Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما انقسم المثقفون اليابانيون خلال الحرب العالمية الثانية

مناصرو الثقافة الفرنسية وقفوا ضد جنون العسكر وأصحاب شكسبير مجدوا العزة القومية

هجوم بيرل هاربور حرك عنصرية المثقفين اليابانيين (غيتي)

ملخص

مناصرو الثقافة الفرنسية وقفوا ضد جنون العسكر وأصحاب شكسبير مجدوا العزة القومية

هو أمر كان لا بد من أن يلاحَظ يوماً. أمر يتعلق بشكل خاص بالمواقف التي عبر عنها عدد كبير من المثقفين والمبدعين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. ويتعلق الأمر بصورة خاصة بردود فعل أبداها أولئك المبدعون أولاً تجاه الهجوم الصاعق الذي قامت به القوات اليابانية على مرفأ بيرل هاربور في جزر هاواي مما دفع، أخيراً، الولايات المتحدة الأميركية إلى المشاركة في تلك الحرب بشكل قلب موازين القوى كلياً؛ ثم بعد ذلك تجاه ما أسفر عنه ذلك كله من قصف الطيران الحربي الأميركي مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بتينك القنبلتين النوويتين اللتين وضعتا خاتمة للحرب في الوقت الذي أدخلتا فيه الإنسانية في زمن رعب قلب التاريخ كله رأساً على عقب.

ولئن كان في الإمكان تصور كيف كانت ردود الفعل الشعبية على الحدثين الأكبر خلال تلك الحرب بالنسبة إلى اليابانيين على الأقل، يبقى أن نعرف ما الذي كانت عليه مواقف المبدعين اليابانيين. ولقد أسفرت أبحاث ودراسات معمقة أجريت حول ذلك الأمر ولا تزال تُجرى حتى اليوم عن مفاجأة قد يصعب تفسيرها.

"فرنسيون" و"إنجليز"

وفحوى تلك المفاجأة هو أن العدد الأكبر من مبدعي تلك المرحلة بصرف النظر عن جذورهم الاجتماعية وتوجهاتهم الفكرية السابقة على ذلك، وقفوا وفي الحالتين اللتين يفرق بينهما ما يقارب أربع سنوات، إلى جانب التوجه القومي الياباني الضيق. فاليابانيون بشكل عام شوفينيون قومجيون يلتفون على بعضهم البعض في الملمات ومن حول الإمبراطور الذي يعتبرونه موفد السماوات إليهم على ذلك المستوى من الأحداث مهما كان من شأن معارضتهم له أو تأييدهم لمواقفه بالنسبة إلى العدد الأكبر من الأمور. ويقيناً أن الحدثين الأكبر في التاريخ الياباني الحديث –بيرل هاربور كانتصار كبير حققوه، ثم قنبلتا هيروشيما وناغازاكي كهزيمة وجودية كبرى منوا بها- كانا من النوع الذي يجمع صفوف أبناء ذلك البلد، أكانوا مواطنين عاديين أم من أبناء الطبقات المثقفة. ومن هنا بدا غريباً للغاية ما لاحظه الباحثون، حينها على الفور وبعد ذلك تبعاً لدراسات تمحيصية أُجريت، من أنه فيما وقف المثقفون والأساتذة الجامعيون من ذوي الثقافة اليابانية الخالصة، إلى جانب الشعور القومي، فإن زملاءهم المنفتحين على الثقافة الأجنبية، موزعين بين أصحاب الثقافة الفرنسية وأصحاب الثقافة الإنجليزية تحديداً، توزعوا بما يشبه الدقة بين الأول في وقوفهم ضد السياسات المحلية معتبرينها الدرب التي أدت إلى الكارثة، والآخرين الذين وقفوا بتعنت ضد الغرب وممارساته في حق بلادهم وإمبراطورهم.

ظاهرة يصعب تفسيرها

طبعاً ليس من السهل تفسير هذه الظاهرة التي يمكن في نهاية المطاف اختصارها في كون العدد الأكبر من متابعي الثقافة الفرنسية، لا سيما مترجمو أبرز أعمالها من الفرنسية إلى اليابانية لاموا سلطات بلادهم، وصولاً إلى الإمبراطور نفسه، بالنسبة إلى ما حل بهم بما في ذلك احتلال الأميركيين لبلادهم كنتيجة "منطقية" لما اقتُرف في حق الغرب، فيما وجد متابعو الثقافة الأنغلو – ساكسونية أن بلاهم وسلطاتها وإمبراطورها كانوا على حق فيما فعلوا. ولعل اللافت هنا هو أن تلك الظاهرة قد مرَّت أول الأمر من دون أن تلفت الأنظار واحتاجت إلى مرور أكثر من نصف قرن قبل أن تتكشف بوصفها لغزاً محيّراً، وليس من قبل الباحثين اليابانيين بل من جانب باحث أميركي هو الأستاذ الجامعي دونالد كين الذي أصدر في عام 2010 كتاباً عنوانه "يوميات الحرب كما دونها كتاب يابانيون" مع عنوان آخر لا يخلو من طرافة هو "يا للبلد الظريف الذي لن يفنى أبداً". وإذا كان هذا الكتاب يركز على العدد الكبير من الكتاب والمترجمين (عن الإنجليزية تحديداً) الذين استكشف فيما كتبوه خلال الحرب من نصوص إبداعية ويوميات تعبق بالمواقف الشوفينية – القومجية المعادية لكل ما هو غربي، فإن التعليقات الصحفية على ذلك الكتاب نفسه عند صدوره أتت لتكشف الجانب المقابل من الميدالية. نعم! قالت تلك التعليقات، لقد كان هناك عدد لا بأس به من كتّاب يابانيين آخرين اتخذوا مواقف أقل تهجماً على الغرب، بل حتى أكثر صراحة في عزو الكارثة إلى الخطايا التي ارتكبتها اليابان من ناحية بدخولها الحرب، ومن ناحية ثانية بمواصلة الحرب ما استدعى لجوء الأميركيين إلى استخدام القوة النووية لإرغامها على الاستسلام ثم "من ناحية ثالثة، بنشر مواقف معادية للعالم كله كنتيجة للهزيمة والكارثة وما إلى ذلك" على الأقل بحسب ما قاله الباحث والمترجم الإخصائي في الثقافة الفرنسية، ناغايي كافو الذي، ومنذ نهاية عام 1944 أعلن "أن علينا أن نلقي تبعات كل ذلك على العسكريين اليابانيين الذين يتعين على شعبنا ألا ينسى خطاياهم لأزمان طويلة مقبلة". وهو قول جاراه فيه زميله واتانابي كازوو أستاذ الأدب الفرنسي في جامعة طوكيو الذي صب كل لعناته على "أولئك الين نفخوا كبرياء الشعب وغروره فكانوا مصدر البؤس الذي نعيشه الآن!".

صراعات داخلية

طبعاً يمكننا القول إن موقفي كافو وكازوو ينضويان ضمن سياق الصراعات الداخلية التي لطالما خاضها المثقفون والمبدعون اليابانيون في ما بينهم. لكن المسألة تتجاوز بالتأكيد مثل هذا البعد حين يكون محك الصراع على مثل تلك الضخامة. وهو أمر لا بد من أن يوجها نحو الضفة الأخرى لتلك التي يقف عليها هذا الخبيران المشبعان بالثقافة الفرنسية. ضفة الذي أغرقتهم تلك الحرب الخاسرة في نهاية الأمر في أكثر المواقف الشوفينية اليابانية تطرفاً. فهنا لا بد لنا من أن نلاحظ، وبالتحديد من خلال النماذج التي ركز عليها الكتاب الذي نتناوله هنا، كيف أن ثلاثة على الأقل من الكتاب اليابانيين الكبار الذين ركز عليهم الباحث الأميركي كانوا من أصحاب الثقافة الأنغلو – ساكسونية كما أشرنا. ولم يكن أي منهم معادياً للغرب قبل الحرب. فيامادا فوتارو ويوشيدا كونيشي وإيتو سيي عرفوا خلال السنوات السابقة للحرب العالمية الثانية بانفتاحهم التام على الغرب وثقافته. لكن الذي حدث هو أنهم ومئات غيرهم من المثقفين اليابانيين الذين كانوا يشاركونهم مثلاً في تبجيل شكسبير، الذي عرف ثاني هؤلاء الثلاثة، يوشيدا بترجمة مسرحياته إلى اليابانية، إلى جانب ترجمته نصوصاً لبودلير وغالباً عن الإنجليزية حيث يقول البعض إنه لم يكن يتقن الفرنسية. ومع ذلك نراه وقد استبد به الحماس إثر عملية بيرل هاربور ليكتب غداة العملية: "...ولكن فيما نتذوق هذا النجاح الذي حققناه، ما الذي يمكننا أن نفعل الآن سوى إعادة إحياء عزمنا الوطني الذي يتعين علينا استنهاض دلالته في كل لحظة، نحن الذين لم يعد واجب علينا أن نخشى الهجمات الجوية بعد أن أمعن الأميركيون والإنجليز في إفراغ رؤوسنا من أي فكر...". بيد أن ما قاله في الوقت نفسه زميله يامادا فوتارو يبقى أكثر قسوة وقد تحول إلى كاره للغرب لا يشق له غبار فقام بعملية حسابية قد تنم اليوم عن جنون مذهل إذ جاء في نص كتبه للمناسبة ذاتها: "لن يكفي أن نجر إلى قاع الجحيم شخصاً أميركياً مقابل كل ياباني يقتل. بل سنزيد المعيار: سنجر إلى الجحيم سبعة أميركيين مقابل كل اثنين من عندنا، و13 مقابل كل ثلاثة. وبالتالي من المؤكد أن كثراً منا سينجون إن تمكنا بتلك الطريقة أن نخوض الحرب، شرط أن يتحول كل ياباني منا إلى... شيطان انتقام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أهداف أخرى للحرب

غير أن ثالث الثلاثة، إيتو سيي الذي اشتهر بترجمته أعمالاً إنجليزية مثل "عشيق ليدي تشارلي"، فهو كان سبقهم جميعاً منذ بدايات الحرب أواخر عام 1941 حين أعلن أن "هذه الحرب ليست استكمالاً للسياسة، ولا هي وجه آخر من وجوه السياسة، بل هي حرب توجب علينا أن نخوضها ذات مرحلة، كي نتيح لأنفسنا أن نؤمن من عمق أعماقنا بأن العرق الياباني يسمو على كل الأعراق الأخرى. إنهم يطلقون علينا لقب العرق الأصفر وعلينا نحن أن نقاتل ونَقتل ونُقتل للدفاع عن عرقنا الذي دائماً ما عانى من التمييز العنصري. حربنا لا تشبه تلك التي يخوضها حلفاؤنا الألمان. فحرب هؤلاء تخاض ضد أشباههم للحصول على مكاسب، أما حربنا فنخوضها لاستعادة ثقتنا بأنفسنا...".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة