ملخص
تشير التقارير المتابعة للحرب إلى أن الصحافة السودانية تواجه مستقبلاً قاتماً
استبشر الصحافيون السودانيون بأجواء الحريات التي صاحبت فترة الحكم الانتقالي الذي جاء عقب سقوط نظام الرئيس عمر البشير الذي شهدت الصحافة السودانية خلال سنوات حكمه الـ30 تضييقاً محكماً على "السلطة الرابعة" وتقييدها بتشريعات وقوانين صارمة تحد من حرية تناولها للقضايا المتعلقة بالحكم، فضلاً عن حملات الاعتقال والتهديد المستمر للصحافيين، مما أدى إلى صعوبة ممارسة المهنة بصورتها الطبيعية، مع تكميم الأفواه والحرمان من إبداء الرأي.
وأصبح الصحافي في الفترة الانتقالية أكثر حرية من قبل، حيث أجازت حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك حرية الرأي وغيرها من التسهيلات التي خلقت أجواءً صحية وديمقراطية، لكن اندلاع حرب الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) الماضي هدم كل تلك الامتيازات وأرجع الصحافة السودانية وممارسيها إلى مربع الصفر، لتصل هذه المهنة بعد دخول الحرب شهرها التاسع إلى طريق مسدود، وبات مئات الصحافيين غير قادرين على ممارسة مهنتهم التي يعشقونها.
وأبدت نقابة الصحافيين السودانيين أخيراً استياءها من وضع منتسبيها، وقالت في بيان إن "أوضاع الصحافيين السودانيين تسوء، والانتهاكات التي يتعرضون لها تتزايد، ووصلت إلى حد القتل جراء استمرار المعارك وتوسع رقعتها الجغرافية في أنحاء مختلفة من البلاد". وأكدت أن "استمرار الحرب وتوسعها أدى إلى اختفاء معالم الحياة في السودان بصورة شبه كاملة، وتوقفت إثر ذلك الغالبية العظمى من وسائل الإعلام، مما أدى إلى تشريد أعداد كبيرة من الصحافيين والصحافيات، بنزوحهم إلى خارج ولاية الخرطوم أو اللجوء عبر الحدود إلى دول الجوار في ظروف بالغة السوء، بينما بقيت أعداد منهم عالقة في مناطق حدودية بسبب تعقيدات تأشيرة الدخول".
وأشارت النقابة إلى انقطاع الاتصال بالصحافيين في مناطق غرب السودان "نظراً إلى سوء الأوضاع في تلك المناطق".
اعتداءات وصلت إلى حد القتل
في هذا الصدد قال نقيب الصحافيين السودانيين عبدالمنعم أبو إدريس إن "الصحافيين السودانيين من أوائل الفئات التي تأثرت بالحرب، إذ إن مؤسساتهم تقع في قلب منطقة القتال، مما أدى إلى توقف 90 في المئة منهم عن العمل، من ثم فقد قطاع عريض من الصحافيين عملهم، كما تعرض بعضهم لاعتداءات وصلت إلى حد القتل، حيث سقط أربعة منهم قتلى، ثلاثة في الخرطوم، وصحافية واحدة في دارفور، ونهبت منازل وممتلكات معظمهم مثلهم مثل بقية المدنيين. وأدى هذا الوضع المأسوي إلى نزوحهم داخلياً ولجوئهم إلى خارج البلاد، مما أثر في تغطية تلك الأحداث لتصبح مواقع التواصل الاجتماعي المصدر الرئيس للمعلومات، وهو ما فتح الباب أمام الأخبار الزائفة واستغلال الأطراف لها للترويج لوجهات نظرهم".
وبهذا تشير التقارير إلى أن الصحافة السودانية تواجه مستقبلاً قاتماً، وهنا صرح أبو إدريس أن "الصحافة في السودان بكل أشكالها تواجه مستقبلاً مظلماً غير الأضرار التي لحقت بها من توقفها طوال هذه المدة الطويلة، بخاصة أن معظم المؤسسات الصحافية فقدت معداتها التي تعرضت للنهب والتحطيم مما يجعل أمر عودة معظمها إلى العمل في حال توقف الحرب صعباً للغاية، وهذا ما سينتج واقعاً أكثر تعقيداً للعاملين بها، فضلاً عن أن كل هذه المؤسسات فقدت أرشيفها الذي يعد إرثها منذ التأسيس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أوضاع مزرية
كذلك رأى الكاتب السوداني عثمان ميرغني، وهو رئيس تحرير إحدى الصحف، أن "أوضاع الصحافيين داخل السودان مزرية للغاية كونهم فقدوا ارتباطهم بمؤسساتهم ولم يعد لهم القدرة على العمل الصحافي، أو حتى في بدائل أخرى موقتة. أما الذين نجحوا في الخروج من البلاد فهم يقاسون ظروفاً شاقة لمواجهة متطلبات الحياة، بخاصة أن معظمهم يعيل أسراً في ظل عدم القدرة على العمل الصحافي".
وعن وضع الصحافة السودانية قال ميرغني إن "الوضع يزداد قتامة بالنسبة إلى الصحافة السودانية، إضافة إلى الاستهداف الممنهج للصحافيين، بخاصة داخل السودان، وهو ما عرض بعضهم للأخطار التي وصلت إلى حد القتل، بينما آخرون تعرضوا للاعتقال والتشريد، لذلك فإن مستقبل الصحافة في بلادنا مرتبط بمآلات الحرب، لأن هذه المهنة تعتمد على البيئة السياسية وتتأثر بها". وتابع "أتوقع أن تفضي مآلات ما بعد الحرب إلى تجاوز أخطاء الماضي وقيام نظام حكم قادر على إنتاج دولة رشيدة".
صعوبة التنقل
ولم يكن لدى الصحافيين في الخرطوم وود مدني ودارفور وكردفان وغيرها من الولايات المتضررة من ويلات الحرب خيارات واسعة لتغطية الأحداث من عدمها، فجميعهم يواجهون خطر الموت والاغتيال أثناء نقل الأحداث، سواء من خلال التصوير أو الكتابة أو التغطية المباشرة، وفي هذا الصدد قال أحد الصحافيين الموجودين بمدينة ود مدني طلب حجب اسمه إن، "غالب الصحافيين النازحين من الخرطوم إلى مدينة ود مدني كانوا موجودين في إحدى المدارس، وبعضهم هاجر إلى القرى الواقعة جنوب الجزيرة وآخرون هاجروا إلى مدينة سنار، أما صحافيو ود مدني فغالبيتهم من الأحياء الطرفية ويواجهون صعوبة في حركة التنقل، فقوات (الدعم السريع) تبسط سيطرتها على كامل ولاية الجزيرة وداخل مدينة مدني، وهناك عدد من الحواجز في الشوارع الرئيسة، فضلاً عن وجودهم في كل المؤسسات الحكومية وقيادة الجيش في هذه المدينة".
وعن سير عملية التغطية الصحافية قال المصدر ذاته إن "العمل الصحافي وحرية الحركة مقيدة تماماً من قبل (الدعم السريع)، ولا وجود للجيش السوداني حتى اللحظة، فالأمر صعب جداً، وهناك تكتم على الحريات الصحافية، وما نرجوه هو الحماية من أجل إيصال رسالتنا إلى العالم والرأي العام المحلي".