Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرض "الرواتب" يضع كردستان العراق أمام مفترق طرق

مستحقات 3 أشهر تواجه عدم الصرف ونواب شيعة يلجأون للقضاء لتعطيل تجديد الاتفاق بين أربيل وبغداد

يعاني إقليم كردستان العراق من أزمة مالية وتردي الأوضاع الاقتصادية (أ ف ب)

ملخص

أكراد إقليم كردستان العراق أمام مفترق طرق بعد انقضاء اتفاق القرض مع بغداد... فما القصة؟

أصبحت حكومة إقليم كردستان العراق في موقف صعب بعد أنباء تلقيها الدفعة الأخيرة من قرض تقدمه الحكومة الاتحادية في بغداد، وسط هواجس من دخولها مرحلة العجز عن سداد مرتبات آخر ثلاثة أشهر من السنة الحالية، وفيما تتواصل المحادثات بين الحكومتين يواجه اتفاق القرض تحركاً نيابياً لإبطاله قضائياً.

ويترقب موظفو القطاع العام في الإقليم دفعة القرض الثالثة والأخيرة التي تصرفها بغداد بموجب اتفاق موقت بقيمة إجمالية بلغت نحو 1.6 مليار دولار على مدى ثلاثة أشهر.

وفي وقت لم يتم حسم الخلافات حول التزام بنود الموازنة الاتحادية لم يتسلم الموظفون مرتبات سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو ما يوحي بأن مصير مرتبات الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة الجارية لا يزال مجهولاً.

وباتت الرواتب المتأخرة مرهونة بإبرام اتفاق على قرض جديد بين الحكومتين، وقد تلجأ حكومة أربيل مجدداً لاتباع نظام الادخار، بينما أصبح مستقبل العام الدراسي لنحو 700 ألف طالب مهدداً نتيجة استمرار إضرابات موظفي قطاع التعليم في محافظة السليمانية وتوابعها، منذ منتصف سبتمبر الماضي.

تفاهمات على المنافذ

وأجرى وفد من حكومة إقليم كردستان العراق أول من أمس الإثنين ضم وزيري الداخلية والمالية محادثات مع رئيس الحكومة الاتحادية محمد شياع السوداني، الذي أكد وفق بيان "أهمية زيادة التنسيق الثنائي لحل الخلافات الخاصة بالمنافذ الحدودية وتوحيد السياسة الجمركية، وقانون حماية المنتج".

وأكد مسؤولون أكراد أن وفداً آخر سيتوجه إلى بغداد لاستكمال المحادثات المتعلقة بالخلافات المالية، فيما كشف وزير الأوقاف في حكومة الإقليم بشتيوان صادق أن "بغداد أبلغت أربيل استعدادها إطلاق 60 في المئة فقط من مجموع مبلغ المرتبات، على أن تغطي حكومة الإقليم النسبة المتبقية من الإيرادات المحلية"، مبيناً أن الحكومة الاتحادية تشترط "تسليمها جميع الإيرادات الخاصة بالإقليم" لحسم الخلاف مع الحكومة الإقليمية.

وسيتم تسوية القرض الذي كان مخصصاً للمرتبات من حصة الإقليم في الموازنة الاتحادية، بعد حسم الالتزامات المتعلقة ببنودها، إلا أن حكومة أربيل ستخصص الدفعة لشهر سبتمبر، جراء عجز مالي، كما ستواجه صعوبة في تأمين المرتبات، إذ فشل إجراء تعديل على قانون الموازنة في مطلع العام المقبل الذي لم يدخل حيز التنفيذ بعد بالنسبة إلى كردستان بسبب الخلافات، لأن قيمة القرض ستخصم من حصة الإقليم، مما يعني استمرار أزمة المرتبات.

ويطالب الأكراد بفصل حصتهم عن "الإنفاق الفعلي الاتحادي"، كما يواجهون معضلة في إقناع بغداد للتخلي عن شروطها في تسعيرة كلفة إنتاج ونقل نفط الإقليم المستحقة للشركات الأجنبية المعنية ومساواتها مع كلفة الإنتاج لديها، بغية استئناف الصادرات النفطية.

تحديات قضائية

وباتت عملية إقراض بغداد الإقليم مهددة في ظل تهديد نواب شيعة باللجوء إلى القضاء لمخالفتها القانون، إذ توعد عضو اللجنة المالية النيابية يوسف الكلابي "بمقاضاة المصارف التي تطلق أموال القرض". وقال في منشور على منصة "إكس" إنه "سبق وأنذر مديري المصارف بشكل مباشر".

ونوه الكلابي إلى أن "أربيل لم تلتزم قانون الموازنة أبداً، حتى إنها لا تعترف بيوم النصر العراقي ولم تعلنه عطلة رسمية"، في إشارة إلى احتفال البلاد الأحد الماضي بذكرى القضاء على تنظيم "داعش" في الـ10 من ديسمبر (كانون الثاني) 2017.

وتعهد عضو اللجنة المالية النيابية في منشور ثان وجهه للموظفين باللغة الكردية "بحماية حقوق مواطني الإقليم من خلال ربط مرتباتهم ببغداد"، قائلاً إن "البعض يسعى إلى الحصول على قروض على حسابكم".

أما عضو اللجنة المالية مصطفى جبار سند فقد وجه انتقادات حادة في آلية دفع القرض، قائلاً إن "مسلسل التنازل يصل إلى مراحل متقدمة، إذ جرت العادة أن تتحول المنح والقروض من طريق قرارات مجلس الوزراء، أما اليوم فقد حول 700 مليار دينار (نحو 445 مليون دولار) جديدة كقرض للإقليم بواسطة توجيه رئيس الوزراء لوزارة المالية"، موضحاً أن "القروض المتراكمة في الإقليم بلغت حتى الآن 4.4 تريليون دينار (نحو 28 مليار دولار)".

ورقة سياسية

من جهته قال النائب عن "جماعة العدل" الكردية سوران عمر "اجتمعنا في سبتمبر الماضي مع ثلاثة أعضاء في اللجنة المالية بينهم الكلابي، وأوضحنا لهم أن الهدف من القرض هو ضمان مرتبات شعب الإقليم، وطلبنا منهم التوقف عن وضع العراقيل"، وأردف "كثيراً ما طالبنا بوجوب معاقبة المسؤول المباشر عن عدم التزام الموازنة"، متسائلاً عن "ذنب الموظف أن يدفع ضريبة الخلاف بين الحكومتين".

 واتهم عمر "بعض النواب باستغلال هذا الملف حتى تكون ورقة ضد حكومة السوداني"، موضحاً أنه لا تلاعب بمشاعر موظفي الإقليم، ويبدو أن بعض الدعاوى تهدف إلى تعطيل تمديد اتفاق القرض للأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي، حسب قوله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأقر النائب عن "جماعة العدل" أنه "يتلقى اليوم اللوم لتأييده خيار تسليم النفط لبغداد بغية حل أزمة المرتبات، لكن عملية التسليم لم تتم بعد نتيجة الخلاف على كلف استخراج النفط".

ويحتاج الإقليم إلى نحو 600 مليون دولار لدفع المرتبات، كان يتم تأمين 445 مليوناً منها من إيرادات صادراته النفطية عبر تركيا، قبل أن تعلق الصادرات على خلفية فوز بغداد بقرار محكمة دولية في باريس في مارس (آذار) الماضي.

واضطرت حكومة الإقليم إلى اتباع نظام "الادخار الإجباري" لمرتبات الموظفين بين عامي 2015 و2018، أخفقت خلالها في دفع مرتبات خمسة أشهر، كما لجأت إلى فرض نظام الاستقطاع لنحو 23 شهراً، مع تعثر صرفها وفق مواعيد ثابتة لتتجاوز 40 يوماً.

سياسة التقويض

ويتهم مسؤولون وقادة أكراد "أطرافاً في بغداد" وبدفع من "دول إقليمية" بالعمل على تقويض الإقليم من خلال القرارات القضائية الاتحادية، وعبر "تعطيل" إطلاق حصته في الموازنة، إذ صرح مساعد رئيس حكومة كردستان العراق ريباز حملان أن "القرض لم يعد خلافاً دستورياً أو قانونياً أو إدارياً بل من الواضح أنه سياسي".

وقال حملان إن "الهدف هو إلغاء الإقليم والتعامل معه كمحافظة بدعم دول إقليمية" في إشارة إلى إيران التي ترتبط بصلة وثيقة مع قوى "الإطار التنسيقي" المظلة السياسية لحكومة السوداني، نافياً مزاعم عدم التزام أربيل ببنود الموازنة "لكونها سلمت لبغداد بين أواخر يونيو (حزيران) إلى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، 11 مليوناً و800 ألف برميل من النفط من دون أن تتلقى أية أموال، بما فيها مستحقات الشركات المنتجة".

إلا أن رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني أكد في مأدبة عشاء مع عدد من سفراء وقناصل الدول لدى العراق والإقليم أن حكومته "تعمل على إيجاد مخرج لحل بعض الخلافات مع بغداد بخاصة في ملف الموازنة الذي يأمل حله في العام الجديد، لا سيما بعد الحديث لمرات عدة مع السوداني".

وبدوره أكد النائب عن الاتحاد الإسلامي مثنا أمين خلال مؤتمر صحافي أن "السوداني تعهد بأن يعمل على إيجاد صيغة لفصل المرتبات عن النفقات الفعلية"، لافتاً إلى أن "التقرير المتعلق بعدد موظفي الإقليم بات جاهزاً بالتنسيق بين الطرفين، وهذه خطوة جيدة جداً".

وانتقد أمين في الوقت ذاته عدم تسليم الإقليم إيراداته غير النفطية إلى بغداد بالقول "كان يفترض أن يتم تأمين مرتبين في الأقل من خلال الضرائب والرسومات التي تصل إلى 400 نوع، وعلى حكومة الإقليم أن تبدي مرونة أكبر في الكشف عن إيراداتها"، لكن الناطق باسم حكومة الإقليم بيشوا هورامي أكد الأسبوع الماضي أن "الحكومة أوفت بجميع التزاماتها تجاه بغداد".

خيار المقاطعة

وفي ظل استمرار الخلاف بين الطرفين، تبرز الدعوات في الوسط السياسي الكردي لاستخدام ورقة الانسحاب من العملية السياسية في بغداد، للحد من تمادي الأخيرة في سياستها "لتقويض كيان الإقليم"،

وفي هذا السياق دعا القيادي السابق في حزب الاتحاد بهروز كلاليي مسعود بارزاني إلى "الذهاب شخصياً إلى بغداد لحل المعضلة"، واستدرك "إذا لم يصل إلى اتفاق، فعلى الكرد أن ينسحبوا من الحكومة والبرلمان".

وحذر كلاليي من أن "استهداف الميليشات الشيعية الوجود الأميركي في مطارات الإقليم لا يضرب المصالح الأميركية فحسب، بل يستهدف سياسة الإقليم وقطع قنواته مع الخارج، لتضاف إلى تعطيل القرارات القضائية الاتحادية لمؤسساته الشرعية وصادراته النفطية".

وإزاء إمكان لجوء الأكراد للانسحاب من العملية السياسية في الجانب الاتحادي، يبدو هذا الخيار مستبعداً نتيجة "لاختلال ميزان القوة لصالح بغداد، وعدم توفر غطاء إقليمي ودولي"، وفق المحلل الكردي سيروان حسين، الذي يرى أن "الخيارات في مسألة الانسحاب لا تبدو منطقية، بعد أن فقدت أربيل عماد اقتصادها وهو عامل النفط الذي أصبح تصديره رهن موافقة الحكومة الاتحادية، ولا يبدو أن هناك بدائل في وقت أصبح فيه مثقلاً بالديون، سواء لبغداد أو للشركات الأجنبية، ولن يكون قادراً  على حتى الإيفاء بمرتبات موظفيه".

وتابع حسين أن "المتغيرات الحاصلة في سياسة دول المنطقة تتعارض مع هذا الخيار أيضاً، فموقف تحالف الدول الغربية بقيادة واشنطن واضح ومعلن في أن يكون الإقليم قوياً ضمن عراق اتحادي مستقر، وهو راغب في استمرار الاستقرار النسبي القائم في العملية السياسية، كذلك للدول الإقليمية دور مؤثر".

وأكد حسين أنه "لا يخفى أن النفوذ الإيراني في بغداد حتماً يتجه نحو تعزيز سلطة الأخيرة في الإقليم، أما أنقرة فقد أصبحت أقل انحيازاً لأربيل بعد قرار محكمة باريس، وتتجه إلى الدخول في مساومات مع بغداد على ملفات عدة، وكذلك في إبرام اتفاقات اقتصادية مثل طريق التنمية العراقي، لذا فإن خيار الانسحاب من دون توفر ضوء أخضر دولي سيضع الكرد في عزلة هم في غنى عنها".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات