Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب يستعيد أمواله المهربة بالتسوية التلقائية

أطلق عفواً مشروطاً يمتد على مدى العام الحالي أملاً في استعادة مليارات الدولارات

مقر البنك المركزي المغربي في الرباط (رويترز)

يخطط المغرب لاسترجاع الثروات المنقولة إلى خارج البلاد بطريقة غير نظامية، من خلال إقرار "عفو مشروط" عن مهربي الأموال، يتمثل في إسقاط غرامات مالية كبيرة عنهم، شرط إعادة تلك الأموال خلال مدة زمنية تمتد عاماً كاملاً.

وسمت السلطات المالية المغربية من طريق مكتب الصرف (مؤسسة حكومية) عملية "العفو المشروط" عن مهربي الأموال بعملية "التسوية التلقائية"، التي دخلت حيز التطبيق مطلع يناير (كانون الثاني) الجاري وتمتد إلى الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ووصف مراقبون مغاربة عملية العفو هذه بأنها "خطوة إيجابية غير أنها تظل ضعيفة الأثر" بسبب حجم الأموال المهربة، كذلك فإنها تأتي في سياق رغبة الرباط في الاستفادة من تلك الأموال في التنمية، وانخراطها في مسار ضمان شفافية انتقال رؤوس الأموال.

"عفا الله عما سلف"

ويأمل المغرب في استعادة مليارات الدولارات المهربة إلى خارج البلاد بطرق خارج القانون، من خلال إطلاق إجراءات تحفيزية تضمن عدم متابعة وسجن المهربين، وأيضاً إعفائهم من غرامات مالية ضخمة، لكن دون أن تتجاوز مدة إرجاع تلك الأموال سقف 2024.

وأفاد مكتب الصرف أن عملية العفو عن مهربي الأموال خارج البلاد تعني بالخصوص "الأشخاص الذين لديهم إقامة مالية أو مكتب مسجل أو مقر مالي في المغرب (شركة)، والذين اكتسبوا ممتلكات وأموالاً في الخارج بطريقة تخالف قانون الصرف المنظم لعملية دخول وخروج الأموال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقدمت السلطات المالية المغربية ضمانات لمهربي أموالهم خارج البلاد، أهمها على الإطلاق ضمان كتمان الهوية خلال جميع العمليات المنجزة في فترة هذه التسوية، متعهدة أيضاً بعدم إجراء أي متابعة إدارية أو قضائية بعد أداء المساهمة الإبرائية (تبرئة الذمة) موضوع التسوية التلقائية المصرح بها ضد الأشخاص المعنيين.

وهذه المبادرة الخاصة بالعفو عن مهربي الأموال بشروط معينة هي الثالثة من نوعها التي تنهجها الحكومة المغربية الحالية التي يرأسها عزيز أخنوش، وكان قبله دشنها أول مرة في البلاد رئيس الحكومة الأسبق عبدالإله بن كيران في عام 2014، وهي العملية التي اشتهرت حينها إعلامياً بـ"عفا الله عما سلف".

وتفيد معطيات بأن أول عملية للعفو عن مهربي الأموال عام 2014 أتاحت للمغرب استرجاع زهاء 3 مليارات دولار، في وقت تنص العقوبات الجنائية (بعيداً من العفو) على سداد المهرب ستة أضعاف المبالغ المهربة، علاوة على السجن الذي قد يصل إلى خمس سنوات.

مراقبة حركة الأموال

في هذا السياق يقول المتخصص في الشأن القانوني والمحامي بهيئة مدينة الجديدة، وهابي رشيد، إن دعوة الحكومة المغربية لمهربي الأموال بطرق ملتوية بعيداً من أعين القانون تدخل في باب تشجيع هؤلاء على إرجاع هذه الأموال إلى الوطن، مقابل الحصول على عفو من أداء غرامات كبيرة في حالة تحريك الإجراءات القانونية ضدهم.

وأوضح وهابي أن "الحكومة بهذا الإجراء تأمل في معالجة هذه المشكلة بطريقة ودية مع المخالفين بعيداً من الغرامات أو المحاكمات"، مبرزاً أن "بوادر محاولة استعادة الأموال المهربة بدأت مع توقيع المغرب اتفاقية للتعاون عام 2013 مع مجموعة من الدول، ترمي إلى تبادل المعلومات بين هذه البلدان حول الأصول المالية والعقارية لمواطني هذه الدول في بلد آخر.

واسترسل المتحدث بأن هذه الطريق التي يسلكها المغرب منذ مدة تعود إلى انخراطه بكل مسؤولية في اتفاقيات تسعى إلى تتبع ومراقبة حركة الأموال دولياً، خشية أن تكون ناتجة من تبييض الأموال، أو من تمويل الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة، وتتبع أصلها لمعرفة هل هي أموال نظيفة ومحولة بطريقة شرعية ومتحصلة بنفس الطريقة أم لا.

وذهب رشيد إلى أن هذه المبادرة بالعفو المشروط تعد فرصة سانحة تمكن مهربي الأموال من تفادي الغرامات الباهظة التي قد تترتب على لجوء مكتب الصرف إلى تغريمهم أو محاكمتهم، خصوصاً مع رواج أخبار شبه مؤكدة تفيد أن الحكومة المغربية تملك معلومات حول المغاربة القاطنين بالبلاد الذين اشتروا عقارات في أوروبا أو دول أخرى، أو أخرجوا الأموال بطريقة غير قانونية، أو ممن لديهم "حسابات سمينة" في بنوك هذه الدول.

خروقات وإكراهات

من جانبه، اعتبر الباحث في الاقتصاد السياسي عبدالإله الخضري أن تقديرات الدراسات الدولية حول الأموال المغربية المهربة إلى الخارج بطرق غير شرعية تشير إلى أنها تتجاوز 400 مليار درهم (نحو 40 مليار دولار)، مبرزاً أن المحاولات الودية التي أقرتها الحكومات المتعاقبة ما زالت لم تحقق حتى 10 في المئة من المبلغ الإجمالي للأموال المهربة.

ويكمل الخضري بأن "هناك خرقاً قانونياً يتمثل في إقدام أشخاص مغاربة مقيمين في المغرب على امتلاك عقارات أو أموال سائلة، لكنها في وضعية غير قانونية يجب تسويتها"، موضحاً أن "تلك الأموال تم تحويلها بعيداً من رقابة مكتب الصرف، ومن ثم هي طريقة غير قانونية خارج البلاد".

واعتبر الباحث أن "المغرب أطلق هذه المبادرات على مراحل محاولة منه لطي جرائم تهريب الأموال المرتكبة سابقاً، عبر صيغة تصالحية، وأيضاً في سياق رغبته الاستفادة من هذه الأموال في التنمية، وكذلك التزامه الدولي للتلاؤم مع الاتفاقيات الدولية، والانخراط في مسار ضمان شفافية انتقال رؤوس الأموال، وتطبيق قواعد الشفافية الدولية".

ولاحظ بأن عديداً من الإكراهات تواجه المغرب لضبط هذه الأموال خارج البلاد، إما بسبب المقتضيات القانونية الموجودة في الدول المستقبلة أو بسبب غياب أي اتفاقيات بين الرباط وبعض العواصم بخصوص ضبط الأموال المهربة، أو غيرها من الأسباب التي تحول دون القدرة على ضبط هذه الأموال المهربة وإحالة مقترفيها على القضاء".

خطوة إيجابية لكن ضعيفة

يعود الباحث في الاقتصاد السياسي عبدالإله الخضري ليؤكد أن هذه الخطوة الحكومية يمكن اعتبارها إيجابية، "لكنها تبقى ضعيفة الأثر بشكل كبير، قياساً مع حجم الأموال المهربة". وأضاف "هناك خلل في المقاربة المتبعة في هذا الشأن يتمثل أساساً في غياب إرادة سياسية حقيقية لمواجهة هذه الظاهرة".

وأكمل بأن "المغرب يملك من القدرات المؤسساتية والمعرفية، عبر مؤسساته الأمنية والرقابية والاستخباراتية، فضلاً عن المؤسسات المالية والبنكية ما يمكنه من الحصول على المعلومات الكافية حول كل مغربي متورط في تهريب أموال مغربية إلى بلدان أخرى، تستفيد منها في تنمية اقتصادها، فيما يغرق المغرب في اختلال توازنه المالي".

وزاد الخضري بأن اعتماد استراتيجية محكمة مبنية على فعالية تظافر الجهود بين المؤسسات والتنسيق المؤسساتي بعيد المدى شروط كفيلة بوضع مخطط مضبوط لجلب الأموال المغربية المهربة إلى خارج البلاد، قبل أن يرجح بأن قيمة المبالغ المهربة كفيلة بتصفير الديون المغربية الخارجية.

وخلص الباحث إلى أن "تهريب الأموال المغربية وتفاقم الديون الخارجية يعتبران عاملين يسهمان في ضرب كل الجهود المبذولة للتنمية والرفع من مستوى عيش المغاربة، ويتسببان في تعميق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد".

المزيد من متابعات