Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحمامات القديمة في طرابلس... تخليد المناسبات الاجتماعية

تقدم خدمة فريدة وتجربة تعيد الزوار إلى أجواء "باب الحارة"

يختبر زوار "حمام العبد" في طرابلس نكهة السحر. فهو على خلاف كثير من الحمامات، ما زالت الحياة تنبض في أرجائه. يؤكد زوار الحمام أنه ليس بالحمام التركي العادي، إنما هو موقع أثري تشهد حجارته على أجمل الذكريات. ويكشف مستثمره أبو محمد ستوت عن أن عمر الحمام خمسمئة سنة، وهو مستمر بالعمل على الرغم من الأوضاع الاقتصادية، لكونه يقدّم خدمة فريدة وتجربة تعيد الزوار إلى أجواء "باب الحارة".

شهدت السنوات الماضية عودة الناس إلى "حمام العبد"، فهم يريدون تخليد مناسباتهم الاجتماعية على غرار ما فعل آباؤهم. لذلك، تحوّل الحمام إلى مكان فريد لوداع العزوبية والعبور إلى حياة الزوجية. وهل هناك أجمل من أن يترافق حمام العرس مع طقوس شعبية وغناء ودبكة ومواويل؟ هذا ما يمكن أن تختصره زيارة الحمام.

تبدأ رحلة الاستجمام في المشلح. هناك يخلع الزائر لباسه ويتأزر بالمناشف ويرتاح لبعض الوقت. بالتزامن، يسعى عمال الحمام إلى جعل لباس العريس متميزاً، فيلفّونه بمناشف حريرية، وذات لون فريد. ينتعل الزوار القباقيب، يتجهون إلى الوسطاني، حاملين صابون الزيت وكرات الليف. في الوسطاني، يستمتع الأصدقاء بالجو المعتدل، قبل بدء أولى مراحل الاستحمام، فتتدفق المياه الساخنة إلى أجران حجرية كبيرة يُسكب منها الماء على الجسد بكاسات معدنية. ويحظى كل مستحم بحيز خاص به، شبيه بالغرفة ليحافظ على خصوصيته.

في الجواني، يستمتع العريس بخدمات مختلفة. لا يقتصر الجو على الاستحمام، إنما يتلقّى بعض العلاجات خلال عملية التكييس. يتم تقشير اللحم الميت عن الجسد بواسطة الكيس الخشن الذي يستخدمه أحد العمال المهرة. ويحصل على تدليك لرقبته وظهره على يد معالج فيزيائي. وتُستكمل عملية النظافة في غرف البخار والسونا، حيث تتفتح مسامات الجسد وتتطهر. يكون للزبون خيار الاستمتاع بالماء والصابون البلدي فحسب، أو إضافة الأملاح البحرية المغذية أو الزيوت العطرية.

كما بدأ الحمام بتقديم خدمة الحجامة للزوار. فهي تتم وفق التقويم القمري في الأيام الوتر– المفردة من الأشهر. وهذا تقليد علاجي لتنظيف الجسم من الدم الفاسد، تتوارثه طرابلس منذ مئات السنين.

مبروك يا عريس

بعد انتهاء الحمام، يعود المستجم إلى الوسطاني "المكان المعتدل الحرارة" للحفاظ على سلامة الجسد. وهنا، مرحلة تمهيدية قبل العودة إلى الصالة العامة.

يقدّم الحمام خدمة الضيافة للزوار، يختار الزائر بين الشاي والقهوة أو تدخين النرجيلة من التنباك العجمي. في البراني، تتعالى ضحكات الرفاق وقصصهم ونوادرهم، ويتأملون روعة الهندسة العمرانية، والعمال الذين يستعرضون مهارتهم في قذف المناشف في الهواء، لتستقر على الحبال المعلقة بالسقف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

طوّر حمام العبد خدمة "الليلية"، وهي السهرة التي تسبق حفل الزفاف بنهار واحد. تستقبل العريس "زفة شامية" مع ضاربي الطبول، ومن يتبارون بالسيف والترس، وترداد الأغاني الشعبية التقليدية. وفي داخل الحمام، يحيط الرفاق وأعضاء الفرقة بالعريس، ويرقصون الدبكة. يوضح أبو محمد ستوت أن كلفة حجز الحمام لحفلات الزفاف هي 300 دولار، أي أقل بكثير من الحفلات في القاعات الفارهة. ويدافع عن الحمام العربي لأنه يعيد الطاقة إلى الجسد، ويطهره من الأدران، ويمنحه فرصة لمشاركة أقرانه لحظات من السعادة تبقى محفورة في الذاكرة لأعوام.

جلسات نسائية

لدى النساء الفرصة ذاتها التي يتلقفها الرجال. ويؤكد ستوت أن فريقاً كاملاً متوفراً في الحمام، وهن مهيئات لتقديم الخدمات بمهارة. وبغية طمأنة الزائرات، يجزم بعدم وجود أي أداة من أدوات المراقبة والتصوير داخل الحمامات للحفاظ على الخصوصية وحرمة الجسد. تترك للنساء حرية تنظيم جلساتهن، إذ لا وجود أو تدخّل في أي وقت من الأوقات لأي رجل بالحمام. وتسعى النساء لإعادة الحياة إلى هذه التجربة الأصيلة على غرار التقاليد الطرابلسية الشعبية.

تحفل مدينة طرابلس بعدد من الحمامات التركية القديمة، يفتخر مستثمر الحمام بأنه يستمر في العمل على الرغم من التحديات، فيما توقفت هذه الخدمة وفق الصيغة القديمة في أكثرية المناطق اللبنانية.

في المدينة القديمة، حمامات تراثية عدّة، تتفاوت حالتها. فيعاني حمام النوري عند مدخل "سوق الصاغة" من إهمال كبير، فهو متروك لمصيره ولا يتمتع بأي شكل من أشكال الاهتمام والعناية أو الترميم.

أما "حمام عز الدين" الملاصق لخان الخياطين، فيُعدُّ من أكبر الحمامات في طرابلس، رمّمته وزارة الثقافة وتشرف عليه المديرية العامة للآثار. حافظت عملية الترميم على المخطط الهندسي للحمام، على البركة في وسط القسم البراني، وعلى تقسيم أجزائه والمهاجع، إلاّ أنّه لم يتم وصله بشبكة جر الماء. لذلك، لن يتمكن من أداء وظيفته الأصلية. وأدت تغطية جدرانه الحجرية بمادة كلسية وطلاؤه بدهان فاتح اللون إلى إفقاده بعض الجمالية، كما يقول زواره.

وفي منطقة باب الرمل، الحمام الجديد الذي رُمّم، لم يعد إلى الحياة، كما أنه لا يستقبل الزوار بصورة منتظمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات