Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مطاعم معاصرة لا تنتج النفايات وتحظر البلاستيك

إندنبندنت تلتقي العقول المدبّرة لمطعمي "نولا" (Nolla) و"سيلو" (Silo)، حيث تسجل طلبات الزبائن بقلم رصاص، وتبذل الجهود لتجنب المواد البلاستيكية، كما تتخذ الخطوات اللازمة للبدء في تحويل بقايا كل طبق إلى سماد حتى قبل أن تُدفع فاتورته

ملصق مطعم نولا يروج لتحديه البيئي في سبيل بلوغ "صفر نفايات". (ريستورانتنولا.كوم)

عندما أُعيد افتتاح مطعم "نولا" في هلسنكي، في يوليو (تموز) الماضي، في موقعٍ جديد تتوفر فيه كلّ عناصر المطعم الحديث الأكثر استدامة، من كؤوس عصريّة مصنوعة من قوارير زجاجيّة مقطوعة أعناقها، وطاقم مطبخ يرتدي أفراده مآزر جميلة مفصّلة من ملاءات أسرّة أُعيد تدويرها، وماكينة مزودة بـ 10 صنابير لتحويل بقايا الطّعام إلى مشروب جعة تقليدي.

لكنّ الاستدامة في "نولا" ليست مجرد رتوش وإنما هي مسألة تحتل موقعاً جوهرياً في صميم عمله، إلى درجة أن طهاته لا يُضيفون التّوابل إلى الأطباق كما أن النادل فيه يسجل طلبات الزّبائن بقلم الرّصاص بدلاً من أقلام الحبر، وربما كان الأكثر إثارة للدهشة من هذا كلّه أنّ هو خلو مطبخه من سلال مهملات، إذ استُعيض عنها بجهازٍ فضيّ اللون يقف شامخاً في إحدى الزّوايا، لتحويل فضلات الطّعام إلى سماد.

  ذلك لأنّ "نولا" هو مطعم عديم النّفايات وملتزم استخدام مكوّنات ومواد لا تُنتج مخلّفات. وإذ لم يعثر مالكوه الثلاثة، كارلوس هنريكيس وألبرت فرانش سونيير ولوكا بالاك، بعد على وسيلة للحصول على التّوابل من دون خلق نفايات، فهم يتدبّرون أمرهم من دونها. وهم يحظرون تماماً المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، بما فيها مواد التغليف واللفافات الرقيقة من نوع "كلينغ فيلم" وأكياس الفاكيوم المفرغة من الهواء وأوراق القصدير. وفي "نولا"، كلّ شيء مستدام حتى بطاقات الهدايا المصنوعة من أوراق قابلة للتحلّل الحيوي والتحول الى سّماد عضوي، إذ  تُقدّم إلى الضّيف مع حفنة من حبوب الخشخاش ليزرعها ويراها تنمو أمام عينيه.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة، يُعتبر قطاع الضّيافة أحد المسببات الرئيسة لهدر الغذاء، مكبّداً الاقتصاد العالمي خسائر سنويّة بقيمة 940 مليار دولار. ويفيد تقريرٍ لـ"معهد الموارد العالمية" ،  بأنّ ثلث غذاء العالم يضيع هباءً في رحلته من المزارع إلى الموائد. ولو كانت النفايات والأغذية المهدورة دولة قائمة بذاتها، لكانت ثالث أكبر مصدر لانبعاثات الكربون بعد الصّين والولايات المتّحدة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي المملكة المتحدة وحدها، ثمة 900 ألف وجبة غير مباعة تتحول سنوياً إلى قمامة، وفقاً لتطبيق "تو غود تو غو" (الطعام أثمن من أن يُلقى في القمامة) الهادف إلى التّقليل من الهدر في المواد والوجبات الغذائية. ومع ذلك، لا يزال عدد المطاعم عديمة النّفايات ضئيلاً جداً لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، كما يقول كارلوس هنريكيس، موضحاً أنّ "في العالم اليوم أربعة مطاعم (عديمة النّفايات) يُمكن أن أُسمّيها لك". فإلى جانب "بلو هيل" (Blue Hill) في نيويورك و"آماس" (Amass) في كوبنهاغن، يتقاسم "نولا" أفضل الممارسات مع مطعم "سيلو" الذي يقع حالياً في مدينة برايتون الإنكليزية وسينتقل في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل إلى موقعٍ جديد شرق العاصمة لندن.

وفعلاً، يجري العمل على قدم وساق لافتتاح مطعم "سيلو" جديد يُقدّم لروّاده قائمة متبدلة على الدوام  من 10 إلى 15 طبق في "المبنى الأبيض"  بمنطقة هاكني ويك في شرق لندن . وفي هذا الصّدد، يؤكّد الشيف دوغلاس ماكماستر إنّ فلسفة صفر نفايات التي يستند إليها "سيلو" هي مجرّد وسيلة لـ"سدّ الفجوة" في عملية إنتاج الطعام. ويضيف "نحن نحرص على استعمال كلّ شيء. لذلك هناك اعمال ضرورية عدة، كالتّسميد والتعامل مباشرةً مع المزارعين".

وكان المطعم البريطاني الذي فتح أبوابه عام 2014، قد استقطب اهتمام الأمّة برمّتها بسبب مبادئه الدّاعية إلى صفر نفايات واستعانته لهذه الغاية، بأطباق مصنّعة من أكياس البلاستيك وطاولات من الأرضيات الصناعية وطاولات عمل من إطارات خزائن الملفات. وهذا ليس كلّ شيء، فالمنتجات والسلّع التي كانت ولا تزال تُسلّم إلى "سيلو"، تأتي كلّها موضّبة في صناديق ودلاء وجرار وسواها من العبوات القابلة لإعادة الاستخدام؛ وكلّ ما لا يستهلكه العملاء يُوضع في جهاز معالجة لاهوائي قادر على إنتاج 60 كلغ من السّماد في غضون 24 ساعة.

وتبنى مطعم "نولا" عدداً من هذه الممارسات   التي يتبّعها "سيلو"، بما فيها توصيل الحليب في دلاء من الألومينيوم بدلاً من علب كرتون بلاستيكية. عن ذلك، يقول هنريكيس "نحن فوضويون نوعاً ما". وإذ كان فريق "نولا" متحمّساً بشكلٍ خاص لفكرة استعمال جهاز المعالجة اللاهوائي، فهو لم يتردّد في التوجّه إلى مدينة برايتون ليعاين الآلة أثناء العمل ويُقرّر بعدها اقتناء واحدة ومنحها مكاناً مميزاً في مطعمه. هكذا سيمكنك في أيّ أمسية أن ترى رواد المطعم وهم يُحدّقون بجهاز "نولا" الذي يُنتج السّماد المخصص للمزارعين الذين يُزوّدون المطعم بمنتجات طازجة.

وقد استوحى المؤسّسون الثلاثة فكرة إطلاق مطعم عديم النفايات بعد مرور سنوات على عملهم في مطاعم مختلفة في هلسنكي وخارجها. وبهذا الصدد، يوضح هنريكس أن"تحضير المأكولات الفاخرة يتطلّب الكثير من العمل.. بالنّسبة إليّ، كان لا بدّ أن أُسخّر ساعات العمل الطويلة هذه لخدمة قضيّة أسمى من صناعة الطعام الجيد. وها إنني أبذل قصارى جهدي الآن لأجعل العالم من بعدي مكاناً أفضل ممّا هو عليه اليوم".

ومن خلال خبرتهم الطويلة في المطاعم، تمكّن المؤسسون الثلاثة من إلقاء الضّوء على حجم النفايات الكبير الذي ينتج عن عمليات تحضير الوجبات. أثّرت فيهم قضمات الجزر وشرائح الجبنة وأباريق الصلصة التي كان يتركها الزبائن وراءهم. علاوة على ذلك، لاحظ المؤسسون كمية النفايات البلاستيكية بما فيها مواد التغليف، التي كانت تنتج عن كلّ عملية تحضير. ولأجل جعل القطاع أكثر استدامة دون التّفريط في جودة الوجبات ونوعيّتها، فكروا في تأسيس مطعم صفر نفايات. في البداية، أيّ في العام 2015 تحديداً، استضافوا حفلات مفاجئة عادت عليهم بـ15 ألف يورو فقط. وفي عام 2017، استخدموا آلية التمويل الجماعي لجمع حوالى 100 ألف يورو وافتتاح مطعمهم الخاص في موقعه الدائم.

لم يكن من المفترض أساساً بـ"نولا" التعويل على مكوّنات محلية دون سواها لإعداد أطباقه.  لكن ما إن أدرك مؤسسوه أنّ المنتجات العالمية تأتي مغلفة تغليفاً فيه الكثير من التبذير وأنّها تتسبب بانبعاثات كربونية جرّاء رحلتها الطويلة اليهم من مكان انتاجها، حتى دأبوا على ابتكار قوائم طعام من 4 أو 6 أطباق يستخدمون فيها كلّ ما يصلهم من منتجات طازجة دون استثناء. وعلى حدّ تعبير هنريكس، "يمكنك أن تأتي (إلى مطعمنا) وتأكل ما يتوفّر لدينا في ذلك اليوم.. فنحن قادرون على تعديل (الطبق) بما يتناسب مع ذوقك. بطريقةٍ أو بأخرى، نحن أكثر مرونة من غيرنا لأننا نُقدّم خيارات أقلّ منهم".

والمبادئ التي يقوم عليها مطعم "نولا" في حالة تطوّر مستمر، لكنّ هذا التطوّر مرهون بالتكنولوجيا المعتمدة والأنظمة المرعيّة. فمواد التنظيف مثلاً، لا تزال تأتي في عبوات بلاستيكية كي تتماشى مع الأنظمة الغذائية الفنلندية. وبحسب هنريكيس، فإن "نولا" اليوم بصدد تطوير برنامج لقياس كلّ ما يدخل جهاز المعالجة وتسجيله، وذلك من أجل خفض كمية المخلّفات الواجب تحويلها إلى سماد. ويضيف هنريكس "في نهاية المطاف، نطمح إلى إرساء برنامجٍ لتعليم المطاعم الأخرى كيفية استخدام جهاز التّسميد".

 ويعتقد هنريكيس أن على المطاعم أن تتخلص من المواد البلاستيكية غير الضرورية، على غرار اللفافات البلاستيكية لتغليف الطّعام والأكياس المفرغة من الهواء. لكنّ هذه الخطوة لا يُمكن أن تتحقق إلا بتغيُّر سلوكيات العملاء ومطالبتهم بها. ويختتم هنريكس كلامه قائلاً "الجميع يُهنّئوننا على جهودنا وعندما نسألهم عن السّبب الذي يمنعهم من أن يحذو حذونا، يسود الصمت. من المهم جداً أن يفهم الناس أنّ ما نفعله أمر ممكن، ولا بدّ منه".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات