ملخص
هل يستطيع الرئيس السابق دونالد ترمب أن يكرر ما فعله غروفر كليفلاند الذي تم انتخابه لفترتين غير متتاليتين أم أن التاريخ لا يعيد نفسه؟
تشير المؤشرات والتوقعات كافة إلى أن الرئيس السابق دونالد ترمب سيواجه الرئيس الحالي جو بايدن في جولة إعادة انتخابية على الرئاسة، تكرر المشهد الساخن الذي تابعه العالم عام 2020. لكن يبدو أن المعركة الانتخابية المقبلة المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ستكون أكثر سخونة من سابقتها، بسبب الأجواء الانقسامية التي لا تزال تشهدها الولايات المتحدة في كثير من القضايا، فضلاً عن أنها ستكون أول جولة تنافسية يتواجه فيها نفس المرشحين السابقين منذ نحو 70 عاماً. ومع ذلك شهد التاريخ الأميركي ست مواجهات مماثلة، ولكن مع اختلاف طبيعة الصراع وتطوره ونتيجته. فمن كان أبطال هذه المعارك ومن انتصر فيها؟
المرة السابعة
بعد انتصاره الكاسح على منافسيه من المرشحين الجمهوريين للرئاسة في أول اختبار انتخابي بولاية أيوا، يستعد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لسرعة حسم ترشيحه من الحزب عبر فوز مماثل في الولايات التالية والتي تبدأ الأسبوع المقبل في نيوهامشير، مما يجبر منافسيه حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة نيكي هايلي، وحاكم ولاية فلوريدا الحالي رون ديسانتس، على الانسحاب من السباق مبكراً.
وحتى قبل تحقيق هذه النتيجة، تشير استطلاعات الرأي التي تجرى على مستوى الولايات المتحدة، إلى ارتفاع تأييد ترمب بين الناخبين الجمهوريين الذين يعتقدون أنه أفضل رهان لهم للتغلب على الرئيس الديمقراطي جو بايدن في نوفمبر المقبل، وإذا انتهى السباق إلى إعادة التنافس الرئاسي بين ترمب وبايدن، فلن تكون هذه المواجهة هي الأولى التي تشهد جولة ثانية بين نفس المرشحين الرئاسيين، بل المرة السابعة في التاريخ الأميركي.
لكن على مدى نصف القرن الأخير في الأقل لم يكن أي من الحزبين السياسيين الرئيسين في الولايات المتحدة حريصاً على إعطاء المرشحين الذين خسروا الانتخابات الرئاسية فرصة ثانية لخوض الانتخابات، إذ كانت المرة الأخيرة التي حدث فيها ذلك في عام 1968، عندما اختار الجمهوريون ريتشارد نيكسون، الذي كان قد خسر الانتخابات الرئاسية أمام جون كينيدي عام 1960. وقبل ذلك بنحو 12 عاماً تنافس الرئيس الجمهوري دوايت أيزنهاور مع المرشح الديمقراطي حاكم إلينوي أدلاي ستيفنسون للمرة الثانية عام 1956، وهي المرة السادسة التي يتنافس فيها مرشحان رئاسيان للمرة الثانية، وفيما يلي حكاية كل منافسة منذ تأسيس الولايات المتحدة وحتى الآن.
جون آدامز ضد توماس جيفرسون (1796 و1800)
حدثت أول جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد وقت قصير من دخول الدستور حيز التنفيذ، حين أثبتت أول انتخابات تشهد منافسة نشطة في البلاد بصورة قاطعة، أن آلية الدستور المعقدة لانتخاب الرؤساء في ذلك الوقت لم تكن تعمل بكفاءة مع انخراط الأحزاب فيها، إذ كانت طريقة الانتخاب تتطلب أن يدلي كل مندوب أو ناخب في المجمع الانتخابي بصوتين، ليصبح المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات رئيساً للولايات المتحدة، بينما يصبح الوصيف نائباً للرئيس.
نجح هذا الأمر في أول دورتين انتخابيتين، عندما كان جورج واشنطن وجون آدامز المرشحين الأوفر حظاً، لكن في عام 1796 عندما دعم الحزب الفيدرالي آدامز للرئاسة، ودعم الحزب الجمهوري الديمقراطي توماس جيفرسون، سرعان ما أصبحت عيوب النظام واضحة.
ومن أجل انتخاب الرئيس ونائب الرئيس المفضل لدى كل حزب، حاول كلا الحزبين إجراء ترتيبات سيطرت عليها الحيل لضمان فوز المرشحين المفضلين، وكانت النتيجة النهائية، كما وصفها المؤرخ جوردون وود، نوعاً من الفوضى عززها اتهام جيفرسون بإقامة علاقة غرامية مع إحدى "فتيات الرق اللاتي يمتلكهن"، بينما كان آدامز يلقب بالرجل المستدير في تهكم على وزنه الثقيل. وفقاً لمركز الدستور الوطني الأميركي، وفي النهاية فاز آدامز بالانتخابات بفارق ضئيل، حاصداً 71 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي، ليصبح رئيساً مقابل 68 صوتاً لجيفرسون الذي أصبح نائباً للرئيس.
لكن في الانتخابات التالية عام 1800 ارتفع الإحساس بالمرارة وتفاقمت الانتقادات بين الجانبين، فقد وجهت اتهامات ضد جيفرسون بأنه ملحد وأن انتخابه سيؤدي إلى القتل والسرقة والاغتصاب والزنى وسفاح القربى، وفقاً لمركز ميلر بجامعة فرجينيا، في حين اتهم آدامز برغبته في تزويج أحد أبنائه من إحدى بنات الملك البريطاني جورج الثالث لإنشاء سلالة ملكية أميركية.
في النهاية، هزم جيفرسون آدامز بعدما حصل على 73 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 65 لآدامز، واضطر جيفرسون إلى الاحتكام لمجلس النواب بعدما حصل على نفس عدد الأصوات التي حصل عليها جمهوري ديمقراطي آخر هو آرون بور، لكن مجلس النواب حسم التعادل وانتزع جيفرسون الرئاسة في النهاية.
جون كوينسي آدامز ضد أندرو جاكسون (1824 و1828)
تنافس جون كوينسي آدامز، وهو نجل الرئيس الثاني للولايات المتحدة، والجنرال أندرو جاكسون، للمرة الأولى ضد بعضهما بعضاً عام 1824، في وقت لم يكن هناك سوى حزب سياسي واحد، وهو الحزب الجمهوري الديمقراطي الذي فاز في جميع الانتخابات منذ عام 1800 بعدما انقسم الفيدراليون إلى فصائل متصارعة وفقدوا عملياً أي نفوذ سياسي، لكن خمس شخصيات عامة بارزة تنافست على الرئاسة في هذا العام، وهم وزير الخارجية جون كوينسي آدامز، والجنرال السابق أندرو جاكسون، ورئيس مجلس النواب هنري كلاي، ووزير الخزانة ويليام أتش كروفورد، ووزير الحرب جون كالهون، لكن بعد الانتخابات لم يكن أحد قد اقترب من الفوز بغالبية الأصوات الشعبية أو في المجمع الانتخابي.
ولهذا أصبحت انتخابات عام 1824 هي الثانية في التاريخ الأميركي التي يتم فيها اللجوء إلى مجلس النواب، الذي كان يتعين عليه الاختيار من بين الثلاثة الأوائل الحاصلين على أعلى الأصوات، غير أن كلاي الذي تم إقصاؤه حينئذ من السباق الرئاسي، استخدم نفوذه كرئيس لمجلس النواب لترجيح الأصوات لصالح آدامز، لكن بعد فترة وجيزة عين الرئيس آدامز صديقه كلاي وزيراً للخارجية، مما أثار اتهامات غاضبة من جاكسون وأنصاره بأن "الرجلين تآمرا في صفقة فاسدة دفعت جاكسون إلى الترشح مرة أخرى" لانتخابات عام 1828.
وبينما أسس آدامز الحزب الجمهوري الوطني، أسس جاكسون بعد فترة وجيزة الحزب الديمقراطي، وتواجها مرة أخرى عام 1828 وسط هجمات شخصية مريرة على غرار ما حدث عام 1800 حين اتهم جاكسون بالتعطش للدماء والزنى، بينما كان آدامز متهماً بالفساد وتسهيل الدعارة، لكن في نهاية المطاف حقق جاكسون انتصارات واضحة في التصويت الشعبي وفي المجمع الانتخابي، واستمر في خدمته كرئيس لفترتين.
مارتن فان بورين ضد ويليام هنري هاريسون (1836 و1840)
ومع نهاية فترة حكم جاكسون، كان مارتن فان بورين وهو أحد المؤسسين الفاعلين للحزب الديمقراطي قد انتخب كنائب للرئيس جاكسون عام 1832 في وقت احتشد فيه معارضو رئاسة جاكسون حول حزب يميني محافظ جديد تحت اسم "ويغ"، الذي تم تشكيله من مجموعة واسعة من الأعضاء يمثلون أيديولوجيات ومناطق مختلفة، وكانوا يكافحون من أجل تشكيل إجماع لمعارضة الديمقراطي مارتن فان بورين الذي ترشح لانتخابات 1836، إذ كانوا يأملون في إرسال الانتخابات إلى مجلس النواب وأن يفوز أحد مرشحيهم بالرئاسة هناك.
لكن الأمر انتهى بفوز فان بورين في مواجهة عديد من مرشحي المعارضة الذين كان يتقدمهم الجنرال المتقاعد ويليام هنري هاريسون، حين فاز بسبع ولايات بنسبة 37 في المئة من الأصوات الشعبية. وعلى رغم فوز فان بورين بالرئاسة، فإن أداء هاريسون جلب له شهرة متجددة دفعت حزبه اليميني إلى مواجهة فان بورين مرة أخرى عام 1840، وفي هذه الانتخابات تمكن أنصار هاريسون من مهاجمة فان بورين الذي لم يكن يحظى بشعبية في هذا الوقت بسبب فترة الركود الاقتصادي الطويلة، في مقابل تصوير هاريسون كبطل شعبي، مما جعله يحقق فوزاً مريحاً بالرئاسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غروفر كليفلاند ضد بنجامين هاريسون (1888 و1892)
في عام 1884، كسر الديمقراطي غروفر كليفلاند سيطرة الجمهوريين على الرئاسة التي دامت 24 عاماً، وامتدحه كثير على نطاق واسع كرئيس للبلاد باعتباره صادقاً ومقتصداً ومجتهداً، لكن أداءه كان ضعيفاً، إذ أدى إلى إلحاق الضرر بالصناعات المهمة من خلال الدعوة إلى خفض التعريفات الجمركية.
في المقابل، رشح الجمهوريون الذين فضلوا فرض تعريفات حمائية المرتفعة، بنجامين هاريسون (حفيد الرئيس ويليام هنري هاريسون) لانتخابات 1888، والذي كان يتمتع بنسب تأييد مثيرة للإعجاب بفضل سجله في الحرب الأهلية الأميركية. وعلى رغم تفوق كليفلاند في التصويت الشعبي للانتخابات بنحو 100 ألف صوت، فإن هاريسون الذي دعم التعريفات الوقائية العالية لمحاولة حماية الصناعات الأميركية، فاز بأصوات المجمع الانتخابي، وأصبح رئيساً وفقاً لجامعة كاليفورنيا.
وعندما غادر كليفلاند البيت الأبيض طلبت زوجته من الموظفين الاعتناء جيداً بجميع الأثاث والزخارف، لأنها كانت تريد أن تجد كل شيء كما هو الآن عندما تعود مرة أخرى بعد أربع سنوات إلى البيت الأبيض. وعلى رغم أن كليفلاند بقي بعيداً من السياسة في البداية، فإنه بحلول عام 1891 كان ينتقد علناً إدارة هاريسون والكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، بسبب رفع معدلات التعريفة الجمركية وزيادة المعروض النقدي من خلال سك مزيد من الدولارات الفضية. وفي العام التالي فاز كليفلاند بسهولة بإعادة ترشيح حزبه، وهزم هاريسون في الانتخابات الرئاسية، وكما توقعت السيدة كليفلاند عادت إلى البيت الأبيض، وأصبح كليفلاند الرئيس الوحيد الذي تم انتخابه لفترتين غير متتاليتين في تاريخ الولايات المتحدة.
ويليام ماكينلي ضد ويليام جينينغز بريان (1896 و1900)
بعد فترة وجيزة من إعادة انتخاب كليفلاند انزلق الاقتصاد الأميركي إلى كساد عميق صاحبته مجموعة من الاضطرابات العمالية والتوترات المستمرة في شأن السياسة النقدية، مما كان سبباً في قلب حزب كليفلاند الديمقراطي ضده. وفي عام 1896 تحول الديمقراطيون إلى ويليام جينينغز بريان، عضو مجلس النواب السابق، المدعوم من قبل المزارعين والشركات الصغيرة، وهو معارض قوي لمعيار الذهب ومدافع عن عملة الفضة غير المحدودة، التي ادعى أنها ستساعد المزارعين والعاملين المثقلين بالديون من خلال تضخيم المعروض النقدي، في حين كان ويليام ماكينلي، حاكم ولاية أوهايو السابق المدعوم من الشركات الكبرى هو من صاغ رسوماً جمركية مرتفعة فرضها عام 1890، ودافع عن معيار الذهب كعملة للبلاد.
رشح الجمهوريون ماكينلي الذي جمع مبالغ غير مسبوقة من الشركات الكبرى، واستخدمها لتشكيل تحالف من العمال الصناعيين وسكان المناطق الحضرية خصوصاً المهاجرين في شمال شرقي البلاد والغرب الأوسط. وعلى رغم سفر برايان آلاف الأميال وإلقاء مئات الخطب، فإنه فشل في كل من الأصوات الشعبية والمجمع الانتخابي، ليفوز ماكينلي بالرئاسة.
وبرز ماكينلي كرئيس يتمتع بشعبية كبيرة بعد انتصار الولايات المتحدة في الحرب الأميركية - الإسبانية عام 1898، وأعاد الجمهوريون ترشيحه بسهولة عام 1900، بينما رشح الديمقراطيون برايان لمعارضته مرة أخرى. وبحلول ذلك الوقت كانت قضية الفضة الحرة قد انحسرت إلى حد ما، في حين برزت إلى الواجهة مسائل الإمبريالية الأميركية التي تجسدت في الحرب الإسبانية - الأميركية وضم جزر هاواي. ولكن مع انتهاء الحرب وازدهار الاقتصاد فاز ماكينلي بحصة أعلى قليلاً من الأصوات الشعبية عما كان عليه في عام 1896، وقلب ست ولايات كان بريان قد فاز بها قبل أربع سنوات، بينما قلب بريان ولاية واحدة فقط.
دوايت دي أيزنهاور ضد أدلاي ستيفنسون (1952 و1956)
كان كل من الجمهوريين والديمقراطيين مهتمين باستقطاب الجنرال دوايت أيزنهاور، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة خلال وبعد الحرب العالمية الثانية، بهدف ترشيحه لمنصب الرئيس عن حزبهم. لكن أيزنهاور قرر في نهاية المطاف الترشح كجمهوري في عام 1952، في حين رشح الديمقراطيون حاكم ولاية إلينوي أدلاي ستيفنسون، الذي جذب المعتدلين والليبراليين في الحزب الديمقراطي، وكان يتمتع بخبرة واسعة. لكن أيزنهاور تفوق عليه بصورة كبيرة وانتهى به الأمر بالحصول على 55 في المئة من الأصوات الشعبية عام 1952، وفاز في جميع الولايات باستثناء تسع.
تمتع الجنرال أيزنهاور خلال حملته الانتخابية بثقة وشخصية قوية، بينما تجاهل ستيفنسون إلى حد كبير وهاجم بدلاً من ذلك إدارة الرئيس آنذاك هاري ترومان، وفقاً لمركز ميلر، إذ هاجم طريقة إدارة الحرب الكورية التي كانت لا تزال مستمرة حينئذ، وانتشار الشيوعية حول العالم والفساد، وأدى ذلك إلى فوزه في الانتخابات بسهولة.
ظل أيزنهاور رئيساً يحظى بشعبية واسعة عندما قرر الترشح لإعادة انتخابه عام 1956، إذ إنه بعد أربع سنوات من رئاسته، ومع انتهاء الحرب الكورية وازدهار الاقتصاد الأميركي لم يواجه أي معارضة داخل حزبه لولاية أخرى، في حين بدا أن الديمقراطيين يواجهون تحدياً كبيراً بغض النظر عمن رشحوه، لكنهم عادوا مرة أخرى إلى ستيفنسون الذي واجه صعوبة في العثور على القضايا التي يمكن أن تجذب الناخبين.
وحقق ستيفنسون نجاحاً أقل ضد أيزنهاور في المرة الثانية، حين تمكن الرئيس أيزنهاور من تحقيق النصر بنسبة 57 في المئة من الأصوات الشعبية، وفي المجمع الانتخابي فاز في جميع الولايات باستثناء سبع.
والسؤال الآن هو هل يستطيع الرئيس السابق دونالد ترمب أن يكرر ما فعله غروفر كليفلاند الذي تم انتخابه لفترتين غير متتاليتين أم أن التاريخ لا يعيد نفسه؟