ملخص
على رغم تأثر مجتمعات الساحل الأفريقي نسبياً بالحداثة والتزامها ظاهرياً بالقوانين والدساتير إلا أن سلطة القبيلة ما زالت قوية
تحظى القبائل في غالبية دول غرب أفريقيا بسلطة سياسية واجتماعية واقتصادية قوية لم تستطع القوانين حتى الآن انتزاعها أو تعويضها وملء فراغها في مناطق عدة بالساحل الأفريقي، بل إن بعض الأنظمة يلجأ إلى سلطة القبيلة لمساعدته في حل أزمات سياسية واجتماعية ونزع فتيل الصراعات وتجاوز الخلافات التي تطرأ بين الفينة والأخرى.
وعلى رغم تأثر مجتمعات الساحل الأفريقي نسبياً بالحداثة والتزامها ظاهرياً بالقوانين والدساتير التي وضعتها الأنظمة السياسية، إلا أن سلطة القبيلة ما زالت قوية بخاصة في جانبها السياسي والاجتماعي إذ يجد سكانها في تلك القبائل حاضنة لهم.
ويوجه الحقوقيون والسياسيون والحداثيون سهام انتقاداتهم لاستمرار سلطة القبيلة على المجتمعات بخاصة النامية، وينبهون من تأثيرها وخطورتها مستقبلاً، ويطالبون بضرورة تجديد العقد الاجتماعي وتقوية الوعي بالانتماء الوطني، وعلى رغم كل هذه الانتقادات لا يزال التعلق بالجماعة والقبيلة والجهة والشريحة، طاغياً على كل الانتماءات الأخرى في مناطق واسعة بغرب أفريقيا.
قبائل ممتدة
في مالي تتحكم قبائل الدوغان والفولاني والطوارق والبمبراو في مختلف مناحي حياة السكان بشمال ووسط البلاد، حيث تنتشر هذه القبائل بنسبة كبيرة مقارنة ببقية مناطق البلاد، ويختار زعماء هذه القبائل من سيمثلهم في الانتخابات ويستطيعون تغليب كفة أي مرشح يريدونه كما أن بإمكانها أيضاً اختيار منافسيه الأكبر حظاً للدفع بهم من أجل إفشال مشروعه إن كان تاريخه السياسي يرجح نجاحه بالانتخابات.
وعلى كل فائز في الانتخابات أي كان مستواها بلدية أو نيابية أن يدين بالولاء لقبيلته وأن يدافع عن مصالحها ويأتمر بأمر زعمائها. ولا يختلف الأمر في النيجر وبوركينا فاسو وتشاد حيث تنتشر قبائل الفولاني والكانوري والغولا والتوماك والتوبو، والتي كان أبناؤها يعتمدون سابقاً على الزراعة والرعي والصيد لتأمين معيشتهم ومع تطور المجتمعات ونشأة المدن وتفرق أبناء القبائل بين مناطق البلاد، لم ينحصر تأثير سلطة القبائل على من بقي في القرى والأرياف بل امتد ليشمل جميع أبنائها وتحديداً من يولون أهمية للانتماء القبلي ولا يزالون يحافظون على عادات الولاء للقبيلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي نيجيريا وغينيا والسنغال وغامبيا تتدخل القبائل في كل شيء بدءاً من تحديد المهور إلى حل الصراعات والخلافات التي تحدث بين أفرادها أو بينهم وبين آخرين، وعلى رغم أن نسبة من أبناء هذه القبائل اختاروا حياة الاستقرار في المدن والحواضر إلا أن معظمهم لا يزال يعيش حياة الرعي والترحال، بحثاً عن مراع جيدة، في حركة دائمة تندلع خلالها نزاعات مع المزارعين والقبائل المستقرة في تلك المناطق التي تعتمد على الزراعة والصيد والرعي، ما يفرض على زعماء القبائل التدخل لفض أعمال العنف والاشتباكات بين المزارعين ورعاة الماشية.
قبائل أهم من الدولة
يقول الباحث السنغالي يحيى أندارو إن كبار القبائل عادة يتوسطون للتهدئة وحل الخلافات ووقف أعمال العنف التي تندلع بسبب التوترات القبلية والصراعات على ملكية الأراضي والمراعي وآبار الماء.
ويشير إلى أن إهمال السلطات لهذه المشكلات يقتل ثقة المواطنين بجدوى الاعتماد على السلطات، كما أنه يتسبب في تطور خلاف بسيط على نزاع مسلح وصراعات عرقية لا تنتهي.
ويضيف في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "أمام تراجع وجود الدولة في بعض المناطق تتزايد سلطة القبائل وتنجح أحياناً كثيرة في بسط سيطرته وفرض وساطات لوقف أعمال العنف وتشريع تفاهمات بخصوص الأراضي والسيادة، لكن، في المقابل هناك قبائل تسعى إلى السيطرة على بعضها البعض مما ينجم عنه زيادة أعمال العنف والنزاعات".
ويشير إلى أن منطقة وسط وغرب أفريقيا التي تعاني من أزمات سياسية وأمنية واقتتالاً قبائلياً وانقلابات عسكرية وإرهاباً دولياً وتدخلات من دول غربية، وكل هذا يؤثر سلباً في دور الدولة ومؤسساتها.
ويمضي في حديثه، "إذا كان دور القبيلة مكملاً لدور الدولة وإذا كان الغرض منه مساعدة الناس في أمورهم الحياتية بعيد من فرض السيطرة والخيارات القبلية، فأكيد سيظل وجود القبيلة مهماً في حياة سكان أفريقيا، لكن إن كان دورها غير ذلك فلن تخدمهم على المدى الطويل".
الانتماء القبلي أول ما يوضع في ميزان السياسة
تتمتع القبائل في غرب أفريقيا بتاريخ غني وكبير فهي عريقة وقديمة وما زالت تتمسك بعاداتها وأسرارها الغريبة، ما يجعل أبناءها يتمتعون بمهارات وثقافات مختلفة تظهر في عاداتهم ورقصاتهم التقليدية وحرفهم المختلفة.
لكن في المقابل تتسبب هذه القبائل في قتل طموح وإرادة الكثير من أبنائها من خلال إخضاعهم لطلبات زعماء لا يملكون أية صفة رسمية سوى النفوذ القبلي به يتحكمون في السياسة والأموال والعلاقات العامة.
ففي موريتانيا تتم المحاصصة الحكومية بناءً على التوازنات القبلية، ففي أي تشكيل حكومي أو تعديل وزاري، يراعى تمثيل القبائل والجهات في الحكومة تبعاً لوزنها في المجتمع وتعداد أبنائها، وعلى رغم أنه لا توجد قوانين تراعي التمثيل القبلي بشكل يحفظ حقوق القبيلة ويجعلها راضية عن التشكيلة الحكومية، إلا أنه من المتعارف عليه احترام وزن وقوة كل قبيلة في التشكيل الحكومي.
في هذا الصدد، يقول الباحث السياسي أحمدو ولد محفوظ إن تدخلات القبائل وتأثيرها يثير انتقادات واسعة في الوسط الحقوقي والسياسي، موضحاً أن "لا قيمة لممارسة الحياة السياسية طالما أن التأثير القبلي سيظل هو المعيار... ففي الانتخابات حين تغيب معايير الكفاءة والوطنية ونقبل بفوز مرشح قبائلي وخروج تشكيلة حكومية بتوازنات قبلية وظهور برلمان غالبية أعضائه يفتخرون بقوة نسبهم وجاههم القبلي فالمهمة الأساسية للنظام الانتخابي تكون قد فشلت فشلاً ذريعاً".
ويدعو الباحث ولد محفوظ إلى نبذ أي تصرف يشيد بالانتماء القبلي ويغلبه على اختيارات الأحزاب التي لن تكون قادرة على أداء مهامها وهي مكبلة بالوعود ومحاصرة بمجموعات الضغط القبلي التي لا يرضيها إلا ما يحقق مصالحها الخاصة".
ويحذر من عواقب استمرار تأثير سلطة القبائل بغرب أفريقيا الذي يعاني أصلاً من مشكلات عدة سياسية وأمنية واجتماعية، ويبقى أمله الوحيد هو التخلص من هذه المشكلات وتغليب مصلحة الوطن لبناء مجتمع قادر على العطاء بمختلف شرائحه.