Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مارستان" المغرب... مستشفى تاريخي صدعته أصوات الباعة

كان الطابق العلوي من المبنى في فترة الاستعمار الفرنسي سجنا للنساء الجانحات قبل أن يصبح خاصا بالمصابين بمشكلات نفسية

تحولت غرف مبنى "المارستان" مع مرور الزمن إلى سوق شعبية ودكاكين تجارية في المغرب (مواقع التواصل)

ملخص

كانت تقام كل يوم جمعة بعد الظهر، حفلة موسيقية للمرضى، وكانت تقاس حالتهم النفسية وفقاً لانفعالاتهم مع "الطبول والنوبات الموسيقية"

اشتهرت مدينة فاس المغربية، الملقبة بالعاصمة العلمية أو الروحية للمملكة، بكونها كانت تضم أحد أقدم المستشفيات التي تعالج المصابين بأمراض نفسية وعقلية في العالم، وكان يعتبر الأول من نوعه الذي يعالج المرضى العقليين عبر بث الموسيقى.

واللافت في هذا المستشفى التاريخي، واسمه "مارستان سيدي فرج"، أنه كان يحتضن سهرات من "الطرب الأندلسي" لفائدة المرضى النفسيين والعقليين، من أجل تهدئتهم ومساعدتهم على التعافي النفسي والداخلي، غير أن غرف مبنى "المارستان" تحولت مع مرور الزمن إلى سوق شعبية ودكاكين تجارية، ولم يعد للموسيقى مكان في أرجاء المستشفى.

وكان القائمون على "مارستان سيدي فرج" يحرصون على إقامة "حفلات موسيقية" من "الطرب الأندلسي" على وجه الخصوص، وتعرف أيضاً باسم "موسيقى الآلة"، وهي فن تراثي عريق.

وكانت المعزوفات التي تقدمها فرق موسيقية تراعي المرضى وحالتهم العصبية والنفسية، وتلائم الفصول الأربعة وأوقات اليوم والليل. فقد كانت "النوبات الموسيقية الأندلسية" التي تتحدث عن الخضر والأشجار والأزهار، تعرض في فصل الربيع، كما كانت تقدم "شمس العشية"، وهي قطعة شهيرة من نوبة أندلسية معروفة في المغرب، بأوقات المساء.

نبذة تاريخية

يقول الباحث والحكواتي إدريس الجاي، المهتم بتاريخ مدينة فاس، إن "مارستان فاس"، الذي أمر ببنائه السلطان المريني أبو يعقوب يوسف الناصر (1286 ـ 1307) سنة توليه الحكم، والذي عُرف بعد ذلك باسم "مارستان سيدي فرج"، أسس حينها خصيصاً لمعالجة الأمراض العقلية والنفسية.

ويضيف الجاي "بذلك يكون هذا المارستان أول نموذجٍ لمستشفى الأمراض النفسية في العالم، حيث أوكل السلطان المريني أبو عنان مهمة إعادة هيكلته وتطويره إلى الطبيب الأندلسي فرج الخزرجي، وذلك في سياق اهتمام الدولة المرينية بالحياة العلمية والاقتصادية والعمرانية والصحية سواء الجسدية منها أو العقلية".

واسترسل المتحدث بأنه تم إدخال الموسيقى كوسيلة من وسائل علاج الحالات النفسية في هذا المارستان، إذ كانت تقام فيه كل يوم جمعة بعد الظهر، حفلة موسيقية للمرضى، وكانت تقاس حالتهم الصحية وفقاً لانفعالاتهم مع "الطبول والنوبات الموسيقية".

"سيدي فرج"

وبخصوص تسمية هذا المارستان بـ"سيدي فرج"، كشف الجاي أنه "لا يوجد ضريح أو قبر لصالح من صلحاء المدينة بهذا الاسم، باستثناء مسجد صغير"، كاشفاً أن سبب تسميته بـ"مارستان سيدي فرج"، أن المرضى كانوا يجدون في هذا المستشفى فرجاً لأزماتهم النفسية، وانفراجاً لمعاناة أسرهم".

وتابع المتحدث ذاته بأن هناك من يقول إن سبب تسميته بـ"مارستان سيدي فرج"، أن الناس كانوا حينها يحترمون ويُجلون الطبيب الأندلسي، فرج الخزرجي، وينادونه بلقب التبجيل والتعظيم "سيدي"، ليصبح الاسم متداولاً على الألسنة بعد ذلك "سيدي فرج".

وأكمل الجاي أنه من بين الإضافات التي ألحقت إلى المارستان، حديقة للمرضى، فـ"المارستان" لم يكن مشفى للأمراض النفسية والعقلية فقط، بل كان أيضاً مدرسة يدرس فيها الطب، كما كان في الحديقة جناح لمعالجة طائر اللقلاق وسائر أنواع الطيور.

واستدرك المتخصص في تاريخ وشؤون مدينة فاس، أن هذا المستشفى سيعرف، مثل بقية المنجزات العلمية التي حققها المرينيون، تدهوراً ملحوظاً، في فترة نهاية حكم الدولة المرينية.

ووصف الحسن الوزان (المشهور بـ"ليون الأفريقي") الذي عمل في المارستان المذكور كاتباً لمدة عامين في أواخر القرن الـ15 وبداية القرن الـ16 ميلادي، بقوله: "لا أطباء فيه ولا علاج على رغم توافره على كل ما يحتاجه المرضى، من ممرضين وطباخين وأعوان، والكل يتقاضى أجراً حسناً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أطلال تاريخية

مع مرور الزمن، يضيف الجاي، "تحولت بناية المارستان لاحقاً إلى مجرد سجن للمرضى النفسيين، وتحول الطابق العلوي منه في فترة قبل الحماية الفرنسية (الاستعمار) إلى سجن للنساء الجانحات".

وأكمل الباحث "تحولت البناية الرئيسة للمارستان إلى فندق مثل بقية الفنادق التجارية في المدينة، حيث تباع السلع وتُعرض الحرف التقليدية في الطابق العلوي، كما تحولت حديقة المارستان هي الأخرى، بعد أن اصفرّت خضرتها وذبلت زهورها، إلى أقبية لبيع الحناء وكل ما له علاقة بزينة النساء ومواد الاستحمام، وأيضاً لتجارة الأواني الفخارية، بينما تحول المدخل الغربي إلى مكان لممارسة مهنة غسل الأموات".

في هذا السياق، يقول أحمد مشروحي، ناشط محلي، إن ساكنة فاس لا تزال تذكر المارستان بنوع من الحنين إلى ذلك الماضي الذي يشكل جزءاً من تاريخ المدينة، ويعتبرونه أحد معالمها التاريخية العريقة، مثل "القرويين" ومدرسة "العطارين" و"باب بوجلود".

ووفق المتحدث، فإن "مارستان سيدي فرج" لا يزال يُذكر عند عامة الناس عند الحديث مثلاً عن أهمية التطبيب النفسي، أو وصف شخص بالجنون، فيُطلب منه الذهاب إلى "مارستان سيدي فرج"، على رغم أنه تحول إلى مجرد أطلال تاريخية.

وبخصوص التحولات التي عرفها المارستان وتحوله إلى دكاكين ومحلات لبيع الملابس وتجارة الخزف وغيرها من أنواع التجارة الشعبية، يقول مشروحي "في القلب غصة على اندثار المارستان، لكن في الوقت نفسه صار المكان فضاء للرواج الاقتصادي والبحث عن لقمة العيش، ولو على أنقاض ذكرى المرضى النفسيين وموسيقاهم الأندلسية"، وفق تعبيره.

وخلص المصدر نفسه إلى أن السوق التقليدية والحوانيت التجارية الشعبية، التي جاءت على أنقاض بناية المارستان الشهير، صارت تحتاج إلى كثير من التهيئة والعناية والتثمين من أجل جلب السياح عبر التعريف بشكل أكبر بالمارستان وتاريخه ووظائفه، وعدم الاكتفاء بالألواح واللافتات المكتوبة في المكان.

حري بالذكر أن وكالة التنمية والتأهيل لمدينة فاس أعلنت قبل بضعة أسابيع أنها ستقوم بتمويل من وزارة الداخلية المغربية، بترميم بنايات "مارستان سيدي فرج"، من خلال تقدمة مالية تخطت الـ 12 مليون درهم مغربي (نحو مليون و200 ألف دولار).

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات