Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إثيوبيا الحبيسة تحلم بمنفذ على البحر الأحمر

مقترح ألماني من القرن الـ 19 يعود للواجهة لكنه يتطلب موافقة جيبوتي وإريتريا

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يحلم بمنفذ بحري لبلاده (أ ف ب)

ملخص

إثيوبيا تسعى إلى إيجاد موطئ قدم في الموانئ البحرية بدول المنطقة المجاورة بما يعزز البدائل المتاحة أمامها.

منذ استقلال إريتريا عام 1993، تحولت إثيوبيا إلى دولة مغلقة بعد فقد سواحل البحر الأحمر، إذ أصبح امتداد الساحل ضمن أراضي جارتها، ويضم مدينتي عصب ومصوع الساحليتين كجزء من التراب الإريتري.

وحصل الحرمان الكامل لإثيوبيا من الوصول إلى ساحل البحر الأحمر بعد حرب البلدين في 1998، والخلافات السياسية والاقتصادية التي سادت ملف الموانئ لترحل السفن الإثيوبية مولية ظهرها الأراضي الإريترية إلى ميناء جيبوتي (682 كيلومتراً) الذي ظلت تستخدمه منفذاً استراتيجياً تعتمد عليه في 95 في المئة للاستيراد والتصدير.

طفرة عمرها 6 أعوام

ما حققته إثيوبيا من إنجاز اقتصادي عبر الطفرة التي شهدتها عام 2017 لتحسب وقتها "خامس أسرع الاقتصادات نمواً في العالم"، جعلها أكثر حرصاً لتحقيق إنجاز مستمر لاقتصادها النامي والذي شهد له العالم بتحول حقيقي في ظل الاهتمام الحكومي والعلاقات الاقتصادية المتبادلة مع كثير من الدول وفي مقدمتها الصين.

وتشمل صادرات إثيوبيا إلى العالم الخارجي البن وعدداً من المنتجات الزراعية والمعادن مثل الذهب ومتحولات الصناعة من ملبوسات وغيرها، إلى جانب استيراد مختلف المعينات التنموية لاقتصاد تبلغ عائدات صادراته حالياً 3.64 مليار دولار.

ووفق حيثيات الحاجة والطموح نظرت إثيوبيا إلى أمر الميناء الخاص باعتباره ضرورة ملحة لاستيفاء التعامل الضخم مع العالم الخارجي، إلى جانب تخوفات من أي متغيرات تطرأ في عامل الزمن مما يتطلب إتاحة فرص تحرك وخيارات تجمع بين المصلحة الاستراتيجية وتقليل الأخطار.

إثارة القضية

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد سبق وتحدث قبل شهرين عن أهمية وجود ميناء خاص ببلاده حينما أعلن أمام جمع من الوزراء وقيادات حزبية رفيعة المستوى في أديس أبابا أن البحر الأحمر بالنسبة إلى أديس أبابا مسألة "حياة أو موت" وأنه حان الوقت لمناقشة الموضوع علناً من دون مواربة.

وكشف النقاب عن استعداده لإثارة مطالب إثيوبيا بالحصول على منفذ بحري سيادي على البحر الأحمر في المحافل الدولية.

ومن جهته، أشار وزير المالية الإثيوبي أحمد شيدي عبر تصريح له الأسبوع الماضي إلى أن "هناك 17 دولة أفريقية حبيسة تتمتع بضمانات استخدام الموانئ المجاورة لها عبر اتفاقات ثنائية"، موضحاً أن إثيوبيا ليست استثناء وبإمكانها الاستفادة من أكثر من ميناء مطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي، بإبرام جملة من الاتفاقات الثنائية والجماعية المرتكزة على احترام السيادة لكل دولة وتعميق المصالح المشتركة.

قضية الميناء الخاص على رغم إثارتها بشده الآونة الأخيرة إلا أنها ظلت قضية قديمة في الوعي الاستراتيجي الإثيوبي ليتوسع بها النقاش والحلول بمقترحات بعضها منطقي في إطار التعاون والتكامل الإقليمي، ومنها ما هو أقرب إلى الخيال بما تواجهه من صعوبة تنفيذ.

 لكن هناك المثل الذي يربط بين الحاجة والابتكار لتصبح الحاجة هي أم الاختراع، سواء كان اختراعا مادياً أو حفر قناة تربط صحراء عفر الإثيوبية المنخفضة بالبحر الأحمر.

خيال وتمني

برزت دراسة منخفض دنكل (عفر) في القرن الـ18، وهو المشروع الذي جاء كفكرة غارقة في التمني والبراعة الهندسية المشوبة بالخيال كما وصفت حينها.

الفكرة ترجع إلى عام 1897 مع الاقتراح الأولي الذي قدمه الألماني مستر جورجيو روتا لحفر قناة بصحراء دنكل المنخفضة التي تبلغ مساحتها نحو 300 كيلومتر مربع، توصل إلى البحر الأحمر ليتم تكوين بحيرة اصطناعية ضخمة تصل إلى آلاف الكيلومترات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن ثم يحدث تغيير تضاريسي في المنطقة يمتد به الساحل الشرقي للبحر الأحمر إلى داخل الأراضي الإثيوبية في إقليم عفر المتاخم لكل من إريتريا وجيبوتي.

ومنذ ظهورها لم تجد الدراسة تفاعلاً يبرزها إلى سطح الاهتمام لظروف عدم الاستقرار السياسي الذي ظلت تعيشه البلاد، كما لم يطرأ ظرف الميناء لاستخدامها السواحل الإريترية التي كانت ضمن الجغرافية الإثيوبية.

إحياء الدراسة

عاد إبراز الدراسة كخطة عام 2014 من قبل مهندس إثيوبي يدعى سيمو موجيس، ويشمل التصور دمج رؤى الماضي الجريئة مع التطورات الهندسية المعاصرة.

وتتلخص المبادرة التي حاول المهندس الإثيوبي تطويرها حفر قناة بطول 120 كيلومتراً تمتد إلى البحر الأحمر، تلحق بها بحيرة اصطناعية شاسعة بمساحة (2000 كيلومتر مربع) في قلب صحراء الدناكل المنخفضة، مما يؤدي إلى تغيير المشهد الطبيعي للمنطقة بصورة أساسية وتحويل منخفض الصحراء إلى مركز ساحلي صاخب للتجارة والترفيه.

حلقة وصل

يعد البحر الأحمر شرياناً حيوياً مهماً في خريطة العالم، بوصفه حلقة الوصل الجغرافية ما بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، وطريق عبور التجارة لقارات الشرق والغرب.

ووصف المتحدث الرسمي لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية طارق أبا الخيل، البحر الأحمر بأنه "حديث النشأة والتكوين مقارنة بالبحار والمحيطات الأخرى حول العالم، إذ نتج من انفصال وتباعد الصفيحة العربية من نظيرتها الأفريقية منذ ما يقارب 27 مليون عام".

وأضاف أن "ذلك أدى إلى نشاط بركاني وتحركات رأسية نشأ عنها خسف قاري لسطح منخفض التضاريس وصدوع على طول محوره وأطرافه وأخدود محوري توالت عليه عمليات الخسف، واتساع لقاع نشأ عنه حوض تجمعت به رواسب لطبقات طينية بحرية".

أما الجيولوجي عمر البشر، فقال إن "طبيعة منطقة عفر توصف كمنطقة تتميز بالنشاط البركاني التكتوني، وهي تعتبر جزءاً من الأخدود الأفريقي العظيم في شرق أفريقيا".

وتابع أن "مشروعاً كهذا تتمثل فيه تحديات متعددة وحاسمة في إدارة معدلات التبخر المرتفعة للبحيرة الاصطناعية نتيجة الحرارة العالية والحماية من التلوث المحتمل للمياه الجوفية وتخفيف الأخطار الجيولوجية الكامنة في منطقة تتميز بالنشاط البركاني".

وأشار إلى أن "هناك تحديات أخرى ربما تكون غير مرئية الآن لطبيعة المنطقة"، موضحاً أن المشروع "يحتاج إلى مراكز متخصصة تدرس بدقة التكوينات الجيولوجية للتربة، وهي مراكز موجودة، ويتطلب الأمر الخيارات العلمية المساعدة في السير بالمشروع إلى الأمام وهو يتطلب في كل مراحله المتدرجة موازنات مالية ضخمة".

مكسب كبير

أما رئيس تحرير صحيفة العلم الإثيوبية أيوب قدي، فيقول "يعتبر مشروع قناة دنكل بصحراء العفر مشروعاً غير منطقي، ولكن كل ما نشاهده في عالم اليوم بدأ من الخيال إلى الحقيقة على أرض الواقع".

ويردف أن "هذا السيناريو مطروح منذ عام 1897 مع الاقتراح الأولي الذي قدمه جورجيو روتا لإنشاء قناة إلى بحيرة أفديرا في الإقليم العفري الإثيوبي، وإذا سلمنا بالأمر في حفر القناة وإنشاء البحيرة الاصطناعية التي قدرت مساحتها بـ2000 كيلومتر مربع سيمثل ذلك مكسباً كبيراً من الناحية الاقتصادية وحصولها على منفذ بحري ومنطقة سياحية في الوقت نفسه، بالتأكيد أن المشروع مكلف جداً ولم تقدر له موازنة كونه في حيز الفكرة".

وقال "ثانياً يحتاج المشروع إلى موافقة واتفاقات ثنائية مع كل من جيبوتي وإريتريا لأن القناة لكي تصل إلى البحر الأحمر لا بد من أن تمر بالسيادة الدولية لكل من البلدين، وثالثاً يحتاج قطعاً إلى جهات ممولة بعد إجازته العلمية في الواقع".

وأوضح أنه "إذا وجد المشروع تأييداً من جهات ممولة فسيعتبر مشروعاً تكاملياً بين إثيوبيا واريتريا وجيبوتي وهذا هو المطلوب، بخاصة أن أديس أبابا ظلت تقود مبادرات تكامل إقليمي في القرن الأفريقي من أجل تحقيق هدفين أساسيين، هما تعزيز ربط البنية التحتية بينها ودول المنطقة، كما هي الحال في مشروع لابسيت الذي يربط بين كينيا (ميناء لامو) وإثيوبيا وجنوب السودان، إضافة إلى إمكان توافر بدائل استراتيجية عدة في ما يتعلق بالموانئ البحرية، مما قد يسهم في تعزيز التكامل الإقليمي في القرن الأفريقي".

وقال قدي "ليس هذا فحسب، بل تسعى إثيوبيا بصورة حثيثة إلى إيجاد موطئ قدم في كل الموانئ البحرية بدول المنطقة، بما يعزز البدائل المتاحة أمامها وتأمين ممرات استراتيجية في المنطقة تهدف إلى تدفق تجارتها الخارجية والتحول إلى مركز اقتصادي إقليمي".

وأشار إلى أنه "وضمن هذه الأهداف المشروعة سبق لإثيوبيا أن أبرمت اتفاقاً مع كينيا في مايو (أيار) 2018 يهدف إلى تسهيل حصول أديس أبابا على أراضي في جزيرة لامو كجزء من مشروع لابسيت الذي يربط إثيوبيا مع كينيا وجنوب السودان".

وأضاف أن "الاتفاقات الثنائية القائمة على المصالح المتبادلة معروفة بين الدول الجارة والصديقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر في 1992 وقع رئيس بوليفيا خايمي باس سامورا ورئيس البيرو ألبيرتو فوغيموري اتفاقاً يمنح بوليفيا منفذاً على المحيط الهادئ عبر ميناء إيلو".

وأوضح أنه "آنذاك قال الرئيس البوليفي إنه عندما نطالب بالبحر لبلادنا فإننا لا نفكر فقط بإعادة رسم الخرائط القديمة والحصول على ميناء بحري ضروري لتنمية البلد، وإنما أيضاً من أجل أن تلتئم الجراح التاريخية بين البلدين، فنحن شعبان شقيقان ويجب أن نتصرف على هذا الأساس".

المزيد من تقارير