذ إن كل واحد فيهم يحمل بطاقته القومية "الهوية" إلا هو.

يدرك ماهر أنه سيجد صعوبة في تسلم المساعدات المخصص له، كونه لم يحضر معه بطاقة الهوية، وعلى رغم ذلك وقف في الطابور وقرر أن يشرح لعامل تسليم الحصص الغذائية قصته، وهو على أمل يتجاوز الموظف عن عدم إحضار أوراق ثبوتية.

شخص مجهول

عندما وصل ماهر إلى شباك تسليم المساعدات طلب منه موظف "أونروا" أن يظهر بطاقة الهوية ليدخل بياناته على النظام المحوسب، لكن الرجل أبلغه أنه نسي هويته عندما نزح بسرعة من بيته في شمال غزة، وبسبب القصف العنيف لم يتمكن من حمل حقيبة الوثائق الرسمية.

سأل الموظف ماهر عن امتلاكه جواز سفر أو بطاقة تعريف تصدرها "أونروا" أو حتى رخصة قيادة، لكن الرجل لا يوجد معه أي وثيقة، حينها اعتذر العامل خشية أن تكون عملية احتيال، وأبلغه أنه لن يستطيع التعامل مع شخص مجهول الهوية، فهو أمام النظام الرسمي وهيئات المساعدات لا يملك أوراقاً ثبوتية، ويجب عليه إحضار أي وثيقة رسمية حتى يتسنى له مواصلة حياته كشخص لديه معلومات.

 

 

يعقب ماهر على ما جرى معه "أصبحت شخصاً مجهول الهوية"، ضحك كثيراً، ثم أضاف "يعني يمكنني أن أدعي أنني سامر أو سعد، فلا شيء يثبت شخصيتي، هذا كله بسبب الحرب، التي جعلتنا نعيش في حياتنا القاسية ونحن مجهولو الهوية".

حقيبة الوثائق

يتابع ماهر، "لا أملك هوية أو جواز سفر أو بطاقة (أونروا)، أسرتي أمام الجهات الدولية وغيرها من دون أي إثبات، وهذا كله بسبب الحرب المدمرة التي جعلتنا ننزح بسرعة هرباً من الموت بسبب كثافة القصف".

وحول ما جرى معه، يوضح ماهر أنه جهز جميع أوراق أسرته الرسمية في حقيبة مدرسية، واستعد للنزوح في أية لحظة، لكن فجأة حدث قصف عنيف على محيط سكنه، فاضطر إلى الإخلاء بسرعة لعله ينجو بأرواح أطفاله، ونسي أن يحمل معه الوثائق، لافتاً إلى أنه لا يستطيع العودة لشمال القطاع بسبب الحظر الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على الحركة.

في الواقع، لم يمنح سكان غزة وقتاً للفرار، ومعظمهم نزح تحت النار فاضطروا إلى الإخلاء بسرعة تاركين أوراقهم الثبوتية والرسمية، وإن كانوا قد جهزوها في حقيبة كعادتهم في كل حرب، وبات غالب الأفراد بلا أوراق رسمية.

جوازا سفر ولا يملك أياً منهما

وهذا أيضاً تكرر مع صلاح الذي يحمل الجنسية المصرية، وكان قد حصل عليها لأن والدته من أصول مصرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول، "أملك جواز سفر فلسطينياً وآخر مصرياً، لكن عندما خرجت من خان يونس نازحاً فقدت في الطريق أوراقي الثبوتية". ويضيف، "قررت مغادرة غزة باتجاه القاهرة، لكن عجزت عن ذلك، فلا مستند معي يؤكد أنني أحمل جواز سفر مصرياً، وفي ظل تعطل المرافق الرسمية بسبب الحرب، ها أنا عاجز عن استخراج أي وثيقة بديلة لما فقدته".

ويخشى صلاح بعد الحرب أن يستمر تعطل الحياة، وكذلك يبقى الانقسام الفلسطيني على حاله، لأن هذا الأمر يعرقل استخراج الوثائق الرسمية مرة أخرى.

في العادة تتولى الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية إصدار الوثائق الرسمية على اعتبار أنه معترف بها دولياً ومن إسرائيل، ويقع على مسؤوليتها طباعة بطاقات الهوية وجوازات السفر وجميع الأوراق الرسمية، وعند فقدان أي منها فإن استخراج بدل فاقد يتطلب الاتصال بالهيئات الرسمية في رام الله.

ملكية الشقة ضاعت

من بين الركام خرج منجد حياً، وأول شيء فعله تفقد جيب بنطاله الخلفي، حيث المكان الذي وضع فيه هويته وجواز سفره، وبعد أن تأكد أنها بحوزته ابتسم، لكن الرجل بقي يسير حول الركام ويرفع في بعض الأنقاض ويبحث عن شيء ما.

يقول منجد "شقتي في عمارة، ونسيت أن أحضر عقد شراء وحدتي السكنية، هذا كابوس لأنني لن أستطيع تسجيل الأضرار التي لحقت في منزلي، وإذا قلت لهم إنني فقدت عقد الملكية سيضحكون، وسيعتبرون ذلك نكتة، ولن يتعاملوا معي".

كان منجد وضع عقد الملكية في حقيبة وفيها هوية زوجته وشهادات ميلاد أطفاله الأربعة، وبطاقة "أونروا"، وكذلك بطاقة العلاج التي يصرف عليها أدوية الأمراض المزمنة، ومبلغ مالي، لكن هذه الحقيبة اختفت بسبب القصف ولم تنجح محاولات الأب في إيجادها.

 

 

جراء تكرر شكاوى سكان غزة من فقدان بطاقاتهم الشخصية، قررت اللجنة الإدارية لشؤون قطاع غزة بتخصيص مكان في محافظة رفح لإصدار بطاقات تعريفية للغزيين الذين فقدوا بطاقات الهوية فقط، إذ تمنحهم ورقة تتضمن أختام الجهة الأمنية التي تقر المعلومات الشخصية بناءً على قاعدة البيانات الحكومية المحفوظة في غزة، من أجل تسهيل بعض الإجراءات اليومية.

شهادات الجامعة محفوظة

والأمر لا يقتصر على الأوراق الرسمية والثبوتية، إذ فقد غالب سكان غزة شهاداتهم الجامعية، ويقول راشد "فقدت شهادتي الجامعية في تخصص هندسة البرمجيات من الجامعة الإسلامية، وشاهدت مقاطع فيديو لعمليات قصف لمباني الجامعة. هذا جعلني أقلق على مستقبلي". ويضيف، "تخرجت قبل سنوات، ولم أحظ بفرصة عمل، وتقدمت بطلب التوظيف في مؤسسة خارج القطاع، وفي فترة الحرب جاءت الرد إيجاباً، لكنهم طلبوا صورة عن شهادة الجامعة وكشف الدرجات، واليوم أقف عاجزاً، وبسبب الحرب فقدت فرصتي".

على رغم الضرر الذي أصاب جامعات غزة، فإنها أصدرت تعميماً جاء فيه أن وثائق الطلاب محفوظة ضمن قاعدة بيانات سحابية ويمكن استخراج بدل فاقد عن هذه الوثائق بعد انتهاء الحرب.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات