Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إغلاق جزئي للحمامات العامة في المغرب بسبب "العجز المائي"

تعاني البلاد من قلة التساقطات المطرية والجفاف للسنة الـ6 على التوالي

باتت حمامات المغرب العامة البالغ عددها 12 ألف حمام، في عطلة إجبارية خلال أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء، بدءاً بالأسبوع الجاري (اندبندنت عربية)

ملخص

استياء بين المغربيات جراء إغلاق جزئي للحمامات العامة

على غير عادتها، لم تتوجه فاطمة إلى مقر عملها، وهي المكلفة فتح أبواب حمام مغربي عصري بمدينة سلا، وتنظيف غرفه الفسيحة وإعداد المنتجات الطبيعية المستخدمة خلال الاستحمام، قبل استقبال أولى زبونات الصباح.
وباتت حمامات المغرب العامة البالغ عددها 12 ألف حمام، في عطلة إجبارية خلال أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء، بدءاً بالأسبوع الجاري، عقب قرار وزارة الداخلية المغربية "إغلاق الحمامات التقليدية ومحلات غسل المركبات لمدة ثلاثة أيام من كل أسبوع بهدف مواجهة العجز المائي". إضافة إلى ذلك، أعطيت تعليمات صارمة، عبر أقاليم ومحافظات البلاد، من أجل ترشيد استهلاك المياه وكشف التسربات في الشبكات وإصلاحها، ومنع سقي المساحات الخضراء بالمياه الصالحة للشرب، ومنع ملء المسابح.
إلى جانب فاطمة، تعمل رشيدة وأمينة وبشرى، في حمام "اليسرا والزرقاء" العصري بمدينة سلا (بمحاذاة الرباط)، يقدمن خدماتهن ويعتنين بالزبونات، إلا أنهن أصبحن مضطرات للعمل أربعة أيام فقط في الأسبوع.
وهو إجراء لم يكن سهلاً على رشيدة التي اعتبرت أن "القرار حين يأتي من فوق (في إشارة إلى وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت)، فما باليد حيلة، نمتثل مرغمين". وتابعت "سنرى كيف ستسير الأمور خلال هذا الأسبوع". وأكدت العاملة بالحمام العصري أن الحمام مصدر رزق وحيد يعينها على إعالة أبنائها رفقة زوجها، وقالت "أعيش من أجر شهري بسيط وإكراميات زبوناتي، وقد أضطر للعمل خلال الأيام الثلاثة الممنوع فيها فتح الحمامات، في الحقول بنواحي المدينة، كما فعلت خلال الإغلاق إبان أزمة كورونا".


حمام المغربيات... سر الجمال

الحمامات العامة وإلى جانب كونها مصدر رزق 200 ألف من العاملين والعاملات، هي كذلك مكان للنظافة والاستحمام وفرصة للاسترخاء والتخلص من الضغوط، في عادة عريقة تعود إلى قرون مضت، حافظ عليها المغاربة، وتعرف إقبالاً مستمراً.
ولعل من بين أبرز الأسباب التي أسهمت في استمرارية هذا الفضاء الصحي، الارتباط الوجداني بين الحمام والمغربيات، فعلى رغم توفر البيوت المغربية على حمامات خاصة، تبقى الزيارة الأسبوعية لفضاء فسيح وساخن تجربة مميزة وضرورية.
وعلى رغم من عدم حفاظ الحمامات العامة التقليدية على عمارتها القديمة الأصيلة، فإن بناية الحمام تختلف عن باقي المباني إلى جانبها، فتعلو جدرانها الفسيفساء ببوابتين منفصلتين تخصص واحدة للرجال وأخرى للنساء، قبل الولوج إلى ثلاث غرف فسيحة وساخنة تؤدي الواحدة منها إلى الأخرى، ذات إضاءة خافتة وبخار متصاعد.
لا يستوي الحمام المغربي الأصيل من دون طقوس لا يجوز القفز عليها، بداية بتدليك كامل الجسد بالصابون الأسود المغربي (الصابون البلدي)، باعتباره أحد أفضل أنواع الصابون الطبيعي وذي خصائص مرطبة ومغذية للبشرة، مروراً بعملية إزالة الجلد الميت من طريق الحك برفق، وهو ما تتكلف به العاملات (الكسالات أو الطيابات) وفق العامية المغربية.
في خضم "البروتوكول" في الحمام المغربي، تلجأ المغربيات إلى إنعاش أجسادهن بخلطات طبيعية من الحناء، والريحان، والقرنفل، تسحق وتمزج بماء الورد، قبل الخضوع لحصة تدليك لطيفة للتخلص من توتر وضغط أسبوع كامل، في انتظار الاستمتاع بكوب شاي ساخن بالنعناع في غرفة ارتداء الملابس الخارجية.

آلاف العمال... بلا مدخول

لا ترغب المغربيات حتماً من أن تحرمن من مواعيدهن الأسبوعية التي اعتدن عليها، كما لا يرغب أصحاب الحمامات التضييق عليهم وقطع أرزاق العاملين لديهم، مما جعل رئيس "الجامعة الوطنية لجمعيات أرباب ومستغلي الحمامات التقليدية والرشاشات بالمغرب"، ربيع أوعشى، يؤكد أنهم يتعرضون لضغط كبير بسبب قرار الإغلاق الجزئي، وأن "قطاع الحمامات، يعتبر من الاقتصاد الاجتماعي الذي يضم عدداً كبيراً من المستخدمين الذين يعيشون الهشاشة، ولا يتوفرون على مؤهلات مهنية أو تكوين خاص يخرجهم من دائرة الفقر".
واعتبر أوعشى، أن قرار إغلاق الحمامات لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، سيحرم أكثر من 200 ألف عامل وعاملة من مدخولهم اليومي، مما سيؤثر سلباً في الطاقة الشرائية لهذه الفئة، كما يرى أن "المغاربة سيضطرون إلى الاستحمام في البيوت من طريق الرشاشات، مما سيضاعف استهلاك الماء إضافة إلى مضاعفة استهلاك قوارير الغاز المدعومة من طرف الدولة، وهو نفس ما حدث خلال إغلاق الحمامات بسبب جائحة كورونا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أما عثمان، وهو مسؤول عن تسيير حمام تقليدي بحي الرحمة بمدينة سلا، فيعتقد أن القرار لن يسهم في الحد من استهلاك الماء، بل على العكس سيزيده. وتساءل "هل سيتوقف المغاربة عن الاستحمام؟".
وفسر المتحدث وجهة نظره قائلاً إن "عدد مرتادي الحمامات خلال الأيام الأربعة سيكون أكبر من العادة، هذا الوضع لن يخلق سوى ظروف استحمام غير ملائمة بسبب العدد الكبير للزبائن الراغبين في الاستحمام وضغطاً في العمل وعلى الحاجة إلى الماء الساخن والبارد من ثم على كميات الخشب".
وطالب أصحاب الحمامات التقليدية والرشاشات بـالمغرب، وزير الداخلية بإعادة النظر في "القرار القاسي" والبحث عن حلول أخرى لترشيد استهلاك الماء، مثل فرض حظر على استخدام "الدش" وتقليل مدة الاستحمام.

الماء نادر بالمغرب

وفي وقت يقدر فيه الخبراء، كمية الموارد المائية في المغرب بأقل من 650 متراً مكعباً للفرد سنوياً، وهو معدل يدخل في إطار ندرة المياه، قال المتخصص في الهندسة البيئية، محمد بنعبو، إن "المغرب يعيش ظروفاً استثنائية علاقة بالتغير المناخي والإجهاد المائي"، معتبراً أن "الحمامات من بين الخدمات التي تستهلك كميات مهمة من الماء". وأفاد بنعبو أن "إغلاق الحمامات ثلاثة أيام أسبوعياً، سيوفر على المغرب 12 يوماً، قرابة نصف أيام الشهر من الاستهلاك، إلى حين مرور هذه الأزمة بسبب قلة التساقطات المطرية والجفاف للسنة السادسة على التوالي". ويرى المتحدث أن "المغاربة حين يتوجهون إلى الحمامات ومحلات غسل السيارات ويجدونها موصدة الأبواب، سيستشعرون خطورة الوضع المائي، وسيعملون على الحفاظ على هذه المادة الحيوية"، لافتاً إلى أن "هذه الإجراءات يمكن أن ترفع حال تغير الظروف المناخية".
وفي انتظار تساقطات مطرية خلال الأشهر القليلة المقبلة، تغذي الفرشة المائية الجوفية وترفع نسبة ملء السدود، وتنقذ المغرب من أزمة العجز المائي التي يعيشها، ستبقى الحمامات العامة التقليدية والعصرية مغلقة جزئياً، وستضطر العاملات ومعهن الزبائن إلى الاكتفاء بأيام العمل الأربعة، عسى ألا تلجأ السلطات المغربية إلى تنزيل سيناريوهات أكثر قتامة بفرض إغلاق كلي.

المزيد من منوعات