في تطور ينذر بمزيد من الاضطراب في هونغ كونغ، اخترق محتجّون متشدّدون، اليوم السبت، الحواجز المحيطة بالمجمّع الذي يضمّ البرلمان ومقرّ حكومة في المستعمرة البريطانية السابقة، وذلك غداة اعتقال السلطات عددا من الناشطين في الحركة المؤيدة للديموقراطية بينهم ثلاثة نواب، في خطوة اعتبرتها منظمات حقوقية محاولة من جهة الصين لقمع المعارضة.
وبحسب صور وفيديوهات تداولها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، رشق متظاهرون يرتدون دروعاً، الشرطة بزجاجات حارقة، فردّت الأخيرة باستخدام خراطيم المياه والغاز المسيّل للدموع، في محيط المجمع الذي يضم البرلمان ومقر الحكومة.
ويواصل آلاف من المتظاهرين، اليوم السبت، للأسبوع الـ13 على التولي، ضد مشروع قانون تسليم المطلوبين إلى الصين، رغم إعلان الحكومة تعليق المقترح إلى أجل غير مسمى.
وذكرت وكالة أنباء أسوشيتدبرس "أن نحو ألف شخص خرجوا إلى شوارع وسط المدينة في مسيرة توقفوا خلالها أمام كنيسة ثم مقار للشرطة، وردد المتظاهرون شعارات مؤيدة للديموقراطية وأكدوا على مطالبهم التي أطلقوها منذ بداية الاحتجاج، في تظاهرات خرجت لإحياء الذكرى السنوية الخامسة لرفض بكين تنظيم انتخابات بالاقتراع العام في المدينة، في قرار شكل شرارة انطلاق (حركة المظلات) التي اتّسمت بـ79 يوماً من التظاهرات في هونغ كونغ عام 2014، وهيّأت الارضية للاحتجاجات الحالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اعتقال ناشطين ونواب
تأتي هذه التطورات غداة اعتقال السلطات فجر أمس الجمعة، اثنين من الناشطين البارزين في "حركة المظلات" هما جوشوا وونغ، وأنييس تشو، يبلغان 22 عاماً، ويحظيان بشعبية كبيرة في حركة الاحتجاج الحالية، بتهمة "التحريض على المشاركة في تجمّع غير مرخّص".
ووجهت إليهما المحكمة تهماً بعد ظهر الجمعة وأُطلق سراحهما مقابل كفالة مالية. وقال وونغ من خارج المحكمة "سنواصل المعركة، لن نستسلم".
وقبل بضع ساعات من اعتقال جوشوا وونغ وأنييس تشو، اعتقلت السلطات ناشط آخر هو أندي تشان في المطار. وتشان مؤسس الحزب الوطني، وهو حزب استقلالي صغير حظّرته السلطات عام 2018.
كما اعتقلت الشرطة في هونغ كونغ متظاهراً رابعاً من الحركة المؤيدة للديموقراطية هو ريك هوي، عضو المجلس المحلي في حيّ شا تين الشعبي، وفقما جاء في منشور على صفحته على فيسبوك من دون توضيح أسباب اعتقاله.
وللمرة الأولى منذ بدء التعبئة، اعتقل نائب مؤيد للديموقراطية في هونغ كونغ هو تشيغ تشونغ-تاي، وفقما أعلن حزبه "الحماس المدني". ولاحقا أعلن الحزب المدني اعتقال نائبين اثنين آخرين هما أوو نوك-هين وجيريمي تان بتهمة إعاقة عمل الشرطة، كما اتهم أوو أيضا بالاعتداء على ضابط شرطة، وفق صفحة الحزب على فيسبوك.
وتحدثت الشرطة عن اعتقال رجل، يبلغ 35 عاماً، عرفت عنه باسم عائلته فقط "تشينغ". وقالت إنه كان ملاحقاً بتهمة "التآمر بهدف التسبب بأضرار جنائية" مرتبطة باقتحام البرلمان في يوليو (تموز).
وأوقف أكثر من 900 شخص منذ بدء الاحتجاجات التي نشأت بعد رفض مشروع قانون كان يُفترض أن يسمح بتسليم المطلوبين إلى الصين. وسرعان ما اتّسعت مطالب الحركة بشكل كبير لتشمل التنديد بتراجع الحريات وتدخل الصين المتزايد في شؤون المنطقة ذات الحكم شبه الذاتي، في انتهاك لمبدأ "بلد واحد ونظامان".
التصرف بـ"إنسانية"
في غضون ذلك، طالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بكين بأن تتصرّف "بإنسانيّة"، بعد اعتقال عدد من الناشطين في الحركة المؤيّدة للديموقراطيّة. وأكّد ترمب أيضاً أنّ الضغط الاقتصادي الأميركي على الصين أسهم في منع السلطات من شنّ حملة أكثر صرامة ضدّ المتظاهرين المؤيّدين للديموقراطيّة في هونغ كونغ. وقال في البيت الأبيض إنّ "عملي على الصعيد التجاري يسمح بالفعل في إعادة خفض التوتّر هناك".
ومارس الرئيس الأميركي ضغوطا على الصين عبر ربط ملفين ساخنين أحدهما دبلوماسي ويتمثل بالأزمة في هونغ كونغ، والآخر اقتصادي وهو المفاوضات التجارية بين البلدين. وسبق لترمب أن كتب في تغريدة "بالتأكيد تريد الصين إبرام اتفاق (مع الولايات المتحدة) لكن ليتصرفوا بإنسانية مع هونغ كونغ أولا".
من جانبها، وصفت منظمة العفو الدولية الاعتقالات التي نُفذت فجر الجمعة بأنها "مثيرة للسخرية" وندّدت باعتقال وونغ وتشو معتبرةً أنه "اعتداء مخز على الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي" و"تكتيكات تهدف إلى التخويف مقتبسة مباشرة من قواعد اللعب الصينية".
وفي هلسينكي، اعتبرت وزير خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بعد لقاءات عقدتها مع وزراء خارجية دول أوروبية، أن الوضع في هونغ كونغ "مقلق للغاية". وقالت إن "تطوّر الوضع في هونغ كونغ خلال الساعات الأخيرة مقلق للغاية. ننتظر من سلطات هونغ كونغ أن تحترم حرية الاجتماع والتعبير والتجمّع وكذلك الحق في التظاهر سلمياً".
ونفت الشرطة عزمها على تقويض تظاهرات نهاية الأسبوع. وصرّح متحدث باسم الشرطة جون تسي لصحافيين "هذا أمر خاطئ تماماً".
وتواجه حكومة هونغ كونغ حركة احتجاج غير مسبوقة وصفها مراقبون أنها أسوأ أزمة منذ إعادتها إلى الصين عام 1997، فمنذ يونيو (حزيران) الماضي، يخرج آلاف المتظاهرين إلى شوارع هونغ كونغ للاحتجاج على مشروع قانون تسليم المجرمين، الذي يخول سلطات الإقليم تسليم المطلوبين للصين لمحاكمتهم بها، مع تواصل رفض السلطات الترخيص للمتظاهرين.
وإضافة إلى إلغاء مشروع القانون المثير للجدل، يطالب المحتجون بإجراء تحقيق مستقل في استخدام الشرطة للقوة المفرطة ضدهم، واستقالة الرئيسة التنفيذية في هونغ كونغ كاري لام، وبإصلاح ديموقراطي شامل في الإقليم، الذي يتمتع بحكم ذاتي.