Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

باز لورمان يروي ذكرياته الشائكة في مهرجان البحر الأحمر

جينا ديفيس أخذت بيدي و"كان" اكتشفني وأفلامي أصنعها للمستقبل

 باز لورمان يتحدث في مهرجان البحر الأحمر (خدمة المهرجان)

قدم المخرج الأسترالي القدير باز لورمان الذي يترأس لجنة تحكيم مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي (جدة) هذا العام حواراً مفتوحاً مع جمهور هذه التظاهرة. طوال أكثر من ساعة تناول صاحب أعمال ميوزيكالية شهيرة مثل "روميو + جولييت" (1996) و"مولان روج" (2001) سيرته السينمائية التي انطلقت قبل 30 عاماً، متطرقاً إليها بكثير من التفاصيل. روى لورمان للإعلامية ريا أبي راشد التي أدارت الحوار أنه نشأ في قرية أسترالية صغيرة جداً، فيها خمسة بيوت فقط، اثنان منها مهجوران. شدد غير مرة على أنها كانت "أصغر قرية في العالم". أما والداه فكانا يتوليان إدارة صالة سينما، ومن هنا بدأ شغفه بالفن السابع ينمو ويتبلور، فما غادره البتة. يتذكر "كنا نمتلك محطة وقود ومزرعة، لكن والدي أدار لفترة صالة سينما بسبب ظرف معين، وكان مهووساً باستضافة فنانين ليعيشوا معنا. أي فنان كان يمكنه أن يأتي ويعلم ويبقى معنا. حارب في فيتنام وهناك تعلم التصوير الفوتوغرافي، وبسبب التصوير تعرف إلى أمي. كان هاجسه أن يعلمني كيف أستخدم الكاميرا وذلك منذ عمر مبكر جداً. استخدمت الـ(بوليكس) الخاصة به وصورت الأفلام. أمضيت طفولتي كلها وأنا أسرد القصص وأصور الأفلام، وكانت لي أيضاً إذاعة في محطة الوقود. في السينما في تلك الأيام كنا نشاهد فيلمين واحداً تلو الآخر، وذات يوم اكتشفت (لورنس العرب)، شاهدته وأعتقد أنك لن تتغلب أبداً على سحر الضوء الخافت والصورة. لن نتغلب عليه أبداً".

يبدو أن السبب الذي جعله يجمع أفلامه الثلاثة الأولى تحت مسمى "ثلاثية الستارة الحمراء" هو أن السينمات في بلاده أستراليا التي هي جزء من دول الكومنولث، فيها ستارة حمراء تفتح قبيل عرض الفيلم، وكان هناك دائماً شريط دعائي عن ملكة إنجلترا ويجب على الجميع الوقوف وغناء "حفظ الله الملكة" وفقط بعدها تنطلق العروض. عن رغبته في الخروج من واقعه الضيق واكتشاف العالم الواسع، قال لورمان إن هناك أشخاصاً يولدون وفي داخلهم بالفطرة ذلك الحس الذي يجعلهم يرغبون في معرفة أماكن أخرى وبعيدة. الأمر أشبه بأن تسمع أصواتاً ولكن لا تعرف مصدرها. في المقابل هناك أشخاص لا يرغبون أبداً في مغادرة المكان الذي ولدوا فيه. 

تغيير الإسم

عاش لورمان في طفولته وقائع أرغمته على تغيير اسمه. استطرد في الحديث عن هذا الحدث تأكيداً لأهميته، فهو الذي كان يدعى في الأصل مارك غير اسمه إلى باز، نتيجة تعرضه للتنمر من رفاقه في إحدى المدارس الكاثوليكية المحافظة التي ارتادها، وذلك بسبب شعره القصير في زمن (الستينيات والسبعينيات) الذي كان دارجاً فيه الشعر الطويل. "رفاقي كانوا يسخرون مني لهذا السبب. سموني على اسم إحدى الشخصيات التلفزيونية التي تدعى بازيل براش، وهي عبارة عن دمية يد على شكل ثعلب. انتقاماً، لجأت وأنا في الـ19 إلى السلطات المتخصصة لتغيير اسمي إلى باز. فأصبح علامتي التجارية، كي لا أدع أحداً يسرقه مني". 

في تلك الفترة، أسس لورمان فرقته المسرحية. ويروي أن توجهه إلى مجال الفن جعل أمه يخيب ظنها به. كانت تعتقد بأنه يرتاد المدرسة. "لن أروي كيف قبضت عليَّ ذات مرة لأن هذه قصة مرعبة، لكني كنت محظوظاً. خلال دراستي تعرفت إلى مدرسة التمثيل. أجريت اختبار دخول وكان الدور دور قواد، ولكن بعد فترة وصلتني رسالة رفض، مع أنني كنت أخبرت أمي بأنني أريد أن أمثل وأروي القصص، هذا قضى على كل خططي. ثم فجأة، لا أعرف كيف، رن الهاتف، وكان الأمر أشبه بمعجزة، أخبرني المتحدث أنه نتيجة للاختبار الذي كنت أجريته تم اختياري كي ألعب إلى جانب جينا دايفيس في فيلم سينمائي. قبضت 2000 دولار مقابل كل أسبوع عمل. استخدمت هذا المال لتأسيس فرقتي المسرحية". 

سألته أبي راشد إذا كان هذا كله في النهاية ترك انطباعاً جيداً على أمه، فكان رده "تعرفون الأمهات. هن معقدات، أليس كذلك؟ لا يفعلن سوى الانتقاد. أمي امرأة مثيرة للاهتمام. بعد تمثيلي في الفيلم تركت منزل الأهل. سكنت لفترة مع جينا دايفيس، وكانت لطيفة جداً معي. أسدت لي نصائح في غاية الأهمية وقالت ألا أكتفي بالعمل المسرحي، بل عليَّ أن أجد عملاً حقيقياً كي أفهم ماذا يعني ذلك. سمعت كلامها وعملت في مكتبة وصرت أبيع أيضاً بنطلونات الجينز، إلا أنني كنت فاشلاً في هذا المجال. كان الزبون يسألني: كيف تجد الجينز على جسمي؟ فأقول له الحقيقة بلا تردد. طردت من العمل بعد فترة قصيرة".  

أنجز لورمان ستة أفلام روائية طويلة في 30 عاماً، لكن ماذا عن بداياته وماذا عن النجاح الساحق الذي حققه فيلمه الثاني "روميو + جولييت" وهل كان يتوقع أن يتحول إلى ظاهرة كونية بعد عرضه في مهرجان "كان" ونيله جوائز وتحقيقه إيرادات عالية في شباك التذاكر؟ وهل كان مستعداً لكل هذا؟ يتذكر قائلاً "فيلمي الأول (صالة حفلات فقط) كان مفاجأة لأنه اختير لعرضه في مهرجان (كان). مهرجان (كان) هو الذي اكتشفني. أنجزت (صالة حفلات فقط) قبل 35 عاماً ويومها صالة واحدة فقط وافقت على عرضه. واحدة لا أكثر. حتى صاحب تلك الصالة عندما شاهد الفيلم خرج منه وقال إن هذا أسوأ فيلم شاهده في حياته، وادعى أنني دمرت مسيرة الممثلين الذين شاركوا فيه. اعتقدت أن حياتي السينمائية قد انتهت ولن تكون لي قيامة بعد ذلك وسأعمل في المسرح لبقية حياتي. فجأة تلقيت اتصالاً من بيار ريسيان من قسم (أسبوعا المخرجين) واقترح عليَّ عرضاً للفيلم في الـ12 ظهراً. وهكذا كان. أما (روميو + جولييت) فتلك حكاية مختلفة. بعد فيلمي الأول أبرمت عقداً مع شركة (فوكس). كانت الشركة تريد (صالة حفلات فقط) في جزء ثان، انطلاقاً من مبدأ (هل يمكنك إنجاز فيلم آخر عن الرقص؟). رفضت قائلاً إنني أريد فيلماً شكسبيرياً. أجريت كثيراً من الأبحاث عن شكسبير وأدركت أن كل الأفلام المقتبسة من أعماله لم تحقق الأرباح، ثم أقمت ورشة عمل كبيرة كي أقنعهم. وبدأت أفكر بممثل يلعب دو روميو. رأيت صورة هذا الشاب في إحدى المجلات واعتقدت أنه عارض أزياء بسبب مظهره الرومنطيقي. علمت أن اسمه ليوناردو دي كابريو. لم يكن قد أنجز (تايتانيك) بعد. سافرت فوراً إلى لوس أنجليس والتقيت والديه واقترحت عليهما أن يأتي ليوناردو إلى أستراليا للمشاركة في ورشة عمل خاصة بالفيلم، وإذا نال إعجابه سنمضي بالمشروع. أما إذا كنت أتوقع هذا النجاح، منذ ثاني فيلم لي، فأنا بصراحة لا أفكر بهذه الطريقة. أصنع الأفلام للمستقبل، هناك فيلم وثائقي عن تأثير (روميو + جولييت) في الثقافة الشعبية. لا يزال الفيلم مهماً إلى اليوم، بعد مرور 30 عاماً. باختصار، تربع الفيلم على عرش شباك التذاكر، وأتذكر أن خلال عرض تمهيدي، عندما خرج ليو من السيارة، كانت المراهقات يصرخن عند رؤيتهن له، وكأنه أحد أعضاء فرقة البيتلز".

بعد 17 عاماً عاد لورمان وتعاون مع ليوناردو دي كابريو في فيلم "غاتسبي العظيم". ماذا يقول عن تلك التجربة وعن تجربة العمل مع نجم مثله؟ "إني مقرب جداً من ليوناردو وعائلته. هناك علاقة أخوة تجمعني به وأهله. بعض الذين تعمل معهم تبقى علاقتك بهم مهنية وبعضهم الآخر تقترب منهم أكثر بكثير. لذا عندما اجتمعنا مجدداً كان كبر وكبرت أنا أيضاً. الفرق مع الماضي أن مساهمته باتت أكبر في صناعة الفيلم، لكونه شارك في تطوير الفكرة. وعلى رغم الصداقة فإنه قادر على وضعك في وضع حرج. وما أعنيه بذلك هو أنه لا يتغاضى عن أي تفصيل، بل يتحدى المفاهيم ليفهم كيفية مقاربتنا المشروع. مذ عرفته عندما كان في الـ19، بدا مهووساً بأمرين: التمثيل وقضية البيئة. بعضهم يعتقد أن التزامه قضية البيئة حديث، وهذا ليس صحيحاً".    

تسأله ريا أبي راشد إذا كانت مجرد مصادفة أن الفيلمين مع دي كابريو اقتباسان، فالأول أفلمة لمسرحية شكسبير والثاني نقلة سينمائية لرواية فيتزجيرالد، فيرد معلقاً "سؤال جيد. عندما كنت في المدرسة اكتشفت ذات يوم عبر الراهبة التي تدرسنا مسرحية (تاجر البندقية)، وعبر ما قالته: (هذا تأليف أهم كتابنا وليم شكسبير). تصفحتها ولم أفقه منها شيئاً"… ثم راح لورمان يروي بالتفاصيل المملة كيف أنه شاهد مسرحية شكسبير "كما تشاء" وكانت تحوي رقصاً، على رغم أنها لشكسبير، فاستوحى منها "روميو + جولييت" لاحقاً عندما أراد إنجازه. يقول "عندما اكتشفت شكسبير مع (كما تشاء) فهمت يومها كل كلمة قيلت على الخشبة. إذاً هذه هي رحلتي مع شكسبير. أما بالنسبة إلى (غاتسبي العظيم) فأنا لم أفهم شيئاً من الكتاب عندما طالعته في المدرسة، لكني أحببت الفيلم الذي اقتبسه المخرج جاك كلايتون من الكتاب. كيف خطرت لي الفكرة؟ بعد (مولان روج) أجريت رحلة بالقطار من بيجينغ إلى موسكو. سألت نفسي ذات مرة خلال الرحلة (يا إلهي ماذا أفعل هنا؟). كان في حوزتي كتاب صوتي لـ(غاتسبي)، فاستمعت إليه طوال الليل. ثم قلت لنفسي إنه مادة عظيمة لفيلم. إذاً الأمر ليس مصادفة، بل هما في الأصل قصتان عظيمتان وددت نقلهما إلى الشاشة".

خلال الحوار كان لا بد من الحديث عن أشهر أفلامه "مولان روج" الذي كرسه سينمائياً بارعاً. حبه للميوزيكال نما عنده في الطفولة. يتذكر "عندما كان الجميع يشاهد أفلام الموجة الفرنسية الجديدة كنا نشاهد في البيت الميوزيكالات على تلفازنا الرديء بالأسود والأبيض. عندما انطلقت في الإخراج آمنت أنني أستطيع إنجاز ميوزيكال لهذا الزمان وهذا المكان. اقتصرت مهمتي على أن أجد أي نوع ميوزيكال يليق بالزمن الذي نحن فيه، لأن كل زمن له ميوزيكاله. في السبعينيات كانوا واقعيين جداً في التعامل معه، على غرار (حمى ليلة السبت)، ثم إنني بعد (روميو + جولييت) صرت أحظى بحرية إبداعية لدرجة كان بإمكاني أن أفعل ما أريد وبالنحو الذي أريده. لن أكشف اسمه، لكن صاحب استوديو كبير قال لي إن الميوزيكال لن يعود إلى شعبيته السابقة، مشيراً إلى أنني أضيع وقتي. وفي الحقيقة، كثر راهنوا على فشل (مولان روج) في حين لم يكن لديَّ أي شك في أنه سينجح، لكنني كنت أعلم أنه يحتاج إلى كثير من الجهد، وكان واحداً من أصعب أفلامي. تصوير (روميو + جولييت) جاء مبهجاً، التقطنا المشاهد في المكسيك. عشنا حكايات رومانسية مجنونة. أما (مولان روج) فجرى التصوير داخل مسرح في سيدني، ولم نر النور لأيام. تمرنَّا لأشهر وتقنياً كان تحدياً كبيراً".   

عن الموسيقى بوصفها سردية سينمائية، وبكونها ليست فقط موسيقى تصويرية بل هي نمط في نقل الحكاية، قال لورمان "أعشق الموسيقى، وأتولى تأليف كثير منها. أرى الموسيقى عندما أكتب السيناريو، أبلور السيناريو البصري بالتوازي مع اللغة الموسيقية، ثم أجمع كليهما في سيناريو واحد لأني أعتبر الموسيقى ذات شرعية بدرجة شرعية المواد السردية والكلام المنطوق. للسينما قدرة على ذلك، إذ تستخدم كل الأشكال الفنية لقول حكاية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحدث لورمان أيضاً عن "أستراليا"، فيلمه ما قبل الأخير الذي اعتبرته ريا أبي راشد مظلوماً، فقال "كان شيئاً عظيماً أن أنجز هذا الفيلم، لكن في الولايات المتحدة لم يستقبل بحفاوة، خلافاً لأوروبا (فرنسا وإسبانيا) حيث حقق أعلى الإيرادات من بين كل أفلامي. عندما تفشى الوباء توقفت الحياة كلها، وكنت بدأت أصور (إلفيس) الذي توقف بدوره، فتساءلت ماذا سأفعل الآن؟ ثم تذكرت أنه كان لي عدد ساعات كثيرة من المواد المصورة خلال التقاط مشاهد (أستراليا)، فكثيراً ما طمحت إلى أن أصنع ملحمة، لكني اضطررت وقتها إلى أن أختصر الفيلم تحت الضغط، لكن منصات العرض التدفقي غيرت هذا كله، وهي باتت تتيح عرض مثل هذا العمل في ست حلقات، وما أنجزته انطلاقاً من المواد هو ما كنت أطمح إليه منذ البداية، هذا الفيلم وددته على نسق الميلودرامات القديمة، قصة رومانسية على خلفية مساحات شاسعة، تروى من وجهة نظر طفل من السكان الأصليين وقضيتهم التي كانت جرحاً كبيراً في تاريخ أمتنا".

ختاماً، تطرق لورمان إلى فيلمه الأحدث "إلفيس" عن حياة المغني الشهير الملقب بـ"ملك الروك"، مشروع استغرق تطويره فقط خمس سنوات، "السبب الذي جعل إنجاز الفيلم يستغرق كل هذا الوقت هو الأبحاث، لكن الفيلم ليس عن إلفيس. أفلام السيرة أراها على هذا النحو: أنت تأخذ سيرة أحدهم وتتكلم من خلاله عن فكرة أشمل. والفكرة هنا أن إلفيس كان سابقة في تاريخ أميركا. لم يكن هناك مفهوم المراهقة من قبله. اخترعه إلفيس ومدير أعماله الكولونيل توم باركر. والمقصود بالمراهقين شريحة من الناس الذين أصبح لديهم فجأة مال لشراء أسطوانات. فجأة أصبحوا مادة لـ(بزنس). فجأة، بعد الخمسينيات أصبح لدى هؤلاء إذاعات وكان في وسعهم شراء الموسيقى، وباتوا يمثلون شيئاً ما في نظر المجتمع. والكولونيل أدرك ذلك. ما صورته هو حكاية ترينا كيفية اقترابنا من الشمس ثم السقوط المدوي. الفيلم عن النجاح والمهادنة. عندما نحول بشراً إلى مثل عليا لملايين الناس، هذا يقضي عليهم، لأننا نريدهم دائماً أكثر من مجرد بشر، نريدهم أبديين، نريدهم نموذجيين، لكنهم بشر مثلنا وهذا يقضي عليهم".   

 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما