Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل لا ترحم حتى الذاكرة في غزة

دمرت حماماً تاريخياً في القطاع عمره 1156 عاماً وكانت تملكه طائفة من اليهود السامريين

"هذا المكان لا يوجد فيه مقاتلون للفصائل، ولكنها الحرب" (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

من المفروض ألا تتعرض إسرائيل لحمام السمرة في غزة لأكثر من اعتبار، فلماذا قصفته؟

في دهليز يشبه الكهوف الجبلية وقف يوسف الوزير مذهولاً يتفقد بعينيه كومة من الركام خلفها قصف إسرائيلي على حمام السمرة التاريخي الذي يديره الرجل، ثم أخذ يلطم خديه ويندب الحرب، "لقد دمروا آخر معلم تاريخي في غزة، كل شيء أصابه الخراب، لم تسلم حتى الحجارة الرخامية وهي أقدم من تاريخ إسرائيل"، ثم هوى على الأرض من أثر الصدمة.

غزة القديمة

بعد أن تمالك يوسف نفسه أخذ يتجول صامتاً في أرجاء "غزة القديمة"، وهي منطقة تاريخية تقع وسط مدينة غزة، سارحاً بخياله وكأنه عاد بالزمن إلى عام 800 ميلادية، كان يمشي رويداً رويداً في منطقة يغلب عليها الطابع المعماري المملوكي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشير بيديه، "هذه المباني كانت تشتهر بالقباب والأقواس المبنية من حجارة الرخام، الشارع الذي أسير فيه واختفت معالمه كان عبارة عن دهاليز له سقف. يااه، ما أجمله، إنه يقود إلى مدخل الحمام التاريخي، صدقني هذا المكان لا يوجد فيه مقاتلون للفصائل، لكنها الحرب يا عزيزي".

يتحدث يوسف عن حمام السمرة، وهو معلم في مدينة غزة بني في عهد المماليك ورمم في عهد العثمانيين عام 867 ميلادية، ومنذ ذلك الوقت بقي على حاله من دون أن يدخل عليه أي تجديد من العصر الحديث، وهو ما جعله معلماً تاريخياً يعود من يدخله مئات السنين إلى الوراء، عندما كانت هذه الحمامات جزءاً أساسياً من الحضارات القديمة.

يدير يوسف الحمام ويحافظ عليه من أي ضرر، يعتني به كأنه منزله، فهو مسؤول عن كنز تاريخي لا يوجد له مثيل في غزة، إذ يعد حمام السمرة البناء الوحيد المتبقي في القطاع من الحضارات القديمة.

حرمة الجدران

يوسف مصدوم من تدمير إسرائيل للحمام بأكمله، فالقصف الذي استهدفه حوَّله إلى كومة ركام وليس أنقاضاً، ويرجع السبب في صدمته إلى أن الحمام كان ملكاً في الأساس لطائفة اليهود السامريين، واسمه حمام السمرة نسبة إليهم.

يقول، "نعرف أن إسرائيل تحب التاريخ وتسعى إلى الحفاظ عليه، ودائماً تعرض قطعاً تقول إنها آثار لحضارة اليهود القدماء في تلك البلاد، لكن لماذا دمرت جزءاً مهماً جداً من التاريخ، بناء وحيد لا يوجد له مثيل".

 

 

من المفروض ألا تتعرض إسرائيل لحمام السمرة لأكثر من اعتبار: الأول أن المَعلم مرفق في لوائح منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة "يونيسكو" على أنه بناء تاريخي، والثاني هو حظر تدمير المواقع التاريخية استناداً إلى قوانين النزاعات المسلحة، والثالث أن القانون الدولي الإنساني يجرم تدمير المواقع التاريخية من دون ضرورة ويعتبر في هذا الإجراء شبهة جريمة حرب، والسبب الأخير أن تل أبيب تروج دائماً لأنها تلتزم بما سبق. ويؤكد المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري أن قوات بلاده تلتزم معايير الحرب وتحرص على حماية المدنيين والأعيان المحمية.

على أية حال دمرت إسرائيل الساحة الرخامية العتيقة التي تتشكل من اللون الأحمر والأبيض والأسود بأشكال هندسية جميلة، وتتوسطها نافورة مياه تأخذ شكلاً ثماني الأضلاع، وتحيطها على جانبيها إيوانات، وسقفها عبارة عن قبة ذات فتحات مستديرة معشقة بالزجاج الملون تتسلل عبرها أشعة الشمس.

دمرت إسرائيل حمام السمرة، الذي يضم غرفاً صغيرة لخلع الملابس، ثم غرفة واسعة للاستحمام، وهي ذات جو مشبع بالبخار وتتألف من أربع خلوات صغيرة، تحيطها من الجانب الغربي أحواض رخامية قديمة يغترف منها المستحمون الماء الساخن، وفي إحدى زواياه غرفة صغيرة بها المغطس.

أكثر من نجاة

ويضيف يوسف، "تعرض الحمام خلال الحرب العالمية الأولى لأضرار بسيطة لكنه نجا، وفي حرب 1956 أصابه قليل من الأضرار ونجا أيضاً، وأغلق خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، لكن في عام 2023، حيث وسائل القتال التي تعتمد على التكنولوجيا وتعرف الهدف بالتحديد، لم ينجُ الحمام".

تحول المعلم التاريخي إلى ركام ولم يتبقَ منه شيء صالح لإعادة الترميم. يقول وزير الثقافة الفلسطينية عاطف أبوسيف، "كان مزاراً طبياً للسائحين من مختلف دول العالم، ومتنفساً حيوياً لأهل قطاع غزة، وهو آخر الحمامات المتبقية".

 

 

ويضيف أبوسيف، "عمره 1156 سنة، ولم تشفع كهولته لدى إسرائيل التي دمرته بالكامل، هذه جريمة لن نسامح فيها، سنحمل أنقاض حمام السمرة إلى محكمة العدل الدولية وجزءاً آخر إلى محكمة الجنايات الدولية، سنحاسب إسرائيل على إجرامها في حق التاريخ".

أبوسيف غاضب من فعل إسرائيل كثيراً لدرجة أنه يطلب من منظمة الـ"يونيسكو" الوقوف على مسؤوليتها وحماية المواقع الأثرية والتاريخية.

إلى جانب حمام السمرة تعرض 200 موقع أثري تاريخي في غزة للدمار أو الأضرار، وتعود تلك المعالم إلى أزمنة وعصور قديمة، ويعتبر أبوسيف أنها كانت شاهدة على عراقة وأصالة وإرث الشعب الفلسطيني، لافتاً إلى أن إسرائيل تحاول طمس الهوية الثقافية الوطنية.

ويقول رئيس منظمة التراث من أجل السلام إسبر صابرين، "صحيح أن غزة منطقة صغيرة لكن بها كثيراً من المعالم التاريخية التي يجب حمايتها وعدم إلحاق الأذى بها، إن تدمير تلك المواقع جريمة كبيرة، السلام يفرض علينا حماية التاريخ وليس تدميره".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات