قالت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا إن "تحويل تريليونات الدولارات التي يدعم بها العالم إنتاج الوقود الأحفوري كل عام، إضافة إلى ووضع سعر ضمني على انبعاثات الكربون من شأنه أن يولد مبالغ هائلة من الأموال اللازمة لمعالجة أزمة المناخ.
وأضافت غورغييفا أنه "من الممكن تحقيق النتيجة نفسها بجعل الأنشطة عالية الكربون تعكس كلفتها الحقيقية التي يتحملها المجتمع بالتنظيم، وكذلك مع خفض إعانات الدعم الرديئة التي تشجع استخدام الوقود الأحفوري".
إلى ذلك، أحجمت الحكومات عن تسعير الكربون بصورة صريحة بسبب عدم وجود شعبية لضرائب الكربون الجديدة المحتملة والتي أصبحت أهدافاً مفضلة للساسة والأحزاب المناهضة للمناخ في جميع أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وأستراليا إلى أوروبا والمملكة المتحدة.
وفي تلك الأثناء، شهد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتغير المناخي "كوب-28" في الأسبوع الأول من انعقاده في مدينة دبي الإماراتية مطالب متزايدة من بعض دول العالم بضرورة التخلص الكامل أو حتى التدرجي من الوقود الأحفوري، إذ تقول الدول الجزرية الصغيرة بخاصة إن الأمر يتعلق ببقائها، إذ يهدد ارتفاع منسوب مياه البحار المرتبط بتغير المناخ بجرفها في حين جعلت بعض الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا التخلص التدرجي من الوقود الأحفوري هو هدفها الأسمى في هذا المؤتمر، فيما تعارض دول أخرى هذا الخفض التدرجي كون اقتصاداتها تعتمد بصورة حيوية على العوائد النفطية.
ووفقاً لقواعد الأمم المتحدة فإن أي اتفاق من محادثات المناخ يتطلب موافقة بالإجماع، ويمكن لأية دولة بمفردها أن تعترض على الصفقة وتفشلها، وفي حال اتفقت الدول في دبي على التخلص الكامل أو التدرجي من الوقود الأحفوري، فسيكون ذلك حدثاً تاريخياً، بخاصة أن اتفاقات المناخ السابقة التي أبرمتها الأمم المتحدة تجنبت حتى تضمين عبارة "الوقود الأحفوري"، وكانت أقرب الدول إلى الاتفاق في غلاسكو عام 2021، عندما حاول المفاوضون إدراج "التخلص التدرجي" من الفحم، وهو الوقود الأحفوري الأكثر قذارة، في الاتفاق النهائي، لكن الصين والهند اعترضتا، واستقر البيان الختامي في نهاية المطاف على مصطلح "الخفض التدرجي" للمحطات التي تعمل بالفحم والتي لا تملك التكنولوجيا اللازمة لالتقاط انبعاثاتها، ولكن على رغم ذلك لم يتم تحديد جدول زمني.
تعهدات الدول الغنية
وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ في دبي تعهدت دول غنية بتقديم ما يزيد قليلاً على 700 مليون دولار حتى الآن لصندوق "الخسائر والأضرار"، أي ما يعادل أقل من 0.2 في المئة من الخسائر الاقتصادية وغير الاقتصادية التي لا يمكن إصلاحها والتي تكبدتها البلدان النامية من ظاهرة الاحتباس الحراري كل عام.
وفي خطوة تاريخية تمت الموافقة على صندوق الخسائر والأضرار خلال الجلسة العامة الافتتاحية لليوم الأول لمؤتمر "كوب-28" مما يعد انتصاراً للبلدان النامية.
400 مليار دولار خسائر سنوية
ولكن حتى الآن توصف هذه التعهدات بأنها أقل كثيراً من المطلوب، إذ قدرت إحدى المنظمات غير الحكومية الخسائر والأضرار في البلدان النامية بما يتجاوز 400 مليار دولار سنوياً، وهي في ارتفاع مستمر، بينما تراوحت تقديرات الكلفة السنوية للأضرار بين 100 مليار دولار و580 مليار دولار.
وكانت الإمارات، الدولة المضيفة للحدث المناخي، أول من تعهد بـ100 مليون دولار للصندوق الذي كان قد تأسس في إعلان "كوب-27" في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مصر، قبل أن يفعل في "كوب-28" بدبي.
إلى ذلك، تعهدت ألمانيا بـ100 مليون دولار أخرى، ثم تجاوزت إيطاليا وفرنسا هذا الرقم قليلاً بعدما وعدت كلا منهما بمبلغ 108 ملايين دولار، في حين عرضت اليابان ثالث أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة والصين 10 ملايين دولار.
أما الولايات المتحدة التي تعد تاريخياً أسوأ مصدر لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وأكبر منتج للنفط والغاز هذا العام فتعهدت بمبلغ خجول لا يزيد على 17.5 مليون دولار وحسب.
وحتى المبعوث الخاص للرئيس جو بايدن لشؤون تغير المناخ جون كيري على رغم إعلانه تأييد بلاده التحول التدرجي من الاعتماد على الوقود الأحفوري، إلا أنه لم يحدد جدولاً زمنياً لإنهاء استخدام الوقود الأحفوري، قائلاً "علينا أن نتبنى ما يطلب منا علمياً والرؤية العلمية واضحة، إذ إن العلم يظهر أنه سيتعين على الدول خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 43 في المئة في الأقل مقارنة بمستويات عام 2019 بحلول نهاية العقد إذا كنا نأمل في التوقف عن إضافة صافي الانبعاثات إلى الغلاف الجوي بحلول عام 2050".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار كيري إلى أن التخلص من استخدام الفحم والغاز والنفط ضروري إلى حد كبير للحد من ارتفاع متوسط درجات حرارة الكوكب بنسبة لا تتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة، في حين يعتبر كثير من العلماء أن هذا الإجراء ضروري لمنع الآثار الكارثية لتغير المناخ، إذ ارتفعت درجة حرارة الأرض بالفعل بمقدار 1.2 درجة مئوية.
من جانبه قال رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية في شبكة العمل المناخي الدولية هارغيت سينغ، وهو تحالف يضم 200 مجموعة مناخية، إلى صحيفة "غارديان" إن "التعهدات الأولية البالغة 700 مليون دولار تتضاءل مقارنة بالحاجة الهائلة للتمويل والتي تقدر بمئات المليارات سنوياً"، مضيفاً أن "التأخير الذي دام أكثر من 30 عاماً في إنشاء هذا الصندوق إلى جانب المساهمات الهزيلة من الدول الغنية، وبخاصة الولايات المتحدة أكبر ملوث تاريخي، يشير إلى استمرار اللامبالاة تجاه محنة العالم النامي".
وتشمل التعهدات الأخرى الدنمارك بمبلغ 50 مليون دولار، وإيرلندا والاتحاد الأوروبي بمبلغ 27 مليون دولار، والنرويج بمبلغ 25 مليون دولار، وكندا بأقل من 12 مليون دولار، وسلوفينيا بمبلغ 1.5 مليون دولار.
ووفقاً لخبراء العدالة المناخية يجب أن تكون أموال الخسائر والأضرار جديدة وإضافية، وتأتي في صورة منح وليس قروض، ومع ذلك في معظم الحالات لا تزال طبيعة وتوقيت الأموال المتعهد بها غير واضحة، إذ إن عدداً قليلاً من البلدان نشر مزيداً من التفاصيل، في حين يشير الناشطون إلى أن تعهد بريطانيا البالغ 60 مليون جنيه استرليني (75 مليون دولار) ليس جديداً ولا إضافياً، وقد تم أخذه من تعهد تمويل المناخ الحالي والذي تم خفض تصنيفه أخيراً.
وكان الاتفاق مجرد خطوة أولى في إنشاء ترتيبات تمويل الخسائر والأضرار، ويتم الآن مناقشة التفاصيل ضمن مفاوضات التقييم العالمي والتي ستلعب دوراً رئيساً في كيفية أو حتى ما إذا كان العالم يستطيع الحفاظ على الأمل في الحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى 1.5 درجة مئوية.