Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحكم البنوك المركزية سيطرتها على مسار الفائدة في عام 2024؟

جدل صاخب حول التضخم والنمو رافق بنك إنجلترا و"المركزي الأوروبي" و"الفيدرالي" على مدار هذا العام

توقعات بتخفيض سعر الفائدة الأساسي في بريطانيا إلى 4.25 في المئة (أ ف ب)

سيحاول كبار محافظي البنوك المركزية في العالم هذا الأسبوع استعادة السيطرة على مسار أسعار الفائدة، بعد أن بدأت الأسواق تسير في فلك توقعات التخفيف الكبير في السياسة النقدية في العام المقبل بصورة محمومة.

إلى ذلك، يتوقع مستثمرون أن تبدأ البنوك في الخفض التدرجي في أسعار الفائدة، إذ يتوقعون أن يبدأ بنك إنجلترا في التخفيض في يونيو (حزيران) المقبل، والبنك المركزي الأوروبي في أبريل (نيسان) المقبل، والاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) في مارس (آذار) المقبل.

ومن المتوقع أن يتعثر النمو مع تشديد الظروف المالية على الأسر والشركات، ومع انخفاض التضخم بصورة أسرع من المتوقع، لذلك ستكون الحجة لمصلحة تخفيض أسعار الفائدة قوية في الربيع المقبل.

ومع ذلك، فإن الجزء الأسهل في المعركة ضد التضخم قد انتهى، فيما يقترب تراجع التضخم في أسعار الطاقة من نهايته، كما تضاءل نمو أسعار المواد الغذائية، إذ قال محللون في "إنفيستيك" إن "الميل الأخير في خفض التضخم سيكون أصعب".

ومنذ الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية التابعة لبنك إنجلترا، ولجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التابعة لـ"الفيدرالي"، ومجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، تشير البيانات إلى أن السياسة النقدية المتشددة تؤدي وظيفتها.

الاقتصاد البريطاني راكد على نطاق واسع

في بريطانيا، انخفض التضخم بصورة أسرع بكثير من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى 4.6 في المئة هبوطاً من 6.7 في المئة، وهو أكبر انخفاض سنوي شهري بنقطة مئوية منذ تسعينيات القرن الماضي، في حين جاء التضخم الأساسي الذي يراقبه بنك إنجلترا من كثب، أقل بكثير من توقعات لجنة السياسة النقدية.

وعلى رغم ارتفاع معدلات البطالة، إلا أنها لا تزال منخفضة بالمعايير التاريخية، إذ أشارت التقديرات التجريبية الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية في بريطانيا إلى أن معدل البطالة ربما كان أقل بكثير خلال فصل الربيع عند 3.5 في المئة.

ويبلغ المعدل الرسمي 4.2 في المئة للبطالة، على رغم أن المحللين وبنك إنجلترا نفسه شككوا في دقة هذه الحسابات بسبب الانخفاض الحاد في معدلات الاستجابة لاستطلاعات مكتب الإحصاءات الوطنية.

ويعني انخفاض البطالة إلى جانب ضعف مشاركة القوى العاملة في بريطانيا منذ الوباء، أن الشركات تعمل على زيادة الأجور لجذب الموظفين.

 وارتفعت الأجور بوتيرة شبه قياسية بلغت 7.8 في المئة في القطاع الخاص خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لكن المؤشرات الأحدث تشير إلى أن نمو الأجور تجاوز مرحلة صعبة، في حين لا يزال أمام الأجور عند حساب التضخم، طريق طويل قبل أن تتعافى بالكامل من أزمة كلفة المعيشة.

وعلى غير العادة، ظلت سوق العمل في بريطانيا في صحة جيدة على رغم النمو المتعثر، وحافظت الشركات على معدلات البطالة منخفضة من خلال اكتناز الموظفين وخفض ساعات العمل بدلاً من الاستغناء عن العمال، وفقاً لبنك التسويات الدولية.

ولا تزال نسبة العاطلين من العمل إلى الوظائف الشاغرة وهو المؤشر الذي أبرزه العضو الخارجي في لجنة السياسة النقدية جوناثان هاسكل، باعتباره في حاجة إلى التراجع قبل التفكير في سياسة التخفيف (مرتفع بما يزيد قليلاً على واحد مقابل واحد).

وقال محللون في بنك "أتش أس بي سي" إلى صحيفة "التايمز"، "يبدو أن الاقتصاد ينتعش قليلاً، إذ تحسنت مؤشرات مديري المشتريات، واستطلاعات ثقة المستهلك في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك الموافقات على الرهن العقاري وأسعار المنازل، مما سيعطي دفعة لوزير الخزانة جيريمي هانت، الذي أطلق تخفيضات ضريبية بقيمة 20 مليار جنيه استرليني (25 مليار دولار) في بيان الخريف.

ومع ذلك، فإن الاقتصاد البريطاني راكد على نطاق واسع، كما يتوقع مسؤولو البنك نمواً صفرياً خلال العام المقبل.

وقال محللون في بنك الاستثمار الياباني "نومورا" إلى الصحيفة، إن "ما يهم لجنة السياسة النقدية في اجتماعها يوم الخميس المقبل هو تجنب تأجيج التوقعات بتخفيف السياسة في وقت مبكر حتى مما تتصوره الأسواق حالياً، نظراً لأنها تتعامل مع تضخم أعلى وربما أكثر عناداً".

أخطار الركود تلوح في الأفق للبنك المركزي الأوروبي

وهناك أوجه تشابه بين الظروف الاقتصادية في بريطانيا والبر الرئيس لأوروبا، فمعدلات البطالة منخفضة، ونمو الأجور مرتفع، والتضخم الأساسي، على رغم اعتداله، لا يزال مرتفعاً.

ومع ذلك، فإن المخاوف المتعلقة بالنمو ستهيمن على اجتماع مجلس محافظي المركزي الأوروبي إلى حد أكبر من اجتماع لجنة السياسة النقدية، مع وجود إشارات واضحة بأن الاقتصادات الرئيسة في الكتلة تعاني تحت وطأة زيادات أسعار الفائدة السابقة.

ويأتي هذا التخفيف قبل أن تنتشر التأثيرات الضارة الناجمة عن زيادة أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى بوتيرة أسرع في العام المقبل.

 وتقترب ألمانيا (محرك النمو في أوروبا) بصورة خطرة من الركود، وكذلك يتباطأ النمو في كل من فرنسا وإيطاليا، في حين ترسم مؤشرات مديري المشتريات صورة قاتمة للقطاع الخاص في منطقة اليورو.

وقال محللون في بنك "نومورا"، من الواضح أن الاقتصاد المالي تراجع، واليوم أصبح الإقراض لكل من الأسر والشركات أضعف كثيراً مما كان عليه قبل أن يبدأ "المركزي الأوروبي" دورة المشي لمسافات طويلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدى ضعف النشاط الاقتصادي، إلى جانب الظروف المالية الأكثر صرامة، إلى تخفيف ضغوط الأسعار، وانخفض معدل التضخم في منطقة اليورو بصورة أسرع بكثير إلى 2.4 في المئة، أكثر مما كان متوقعاً في نوفمبر الماضي.

وستجد رئيسة "المركزي الأوروبي"، كرستين لاغارد، صعوبة في مقاومة بدء دورة التخفيف في أوائل العام المقبل إذا كانت كتلة العملة في حالة ركود وتضخم يقترب من هدف اثنين في المئة.

وقال محللون في "دويتشه بنك"، إنه "ستستمر اتجاهات النمو والتضخم في مفاجأة البنك المركزي الأوروبي على الجانب السلبي وفتح الباب أمام التخفيضات، ربما في أقرب وقت في مارس المقبل".

وعلى عكس بنك إنجلترا، سيصدر "المركزي الأوروبي" توقعات اقتصادية جديدة الخميس المقبل وقد تتنبأ بانخفاض النمو والتضخم عن ذي قبل.

توسع الاقتصاد الأميركي

وربما تنظر لاغارد ونظيرها محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، عبر المحيط الأطلسي بعيون حاسدة إلى الوضع الاقتصادي الذي يشرف عليه رئيس "الفيدرالي" جيروم باول.

وتوسع الاقتصاد الأميركي بأكثر من خمسة في المئة في الربع الثالث من العام الحالي، ويأتي ذلك على رغم رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى أعلى مستوى له منذ 22 عاماً عند 5.25 إلى 5.5 في المئة.

وانخفض التضخم إلى 3.2 في المئة، وتراجعت البطالة وخلقت فرصاً قوية للعمل، كل هذه مؤشرات تدل على أن أكبر اقتصاد في العالم يحقق "الهبوط الناعم" الأسطوري، إذ يرافق باول التضخم إلى هدف اثنين في المئة من دون إثارة الركود.

نحو تخفيضات أسعار الفائدة في 2024

هذه السلسلة من البيانات الحذرة في بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا، دفعت السوق إلى المضي قدماً في ما يتعلق بتوقعاتها في شأن وتيرة وتوقيت تخفيضات أسعار الفائدة.

ويعتقد التجار أن لجنة السياسة النقدية قد تخفض سعر الفائدة الأساسي في بريطانيا العام المقبل إلى 4.25 في المئة، وفي منطقة اليورو، قد تنخفض أسعار الفائدة بما يصل إلى 1.5 نقطة مئوية، وفقاً لـ"دويتشه بنك".

وعززت الأسواق رهاناتها على تخفيف "الفيدرالي" سياسته النقدية اعتباراً من مارس 2024.

هذا التحول نحو خفض أسعار الفائدة لا يتوافق تماماً مع التعليقات الصادرة عن المسؤولين فعلياً عن وضع السياسة النقدية.

وقال بيلي، الذي لم يعقد مؤتمراً صحافياً الخميس الماضي لتشكيل توقعات السوق، مراراً وتكراراً إن البنك لا يناقش تخفيضات أسعار الفائدة، كما فعلت ميغان جرين، وهاسكل، وكاثرين مان، أعضاء لجنة السياسة النقدية.

بينما يعتقد كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأميركي هيو بيل، أن تخفيضات أسعار الفائدة في الصيف المقبل لم تكن "غير معقولة".

وقالت إيزابيل شنابل، واحدة من الصقور البارزين في "المركزي الأوروبي"، إن "الانخفاض الملحوظ في التضخم الأوروبي ينفي الحاجة إلى المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة".

وأشار عضو اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، كريستوفر والر، وهو أيضاً من الصقور، الشهر الماضي إلى محور نحو خفض أسعار الفائدة، وفي الوقت نفسه قال باول إنه غير متأكد مما إذا كانت أسعار الفائدة مرتفعة بما يكفي.

في تلك الأثناء تنخرط الأسواق ومحافظو البنوك المركزية في صراع حول الوقت المناسب لتحرير الاقتصادات من السياسة النقدية التقييدية، في حين أن مثل هذه الديناميكية ليست مفاجئة نظراً لأن ضغوط الأسعار قد تراجعت وأن الزيادات في أسعار الفائدة أدت إلى زيادة أخطار الركود.

لذا ستكون الجولة الأخيرة من اجتماعات البنوك المركزية في عام 2023 عرجاء، ولكن إذا كانت الأسواق على حق، فإن الاجتماعات الأولى في عام 2024 يمكن أن تبشر بعام أفضل من الأخبار المتعلقة بكلف الاقتراض.