ملخص
بلغ الدين العام الأفريقي 1.8 تريليون دولار في عام 2022 مسجلاً قفزة بنسبة 183 في المئة عن عام 2010
في حين يثقل تضخم الديون كاهل النمو الاقتصادي العالمي، يحذر اقتصاديون من أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، حيث يعاني عديد من البلدان التخلف عن السداد، تشهد أسوأ أزمة لها على الإطلاق.
يقلص ارتفاع أسعار الفائدة والإفراط في الاستدانة قدرة البلدان على تمويل تنميتها، كما أكد عدد من الزعماء الأفارقة في كلماتهم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
أصول الأزمة
في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في الفترة 2007-2009 أبقت البنوك المركزية في البلدان الصناعية عموماً أسعار الفائدة منخفضة، وتوفرت لبلدان الجنوب العالمي التي كانت تقترض في الغالب على المستوى الثنائي أو من المؤسسات المالية الدولية إمكانية غير مسبوقة للوصول إلى الأسواق المالية.
وقالت الاقتصادية الكينية عطية واريس التي تعمل أيضاً محللة مستقلة لدى الأمم المتحدة، إن "عديداً من الدول النامية التي كانت في حاجة ماسة إلى ضخ الأموال في اقتصاداتها سارعت إلى الاستعانة بهذه القروض منخفضة الكلفة، في أسواق لا تخضع لقواعد أو تنظيم".
وأضافت أن صندوق النقد الدولي شجعها على ذلك، وساعدت هذه الأموال في إعطاء دفعة كان عديد من الاقتصادات الأفريقية في أمس الحاجة إليها، لكن البلدان التي تعتمد على تصدير المواد الخام مثل النفط والمعادن والخشب تعرضت لضغوط شديدة عندما بدأت أسعار السلع الأساس تنخفض في عام 2015، ثم زادت جائحة كوفيد من تفاقم الوضع.
وأدى خفض أسعار السلع الأساس إلى تقليص إيرادات العملات الأجنبية التي تحتاج إليها هذه البلدان لتسديد خدمة قروضها، وحصلت عديد من البلدان على قروض جديدة لسداد ديونها القديمة، مما أدخلها في دوامة من الديون تحول دون الاستثمار في البنية التحتية والأنظمة الصحية والتعليم.
وقدر البنك الدولي العام الماضي أن 22 دولة معرضة لخطر الإفراط في المديونية، بما في ذلك غانا وزامبيا اللتان تخلفتا عن سداد ديونهما الخارجية.
وتضم القائمة أيضاً مالاوي وتشاد اللتين لديهما برنامج مساعدة من صندوق النقد الدولي، وتتفاوض إثيوبيا التي أعلنت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني إفلاسها جزئياً في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على حزمة إنقاذ.
دائنون يعرقلون الصفقات
في عام 2022، بلغ الدين العام الأفريقي 1.8 تريليون دولار مسجلاً قفزة بنسبة 183 في المئة عن عام 2010، بعد أن نما بمعدل أربعة أضعاف أكثر من الناتج الاقتصادي، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
ويسعى الدائنون العامون الغربيون المنضوون في مجموعة الـ20 وعديد من الشركاء إلى التوصل إلى إعادة هيكلة ديون 40 دولة أفريقية، وبين هؤلاء الصين المتهمة بتقديم قروض ميسرة لمشاريع البنية التحتية لا تستطيع هذه البلدان تسديدها.
بنيت صفقات الديون هذه على مبدأ المساواة في المعاملة ومشاركة جميع الدائنين، لكن يصعب على الدول الأفريقية إبرام اتفاقات لأن المقرضين من القطاع الخاص غالباً ما يرفضون الشروط.
وفي السنوات الأخيرة، صار المستثمرون الخاصون - بما في ذلك صناديق الاستثمار وصناديق التقاعد - أكبر دائني الدول الأفريقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي عام 2022، كان هؤلاء يمتلكون 42 في المئة من الدين العام الخارجي الأفريقي، مقارنة مع 38 في المئة للمؤسسات المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، و20 في المئة لدول أخرى.
ومن بين الـ20 في المئة التي تمتلكها الدول الأخرى، كانت الصين أكبر مقرض لأفريقيا، وتمتلك وحدها 11 في المئة.
قال منسق البرنامج الفرنسي للديون والتنمية الذي يجمع أكثر من 20 مجموعة مدنية للضغط من أجل إعادة هيكلة الديون على نحو مستدام ماثيو باريس "قدمت الصين في كثير من الأحيان على أنها الطرف الشرير، لكنها أدركت أهمية توفير جرعة هواء للدول التي تعاني مشكلات عميقة وهي تشارك الآن في الجهد المبذول، حتى وإن استغرق ذلك بعض الوقت".
من المفيد هنا النظر إلى حالة زامبيا، فبعد عامين من المفاوضات الصعبة، توصلت في يونيو (حزيران) 2023 إلى اتفاق قدم على أنه "تاريخي" لإعادة هيكلة ديونها، لكنه لا يتعلق سوى بـ6.3 مليار دولار من ديونها الخارجية البالغة 18.6 مليار دولار، والأسوأ من ذلك أنه لن يدخل حيز التنفيذ إلا إذا وافق المقرضون من القطاع الخاص على شروط مماثلة، في حين رفضت ذلك شركة إدارة الأصول الأميركية "بلاك روك"، وهي من كبار مالكي الديون الخاصة التي اقترضتها زامبيا.
وقالت الاقتصادية واريس "عرقلت شركة بلاك روك عملية المفاوضات بكاملها" بالنسبة إلى زامبيا.
التضخم والفقر
وقال الاقتصادي الغاني تشارلز أبوغري إنه مع زيادة أسعار الفائدة التي تثقل المعاناة بسبب الديون المتراكمة، "تشهد الدول الأفريقية تقلبات خطرة في أسعار العملات فيما يزداد التضخم باستمرار".
وأضاف أن "الأثر اليومي مأسوي بالنسبة إلى الفقراء، فنحن نشهد تضخماً في كلفة النقل والغذاء والسكن، في حين أن الأجور الفعلية راكدة".
ورأى أمين إدريس أدوم، أحد كبار المديرين في وكالة التنمية التابعة للاتحاد الأفريقي، أن "المسألة الحقيقية اليوم ليست معرفة كيف يمكن الخروج من تحت وطأة الديون، بل كيف يمكن الاقتراض بذكاء، وفي حين أن إعادة هيكلة الديون مهمة، إلا أنه لا ينبغي أن يتم ذلك على حساب الاستثمار في البنية التحتية والصحة والطاقة لدعم تنمية الاقتصادات والمجتمعات".