ملخص
البعض يرى أن قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية يجعل الانسحاب من العراق أمراً مستحيلاً ويزيد الأعباء على القوات العراقية بمختلف صنوفها
بالتزامن مع بدء الحوارات الأميركية - العراقية بخصوص تقييم القدرات العسكرية للقوات العراقية، تتزايد التساؤلات في شأن جدية أطراف "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" التكتل البرلماني المشكل للحكومة العراقية، في إخراج القوات الأميركية من البلاد، في ظل توجس من إشكالات سياسية وأمنية واقتصادية قد يحفزها أي إخراج لتلك القوات.
ولا تبدو مواقف الأطراف الموالية لإيران متطابقة، ففي حين تدعو أطراف "الإطار التنسيقي" الداخلة في الحكومة إلى إعطاء فرصة للمفاوضات، تصر أجنحة مسلحة على مواصلة التصعيد على الوجود الأميركي، الأمر الذي يبين مدى الانقسام الكبير بين تلك الأطراف في الفترة الأخيرة.
بيانات متضاربة
ومع بداية الحوارات، قالت "اللجنة العسكرية العليا الأميركية - العراقية"، في بيان، إن "اليوم يمثل أول خطوة لتأسيس هذا المجلس العسكري الأعلى لتمكين القادة في قوات التحالف وفي القوات المسلحة العراقية، من المساهمة بسلسلة من مجاميع عمل والموافقة المتبادلة لإجراء تقييمات بخصوص ثلاثة عوامل"، مبينة أن هذه العوامل هي "التهديد الذي يمثله تنظيم داعش، المتطلبات العملياتية والبيئية، وكذلك قدرات القوات المسلحة العراقية".
وتابع البيان أن "اللجنة العسكرية العليا وخلال فترة الحوار، تعمل على تحديد الظروف اللازمة لقوات المهام المشتركة في عملية العزم الصلب لنقل المهمة من العراق".
وبالتزامن مع انطلاق أعمال اللجنة، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، يوم 27 يناير (كانون الثاني)، "الانتقال إلى علاقات ثنائیة شاملة والالتزام باتفاقية الإطار الاستراتيجي". وفي حين أشار إلى أن الهدف من الحوار هو "مراجعة مھمة التحالف الدولي لمحاربة داعش"، لم يتحدث عن توقيتات لتفعيل الانسحاب الأميركي.
وذكر بيان السوداني أنه "وفي ضوء ھذه المراجعة، سیصار إلى صیاغة جدول زمني محدد لإنھاء المھمة العسكریة للتحالف، والانتقال إلى علاقات أمنیة ثنائیة بین العراق والولایات المتحدة والدول الشريكة في التحالف، وإلى علاقات ثنائیة شاملة مع هذه الدول، مع الالتزام باتفاقية الإطار الاستراتيجي بین العراق والولايات المتحدة عام 2008، وأيضاً الالتزام بسلامة مستشاري التحالف الدولي أثناء مرحلة التفاوض في كل أرجاء البلاد، والحفاظ على الاستقرار ومنع التصعید".
وتتضارب بيانات الخارجيتين العراقية والأميركية بخصوص الانسحاب الأميركي، ففي حين أشارت الخارجية العراقية إلى صياغة جدول زمني واضح يحدد مدة وجود مستشاري التحالف الدولي في العراق، لم يتطرق بيان الخارجية الأميركية إلى الانسحاب أو أي توقيتات مرتبطة به. وتطرق فقط إلى تفكيك التحالف الدولي الذي وجد لمحاربة تنظيم "داعش" وتحول مسار العلاقة بين البلدين إلى علاقة ثنائية.
انقسام واضح
ولطالما كان الوضع ملتبساً في الداخل العراقي بخصوص الوجود العسكري الأميركي في البلاد، مع تضارب في وجهات النظر في شأنه داخل أروقة "الإطار التنسيقي" فضلاً عن رفض القوى السنية والكردية تفعيل أي انسحاب أميركي، خصوصاً مع تضخم النفوذ الإيراني إلى حدود غير مسبوقة.
ويشير الباحث والأكاديمي في جامعة "أريزونا" سليم سوزة إلى انقسام واضح داخل أروقة "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية"، يتمثل بـ"رغبة الجزء غير الممثل بالحكومة العراقية بإخراج القوات وربما حتى قطع أي علاقات دبلوماسية مع واشنطن"، في حين تدرك الأطراف الأخرى الداخلة في الحكومة "العواقب السياسية والاقتصادية والأمنية في حال دفع واشنطن إلى الانسحاب من العراق". ويضيف أن خروج القوات الأميركية يعني دخول العراق في "قائمة أعداء واشنطن" وهو ما قد يحرم البلاد من "الأموال التي لا تزال تذهب نحو البنك الفيدرالي الأميركي"، مردفاً أن الإشكالات لن تتوقف عند هذا الحد، إذ سيخسر العراق "التعاون والتدريب وتبادل المعلومات الأمنية بخصوص الإرهاب".
ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي "يعي تلك العواقب" كما يعبر سوزة، وهو ما دفعه إلى "فتح ملف المفاوضات من خلال اللجنة المشتركة، وهي فكرة مشابهة لما حصل في عهد حكومتي عادل عبدالمهدي ومصطفى الكاظمي، التي لا تحدد توقيتات صريحة للانسحاب وتتطرق فقط للخطوط العامة في شأن العلاقة بين البلدين".
ويلفت سوزة إلى أن حكومة السوداني كانت تحاول خلال الفترة الماضية "امتصاص نقمة البعض من خلال نشر أخبار تتعلق بإخراج القوات الأميركية من البلاد"، مبيناً أن تلك الأطراف "غير جادة في الدفع نحو انسحاب أميركي من البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن صانعي القرار في واشنطن "غير راغبين بالانسحاب من العراق" بحسب سوزة، الذي يشير إلى أن أي انسحاب أميركي في هذا التوقيت سيمثل "نصراً للجبهة الإيرانية في المنطقة، خصوصاً بالتزامن مع ما يجري في غزة".
ويتابع أن ما يجعل الانسحاب الأميركي من العراق شبه مستحيل هو كون "إدارة جو بايدن لا تود أن يستغل هذا الملف ضدها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية".
ويختم بأن "الميليشيات المسلحة الموالية لإيران لن تتوقف عن التصعيد ضد المصالح الأميركية حتى لو انسحبت قواتها من العراق، لأنها مرتبطة بحرب إيران الإقليمية على المصالح الأميركية"، مبيناً أن هذا الأمر تدركه الإدارة الأميركية "مما يجعل الانسحاب من العراق أمراً مستحيلاً".
كلف باهظة
وعاد الحديث عن إخراج القوات الأميركية من العراق مع تصاعد حدة الحرب في قطاع غزة، وهو الأمر الذي أعاد سلسلة الاستهدافات للمصالح الأميركية في البلاد بعد أن توقفت عند وصول "الإطار التنسيقي" إلى السلطة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.
في المقابل، يقول رئيس مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين، إن قوى "الإطار التنسيقي" بشكل عام تدرك "الكلف الكبيرة للانسحاب الأميركي من العراق، وإن حصوله سيعني دفع البلاد نحو مخاطر جمة ووضعه في عين العاصفة، الأمر الذي سيؤدي إلى نزع الاستقرار الهش ويهدد حكومة السوداني المدعوم من الإطار التنسيقي".
ويضيف أن إدارك تلك القوى للمخاطر يجعل من مسألة الانسحاب الأميركي "مجرد دعاية سياسية تلعبها تلك الأطراف"، مبيناً أن من يخرج عن هذا الرأي هي الميليشيات ذات التمثيل البسيط في السلطة المتمثلة بـ"كتائب حزب الله" و"النجباء".
وتبدو الإشكالية الرئيسة في ما يتعلق بالانسحاب الأميركي من البلاد مرتبطة بـ"تكرار مشهد اللايقين الذي أعقب انسحاب عام 2011"، بحسب حسين الذي يلفت إلى أن "المخاوف من تكرار الاضطرابات الأمنية والسياسية التي أعقبت الانسحاب الأميركي السابق في ظل تضخم النفوذ الإيراني على حساب العراق، سيجعل تفعيل الانسحاب أمراً شبه مستحيل".
ويتابع أن أي انسحاب أميركي من البلاد "سيزيد الأعباء على القوات العراقية بمختلف صنوفها سواء على الصعيد الاستخباراتي أو الجهد القتالي أو توفير الغطاء الجوي"، مبيناً أن هذا الأمر تدركه أطراف "الإطار التنسيقي" وهو ما يجعل "أي عمل تشريعي أو تنفيذي فعلي لإخراج القوات الأميركية غير متحقق حتى الآن".
مواقف متباينة لحلفاء طهران
ولعل ما يبين حدة الخلافات بين المجموعات المسلحة هو تباين وجهات نظرها بخصوص المفاوضات العراقية - الأميركية، ففي حين رحب "الإطار التنسيقي" بالاتفاق مع واشنطن، هاجمت فصائل مسلحة عدة تلك التحركات، مؤكدة استمرار عملياتها العسكرية ضد الوجود الأميركي.
وكان "الإطار التنسيقي" قد دعا لإعطاء الفرصة للمفاوض العراقي، في حين ثمَّن "دعم المجتمع الدولي للعراق في حربه ضد الإرهاب".
أما زعيم "عصائب أهل الحق" والقيادي في "الإطار التنسيقي" قيس الخزعلي، فقد أشاد بإعلان بدء المفاوضات الأميركية - العراقية، لافتاً إلى أن "انسحاب القوات الأجنبية التي دخلت العراق بعنوان التحالف الدولي، خطوة مهمة وبالاتجاه الصحيح، لتحقيق الأمن والاستقرار، واستكمال السيادة الوطنية".
في المقابل، أعلنت "النجباء"، في 27 يناير، أنها مستمرة في "مواصلة العمليات العسكرية رداً على العدوان الأميركي - الصهيوني على غزة"، مردفة "لن نلتفت لأكاذيب المحتل بجدولة انسحاب وما شاكل إن لم يتحقق الانسحاب على أرض الواقع وبشكل واضح".
وتحدث الفصيل المسلح عن تكرار سيناريو أفغانستان، محذراً من وصفهم بـ "بعض الخونة ممن باع دينه وشرفه وعقيدته للمحتل عليه أن يتدارك وضعه".
ولم تتوقف بيانات الجماعات الموالية لإيران عند حدود إخراج القوات الأميركية من البلاد، بل دعت أيضاً إلى طرد السفارة الأميركية، التي وصفتها بـ"قاعدة عسكرية تنطلق منها كل الاعتداءات والانتهاكات للسيادة العراقية".
ويأتي هذا البيان بعد إصدار جماعة تطلق على نفسها "المقاومة الإسلامية في العراق"، وصفت فيه المفاوضات بأنها "محاولة لخلط الأوراق، وقلب الطاولة على المقاومة، وكسب الوقت".
وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم "كتائب حزب الله" أبو علي العسكري إن "ما يحاول الأميركي تمريره تحت عنوان المفاوضات لإخراج القوات لن ينطلي علينا البتة".